إليك هذه القصة عن التمثيل العمالي في مجالس الإدارة تحديداً. اقترحت عضو مجلس الشيوخ الأميركي إليزابيث وارين طريقة مبتكرة لإصلاح حوكمة الشركات. وتقتضي هذه الطريقة حصول الشركات التي تتجاوز إيراداتها مليار دولار على نظام على عقود تأسيسها من الحكومة الفيدرالية (لا من ولاية واحدة)، الأمر الذي سيتطلب بدوره التزاماً تجاه مجموعة كبيرة من أصحاب المصالح، بمن فيهم المساهمين، ولكنه التزام أيضاً تجاه الموظفين والمجتمعات التي تُدار الشركات في محيطها. فضلاً عن ذلك، فالشركات المنَظمة فيدرالياً سيُطلب منها السماح لموظفيها بانتخاب 40% من أعضاء مجالس إداراتها. وهناك جوانب أخرى للمقترح، بما في ذلك هدف غايته الحد من عمليات إعادة شراء الأسهم وخيارات شراء العاملين التي ترتكز على الأسهم – يمكنك الاطلاع على المزيد من المعلومات بشأنها هنا أو هناك.
وتنص رؤية وارين على ضمان مشاركة النجاح الذي تحرزه الشركات الأميركية على نطاق أوسع، بدلاً من أن يعود النفع إلى حد كبير على المساهمين وحدهم. ولكن، هل سيكون لذلك أثر حقيقي؟
يبدو أنّ فكرة التمثيل العمالي في مجالس الإدارة في جوهرها تنص على أنّ امتلاك هيكل أكثر تعاوناً لصناعة القرار سيؤدي إلى صناعة قرار أفضل وأكثر إنصافاً. وفي هذا السياق، يتجلى مثال ألمانيا كنموذج توضيحي. خلال الأربعين عاماً الماضية، استندت حوكمة الشركات في ألمانيا على فكرة التعاون بين الإدارة والموظفين، والتي يكون فيها للموظفين رأي حقيقي في صناعة قرارات الشركة. وينتخب الموظفون بموجب ذلك نسبة كبيرة من أعضاء مجلس إدارة الشركة، ويشكلون مجالس أعمال تتألف من مجموعات من الموظفين تتمايز عن الاتحادات التجارية، ويخول لها التشاور مع الإدارة بخصوص القرارات. ويبدو أنّ نموذج التعاون بين الإدارة والموظفين الألماني يفضي حقاً إلى توزيع أكثر إنصافاً لأرباح الشركة، ولذلك يُستشهد عموماً بألمانيا باعتبارها مثالاً يُحتذى في تفسير ضرورة تبني هذا النهج في الولايات المتحدة.
ولكن، يجدر بنا أن نطيل التفكير في طريقة عمل السبب والنتيجة بالضبط في هذا السياق، قبل أن نرغم الشركات على تغيير هيكلها التنظيمي. ولعل الهياكل التآزرية كمجالس الأعمال في ألمانيا هي نتاج لقيم وأعراف ثقافية بعينها. على سبيل المثال، في الأماكن التي تتمتع بمستوى عال من الثقة بين الموظفين وأرباب الأعمال، من الأرجح أن تنشأ مثل هذه الهياكل، ومن ثم فمن الأرجح أن تُكلل بالنجاح. وإذا كان هذا هو الحال – بعد أن راقبت الشركات التي تتمتع بثقافات عادلة قوية، ورأيت أنّ ذلك ليس ببعيد عن الواقع – فإنّ إجبار الشركات على خلق تلك الهياكل دون تلك الأعراف المنصفة لن يتمخض بضرورة الحال عن النتائج المرجوة. ويمكن أن يأتي ذلك حتى بنتائج عكسية. بلغة الاقتصاد، يجوز أن تكون هياكل حوكمة الشركات "داخلية المنشأ"، ما يعني أنها مترابطة ترابطاً وثيقاً بعوامل أخرى كالثقافة مثلاً، وتعتمد عليها، لدرجة يتعذر معها تشكيل هذه السياسة بسهولة.
ومن الأهمية بمكان أيضاً فهم سبب آخر لإدراك أنّ ما يصلح في بلد ما ربما لا يفلح في بلد آخر: ألا وهو المؤسسات المختلفة. على سبيل المثال، منذ عدة سنوات، أطال ريتشارد فريمان من جامعة هارفارد وإد ليزار من جامعة ستانفورد النظر في مجالس الأعمال الألمانية. ومن بين النتائج التي خلصا إليها أنّ فعالية مجالس الأعمال ترجع نوعاً ما إلى حقيقة أنّ ألمانيا لديها هيكل مركزي لتحديد الأجور. وكما في العديد من الدول الأوروبية، تُحدد الأجور في ألمانيا في المقام الأول عبر مفاوضات على مستوى الصناعة، ما يعني أنّ مجالس الأعمال لم تكن مسؤولة بالأساس عن تحديد الأجور التي ينبغي أن يحصل عليها الموظفون. وبحسب ما كتب فريمان ولازير: "تلائم المجالس نُظم العلاقات العمالية التي تتحدد فيها الأجور والمكونات الأساسية الأخرى للتعويضات خارج المؤسسة بقدر أكبر من ملاءمتها للنظم التي تُحدد فيها الشركات الأجور، وربما يساعد ذلك على تفسير سبب انتشار مجالس الأعمال بشكل أكبر في الاقتصادات التي يجري فيها التفاوض الجماعي المركزي نسبياً".
في المقابل، تتحمل الشركات الأميركية بالفعل المسؤولية الأساسية في تحديد الأجور، ما يعني أنّ انخراط الموظفين في حوكمة الشركات من الأرجح أن يكون خلافياً بقدر أكبر بكثير.
إنّ أياً مما سبق لا يعني أنّ مقترح وارين فكرة غير سديدة. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ أنصار هذا اللون من الإصلاح بحاجة إلى الخوض فيه وأعينهم مفتوحة، وبحاجة إلى أن يتبنوا نظرة تشكيكية عندما يدرسون نماذج بلدان ذات ثقافات ومؤسسات مختلفة في سوق العمل.
ولعل الاستجابة لهذه الحجة تتمثل في أنّ الولايات المتحدة ينبغي عليها تبني مقترح وارين للتمثيل العمالي في مجالس إدارات الشركات، شريطة المزج بينه وبين مؤسسات سوق العمل المكملة على غرار قريناتها في أوروبا، وكذلك الجهود الساعية إلى تغيير الثقافة. لكن إنجاز هذه التغييرات يعد أمراً شاقاً، إن لم يكن مستحيلاً، وسوف يكون أصعب حتى في عالم تتوافر فيه الإرادة السياسية للإقدام على ذلك.
اقرأ أيضاً: