الجانب المظلم من ضبط النفس

3 دقائق
ضبط النفس

تُعد القدرة على ضبط الانفعالات قصيرة الأمد التي تتعارض مع الأهداف طويلة الأمد سمة مميزة للناجحين. وبينت الأبحاث أن الأشخاص الذين يتمتعون بقدرة كبيرة على ضبط النفس يتمتعون بصحة وعلاقات ووضع مالي وحياة مهنية أفضل، كما تقل احتمالات معاناتهم من مشاكل الشهية المفرطة والإنفاق المفرط والتدخين والإدمان على المخدرات والمماطلة والسلوك غير الأخلاقي. ويبدو أن التغلب على المغريات أمر مجزٍ بطبيعته، فالأشخاص الذين يتمتعون بقدرة عالية على ضبط النفس سعداء أكثر في حياتهم ويعدّونها ذات معنى أكبر.

ولكن هل تُعد مقاومة الرغبات مجزية دوماً؟ انطلقت مجموعة صغيرة متنامية من الأبحاث بهدف الكشف عن الجانب المظلم من ضبط النفس، الذي تترتب عليه عواقب مهمة على الحياة في المؤسسات.

يمكن أن يقيد ضبط النفس التجارب العاطفية

أحد أسباب مقاومة من يتمتعون بقدرة عالية على ضبط النفس لرغباتهم، هو أنهم لا يختبرون كثيراً من الرغبات المغرية. وقد يعني ذلك أن هؤلاء الأشخاص لا يمرون بتجارب عاطفية عنيفة، أي أنهم يستجيبون للمواقف بطريقة حيادية أكثر. على سبيل المثال، قد تمنع القدرة العالية على ضبط النفس الموظف من التمتع الكامل بالنتائج المهنية الإيجابية، كالترقيات وزيادة الراتب والإشادة بالأداء المميز.

قد يؤدي ضبط النفس إلى الندم على المدى الطويل

عندما يفكر المرء في حياته، يندم على تشدده في ضبط النفس، (مثل تفضيل العمل على المتعة)، وعدم التمتع بملذات الحياة، ولا يعيش هذا الندم إلا بعد مرور الوقت. خذ، على سبيل المثال، رئيسة تنفيذية تتمتع بنجاح كبير وتقدم العديد من التضحيات في سبيل شق طريقها إلى القمة، عندما تتقدم بالعمر وتفكر في كامل حياتها، قد تشعر بالندم لأنها لم تتمتع بكثير من الملذات.

يمكن أن يؤدي إلى حمل عبء كبير في العمل.

يعتمد الموظفون عادة على الشخص الذي يتمتع بقدرة عالية على ضبط النفس، ما يؤدي إلى شعوره بالإرهاق بسبب ثقل العبء. خذ، على سبيل المثال، موظفة تجيد ضبط نفسها، قد تحمل أعباء كبيرة بسبب مطالبة زملائها لها بإنجاز مهمات ومسؤوليات كثيرة لأنهم يعلمون أنها ستتمكن من تلبية هذه الطلبات بكفاءة.

يمكن استغلال ضبط الذات لأغراض مشينة.

يبدو أن الأشخاص الذين يتمتعون بدرجة عالية من ضبط النفس ينجحون في كل ما يفعلونه، وذلك يشمل الأفعال المعتلة اجتماعياً، وعلى الرغم من ضعف احتمالات انخراط أصحاب القدرة العالية على ضبط الذات في النشاطات غير القانونية أو المعتلة اجتماعياً (كالقيادة المتهورة أو الغش) مقارنة بمن لا يتمتعون بهذه القدرة على ضبط النفس، إذا مارسوا هذه النشاطات فعلاً، فإن احتمالات أن يفتضح أمرهم ستكون ضعيفة. على سبيل المثال، قد يكون الشخص الذي يتمتع بقدرة عالية على ضبط النفس موظفاً يحظى بتقدير كبير في مؤسسة ما، ولكنه بصورة غريبة قد يكون "الأنجح" في ممارسة السلوك غير الأخلاقي دون أن يكتشف أمره أو ينال جزاءه. أضف إلى ذلك أن الأشخاص أصحاب القدرة العالية على ضبط النفس يجيدون الامتثال للأعراف الاجتماعية، حتى عندما تقتضي هذه الأعراف اتباع سلوكيات مؤذية شخصياً (كتناول عقاقير غير قانونية من أجل تحسين الأداء).

ضبط النفس ليس مناسباً للجميع.

بالنسبة للبعض، قد يبدو ضبط النفس منفراً، فيشعرون وكأنهم مطالبون بكبت شخصياتهم الحقيقية. وهذا ينطبق مثلاً على الأشخاص الذين يعتمدون على المشاعر في قراراتهم أكثر من اعتمادهم على المنطق، ويكون هؤلاء أقل رضا عن قرارات ممارسة ضبط النفس. خذ، مثلاً، موظفة تبني قراراتها غالباً على مشاعرها، قد لا تكون دائماً راضية كثيراً عن نفسها حتى لو تمكنت من ضبط نفسها والنجاح في مهمة صعبة أدت إلى ترقيتها، لأنها قد تشعر أنها منعزلة عن نفسها بسبب صب جل تركيزها على العمل والابتعاد عن احتياجاتها ورغباتها الأخرى، مثل قضاء وقت أطول مع أصدقائها وعائلتها.

قد يؤدي ضبط النفس إلى التحيز.

عادة ما ينظر عامة الناس وواضعو السياسات إلى المشاكل الاجتماعية المعقدة (الإفراط في تناول الطعام والإفراط في الإنفاق والتدخين والإدمان على الكحول و/أو المخدرات وارتكاب الجرائم.. إلخ) على أنها مشاكل تتعلق بضبط النفس في المقام الأول. بيد أن هذا التأكيد على ضبط النفس قد يحجب الأسس الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية لهذه المشاكل. على سبيل المثال، غالباً ما يُنظر إلى البدانة على أنها مشكلة في ضبط النفس، ولكننا نعرف أن جذور هذه المشكلة تكمن أيضاً في عوامل مثل انخفاض أسعار الأطعمة المعالجة، أو حجوم الوجبات الكبيرة، أو طبيعة العمل والترفيه الساكنة المتزايدة. وهذا التركيز من جانب واحد على ضبط النفس، وهو ما يطلق عليه اسم "الانحياز المتزمت"، يعكس عقلية تحمل الشخص المسؤولية الكاملة عن الخطأ وتجاهل تأثير العوامل الاجتماعية الأشمل. ولذلك تتحول مشاكل اجتماعية كبرى إلى مجرد مشاكل في العناية الذاتية. ويمكن أن يحدث نفس النوع من التمييز في العمل عندما يلوم المدير موظفاً على عدم التزامه بموعد نهائي غير معقول.

يُعد ضبط النفس وسيلة مهمة من أجل تحقيق أهدافنا، ولكن، بدلاً من التعامل مع ضبط الذات على أنه العنصر الوحيد الذي يحدد السعادة والنجاح، يجب علينا النظر إليه من السياق الأوسع للذات على نحو شامل أكثر. وإلى جانب ممارسة ضبط الذات، من الضروري أن نتمكن من قبول نقاط ضعفنا وحدودنا، ويطلق علماء النفس على ذلك اسم "التعاطف الذاتي"، لا يؤدي التعاطف الذاتي إلى الكسل والإهمال، بل بالعكس، هو يساعد المرء على تحسين ذاته عن طريق معرفتها على نحو أفضل وتحديد أهداف واقعية أكثر. ولذلك، بدلاً من القسوة على أنفسنا وتحميلها ما يفوق طاقتها دائماً، قد يكون التعامل مع أنفسنا بلطف أحياناً وسيلة أفضل لتحقيق أهدافنا على النحو الذي يلائمنا.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي