ملخص: يتعين على قادة الشركات باستمرار التفكير على نحو استراتيجية، ومثلما تمنعك العقبات التنظيمية من ترجمة نواياك الاستراتيجية إلى إجراءات، يمكن أن تمنعك قيودك وممارساتك الشخصية عن ذلك أيضاً. لكن بإمكانك تجنب هذا، فحتى عندما تبدو الظروف صعبة، فإن الخيارات المتاحة لك أكثر مما تدرك. قد تبدو القرارات الصغيرة التي تتخذها بشأن ما ستركز عليه جهودك وما ستفعله طوال اليوم غير مهمة، لكن أثرها يتراكم بمرور الوقت. وبإتقان اتخاذ هذه القرارات، ستتغلب على العقبات وتطبّق استراتيجيتك بوضوح أكبر وعزيمة أقوى، وتنجح في نهاية المطاف. في هذا المقال، يعرض المؤلف 6 طرق لدمج الاستراتيجية في ممارساتك اليومية.
التفكير الاستراتيجي هو القدرة على اتخاذ مجموعة مترابطة من القرارات لتحقيق طموح أو هدف ما، وهو مهارة لا غنى عنها لقادة الأعمال، لكن ممارستها قد تكون صعبة، كما أن تصميم الاستراتيجيات وتنفيذها مسألة معقدة، ونحن نعزو ذلك أحياناً إلى العقبات التنظيمية؛ على سبيل المثال، تؤدي الإدارة التفصيلية إلى إخماد الحماس تجاه تجربة فكرة جديدة، ويمكن للحوافز أن تشجعنا على التمسك بالوضع الراهن، ويصعّب ضعف التواصل تحديد ما نوجه إليه تركيزنا.
لكن عقلياتنا وسلوكياتنا غالباً ما تكون العائق الأكبر. فعلى سبيل المثال، يعوق الاحتراق الوظيفي قدرتنا على اتخاذ القرارات، ويحد القلق من أفقنا، ويمكن أن يؤدي الإرهاق إلى صعوبة تحديد نقطة البداية، ويحفزنا ضعف ثقتنا بأنفسنا على التركيز على الأهداف القصيرة المدى. نتيجة لذلك، نترك الأمور تسير بطريقة تلقائية ونلجأ إلى عادات تساعدنا في التركيز على ما نعرفه. وللأسف، لا يتماشى هذا النهج غالباً مع المتطلبات الاستراتيجية أو تطلعاتنا الشخصية. فلا عجب أننا نشعر بالإحباط بسبب عدم إحراز تقدم نحو أهدافنا.
لكن بإمكانك تجنب هذا، فحتى عندما تبدو لك الظروف صعبة (خاصة في أكثر المؤسسات بيروقراطية)، فالخيارات المتاحة لك أكثر مما تدرك. قد تبدو القرارات الصغيرة التي تتخذها بشأن ما ستركز عليه جهودك وما ستفعله طوال اليوم غير مهمة، لكن أثرها يتراكم بمرور الوقت. وبإتقان اتخاذ هذه القرارات، ستتغلب على العقبات وتطبّق استراتيجيتك بوضوح أكبر وعزيمة أقوى، وتنجح في نهاية المطاف. إليك 6 طرق لدمج التفكير الاستراتيجي في ممارساتك اليومية:
حدّد الإجراءات المهمة
يحمل كل يوم فرصاً لزيادة الاهتمام بالأحداث أو المواقف أو الأنشطة التي تسهم إسهاماً إيجابياً في تنفيذ الاستراتيجية.
لنأخذ على سبيل المثال رئيسة تنفيذية تعاونت معها اسمها ربا، شعرت بفقدان السيطرة على وقتها. قالت لي: "أنا غارقة في الطلبات والاجتماعات لدرجة أنني بالكاد أجد وقتاً للتركيز على الأمور المهمة". كما كان أداؤها دون مستوى توقعات فريقها وأصحاب المصلحة الخارجيين.
سألتها عما تود التركيز عليه، فذكرت دون تردد كبار عملائها ومجلس الإدارة والمبادرات ذات الأولوية (بدءاً من المشاريع الجديدة وصولاً إلى الثقافة المؤسسية)، فضلاً عن حاجتها إلى وقت للتأمل والتفكير، فطلبت منها أن تضع خطة العمل المثالية لأسبوع، مع مراعاة تفضيلاتها ومسؤولياتها. وفي غضون أيام قليلة، ازدادت قدرتها على التركيز على ما يهمها، وفوضت المزيد من المهام للآخرين، وقللت الوقت الذي تقضيه في الاجتماعات غير الضرورية. والأهم من ذلك، شعرت بأنها أصبحت أكثر حسماً وإنتاجية.
لتحقيق ذلك، اكتب أولاً استراتيجية فريقك، بما فيها مساهمته في تنفيذ استراتيجية المؤسسة. بعد ذلك، حدد إطاراً زمنياً للتركيز عليها؛ الأسبوع المقبل على سبيل المثال. ثم ضع قائمة بالإجراءات الأكثر فعالية التي يمكنك اتخاذها (أو تشجيع الآخرين على اتخاذها) في المواقف المهمة لتعزيز فرص نجاح استراتيجيتك. عند وضع جدول أعمالك المثالي، خصص وقتاً للتركيز على هذه الإجراءات المؤثرة الآتية:
- اتخاذ القرارات الحاسمة، مثل تحديد مجالات التركيز، واستراتيجيات النجاح، وتوزيع الموارد، وتحفيز الموظفين.
- تحديد الإشارات الواردة من العملاء والموظفين وتحليلها، ثم اتخاذ قرار بشأن الاستجابة المناسبة لها.
- إقناع الزملاء بتبنّي طرق جديدة للتفكير والعمل؛ على سبيل المثال، توقع احتياجات العملاء المستقبلية.
- معالجة السلوكيات الإشكالية التي تعوق التقدم، مثل التنمر أو الثقة المفرطة، ومكافأة السلوكيات المثالية.
كما يجب أن تخصص وقتاً للتواصل مع الموظفين وأصحاب المصلحة، وكذلك للمهام الإدارية التي لا يمكنك التخلي عنها، مثل الموافقة على الطلبات وحضور الاجتماعات. أضف وقتاً احتياطياً للطوارئ، وكلما أمكنك ارفض أي طلب يمكن أن يشكّل مصدر إلهاء غير مفيد.
ركّز على المشكلة الأهم
في كل حالة من هذه الحالات، ركز على المشكلة الأهم التي تتطلب حلاً، ثم فكر في كيفية حل هذه المشكلة بطرق تعزز القدرة على تحقيق الأهداف الاستراتيجية المرجوة.
يتبع علاء، وهو رئيس تنفيذي، نهجاً مميزاً في التعامل مع مرؤوسيه المباشرين أو فريقه التنفيذي، حيث يبدأ كل اجتماع بطرح 3 أسئلة محددة:
- ما هي أهم فرصة أمامنا علينا معالجتها؟ (لاحظ أنه ينظر إلى المشاكل على أنها فرص).
- ما مدى أهمية هذه الفرصة؟ بعبارة أخرى، كيف ستساعدنا معالجة هذه الفرصة في تحقيق استراتيجيتنا؟
- ما هي الإجراءات التي يجب أن نتخذها لمعالجتها؟
لقد أصبحت هذه الممارسة متأصلة في الشركة لدرجة أن أفراد فريق علاء أصبحوا مستعدين للإجابة عن هذه الأسئلة قبل أن يطرحها. تسهّل بساطة الأسئلة واتساق طريقة طرحها على الجميع المساهمة والمشاركة في حل المشاكل.
استكشف الخيارات المتاحة أمامك
في أي موقف معين؛ مهمة أو محادثة أو رسالة إلكترونية أو اجتماع، لديك خيارات أكثر مما تعتقد فيما يتعلق بما يمكنك فعله وطريقة التصرف والمشاركة، ويمكن أن تساعد كلها على تحقيق الاستراتيجية. تتعلق هذه الاختيارية بما يلي:
- الدور: ما الذي يتطلبه الموقف والمشكلة منك إلى جانب دورك الرسمي؛ مثلاً، تقديم فكرة أو التفكير بطريقة مختلفة أو تقديم رؤية أو الاستفادة من خبرتك؟ على سبيل المثال، بينما تقود خطة النمو بصفتك الرئيس التنفيذي للتسويق والمبيعات، قد تحتاج إلى تبنّي عقلية المخاطرة عند النظر في فرصة عمل جديدة.
- التفرّد: ما الذي يمكنك تقديمه في هذا الموقف ولا يستطيع الآخرون تقديمه؟
- الأثر: كيف تريد أن يؤثر تدخلك في تفكير الآخرين أو مشاعرهم أو عملهم؟ ما هو الانطباع الذي تريد أن تتركه من خلال ملابسك وسلوكك وحضورك وكلامك؟
- التعلّم: ما الذي تريد أن تتعلمه أكثر، سواء فيما يتعلق بالموضوع أو الموقف أو الأشخاص المعنيين؟ ما الذي يجب أن تنتبه إليه في أثناء التفاعل؟
لنأخذ على سبيل المثال الرئيس التنفيذي للشؤون المالية عدنان، الذي كان عليه إعداد تقرير وعرضه على الرئيس التنفيذي لمراجعته قبل رفعه رسمياً إلى مجلس الإدارة، ومن أجل إظهار تفكيره الاستراتيجي وإبداعه حيث كان يطمح إلى أن يكون خليفة الرئيس التنفيذي، اختار نهجاً مختلفاً لإعداد التقرير، فبدلاً من كتابة وثيقة طويلة بالطريقة المعتادة سجّل مقطع فيديو قصيراً تحدث فيه عن النقاط الرئيسية، وأعدَّ إلى جانبه عرضاً مرئياً شرح فيه المشروع الجديد ووثيقة مكتوبة موجزة من 5 صفحات حددت الفوائد والبنية التنظيمية والإجراءات المطلوبة. أثار ذلك نقاشاً بنّاءً وحصل المشروع على الموافقة وتلقى عدنان ملاحظات إيجابية جداً.
أتقن المهارات الضرورية
في كل موقف، فكر فيما تحتاج إلى إتقانه لتقديم المساهمة الأعلى قيمة، قد يتمثل في تبنّي طريقة تفكير جديدة أو مهارة ترغب في إبرازها، مثل إلقاء العروض التقديمية أو صنع القرارات أو التفاوض. احرص على تبني عقلية إيجابية والمثابرة، وركز على التحسينات المحددة التي يمكنك إجراؤها، بما في ذلك:
- استخلاص الدروس من المساعي السابقة.
- طلب النصيحة ممن يعرفونك جيداً حول ما يجب تحسينه.
- مراقبة الأشخاص الذين يعملون بمستوى أعلى من الكفاءة، والأفضل العمل معهم.
خذ مثلاً سلوى، رئيسة وحدة عمل كبيرة تولت مسؤولية المزيد من الأنشطة المتعلقة بالعملاء بعد إعادة هيكلة الشركة، كانت أولويتها الاستفسار من أفضل 10 عملاء عما يجدون فيه قيمة كبيرة لدى فريقها وما يرون أنه يفتقر إليه. لم يكن ذلك نهجاً مبتكراً، ولكن تركيزها على إتقان 3 مهارات هو ما جعلها تتميز في نظر عملائها وزملائها في العمل:
- قوة الإقناع والبلاغة في رسائلها الإلكترونية.
- الأثر القوي الذي تتركه في الدقيقة الأولى من المحادثة.
- تعاطفها مع مصالح العميل (بناءً على ما أجرته من بحث وتحضير).
اكتشفت أن العملاء تجاوبوا معها على نحو إيجابي ومنفتح، ما ساعد فريقها على توجيه تركيزه بصورة أفضل على ما يقدّره هؤلاء العملاء فعلياً.
حقق الانسجام بين مكونات الاستراتيجية
في الظروف المثالية، يجب أن تضمن القرارات الاستراتيجية الفردية التي تتخذها تلبية احتياجات أصحاب المصلحة والمؤسسة ووحدة كل من العمل والفريق، بالإضافة إلى احتياجاتك الشخصية؛
لكن في الواقع يصعب التوفيق بين هذه الاحتياجات المختلفة ودمجها في الاستراتيجية غالباً، خاصة في البداية. وذلك بسبب:
- المقايضات: تتطلب قيادة المؤسسة شيئاً مختلفاً عما يرغب به الفريق، على الأقل فترة من الوقت (على سبيل المثال، قد يرغب الفريق في الدخول إلى سوق جديدة، لكن استراتيجية الشركة تنصح بـ "الانتظار").
- التأخير: يستغرق الأمر بعض الوقت لترجمة القرار إلى إجراءات تتماشى مع اهتماماتك (على سبيل المثال، يستغرق نقل الموارد أو تغيير هياكل الحوافز بعض الوقت).
- نقص المعلومات: قد لا يكون الموقف واضحاً لك بسبب نقص المعلومات أو لأنك تعمل في مجال جديد، الأمر الذي يتطلب المجازفة في حين أنك قد تفضل اتخاذ خطوات مدروسة أكثر.
يمكن أن تساعد إعادة صياغة الموقف على الحد من هذا الاختلال. على سبيل المثال، لنفترض أن هدفك المهني الشخصي هو التوجه نحو أنشطة ريادة الأعمال الداخلية استعداداً لإطلاق مشروعك الخاص في نهاية المطاف، إلى جانب أنك تقود فريقاً ذاتي الإدارة يشكّل المحرك الأساسي لنمو شركتك، ويقدم خدمات يحبها العملاء.
لنفترض الآن أنك مكلف بإعادة توجيه تركيز وحدة عملك نحو تحسين الربحية القصيرة الأجل لتمويل نمو وحدة عمل أخرى ذات أولوية أعلى، هذا النهج منطقي تماماً من وجهة نظر الشركة لكنه يبدو لك مقيّداً (ويركز بشدة على العمليات اليومية)، ولا يمكنك الانتقال إلى وحدة عمل أخرى على الفور أو ترك المؤسسة.
لإعادة صياغة الموقف، اسأل نفسك: "ما هي الطريقة الأكثر ابتكاراً لتحسين ربحية وحدة عملي على المدى القصير؟". تعزز إعادة الصياغة هذه فرصك في تلبية احتياجات المؤسسة بالإضافة إلى تلبية احتياجاتك الخاصة.
اجمع الموارد التي تحتاج إليها
من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن تتخذ خيارات ذكية حول المجال الذي يجب أن توجه تركيزك إليه وما عليك فعله يوماً بعد يوم إذا كنت مستنزفاً. مع ذلك، يجد الكثيرون أنفسهم في هذه الحالة إذ تستنزف الاجتماعات المتتالية طاقتهم ووقتهم ويبذلون أقصى طاقتهم لتلبية المواعيد النهائية ويحاولون تحقيق قائمة لا نهاية لها من الأهداف.
ثمة نوعان من الموارد التي يجب عليك استخدامها بحكمة. أولاً، احرص على توفير مجموعة الموارد الأساسية التي تحتاج إليها كي تتمكن من تقديم أفضل أداء، وهي تشمل التغذية الصحية وممارسة التمارين الرياضية بانتظام والنوم الكافي والهوايات الشخصية والحفاظ على علاقات قوية مع زوجتك وعائلتك وأصدقائك. ثانياً، تأكد من توفير الموارد الإضافية الآتية لمساعدتك على اتخاذ قرارات صائبة بسرعة:
- الموارد الذهنية: استخدم التخيل واستعادة ذكريات النجاحات السابقة والشعور بالغاية لتحفيز التفكير الإيجابي.
- العلاقات الشخصية: أحِط نفسك بأشخاص يدعمون جهودك ويكملونها.
- بيئة العمل: هيئ المكان الأنسب لإنجاز المهام سواء في المكتب أو المنزل أو في أي مكان آخر.
نركز غالباً على العقبات المؤسسية التي تمنعنا من ترجمة نوايانا إلى إجراءات استراتيجية، ولكن قيودنا الشخصية وعاداتنا اليومية يمكن أن تشكّل عائقاً أيضاً. ما يدعو للتفاؤل هو أن هناك العديد من الفرص لاتخاذ خيارات منهجية طوال اليوم تعزز فرص نجاح استراتيجيتك.