يمكن أن يكون لديك أشخاص أكثر من رائعين يعملون ضمن الفرق الصحيحة، ومع ذلك لا تحصل على النتائج المالية التي تطمح إليها. لماذا يحدث هذا؟ ربما السبب هو أن البنية القائمة في مؤسستك تضع العوائق التي تؤثر سلباً على أداء القوى العاملة.
أحد العوامل الأساسية الذي يُلقى اللوم عليه هنا، هو أن تكون نسبة العاملين في الخطوط الأمامية إلى الداعمين في الخطوط الخلفية خارجة عن السيطرة. ونحن هنا نستعير تشبيهاً مما يحصل في الجيوش العسكرية. ففي ساحات الحرب، يقاتل بعض الجنود على الخطوط الأمامية. في حين يحافظ آخرون على خطوط الإمداد، ويتعاملون مع الشؤون اللوجستية لتأمين الدعم للقوات المرابطة على الجبهة. يعلم القادة العسكريون أنهم لا يستطيعون السماح لنسبة المقاتلين إلى من يدعمونهم في خطوط الإمداد بأن تصل إلى مستويات منخفضة جداً، وإلا سينتهي بهم المطاف بقوة عسكريّة تكلّف كثيراً وتكون غير قادرة على الظفر بالمعركة.
الأمر ذاته ينطبق على الشركة. فأنت لديك مجموعة من الموظفين يعملون على الخطوط الأمامية ويصنعون المنتجات التي تبيعها أو يتعاملون مباشرة مع الزبائن: مثل مطوري البرمجيات ومندوبي المبيعات وموظفي مراكز الاتصال وخدمة الزبائن، وغيرهم. كما أن لديك موظفين داعمين، وهذا يشمل من يعملون في التسويق والمالية والموارد البشرية وغير ذلك من الوظائف. وعندما تصبح نسبة العاملين في الخطوط الأمامية إلى الداعمين منخفضة جداً، فإن هؤلاء الموجودين في الخطوط الأمامية يجدون أنه عليهم إرسال كل طلب أو فكرة لإدخال تحسينات مقدّمة من الزبائن عبر القنوات البيروقراطية ومن ثم الانتظار لبضعة أيام أو حتى أسابيع لتلقي الإجابة. هذا الأمر لا يؤدي إلى فترات تأخر طويلة بالنسبة للزبائن فحسب، وإنما يجعل الموظفين العاملين على الخطوط الأمامية يشعرون بفقدان الصلاحيات وضعف المعنويات. فكيف يكون بوسعهم خدمة الزبائن عندما يكون كاهلهم مثقلاً بالكثير من الأعباء البيروقراطية؟
إلى جانب ذلك، ثمة أمر آخر يلقى اللوم عليه: ألا وهو وجود العديد من الطبقات الإشرافية. فالمشرفون غير الضروريين يخلقون العمل ولا يزيدون الكفاءة، ما يخفّض من إنتاجية المؤسسة. وغالباً ما تقلل الشركات من شأن التكلفة الغالية التي تتكبّدها نتيجة تشغيل هؤلاء المشرفين. وكنت أنا وأحد زملائي قد أجرينا قبل فترة غير بعيدة دراسة حول تكلفة إضافة مدير أو شخص تنفيذي في الشركة، ووجدنا أن للأمر تبعات إضافية دائماً. فعندما توظف مديراً، فإنه عادة يولّد من الأعمال ما يكفي ليشغل شخصاً آخر أيضاً. ويعتبر كبار المدراء التنفيذيين، ولا سيما كبار نواب الرئيس والنواب التنفيذيين للرئيس من ذوي التكلفة الأعلى. فهؤلاء الأشخاص يحتاجون عادة إلى الدعم من سلسلة طويلة من المساعدين ومدراء الموظفين. ويخلق موظفو الدعم بدورهم الكثير من العمل للآخرين أيضاً. ويمكن قياس العبء الإضافي على النحو التالي ففي مقابل كل مدير تنفيذي توظفه أنت بحاجة إلى ما يكافئ 4.2 من الموظفين المتفرّغين، بمن فيهم المدير التنفيذي ذاته.
وقد وجدنا أن هناك 3 خطوات مفيدة لتحرير الموظفين من المستنقع المؤسسي:
- تعامل مع نسبة العاملين في الخطوط الأمامية إلى الداعمين في الخطوط الخلفية بطريقة مناسبة: بطبيعة الحال، تتباين النسب الملائمة من قطاع إلى آخر. ولكن بوسع أي شركة أن تقيس أداءها مقابل مستويات قياسية معينة وإدخال التعديلات الضرورية. فإذا كنت قادراً على تطبيق عمليات قياسية للتعامل مع الاستفسارات والأفكار الواردة من موظفي الخطوط الأمامية، فإن ذلك سيساعدهم في اتخاذ القرارات الجيدة وتنفيذها بوتيرة أسرع. فقد تكتشف أن كل موظفي الدعم هؤلاء غير ضروريين – وبأنك قادر على زيادة فعالية موظفي الخطوط الأمامية مع عدد أقل من موظفي الخطوط الخلفية.
- خفّض عدد الطبقات الإشرافية في مؤسستك: حاول أن تقارن متوسط عدد المرؤوسين مقابل كل مدير لديك، والمقاييس المعيارية السائدة في القطاع الذي تعمل فيه، وحاول تعديل الهيكلية الموجودة لديك بناء على ذلك. لكن تذكر، أن الوظائف المختلفة تتطلب مستويات مختلفة من الضبط. فالمحامون في القسم القانوني لديك على الأغلب يقومون بأعمال شديدة التخصص وتحتاج إلى إشراف وثيق، ما يستدعي وجود نطاق أضيق من السيطرة. أما عمال التنظيفات الذين ينظفون المنشأة، فإنهم قادرون على العمل تحت إشراف أقل. لذلك فإن إزالة المشرفين بصورة انتقائية من مختلف طبقات الإدارة في المؤسسة يمكن أن يخفّف من عبء العمل والتكاليف في جميع أرجاء مؤسستك.
- خفّض عدد المساعدين الشخصيين للمدراء التنفيذيين: لن يكون من المفيد كثيراً تخفيض عدد المشرفين غير الضروريين إذا كان من يتبقّى من الموظفين يتمتّعون بذات القدر من التكلفة وانعدام الفعالية. ففي بعض الشركات، من الشائع لدى كبار نواب الرئيس ألا يقتصر الأمر على مساعد شخصي واحد، وإنما يكون هناك جيش من المساعدين يترأسهم كبير المساعدين. وهذا الجيش من الموظفين يولّد قدراً من العمل يكافئ ما يولّده المدراء التنفيذيون أنفسهم – ومرة أخرى، فإن هذا يعني المزيد من التبعات. وبالتالي، فإن الحد من عدد هؤلاء الموظفين المساعدين أو تسريحهم بالكامل يخفّض من حجم العمل والتكلفة.
وفي الآونة الأخيرة، بدأت بعض الشركات بالتصدّي لهذه القيود والحواجز المؤسسية القائمة. فإحدى شركات البرمجيات الكبيرة التي عملنا معها مؤخراً معها استبعدت أكثر من 40% من المشرفين لديها، كي تضمن ألا يخضع الناس الذين يقومون عملياً بتطوير المنتجات إلى أعباء كبيرة نتيجة لإشراف المدراء والوظائف المناطة بهم. وعندما أصبح آلان مولالي الرئيس التنفيذي لشركة "فورد"، فإن أول ما فعله كان إلغاء منصب كبير الموظفين المساعدين للرئيس التنفيذي. وبالنسبة لمولالي كانت رسالته مزدوجة: فهو لن يعمل دون وجود كبير الموظفين المساعدين للرئيس التنفيذي فحسب، وإنما كان سيعمل دون موظفين مساعدين. لقد تبع قراره هذا تحرّكات مشابهة في مواقع أخرى ضمن المؤسسة؛ فلماذا يكون لدى نائب رئيس تنفيذي كبير موظفين مساعدين إذا كان الرئيس التنفيذي بحد ذاته ليس لديه هكذا موظف؟
ومن المرجح أن أصحاب الأداء الرفيع يرغبون في توظيف طاقاتهم الكامنة في خدمة المؤسسة. فلا تدعوا العوائق المؤسسية تقف حجر عثرة في طريقهم.