توجد أشكال خفية للعمليات الحسابية الرئيسة في ممارسات الإدارة والأعمال، فالجمع والطرح في الإدارة لهما استخدامات غير تلك التي نعرفها، دعونا نكشف عنها الستار ونذيعها للعلن في هذا المقال.
ما نسمع عنه الآن، كنظرية الأعداد، كان معروفاً في الزمن الماضي مثل علم الحساب، الذي تضمّن العمليات الحسابية البسيطة مثل جمع الأعداد وطرحها. ويبدو أن هذه العمليات البسيطة موغلة في القدم، فيكفي أن نشير إلى عظمة "إشانغو" الإفريقية التي تعود إلى 18 ألف سنة قبل الميلاد، والتي يعتقد بعض العلماء أنها توثق بدايات الجمع والطرح، والسلسلة تمتد لتصل إلى البابليين والفراعنة الذين عرفوا هذه العمليات الأساسية في الألف الثاني قبل الميلاد.
الأعداد وعملياتها ضرورية وأساسية في العمل الإداري، فنراها تتشبث بكل تقرير أو إحصائية، وتتزعم كل عملية إحصائية، كما أنها تحكم حركة الاقتصاد وتناقل الأموال. كل هذا نسلّم به فلا مكان للنقاش أو الاستفاضة فيه، ولكن الإثارة تزداد عندما نبدأ في الحصول على نتائج غريبة للعمليات الحسابية لا عهد لنا بها من قبل.
الجمع الإداري
في عالم الأعداد، نجمع رقمين فنحصل على رقم آخر معروف أنه حاصل جمعهما، فإن ناتج جمع 5+5=10. أما في ممارسات الإدارة، فلا نحصل على العدد 10 وإنما نحصل على أقل من ذلك.
هذا ليس تخميناً أو رأياً وإنما نتاج عدد من الدراسات والأبحاث التي أُجريت خلال أكثر من قرن من الزمن، ومن أشهرها ما يعرف بتأثير رينغلمان (Ringelmann Effect)، حيث درس المهندس ماكسيميليان (ماكس) رينغلمان العلاقة ما بين حجم فرق العمل وإنتاجيتها، واستخدم في ذلك لعبة شد الحبل وقد أثبت أن الفرق التي تتكون من عدد أكبر من الأفراد تنخفض فيها قوة الشد لكل فرد، أي أن كل شخص يشد بقوة أكبر من قوة شده عندما يعمل مع عدد أكبر من الأشخاص. فإذا قمت بالشد مع شخص آخر، فإنك تستخدم 93% من قوتك، وإذا كنتم ثلاثة أشخاص، فإن النسبة تنخفض إلى 85% من قوتك، أما إذا وصل عدد الفريق إلى 8 مثلاً، فإنك تشد بما يعادل 49% من قوتك فقط.
يعود هذا الأداء الغريب إلى عدة أسباب؛ الأول هو الحافز الذي يضعف عندما يزداد العدد، حيث يصبح الجهد الذي يقدمه الفرد غير واضح تماماً للآخرين، والسبب الثاني هو التنسيق والقدرة على تحقيق التكامل في الجهود، التي تقل كلما زاد حجم الفريق.
تمت إعادة هذه التجارب في قطاعات وتخصصات مختلفة وقد ثبتت صحتها، ما أدى إلى ظهور مفهوم مهم في علم النفس الاجتماعي والمهني يسمى "التكاسل الاجتماعي"، ويحلو للبعض أن يترجمه إلى "التسكع الاجتماعي". نستنتج من ذلك أن عملية الجمع في عمليات الحساب لا تعمل بنفس الطريقة في الإدارة، وإنما لها قوانينها الخاصة لذلك يمكننا بثقة القول إن واحداً زائد واحد في حياتك المهنية لا يساوي اثنين.
لا يجدر بنا أن نطرح الجمع الإداري دون أن نسدي نصيحة، لربما أهم نصيحة يمكن تقديمها إذا ما أردنا زيادة فعالية العمل الجماعي وتقريب نتائج الجمع الحسابي من الجمع الإداري، هي ضرورة إبراز الجهد الفردي لكل عضو من أعضاء الفريق، والتأكد من أن عمل الفرد واضح ومرئي للجميع، سيشجع هذا كل شخص على زيادة الجهد الذي يبذله ويحيّد أهم أسباب فقدان النشاط.
الطرح الإداري
إذا كان الجمع في الإدارة له قوانين وطرق احتساب مختلفة، فهل يسلك الطرح الإداري سلوكاً مشابهاً؟
يبدو ذلك، فإذا كان لدينا فريق عمل من 4 أشخاص، وأخرجنا شخصين من الفريق لأسباب معنية كضعف الأداء، أو عدم التعاون، أو السلوك السلبي، أو غيرها، فهل ستنخفض إنتاجية الفريق إلى النصف على أساس أننا قد استغنينا عن نصف الأعضاء؟ الجواب لا، لن تنقص الإنتاجية إلى النصف؛ قد تنقص قليلاً والأرجح أنها ستزيد بسبب تخلص الفريق من هؤلاء الأعضاء الذين كانوا يشكلون عبئاً ويعرقلون تقدم العمل والإنتاجية.
في هذه الحالة نجد أنفسنا أمام موقف غريب يخالف قواعد الحساب التي نعرفها وتصبح فيه نتيجة الطرح أكبر من نتيجة الجمع. وفي حالات أخرى، تستمر هذه الغرابة ونحصل على نتيجة طرح إداري أصغر من النتيجة التي نعرفها في العمليات الحسابية، ويحصل ذلك عندما نستبعد الأعضاء المؤثرين النشطين، فاستبعاد عضوين متميزين من فريق عمل رباعي يقلل من إنتاجية الفريق إلى أكثر من النصف، وذلك لأن العضوين اللذين بقيا لا يمتلكان القدرة على الحفاظ على نصف أداء الفريق السابق.
الأمر لا يقف عند فرق العمل، ولكن ينسحب أيضاً إلى الميزانيات والتكاليف، فنرى العديد من المشاريع تنجز بالكامل على الرغم من اقتطاع جزء من ميزانيتها، ومؤسسات استطاعت تحسين أدائها وتنمية أعمالها بعد إعادة الهيكلة وخفض التكاليف. لو أردنا تطبيق مبادئ الحساب هنا، يجب أن نحصل على نصف الإنتاجية عندما نخفّض ميزانية المشروع إلى النصف، ولكن خبراء إدارة المشاريع والقائمين على حوكمة المبادرات يعرفون أن الواقع غير ذلك، وأن مبادئ الحساب تختلف وتلتوي صعوداً أو نزولاً في مثل هذه حالات، كما أن العديد من الممارسات الإدارية تكرّس مفهوم الطرح الإداري كالسعي نحو الكفاءة وترشيد النفقات وغير ذلك.
من المفاتيح الذهبية للاستفادة من الطرح الإداري هو التمييز بين التكاليف الجيدة والتكاليف السيئة، فالتكاليف الجيدة هي التكاليف المرتبطة بالقدرات التي تميز المؤسسة عن غيرها من المؤسسات، وتساعد على التقرّب من العملاء وخدمتهم بشكل أفضل، والتركيز على ما يهمهم بالفعل سواء من المنتجات أو الخدمات، أما التكاليف السيئة، فهي جميع التكاليف الأخرى غير الأساسية. وتنجح المؤسسات في هذا السعي من خلال التركيز على تخفيض التكاليف بشكل استراتيجي، أي التركيز على الموارد التي تحقق أفضل عائد للمؤسسة. على سبيل المثال، يجمع بعض المدراء التنفيذيين وفق مقال منشور في "هارفارد بزنس ريفيو" العربية كل نفقات المؤسسة ويضعونها في مكان افتراضي يسمونه "مكان انتظار"، فينظرون في كل بند من البنود ويقررون ما إذا كانوا سيعيدونه أم لا. إذا طبّقت المؤسسة هذا النهج الاستراتيجي بشكل صحيح، فإنها ستحوّل الطرح فيه إلى جمع، فكلما تخلصت من التكاليف السيئة، زادت أرباحها ونمت أعمالها.
ربما يكون من الأسهل أن نأخذ القوانين والعمليات الحسابية التي تعلمناها وأن نسقطها على بيئتنا المهنية كما هي، ولكن ميدان الممارسة ينادي بغير ذلك، فهنيئاً لمن نظر فتمعّن، وطبّق فاعتبر واستخلص.