هل التكنولوجيا تساعدنا حقاً في زيادة الإنتاجية؟

4 دقائق
مساهمة التكنولوجيا في زيادة الإنتاجية ضمن الشركات

منذ عشرين عاماً مضت، ساهمت التكنولوجيا الحديثة والتقنيات المكتبية الجديدة مثل البريد الإلكتروني وعقد المؤتمرات عن بعد في زيادة كبيرة في الإنتاجية. وتسارَعَ تدفق المعلومات، فأصبح التعاون مع زملاء العمل أسهل فأسهل. ونمت الإنتاجية بشكل ملحوظ خلال التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مقارنة بالسنوات السابقة.

أما اليوم، فقد انخفض نمو الإنتاجية بشكل ملحوظ. ومنذ عام 2007 لم يواكب النمو التضخمَ.

ما الذي حدث؟ كانت الأزمة المالية بالتأكيد سبباً في حدوث ذلك، لكن هذا ليس كل شيء، حيث واصلت الشركات الاستثمار في تقنيات جديدة لمجالات العمل المكتبية (التي تخص ذوي الياقات البيضاء)، لكن الفوائد لم تعد مرئية. في الواقع، ربما نكون قد وصلنا إلى نقطة تحول، حيث يجب تقييم كل استثمار جديد في تكنولوجيا المكاتب بعناية مقابل اختبار بسيط: هل ستساعد (التكنولوجيا) الأشخاص فعلياً في زيادة الإنتاجية، أم لا؟

قانون ميتكاف

تكمن جذور هذا المعضلة في حكمة تبدو بسيطة ظاهرياً من الحِكَم التكنولوجية المعروفة باسم "قانون ميتكاف" (Metcalfe”s Law). ويعد روبرت ميتكاف عملاقاً في المجال التكنولوجي، ومخترعاً مشاركاً لشبكة "إيثرنت" (Ethernet) ومؤسِّساً لشركة "ثري كوم" (3com)، وهي شركة استحوذت عليها شركة "هيوليت-باكارد" (Hewlett-Packard) لاحقاً. افترض ميتكاف أن قيمة الشبكة تزداد مع مربع عدد مستخدميها. فجهاز فاكس واحد، على سبيل المثال، لا قيمة له، لا بل جهازَي فاكس لا يستحقان سوى القليل. لكن شبكة تضم الآلاف من أجهزة الفاكس تساوي ملايين الدولارات، لأنه جميع هؤلاء الأشخاص يمكنهم الآن إرسال المستندات إلى بعضهم البعض.

ومع ذلك، فإن "قانون ميتكاف" له جانب مظلم: فمع انخفاض تكلفة الاتصالات، يزداد عدد التعاملات بشكل كبير، كما يزداد الوقت اللازم لمعالجتها، حيث يمكن ملاحظة هذا التأثير في مكان العمل. قبل ثلاثين عاماً، عندما اتخذ المسؤولون التنفيذيون أو المدراء قراراً عبر الهاتف أثناء وجودهم في الخارج، تلقوا إشعارات إقالتهم من العمل من سكرتيراتهم وقالوا إن شخصاً ما هو من أصدر القرارات. قد يتلقى مسؤول تنفيذي نشيط ما يصل إلى 20 رسالة في المتوسط في اليوم، أو حوالي 5,000 رسالة في السنة. بعد ذلك، جاء البريد الصوتي للمستخدم الفرد، يليه البريد الصوتي متعدد الأفراد (وهو إصدار ما قبل البريد الإلكتروني الذي يتميز بخاصية "الرد على الكل")؛ وبالتالي، تراجع تكلفة ترك رسالة، وارتفع عدد الرسائل المتبقية وفقاً لذلك، ربما يصل العدد إلى 10,000 رسالة سنوياً. ثم، أخيراً، ظهرت مستويات إدارية للشبكات اليوم - مثل الهاتف، والبريد الإلكتروني، والمراسلات الفورية وما إلى ذلك- حيث تصل تكلفة التواصل مع شخص واحد أو مئات الشخاص إلى لا شيء تقريباً. إذاً، ليس من المستغرب أن يزداد عدد الرسائل، وربما يصل إلى 50,000 رسالة في السنة (الشكل 1).

ينطبق المبدأ نفسه على الاجتماعات. من المعتاد أن يكون عقد اجتماع مع خمسة مدراء صعباً، حيث كان على مساعد منظم الاجتماع الاتصال بالمساعدين التابعين للمشاركين الآخرين. وقام مساعدو المشاركين بفحص جداول مواعيد رؤسائهم -التي لم يكن معظمها محفوظاً إلكترونياً- ثم وافقوا على زمان ومكان عقد الاجتماع. كل هذا أخذ الكثير من الوقت والجهد. مع توفر مقدمة برنامج "مايكروسوفت آوتلوك" (Microsoft Outlook) وبرامج التقويم الأخرى، انخفضت تكلفة الإعداد لأي اجتماع. ونتيجة لذلك، زاد عدد الاجتماعات وتضاعف عدد الحضور لكل اجتماع. يُستهلك حوالي 15% من الوقت الجماعي للمؤسسة في الاجتماعات -وهي نسبة تزداد كل عام منذ عام 2008.

درسنا -زملائي في شركة "بَين" (Bain) وأنا- هذه التأثيرات باستخدام أدوات تحليل بيانات الأشخاص واستخراج البيانات. فجمعنا المعلومات عبر البريد الإلكتروني والرسائل الفورية والتقويم والبيانات الأخرى لفهم كيف تقضي المؤسسات وقتها الجماعي. بعد ذلك دمجنا هذه البيانات مع معلومات عن عدد الموظَفين ومردود الإنتاجية لفهم تأثير التكنولوجيا في مجال العمل. وهذا ما تبين لنا:

يعمل المشرف على الخطوط الأمامية أو مدير المستوى المتوسط 47 ساعة في الأسبوع. يخصّص هو أو هي من هذا الوقت 21 ساعة للاجتماعات التي تضم أكثر من أربعة أشخاص و11 ساعة أخرى لمعالجة الاتصالات الإلكترونية. (وهذه الإحصائية لا تشمل عدد رسائل البريد الإلكتروني المرسلة أثناء الاجتماعات، وهي ممارسة شائعة في العديد من الشركات.) وبالتالي يتبقى للمدير أقل من 15 ساعة في الأسبوع للقيام بأعمال أخرى.

وهذا ليس كل شيء. إذا خَصمتَ فترات زمنية تقل عن 20 دقيقة بين الاجتماعات أو معالجة رسائل البريد الإلكتروني كـ "وقت غير مثمر" -من الصعب أن تبدأ معظم المهام وتستكملها في أقل من 20 دقيقة- فإنك أمام حقيقة محزنة: يتبقى لدى المدير العادي أقل من 6 ساعات ونصف الساعة في الأسبوع من الوقت دون أي انقطاع لإنجاز العمل.

وفي الوقت نفسه، زاد عدد التعاملات المطلوب إنجازها. حيث وجدت دراسة أجرتها شركة "سي إي بي" (CEB) أن 60% من الموظفين يجب عليهم التشاور مع 10 زملاء على الأقل يومياً فقط لإنجاز وظائفهم، بينما يجب على 30% منهم أن يتعاطوا مع 20 زميلاً أو أكثر. والنتيجة؟ تأخذ الشركات المزيد من الوقت لإنجاز تعاملاتها. فعلى سبيل المثال، يأخذ إكمال مشاريع تكنولوجيا المعلومات المعقدة 30% وقتاً أطول، و50% وقتاً أطول لتوظيف أشخاص جدد، وحوالي 25% وقتاً أطول للتوقيع على عقود عملاء جدد. وهذا فقط في السنوات الخمس الماضية.

"اقتراح لوديت" (Luddite”s Proposal)

خشيَ أعضاء مؤسسة لوديت الأصليون، وهم عمال النسيج الإنجليز في القرن التاسع عشر الذين كانوا يحتجون على الآلات الموفرِة لليد العاملة، أن تأخذ التكنولوجيا الجديدة وظائفهم. أما اليوم، فبعض التقنيات المكتبية لها تأثير معاكس: فهي تشجع العمال على التصرف بطرق مضيّعة للوقت وغير مثمرة، مثل تحديد مواعيد الاجتماعات غير الضرورية.

في عملنا مع العملاء، نوصي المؤسسات بالنظر في عاملين لتقييم الاستثمارات التكنولوجية:

1. ما هو تأثير التكنولوجيا الجديدة على الوقت المؤسسي؟ هل ستمكن هذه التقنية الأشخاص من إنجاز المزيد من العمل في وقت أقل، أم أنها تجعل العمل والتعاون أسهل فحسب؟ حيث يجب النظر إلى الاستثمارات التي تقلل من تكلفة التعاملات، ولكنها لا توفر الوقت بحد ذاتها، بعين الريبة. فالجانب المظلم من "قانون ميتكاف" سيعمل على تدمير كل الفوائد التي قد تعد بها التكنولوجيا الجديدة، ما لم تكن المؤسسة منضبطة إلى حد كبير في إدارتها للوقت.

2. هل هناك قواعد أفضل يمكنها أن تلغي الحاجة إلى مزيد من الاستثمار في التكنولوجيا الجديدة؟ اليوم، تُعد العديد من الاستثمارات في التكنولوجيا الجديدة بمثابة حلول أساسية للسلوكيات السيئة أو الإجراءات الهزيلة لمشاركة المعلومات. أما إذا كانت المعلومات المالية والتشغيلية للعملاء متاحة بسهولة للجميع. على سبيل المثال، فإن الحاجة إلى التعهيد الجماعي أو التوفيق بين مجموعات البيانات ستقل بشكل كبير. إذاً، يجب على القادة تقييم ما إذا كان يجب عليهم قبول سلوك سيئ كما هو وارد، والاستثمار في تكنولوجيا جديدة للتعامل معه، أو بدلاً من ذلك تغيير السلوك المختل.

يمكن أن يكون للتكنولوجيا فوائد هائلة في زيادة الإنتاجية ضمن مكان العمل. ولكن من العدل أن نسأل ما إذا كنا قد وصلنا إلى نقطة الغلة المتناقصة في بعض المجالات. أعتقد أننا وصلنا إلى هذه النقطة، واعتبرني "أحد أعضاء مؤسسة لوديت". وإذا فكر القادة في العواقب غير المقصودة للتكنولوجيا الجديدة على التعاون وإنتاجية القوة العاملة، فقد يرفضون العديد من الاستثمارات الجديدة في هذا المجال.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي