هل يختلف الرجال عن النساء في نهج كلٍّ منهما تجاه الحوكمة الأخلاقية للشركات؟

4 دقائق
الحوكمة الأخلاقية للشركات
shutterstock.com/Radachynskyi Serhii

تزايدت في السنوات الأخيرة الأصوات التي تنادي برفع نسبة تمثيل المرأة بين قادة الشركات، وهي الدعوة التي لاقت ترحيباً كبيراً من جانب كريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي التي سلطت الضوء على مزايا تعزيز التنوع بين الجنسين، ومن أهمها جعل عملية صناعة القرار أكثر تعقلاً وأقل تهوراً، وقالت مقولتها المشهورة: "لو كان اسم البنك ليمان سيسترز (شقيقات ليمان) بدلاً من ليمان براذرز (أشقاء ليمان)"، لكان من الممكن تجنب الأزمة المالية العالمية في عام 2008، كما ترى أن رفع نسبة تمثيل المرأة في مجالس الإدارات يتلازم مع انخفاض معدل السلوك غير الأخلاقي في الشركات، علاوة على زيادة فرص الشركات في الانضمام إلى قائمة "الشركات الأكثر أخلاقية في العالم". فماذا عن الحوكمة الأخلاقية للشركات تحديداً؟

اقرأ أيضاً: هل ثقافة الحوكمة فطريّة أم مكتسبة.. مؤشرات للدول العربية

قد يكون امتلاك المرأة لمعيار أخلاقي أعلى من الرجل للحكم على السلوك غير الأخلاقي هو الآلية المستخدمة لتحقيق مثل هذا التحسن بين الشركات التي ترتفع بها نسبة تمثيل المرأة في مجالس إداراتها، فقد خلصت الأبحاث التي أجريت عن الفوارق بين الجنسين فيما يخص الأحكام الأخلاقية في ظل مجموعة متنوعة من البيئات العملية والتجريبية إلى مثل هذا الاستنتاج، وإذا كان هذا هو الحال، فمن المتوقع إذن أن تكون عضوات مجلس الإدارة السيدات حول العالم أقل تساهلاً مع تجاوزات المسؤولين التنفيذيين في الشركات، وبهذه الطريقة فإن تمثيلهن بنسبة أكبر يضمن وجود معيار أعلى للسلوك الأخلاقي بين موظفي الشركات.

الحوكمة الأخلاقية للشركات

عندما يقترف أحد الموظفين سلوكاً مشيناً، يكون قسم الموارد البشرية هو المنوط باتخاذ الإجراءات التأديبية، ولكن عندما يقترف أحد كبار المدراء التنفيذيين، كالرئيس التنفيذي مثلاً، سلوكاً مشيناً، يُدعى مجلس الإدارة إلى الانعقاد لاتخاذ القرار المناسب بشأنه، ومن ثم إذا كانت هناك فوارق بين الجنسين فيما يخص كيفية الحكم على السلوك غير الأخلاقي، فقد يؤثر تشكيل المجلس في الطريقة التي يتعامل بها مع واقعة السلوك غير الأخلاقي الذي اقترفه الرئيس التنفيذي.

عندما يسوء سلوك الرؤساء التنفيذيين

في سلسلة من الدراسات الحديثة، طلبنا من أكثر من ألف مواطن أميركي الحكم على العديد من حالات السلوك السيئ التي اقترفها رؤساء تنفيذيون خياليون، وكانت سيناريوهاتنا المتخيلة تستند إلى مزاعم فعلية أثيرت مؤخراً في التغطيات الإخبارية حول العالم، فعلى سبيل المثال وصف أحد السيناريوهات رئيساً تنفيذياً اكتُشف أنه يكذب بشأن حصوله على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، وفي سيناريو آخر طُلب من المشاركين الحكم على سلوك رئيس تنفيذي أساء استخدام حساب مصروفات الشركة، وفي سيناريو آخر وجَّه الرئيس التنفيذي إلى اثنين من موظفيه إساءات وتهديدات لفظية، وجاء كل سيناريو في نسختين: الأولى يخطط فيها الرئيس التنفيذي مسبقاً لسلوكه السيئ، والثانية يكون فيها السلوك السيئ عفو الخاطر.

كما أننا لعبنا على وتر النوع الخاص ببطل الحكاية: ففي إحدى نسختي كل سيناريو كان اسم الرئيس التنفيذي ويليام، بينما كان اسمه في النسخة الثانية ماري، إذ كان هدفنا هو تحديد ما إذا كان حكم المشاركين على الرئيس التنفيذي سيختلف باختلاف نوعه من عدمه، وهو ما تحقق في واقع الأمر، على نحو ما أوضحنا في هذه المقالة.

بيد أن النتيجة الأكثر إثارة للاهتمام هي أن حكم المشاركين على الرئيس التنفيذي اختلف باختلاف نوع المشاركين أنفسهم، فعلى الرغم من عدم استغراب إجماع كل المشاركين على إلقاء اللوم على الرؤساء التنفيذيين في سلوكياتهم السيئة، فإن النساء المشاركات كنَّ أكثر صرامة.

اقرأ أيضاً: كيف تبني نظام حوكمة متكامل في مؤسستك؟

فلم يكن نوع السلوك السيئ الذي ارتكبه الرئيس التنفيذي –سواء كان الكذب، أو اختلاس الأموال، أو الإساءة اللفظية– مهماً بالنسبة لهن، ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن نوع الرئيس التنفيذي لم يكن مهماً بالنسبة لهن أيضاً، فقد كانت النساء المشاركات أكثر صرامة من الرجال في إلقاء اللوم على الرئيس التنفيذي سواء كان اسمه ماري أم ويليام.

تداعيات تمثيل النساء في مجالس الإدارات على الشركات

هل يعني اتسام حكم النساء المشاركات بدرجة أشد من إلقاء اللوم من الرجال أنهن سيكنَّ أكثر ميلاً من الرجال إلى معاقبة الرئيس التنفيذي بفصله أو إعفائه من منصبه؟ كلا، فمن المدهش أننا لم نجد فارقاً ملموساً بين قرارات كلّ من الرجال والنساء بشأن معاقبة الرئيس التنفيذي على سلوكه.

تشير النتائج إلى وجود صورة أكثر تعقيداً بشأن مدى اختلاف حوكمة النساء عن حوكمة الرجال، وهو ما يمكن تفسيره بملاحظة أن ازدياد عدد النساء في مجالس الإدارات يلازمه انخفاض في معدل اقتراف السلوكيات غير الأخلاقية، كما تشير النتائج التي توصلنا لها إلى أن تمثيل المرأة في مجالس الإدارة قد لا يؤدي في حد ذاته إلى تشديد العقوبة الموقعة على الرئيس التنفيذي الذي تصدر عنه تجاوزات، ولكن زيادة عدد النساء في مجالس الإدارة قد يؤثر في السلوك الأخلاقي للرؤساء التنفيذيين عن طريق إرساء ثقافة يتحمل من خلالها الرؤساء التنفيذيون مسؤولية تصرفاتهم، ويتأكد لهم أن أي سلوكيات مشينة قد تصدر منهم ستقابل باللوم. يمكن القول بعبارة أخرى إن تمثيل النساء في مجالس الإدارات يعمل على إرساء ثقافة يُنظر فيها إلى السلوك غير الأخلاقي نظرة أكثر سلبية بدلاً من إرساء ثقافة تدعو إلى توقيع عقوبة أقسى على مرتكب السلوك غير الأخلاقي.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر قوانين حماية المستثمرين والحوكمة في التنافس على الاستثمار

في الختام

من المهم التأكيد أن الاختلافات الإحصائية الملحوظة بين المجموعتين تشير إلى وجود اختلاف في متوسط الاتجاهات بين المجموعتين، فلا تتصرف النساء كلهن ولا الرجال كلهم على النحو المبين بالنسبة لسلوك محدد، فقد رأينا في الشهور الأخيرة أمثلة ملهمة لقيادات نسائية أظهرن مهارة استثنائية في التعامل مع أزمة جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) في بلادهن، ولا يعني ذلك أن كل امرأة منتخبة تحكم بلدها ستتصرف على هذا النحو، إلا أن هذه الأمثلة الأخيرة للقيادات النسائية –بالإضافة إلى نتائج مثل هذه الدراسة– برهنت على ضرورة عدم الخشية من المشاركة النسائية المتزايدة في أعمال القيادة العليا وأهمية عدم تجنبها، علاوة على ذلك، تقدم القيادة النسائية الملموسة للنساء المبتدئات الأصغر سناً القدوة التي يمكن أن تلهمهن للمشاركة والإسهام بجهودهن على أحسن وجه ممكن، وهذا هو بالضبط ما سنحتاج إليه من قوة العمل، حيث تحاول جميع بلدان العالم تعزيز الحوكمة الأخلاقية للشركات والخروج من مرحلة الاضطراب الاقتصادي غير المسبوق الذي نشهده في الآونة الحالية.

اقرأ أيضاً: صناعات الغانم.. تطور الحوكمة عبر 150 عاماً

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي