الزائر السري لمراقبة جودة الخدمات الحكومية: تجربة من السعودية

4 دقيقة
shutterstock.com/chaylek
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في قاعة انتظار إحدى الهيئات الحكومية، وفي حين يتابع الزوّار الأرقام المتغيرة على الشاشات الرقمية التي تُنذر بحلول دورهم لإنجاز معاملاتهم، قد ترى شخصاً لا يبدو عليه أي استعجال، وعيناه تراقبان بهدوء أداء الموظفين وتحركاتهم. إنه الزائر السرّي الذي أتى بمهمة خاصة لتقييم سير الإجراءات وخلو المعاملة من أي مشكلة أو خلل.

حلول زائر خاص من هذا النوع من شأنه أن يدفع الهيئات والمؤسسات إلى ضبط الخدمات وتحسينها باستمرار، فمن الطبيعي أن يتطور تعامل البشر مع أبجديات ضبط الأعمال، وتجويدها، لكن النجاح والتفوق مرتبطان دائماً بالقدرة على رسم هذه التطورات على شكل منهجيات ذات معالم واضحة، قابلة للتعلم، ومناسبة للتطبيق.

عند النظر إلى العملية الإدارية بشكلها العام، تجد أن منطقة القرار مكان للتمايز والتنافس من حيث جودة القرار وتوقيته، ووفقاً لتعريف جامعة ستانفورد فإن “الحكم على القرار بأنه جيد يتم من خلال جودة عمليات صنع القرار وليس من خلال جودة النتائج (المخرجات)”.

تستمد العملية الإدارية -العالية الكفاءة- قوتها من جودة البيانات، التي تتطلب استناد المؤسسة إلى منهجيات تُمكنها من الحصول على المعلومة طوال فترة تقديمها للخدمة، ومن أبجديات صناعة القرار الكفء، تصميم عمليات إدارية تسمح بوصول معلومة مكتملة بوقت جيد.

التسوق السري أسلوب قديم يتجدد

في أربعينيات القرن الماضي، اعتمدت شركة ولمارك (wilmark) على مفتشين متخصصين لتقييم أداء متاجر التجزئة ومراقبة سلوك الموظفين، وفي السبعينيات زاد الاعتماد على التسويق السري في القطاعات التجارية الخدمية، وبالأخص البنوك العالية الودائع التي تحتاج إلى ضمان تجربة مستخدم إيجابية تشجع على جذب مزيد من التعاملات.

وفي سياق أحدث، كان التسوق السري أحد الأسباب التي جعلت من دبي نموذجاً يمكن الاقتداء به، إذ روى وزير شؤون مجلس الوزراء في دولة الإمارات، محمد القرقاوي، قصة المتسوق السري، الذي يرسله نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لاستقطاب المواهب والقيادات وضمّهم إلى دائرة متخذي القرارات الاستراتيجية ومُنفّذي المشاريع الكبرى. عندما كان القرقاوي يشغل منصب مدير إدارة الترخيص في دائرة التنمية الاقتصادية في دبي، ساعد أحد المراجعين من كبار السن على إنجاز معاملته، ليتبين فيما بعد أنه أحد الزوار السريين الذين يرسلهم الشيخ محمد بن راشد لرصد أداء الموظفين وأسلوب تعاملهم مع المراجعين، وعليه أمر الشيخ محمد بن راشد بترقية القرقاوي إلى نائب مدير الدائرة، وتوالت بعد ذلك الترقيات والمهام الموكلة إليه.

معلومات العملاء: حماية للمؤسسة ودعم للمنتج

أظهرت نتائج تقرير صادر عن شركة أكسنتشر للاستشارات الإدارية والخدمات المهنية، أن ضعف خدمة العملاء أدى إلى خسارة الشركات الأميركية 1.6 تريليون دولار، إذ أبدى نحو 52% من العملاء استعداداً لتغيير العلامات التجارية بعد حصولهم على خدمة عملاء سيئة، ما جعل سوء الخدمة مصدر قلق لكثير من الشركات.

ولمواجهة هذا التحدي، وبهدف دعم صناع القرار، أسس جيف هال شركة سيكند تو نان (Second to None) وأطلق برنامج التسوق الخفي عام 1989 ليضم أكثر من 400 ألف متسوق خفي على امتداد الولايات المتحدة وكندا، وتوسعت هذه التجربة وانتقلت إلى عدة مجالات أخرى مثل الصحة وتجارة التجزئة والخدمات المالية وحتى المطاعم، لتصل قيمة التسوق الخفي الآن إلى 1.5 مليار دولار.

تأثير التسوق الخفي على تقديم الرعاية الصحية

أجرت مجلة هيلث إيكومنكس (Health Economics) دراسة حول تأثير الإعلان عن استخدام تجربة التسوق الخفي في سلوك الأطباء فيما يتعلق بوصف الأدوية العلاجية للمرضى، واختار الباحثون في هذه الدراسة، الذين ينتمون إلى جامعات ومراكز بحثية من النرويج والصين، عدداً من العيادات الطبية سواء الخاصة أو العمومية في مدينة جينان في الصين، وفي المرحلة الأولى من الدراسة، أُرسل إلى العيادات عدد من المتسوقين السريين وادعوا أنهم يعانون أعراض نزلات البرد مثل ارتفاع الحرارة والسعال وغيرها، دون أن يعلم الطبيب أن المريض ليس إلا زائراً سرياً، ومتسوقاً خفياً، وحفظ أولئك المتسوقون أنواع الأدوية التي وصفها لهم الأطباء والشركات المصنعة وأسعارها، في المرحلة الثانية أشيع خبر -بقصد- من القائمين على الدراسة، مفاده بأن هناك متسوقين سريين سيقومون بجولات لتقييم عمل العيادات، قبل أن يُعاد إرسال المتسوقين إلى العيادات.

وأظهرت نتائج المقارنة بين الأدوية التي وصفت خلال الزيارتين، أن الأطباء أبدوا حرصاً أكبر من حيث الدقة في وصف الأدوية، كما لُوحظ امتناع بعض الأطباء عن وصف الأدوية غير الضرورية التي لا يحتاج إليها المريض، وذلك لمجرد توقعهم أن يكون أحد المرضى هو الزائر السري، والمقيّم للخدمة.

وأشارت الدراسة أيضاً إلى وصف عدد من الأطباء للمضادات الحيوية على نحو مبالغ فيه في الزيارة الأولى. في المقابل، أبدى بعض الأطباء حرصاً أكبر على وصف هذا النوع من الأدوية في أثناء الزيارة الثانية.

الصحة السعودية وتجربة الزائر السري

يعد ضبط جودة منتجات يستهلكها الناس يومياً وعلى مدار الساعة تحدياً كبيراً، والرعاية الصحية من المنتجات البالغة التعقيد، من حيث الإتاحة أولاً، وضبط الجودة ثانياً، واستمرار مستوى الخدمة ثالثاً، لهذا تحتاج إلى سياسات تجعل الخدمة على رادار المراقبة باستمرار، وتضمن التحديث المستمر لها.

وهذا ما عملت عليه السعودية ليكون أسلوباً عبر برنامج الزائر السري، لرصد خدمة الرعاية الصحية باستمرار بعين المستفيد منها، حيث ينظم البرنامج زيارات يقوم بها أشخاص مؤهلون للمنشآت الصحية التابعة لوزارة الصحة لتقييم مستوى الخدمات، وتحديد فرص للتحسين والتطوير.

تشمل زيارات الزائر السري عدداً من الخدمات، بدءاً من حصول المريض على الموعد، وحتى تسلم الدواء، وفق أسلوب عمل يجعل عملية الرصد معيارية، ومحددة. وتصل زيارات الزائر السري شهرياً إلى 4,000 زيارة، يقف فيها على أكثر من 19 خدمة، ونطاق تقاطع بين الخدمة والمستفيدين.

يتطلب هذا العمل كوادر بمواصفات ومعايير تجعل منها زائراً يتمتع بالكفاءة، كدرجة علمية تخصصية صحية، والاستعداد للسفر، والتأكد من معرفته بالنظام الصحي، وخلو تاريخه الوظيفي من العقوبات النظامية، وفي هذا بُعد مهم، لأن تقييم الخدمة من قبل متخصصين يزيد من موضوعية المعلومات والبيانات المرصودة.

وقد أثمر هذا العمل ارتفاعاً في معدل الرضا للمستفيد من الخدمة، إذ ارتفع المعدل من 66% عام 2018 إلى 76.69% عام 2020.

وتهدف الصحة السعودية من هذا الإجراء إلى التأكد أولاً من سهولة الحصول على الخدمة، ثم ضمان كفاءتها، والتأكد بصورة دورية من العمل وفق البروتوكول الصحي، الذي يساعد في التقليل من المخاطر الصحية.

يبقى التحدي في الحفاظ على الخط الفاصل بين أسلوب “الزائر السري”، واستمرار شعور الموظف بالثقة، ويمكن مواجهة هذا التحدي بالرصد المستمر، والحفاظ على سرية الزيارة لحمايتها من أي انحرافات لا تخدم الهدف الذي نُظمت من أجله.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .