منهج متكامل لتشخيص مظاهر التنمّر في العمل وكيفية التعامل معها

10 دقائق
التنمر في مكان العمل
ماستر 1305/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخصيشمل مصطلح التنمر في مكان العمل مجموعة واسعة من السلوكيات، ويسهم هذا التعقيد في صعوبة معالجته ويجعل التعامل معه عديم الفعالية في كثير من الأحيان. على سبيل المثال، يتعامل معظم نصائح مكافحة التنمر، بدايةً من “إدارة الغضب” وصولاً إلى سياسات عدم التسامح، مع مظاهر التنمر الأكثر وضوحاً. ونادراً ما يتم الالتفات إلى مظاهر التنمر الخفية أو معالجتها، مثل المحاولات المتعمّدة لحجب المعلومات أو التلاعب بعقول الآخرين. ويناقش كُتَّاب هذه المقالة مختلف أنواع التنمر والأفكار الخاطئة التي تقف حائلاً دون معالجة الآثار الناجمة عنه من قِبَل القادة وكيفية تدخل المؤسسات للتعامل معها بفعالية وتأسيس مكان عمل أكثر أماناً.

 

في حين أن الواقع يرصد تكبُّد المؤسسات خسائر فادحة نتيجة السلوك الفظ والمسيء، فإن التنمر في العمل لا يزال يمثل مشكلة كبيرة. إذ تشير التقديرات إلى أن 48.6 مليون أميركي، أي نحو 30% من قوة العمل، يتعرضون للتنمر في العمل. وتفيد التقارير بأن هذه النسبة تصل في الهند إلى 46%، بل إن البعض يقدّرها بنحو 55%. وتنخفض النسبة في ألمانيا إلى 17%، ولكنها لا تزال نسبة لا يُستهان بها. وعلى الرغم من ذلك، غالباً ما يلقى التنمر القليل من الاهتمام أو يتم اتخاذ إجراءات فعّالة لتلافيه.

ولتحقيق أقصى قدر من الصحة والرفاهة في مكان العمل، لا بد من تأسيس أماكن عمل يشعر فيها كافة الموظفين بالأمان النفسي، أياً كانت مناصبهم. وبمقدور الأساليب المنهجية على المستوى المؤسسي أن تساعد على الوقاية من الأضرار المرتبطة بمختلف أنواع التنمر.

ويشمل مصطلح التنمر في مكان العمل مجموعة واسعة من السلوكيات، ويسهم هذا التعقيد في صعوبة معالجته ويجعل التعامل معه عديم الفعالية في كثير من الأحيان. وسنناقش هنا مختلف أنواع التنمر والأفكار الخاطئة التي تقف حائلاً دون معالجة الآثار الناجمة عنه من قِبَل القادة وكيفية تدخل المؤسسات للتعامل معها بفاعلية وتأسيس مكان عمل أكثر أماناً.

أنواع التنمر المختلفة

يستلزم تطوير أنظمة أكثر شمولاً للوقاية من التنمر ودعم الرفاهة النفسية للموظفين أن يكون القادة أولاً على دراية بأنواع التنمر المختلفة وكيفية ظهورها. وقد حدّدنا 15 سمة مختلفة من سمات التنمر، استناداً إلى الأنماط القياسية للعدوانية والبيانات المستمدة من معهد التنمر في مكان العمل واعتماداً على أبحاث وممارسات لودميلا التي استمرت لأكثر من 25 عاماً وركّزت على معالجة العدوانية والتمييز والسلوك الفظ في مكان العمل لخلق ثقافات مؤسسية صحية.

اطلع على المزيد من مخططات هارفارد بزنس ريفيو في قسم الإنفوجراف.

وقد تنطبق هذه السمات الـ 15 على بعض النماذج الأصلية الشائعة للتنمر. خذ مثلاً نموذج “الصاخب” الذي يُعرَف بالصراخ والتلويح بقبضته أو نموذج “المخادع” الأكثر هدوءاً، ولكنه لا يقل عنه خطراً، ويستخدم أساليب المؤامرات الميكافيلية والتلاعب بعقول الآخرين وحملات التشهير لحرمان الآخرين من الموارد أو إبعادهم عن طريقه. لا يشغل صاحب الشخصية المخادعة بالضرورة منصباً يؤهله لامتلاك سلطة شرعية، وقد يظهر كزميل يبتسم في وجوه الآخرين ويتطلّع لتقديم يد المساعدة أو حتى كمتدرب بريء المظهر. وفي حين أن الدوافع العدائية والأساليب الواضحة تتماشى مع النموذج المعتاد للمتنمر الصارخ، ومن المتعارف عليه أيضاً أن التنمر النفعي وغير المباشر والخفي يليق بالشخصية المخادعة، فقد يكون لدى المتنمر دوافع متعددة ويستخدم أساليب عديدة، بوعي أو دون وعي.

وقد توسطت كارولاين لتسوية الخلاف في موقف يسلّط الضوء على كلٍّ من الديناميات الواعية واللاواعية. فقد تم إقامة حفل استقبال للاحتفال بجائزة “إيوا” (Ewa)* للإنجازات على مستوى الولايات المتحدة، وقد أمضت هاربر، زميلتها في العمل، معظم الوقت في الحديث عن إنجازاتها الشخصية، ثم اعتلت المنصة لتهنئة نفسها على توجيه “إيوا” والسماح لها بتولي “مسؤولية” عملها الجماعي. لكن لم يكن هناك توجيه أو عمل جماعي. وبعد وصلة من التحقير من شأن “إيوا” بشكل واضح ومباشر ومحاولة الإعلاء من شأنها (ربما دون وعي)، لم تتوقف هاربر. لقد تسببت “دون قصد” في إزالة “إيوا” من قوائم توزيع المعلومات المهمة، وهو ما يُعتبَر عملاً تخريبياً غير مباشر وخفي.

وفي مثال آخر، واجهت لودميلا موقفاً مختلط الدوافع والأساليب المختلطة. فقد كان تشارلز مديراً يكنُّ مشاعر الكراهية الشديدة للأجانب، ودأب على توبيخ امرأة تُدعى نور حاصلة على تأشيرة عمل، ولكنه كان يوبخها خلف الأبواب المغلقة، وهو ما يُعتبَر عملاً عدائياً مباشراً. وكانت تحدوه الرغبة في الإشراف على المشاريع ذات المخاطر العالية والواضحة للعيان التي اضطلعت بها نور، ومن ثم انخرط تشارلز أيضاً في التنمر غير المباشر والخفي من خلال تزوير سجلات الأداء لاتخاذها ذريعة لفصلها من العمل.

الأفكار الخاطئة عن التنمر في مكان العمل

تشير الأفكار الخاطئة الشائعة حول التنمر، كتعريفه ببساطة على أنه “إخضاع الآخرين لمعايير عالية” أو امتلاك “شخصية تنافسية”، إلى أن التنمر لا يضر بالأداء، بل قد يحفزه. لكن التنمر والأفكار الخاطئة المرتبطة به تعيق النتائج.

فثمة افتراض شائع يفيد بأن المتنمرين غالباً ما يكونون موظفين متميزي الأداء وأن الأداء المتميز يبرر السلوك السيئ. لكن الموظفين المتميزي الأداء غالباً ما يكونون هم أنفسهم أهدافاً للتنمر، وليسوا أشخاصاً متنمرين. وعادة ما يكون المتنمرون موظفين دون المستوى المطلوب، على الرغم من أنهم قد يبدون موظفين متميزي الأداء، وذلك لأنهم غالباً ما ينسبون لأنفسهم الفضل في الأعمال التي ينجزها الآخرون. علاوة على ذلك، فإن المتنمرين لا يجدون الحافز في الأهداف المؤسسية. إذ تحركهم المصلحة الذاتية فقط، غالباً على حساب مصلحة مؤسساتهم. وتشير الأبحاث إلى أن المتنمرين غالباً ما يحسدون ويستهدفون سراً الموظفين ذوي الأداء المتميز الذين يركزون على النتائج المؤسسية، أولئك الذين يمتلكون القدرات الوظيفية والضمير الحي ويهتمون بمصلحة المؤسسة. ولا يقف الأمر عند عدم امتلاك المتنمرين للمؤهلات التي تجعلهم موظفين متميزي الأداء فحسب، بل إن موظفاً واحداً ذا تأثير ضارّ كفيل بإفساد المكاسب الناتجة عن أداء اثنين من أفضل الموظفين، وقد يؤدي إلى تكبُّد تكاليف إضافية.

وتبرر الفكرة الخاطئة المأخوذة عن “الدافعية” سلوك التنمر باعتباره نوعاً من الأساليب “الإدارية” أو “التحفيزية” التي تساعد الأفراد ذوي الأداء المنخفض على التحسن. في الواقع، يتعرض الموظفون ذوو الأداء المنخفض في أغلب الأحيان للتنمر أكثر من الموظفين دون المستوى المطلوب، لكن هذا لا يساعدهم على التحسن. وقد يؤدي بدلاً من ذلك إلى زيادة العراقيل التي تقف حائلاً دون تحسُّن مستوى الأداء والقدرة على الإبداع والعمل التعاوني وتحقيق أهداف العمل بسبب استياء الموظفين.

الإجراءات التدخلية عديمة الفعالية

أثبتت الأبحاث أن التنمر ضار بإنتاجية الأفراد والنتائج المؤسسية. وللأسف، حتى عندما تحاول المؤسسات معالجته، فإن إجراءاتها نادراً ما تكون ذات فاعلية حقيقية.

وغالباً ما تكون الطرق التقليدية للتعامل مع التنمر غير ناجحة لعدة أسباب رئيسية:

  • النهج التفاعلي يعالج التنمر بعد وقوع الضرر الفردي والمؤسسي فعلياً، في حين أن الوقاية يجب أن تكون خط الدفاع الأول ضد كافة الضغوط في مكان العمل. وتساعد الوقاية من حدوث الضرر في المقام الأول على تجنب الخسائر الفردية والمؤسسية للتنمر.
  • تحميل الشخص المستهدف بالتنمر عبء الإثبات وأعمال مكافحة التنمر، وهو ما يتجاهل حقيقة أن التنمر يُعتبَر بمثابة صدمة، وأن توثيق الصدمات في أثناء حدوثها مع الحفاظ على الإنتاجية أمر مستحيل بالنسبة لمعظم الناس. وقد أثبتت أبحاث لودميلا حول التنوع العصبي أن بعض المواقف الأكثر صعوبة هي تلك التي يُطلب فيها من الأشخاص المستهدفين بالتنمر “إصلاح الأمر أو إيجاد حل له” مع المتنمر. إذ تفرض هذه العملية توزيع الجهود بطريقة لا تراعي الأشخاص المحرومين فعلياً من بعض الموارد اللازمة ويعجزون عن التكيف بسهولة (مثل الموظفين المصابين بالتوحد الذين يتعرضون للتنمر أكثر من غيرهم في معظم الأحيان، وأولئك الذين لديهم تاريخ طويل من الصدمات أو الاكتئاب، وكذلك الموظفون الذين يعانون ظروفاً اقتصادية صعبة). ومن المرجح أن يغادر الموظفون المستهدفون بالتنمر لأنهم لا يمتلكون الموارد اللازمة للتشاحن في هذه العملية المؤلمة للتوثيق والإبلاغ مع القليل من الأمل في التوصل إلى نتيجة عادلة، بينما ينتقل المتنمرون إلى أهداف جديدة.
  • محاولات التركيز على المستوى الفردي لمعالجة التنمر من خلال “إصلاح” السمات الشخصية للمستهدفين بالتنمر عبر تدريبهم على الثقة بالنفس أو تدريب المتنمرين على ضبط النفس أو إدارة الغضب. ولا يتجاهل هذا المنهج ثبات السمات الشخصية فحسب، بل يتجاهل أيضاً إلى حدٍّ كبير السمات المعروفة بصعوبة معالجتها في مختلف أنماط التنمر، مثل الشعور بالأهلية النابع من الأنانية أو ضعف الثقة بالنفس.
  • التركيز على التنمر الواضح والعدائي لا يفيد في معالجة التنمر الخفي والنفعي.

أسلوب منهجي لخلق مكان عمل أكثر أماناً

عُرف ويليام إدواردز ديمينغ بمقولته الشهيرة التي تفيد بأن 94% من المشاكل في مكان العمل ترجع إلى أسباب منهجية، و6% فقط منها تُعزى إلى عوامل شخصية على المستوى الفردي. وتتطلب المعالجة الفعّالة لجميع أنواع التنمر ومظاهره اتباع أسلوب منهجي يركز على الوقاية.

وعلى الرغم من أهمية السمات الشخصية للمتنمر، فإن التنمر هو سلوك يتيح الفرصة من خلال البيئات المؤسسية التي تسمح بحدوثه واستمراره. وفي حين أن المؤسسات لا تستطيع القضاء على الأنانية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الطبيعة البشرية، فمن الممكن إنشاء أنظمة يتم فيها تثبيط السلوك الأناني بدلاً من تعزيزه.

ولا تحتاج الأنظمة المؤسسية الفعَّالة إلى إعادة تصميمها من الصفر لمنع التنمر. إذ تسهم الآليات التي تدعم الإنتاجية من خلال العمل اللاتزامني وتسهّل الشمول وتعزيز الصحة النفسية في المؤسسات في أداء واجب مزدوج لمنع التنمر. وتقع آليات مكافحة التنمر الفعاَّلة في صلب العدالة والشفافية المؤسسية والتركيز على النتائج واستخدام الأدوات الصحيحة في عملية صناعة القرار، وهي مدعومة بأدوات تسهل الشمول والعمل المرن، إلى جانب التعبير عن الرأي والمشاركة.

معالجة التنمر العدائي وإيقاف “الصارخ

يمكن تحقيق درجة معينة من الوقاية من التنمر العدائي أو العاطفي على المستوى الفردي، وذلك من خلال الانتقاء والتدريب. ويمكن للمؤسسات من الناحية القانونية، بل يجب عليها، أن تنتقي كوادرها على أساس السمات السلبية التي من الواضح أنها ترتبط بتدني مستوى الأداء، مثل الغطرسة في القيادة.

كما يُشكّل تدريب الموظفين على التواصل الخالي من العنف أداة مهمة أيضاً. على سبيل المثال، قد يكون التواصل بشأن عمل غير مُتقَن سلوكاً ينمُّ عن العنف أو التنمر: “هل تسمي هذا تقريراً؟ هذه قمامة حقيرة. أنت لا تعرف كيف تكتب”. ويمكن صياغة النقطة نفسها بطريقة خالية من العنف، كالتالي: “أشعر بخيبة أمل لأنني لا أستطيع إحالة مسودة التقرير التي قدمتها لي أو استخدامها. أريد مزيداً من الوضوح. يُرجى ترتيب البيانات الرقمية في جداول وكتابة 4 أو 5 نقاط واضحة بطريقة الترقيم النُّقطي”.

من الناحية المنهجية، عادة ما يتم تحفيز العداء بسبب ندرة الموارد والضغوط العامة المولّدة للتوتر. ويمكن المساعدة على تقليل التنمر العدائي من خلال الحد من ضغوط المواعيد النهائية غير الواقعية ومعالجة نقص الموارد المزمن الذي يؤدي إلى الوقوع في مزلق “ألعاب الجوع” في مكان العمل والتخلُّص من الإدارة التخويفية والامتناع عن تقديم تنازلات أخلاقية.

معالجة التنمر النفعي وإيقاف “المخادع

لمنع التنمر النفعي وغير المباشر والسري، يجب على المؤسسات ضمان وجود طرق تتصف بالشفافية والعدالة والإنصاف والشرعية لتوزيع المكافآت. ويجب أن تستند القرارات الماسة بالترقيات وتخصيص الموارد وغيرها من القرارات المحورية إلى نتائج الأداء التي يتم قياسها بطريقة تراعي أعلى درجات الشفافية والدقة. أمّا إذا تم تقدير الأداء بصورة “جزافية”، فإن هذا سيؤدي حتماً إلى مكافأة الأشخاص المحبين لأساليب التفاخر والمحسوبية وأولئك الذين ينسبون الفضل لأنفسهم دون وجه حق.

علاوة على ذلك، فإن ضمان العدالة في صناعة القرار المؤسسي يتطلب وجود آلية لتصحيح القرارات ذات المخاطر العالية عند الضرورة (مثلما يحدث حينما تكون المعلومات التي استندت إليها منقوصة أو خاطئة، كما في حالة نور). على سبيل المثال، يمكن لمجموعة مستقلة (كلجنة التحقيق في الشكاوى) بحث الأدلة التي تدعم الحرمان من الترقيات أو فرض عقوبات الانضباط التدريجي.

وتختلف الآليات المحدَّدة من مؤسسة لأخرى (كالمؤسسات الحكومية أو الخاصة أو النقابية، إلخ) وأساليب التوظيف، وغالباً ما تتخذ شكل لجان التظلمات التي تخدم نوعاً معيناً من الموظفين (كالموظفين السريين أو غير السريين، والموظفين بأجر أو بالساعة). وعلى أي حال، فقد تساعد آليات التظلم والتحقيق والتوازن في تثبيط الاعتماد على التنمر النفعي لتحقيق مصالح شخصية.

وقد تساعد أدوات العمل اللاتزامنية، مثل لوحات متابعة المهمات والمستندات المشتركة أيضاً، على منع التنمر النفعي الذي يلجأ إليه البعض لينسب الفضل لنفسه دون وجه حق أو للحصول على تقييمات غير عادلة. وبالإضافة إلى الغرض منها كأدوات إنتاجية، فإنها تحقّق منفعة إضافية لتوثيق الأداء والإسهامات.

وتلعب آليات التوظيف والانتقاء وإدارة المواهب الصحيحة والمتقنة التصميم التي تركّز على المهارات والنتائج المثبتة والقدرة على دعم الآخرين (بدلاً من قدرة الموظف على تضخيم إنجازاته) دوراً مهماً في إنشاء مناخ مؤسسي إيجابي. ويمكن أن يسهم ذلك في منع تعيين وترقية الاستغلاليين والأشخاص ذوي الثقة المفرطة في النفس على الرغم من افتقارهم إلى الكفاءة، وذلك من خلال تحديد الإشارات المبكرة لسلوك التنمر المحتمل لأحدهم. على سبيل المثال، فإن مطالبة المرشحين بوصف تجاربهم في الفشل أو تمكين الآخرين من النجاح سيكشف عن درجات التواضع والوعي الذاتي وميولهم في التعامل مع الآخرين.

منع التنمر التنازلي

يوصف التنمر التنازلي بأنه السلوك الذي يستهدف فيه المتنمر شخصاً ذا منصب أقل منه، ويقتضي منعه أن تنتبه إدارة الموارد البشرية والإدارة العليا جيداً للإشارات الدقيقة. وفي حين أن تقييم الأداء بطريقة 360 درجة والاستقصاءات المناخية مفيدة ويجب قراءتها بعناية، فإن أهم المعلومات وأكثرها قيمة تكمن بين السطور في بعض الأحيان. فقد يخشى الشخص الذي يتعرض للتنمر أو التهديد أن يروي الحقيقة، حتى في استقصاء للرأي “دون الكشف عن الهوية”، لأن ذلك قد يعرّض وظيفته للخطر أو يجرُّ عليه تداعيات وخيمة من رؤسائه. ويقدّم الكثير من الموظفين إجابات سلبية، مثل: “ليس لديّ أفكار لمشاركتها هنا” أو “لست في وضع يؤهلني للرد على هذا التساؤل” أو “أعتقد أنني أجبت عن ذلك مسبقاً” أو “أعرف أن هذا الشخص معرَّض لضغوط هائلة لإنجاز المهمة، ولديه مهمة صعبة للغاية”، وهو ما يعتبر بمثابة إشارة تحذيرية. وقد يكون تطوير القدرات القيادية الذي يركز على خلق الأمان النفسي مناسباً هنا.

ويمكن أن يشمل تقييم نقاط الضعف المؤسسية الإضافية تحليل الاستقصاءات المناخية للكشف عن السياق الأوسع أو القضايا الأساسية التي تكمن وراء مشاكل الفريق أو الإدارة. ويتيح استخدام كلٍّ من تقييم الأداء بطريقة 360 درجة وتقييمات الثقافة تمكين كارولاين من العمل من كثب مع العملاء لتحديد وتصميم الإجراءات التدخلية القيادية الناجحة أو استراتيجيات إعادة الابتكار الموجهة نحو الغرض لمعالجة التنمر الذي يعرقل عملية اندماج الموظفين واستبقائهم ونموهم.

منع التنمر التصاعدي

يوصف التنمر التصاعدي بأنه السلوك الذي يستهدف فيه المتنمر شخصاً ذا منصب أعلى منه، ويقتضي منعه أن تحرص المؤسسات على خلق ثقافات تحترم الشفافية وتراعي الوضوح في مهمات الأدوار الوظيفية والتوقعات السلوكية. وعند إعداد الموظفين الجدد، يجب أن يفهم الموظفون مسؤوليتهم في الإسهام في خلق بيئات إيجابية. ويجب أن يشمل تدريب المدراء الجدد كيفية التعامل مع السيناريوهات الشخصية المتعددة، بما في ذلك التنمر التصاعدي. على سبيل المثال، يجد بعض القادة صعوبة في مواجهة الأداء المتدني أو السلوك العدواني، وقد يسهم هؤلاء القادة دون قصد في تمكين أولئك الذين يتنمرون عليهم. وحينما يتأكد الموظفون أن القادة يمتلكون الثقة بالنفس والمهارة اللازمة للتعامل مع أي سلوك يفتقر إلى الاحترام أو يتصف بالتلاعب أو العدوانية وجهاً لوجه، فإن هذا سيساعد على بتر السلوكيات المسيئة في وقت مبكر. وقد يساعد تقمّص الأدوار في مثل هذه السيناريوهات على تطوير الثقة بالنفس والمهارات اللازمة و”السيناريوهات” الذهنية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تدعم أنظمة التظلم والشكاوى كلاً من المشرفين والموظفين الذين لا يشغلون مناصب إشرافية.

منع التنمر الأفقي والمختلط الاتجاهات

يوصف التنمر الأفقي والمختلط الاتجاهات بأنه السلوك الذي يشهد تنمُّر فرد واحد على أقرانه أو تنمُّر مجموعة من الأفراد في اتجاهات متعددة، ويقتضي منعه أن تحرص المؤسسات على تجنب خلق بيئات تحفل بالمنافسات الداخلية غير الصحية. وتتمثّل إحدى الطرق الرئيسية لتحقيق هذه الغاية في تجنب تقييم الأداء بطريقة فصل الموظفين الذين يحتلون المرتبة الأخيرة في الترتيب، وهو ما يشجّع على السلوك التنافسي الحاد.

واحرص على توزيع الموارد بطرق تراعي العدالة والشفافية وتحقيق التوازن بين المكافآت على مستوى الفريق والمكافآت الفردية. واحرص أيضاً على ضمان ارتكاز الشراكات بين العاملين في مختلف التخصصات على مقاييس مشتركة لتحفيز العمل التعاوني. بالإضافة إلى ذلك، اعمل على تطوير آليات للتنفيس عن التوترات الطبيعية الموجودة في الكيانات المؤسسية ومعالجتها بطرق بنَّاءة. على سبيل المثال، اعقد اجتماعات منتظمة مع أولئك الذين يجب أن يتعاونوا معاً للوصول إلى نتائج مشتركة في بيئات آمنة نفسياً. وأخيراً، اعمل على إحباط المثلثات الدرامية ومحاولات التلاعب من خلال ضمان الشفافية وتقديم نموذج يُحتذَى به في هذا المسلك.

كل العلاقات معرَّضة للتدهور والسير في اتجاهات خاطئة. وحتى المدراء المتمرسون قد يفتقرون إلى القدرة على فهم الفروق الثقافية أو النفسية التي تنطوي عليها مواقف محددة. ومن المحبَّذ أن تحرص المؤسسات التي تهدف إلى تحقيق أقصى قدر من الرفاهة النفسية على دعم المدراء والموظفين من قِبل محترفين مدربين على تطوير الصحة النفسية والعلاقات التبادلية والحفاظ على صحة مكان العمل، بحيث يمكنهم العمل كأطراف محايدة.

ولا شك في أن معالجة التنمر ليست بالأمر السهل، لكن اتخاذ هذه الخطوات بشكل منهجي من شأنه أن يدعم الرفاهة ويعزز الشعور بالانتماء وقد يمنع انهيار المؤسسة، بينما يؤدي تجاهل المتنمرين أو محاولات استرضائهم إلى فقدان الموظفين ذوي الضمير الحي. وبمرور الوقت، ستتضرر بيئة العمل في هذه المؤسسات بسبب وصول هؤلاء الأفراد المؤذين وثقافة العمل السامة إلى الكتلة الحرجة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .