الشركات القديمة الراسخة اكتشفت أنها تمتلك ما يكفي من القدرات في عالم تحتدم فيه المنافسة.
ليس هناك حل سحري لمقارعة الشركات الرقمية الجديدة الشديدة المراس. فالمصرفيون اكتشفوا أنهم قادرون على لمّ شملهم وتجميع قواهم جنباً إلى جنب مع شركات التكنولوجيا المالية لتعزيز نقاط الضعف الموجودة على طول سلاسل توريدهم. كما أنّ الشركات المعنية بالتجميل باتت تنسخ العروض التي تقدمها الشركات الناشئة – أو تستحوذ عليها. وعندما يتعلق الأمر بشركات تصنيع الأجهزة، فإنّ شهرتها الكبيرة بين صفوف العملاء تمنحها الفرصة لتقديم منتجات مبتكرة جديدة. فالبروز الأفضل في السياق الرقمي هو أمر أساسي للغاية.
لماذا باتت المصارف ترحّب بالمزعزعين؟
الشراكات مع شركات التكنولوجيا المالية باتت أوسع نطاقاً مع توفير الشركات الناشئة لقدرات رقمية جديدة ونماذج تجارية تنافسية.
مع احتدام المنافسة الرقمية بين صفوف المؤسسات المالية، أخذت المصارف تكتشف أنّ الشركات الناشئة التي كانت تُعتبر يوماً من الأيام بمثابة تهديد يمكن أن تكون من الحلفاء الاستراتيجيين والتشغيليين القيمين. وأخذ العديد منها يتجه بقوة نحو توسيع التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية عوضاً عن تطوير الحلول داخلياً، ما يسمح لها بالحصول على تكنولوجيات ونماذج تجارية مبتكرة تتصف بقدر أكبر من الكفاءة وتؤمن للعملاء راحة أكبر. وتشمل قائمة المزايا الأخرى المقترنة بهذا النوع من الشراكات الحصول على العملاء الجدد، والتكاليف الأقل، والأهم من ذلك ربما هو الاطلاع على ثقافة مبتكرة قد تساعد المصارف في إعادة ابتكار نفسها.
توصل أحدث بحث أجريناه إلى أنّ أربعة من أصل كل خمسة من أهم 100 بنك بحسب الأصول (وغير ذلك من المصارف المتقدمة رقمياً) قد دخلت الآن في شراكة مع شركة واحدة على الأقل للتكنولوجيا المالية (راجع الشكل البياني)، بعد أن كانت النسبة لا تزيد على 55% قبل عامين. وفي المتوسط، كان كل بنك من البنوك قد لجأ إلى هذا النوع من الشراكات (1). وتتراوح هذه الاتفاقيات ما بين الاتفاقيات البسيطة بين الشاري والمورد لتصل إلى الشراكات المعقدة والحصرية.
وفي تحركات ذات صلة، وجدنا أنّ المصارف أخذت تزيد من جهودها في مجال برامج تسريع الأعمال. وعادة ما تشمل هذه البرامج مساعدة الشركات المالية في مراحلها المبكرة من خلال توفير الخبرات الإدارية، والتمويل والمكاتب وغالباً ما تكون هذه الخطوات بمثابة مقدمة لتعاون أعمق.
تشمل الشراكات الرسمية طيفاً من الأنشطة بما ذلك عمليات الدفع – ومنها عمليات الدفع الآني والدفع عبر الحدود، والعمليات التي تستند إلى تقنية بلوك تشين (سلسلة الكتل) – التي تعتبر بمثابة أرض خصبة تحظى بأهمية خاصة (37% من جميع الشراكات). وفي العمليات (18% من الشراكات)، تشمل قائمة الأنشطة تكنولوجيا مكافحة غسيل الأموال، وطرق التعرف على الهوية باستعمال الفيديو. وفي الإقراض، تساعد شركات التكنولوجيا المالية في استقطاب عملاء جدد، في حين أنّ منصاتها الرقمية، من واجهات التخاطب مع العملاء إلى عملية دراسة القرض ومعالجته في المكاتب الخلفية، يمكن أن تحسّن العروض التي تقدّمها المصارف. وتشمل عمليات التعاون الأخرى قائمة كبيرة من الخيارات بما في ذلك إنشاء تطبيقات للإدارة المالية تتّصف بأنها قابلة للتعديل بحسب الطبيعة الشخصية للمستخدم، وإنشاء أنظمة لكشف الاحتيال تستند إلى الخبرات في مجال التحليل المتقدّم للبيانات، وتحسين عملية أتمتة خدمة العملاء القائمة على الحوار معهم.
ثمّة نقاط ضعف وعيوب لا تزال تؤثّر على هذه الشراكات، مثل عدم التوافق بين الحوافز والفجوات في القدرات الموجودة لدى المصارف. كما تحتاج المصارف إلى تحسين عمليات التنفيذ لديها وتسريع عملية اتخاذ القرار لتجنّب إشعار شركات التكنولوجيا المالية بالإحباط بعد فترة مبدئية من التعاون. ولكن بما أنّ المصارف تسعى جاهدة إلى التفوّق على أقرانها التي تنشط في عملية الرقمنة، وكذلك التفوّق على الشركات الرقمية المتخصّصة التي تدخل أسواق الصيرفة، فإننا نتوقع للأهمية الاستراتيجية لبيئة الشراكة هذه أن تتزايد.
نبذة عن المؤلفين
جاي داتيش هو اختصاصي في مكتب شركة ماكنزي آند كومباني في بودابست. ميكلوس دايتز هو شريك أول في مكتب فانكوفر، وميكلوس رادناي هو شريك في مكتب لندن.
يرغب المؤلفون في توجيه الشكر إلى غيرغلي باكسو على مساهمته في هذه المقالة.
كيف يمكن لمصنّعي الأجهزة الأصلية الردّ على الشركات الرقمية التي تتحدّاهم
العملاء الأوفياء مثل المزارعين والمقاولين يلجؤون إلى موردي الأجهزة بحثاً عن المساعدة والحصول على التكنولوجيات المتطورة.
يواجه مصنعو الأجهزة الأصلية مجموعة من التحدّيات مع وصول صناعة الآلات إلى نقطة تحول.
نشهد حالياً تحولاً في القيمة التي باتت تنتقل من الأجهزة والعتاد إلى البرمجيات، ما يقلل من جاذبية الدور المركزي لمصنعي الأجهزة الأصلية في تطوير منتجاتهم من الأجهزة. كما أن الأقنية المتاحة عبر الإنترنت للحصول على قطع الغيار في مرحلة ما بعد البيع باتت تحظى بأهمية متزايدة، ما يشكل ضغطاً على أقنية الوكلاء التقليدية. وقد أصبحت شركات التكنولوجيا المتقدمة تحظى بمرتبة بارزة في سياق المنافسة في هذا المجال، بما أنّ العملاء ينظرون إليها بوصفها من المورّدين الموثوقين ممّا يزيد من التحدّيات التي يواجهها مصنّعو الأجهزة الأصلية.
على الرغم من هذه التهديدات، إلا أنّ مسحنا الذي أجريناه مؤخراً وشمل رواد الأعمال والمزارعين توصل إلى أنّ مصنعي الأجهزة الأصلية ما زالوا يمتلكون أوراقاً قوية في أيديهم (1). يشعر المشاركون في المسح من كلا القطاعين بالحماسة تجاه العديد من حالات استعمال التكنولوجيا الجديدة، وخاصة التكنولوجيات التي يمكن أن تدمج ضمن عملياتهم الحالية. وهم يتمتعون بمستويات عالية من الثقة في مصنّعي الأجهزة الأصلية ويؤمنون بقدرتهم على مساعدتهم في التعامل مع هذه الحقبة الجديدة (راجع الشكل البياني).
نظر المقاولون بأكبر قدر من الإيجابية إلى الصيانة التنبؤية والمراقبة عن بعد، وبرمجيات الربط بإدارة المشروع، والمبيعات الرقمية في مرحلة ما بعد البيع، ونظام إرشاد المشغل.
أما بالنسبة للمزارعين، فقد تصدر التوجيه الذاتي باستعمال نظام تحديد الموقع العالمي (GPS) قائمة الاستعمالات الجذّابة للتكنولوجيات الجديدة. كما أعجب المزارعون بالتطبيق المتفاوت للمدخلات، مثل تحديد المزيج الصحيح من البذار والمياه والأسمدة وغير ذلك من محسّنات التربة، إضافة إلى الصيانة التنبؤية.
ومع ذلك فقد بات العملاء أكثر تطلّباً أيضاً: فهم يقدّرون خصوصية البيانات، والوصول إلى البيانات (2)، والارتباط ما بين أجهزتهم (3). ولكي يتمكّن مصنّعو الأجهزة الأصلية من التعامل مع عمليات الزعزعة التي تسود قطاعهم، يجب أن يكونوا قادرين على فهم رحلة عملائهم خلال عملية اتخاذ القرار والتغيّرات التي تطال خياراتهم المفضّلة. سوف يحتاج مصنّعو الأجهزة الأصلية إلى البقاء في حالة من الاستعداد الدائم لتمويل هذه العروض الجديدة من خلال إدخال التحسينات على الإنتاجية. كما يجب عليهم البدء بالتفكير بشكل استباقي من خلال تعزيز مركزهم في منظومات التكنولوجيا الناشئة، وتحسين قاعدة المواهب الموجودة لديهم، وتحسين عمليات البحث والتطوير لديهم.
يُظهرُ بحثنا أنّ العديد من مصنّعي الأجهزة الأصلية في مجالي الإنشاءات والزراعة في الولايات المتحدة الأميركية يجب أن يكونوا قادرين على ضمان تحقيق القيمة من هذه التكنولوجيات بحيث تتضاعف أرباحهم الحالية بمقدار أربع إلى ستّ مرّات. والفرصة متاحة هنا لمن يودّ اغتنامها.
نبذة عن المؤلفين
كيفين لاتشكوفسكي هو شريك أوّل في مكتب شركة ماكنزي في شيكاغو، الذي يعمل فيه نيرانجانا راجاغوبال كاستشاري وباولو ساندرون كشريك.
يرغب المؤلفون في توجيه الشكر إلى أسوتوش بهادي على مساهمته في هذه المقالة.
دروس وعبر من الشركات الناشئة في قطاع التجميل
تتّجه الشركات العاملة في مجال التجميل إلى تبنّي شبكات التواصل الرقمية والاجتماعية بهدف اقتحام أكثر مناطق النمو سخونة في هذا القطاع.
أدّى التسويق الرقمي وشبكات التواصل الاجتماعي إلى زعزعة قطاع التجميل العالمي الذي تفوق قيمته 250 مليار دولار وكان تأثيره عليه أكثر حدّة ممّا حصل في معظم القطاعات الاستهلاكية الأخرى. فالعلامات التجارية "المولودة رقمياً" مثل شركة أناستازيا بيفرلي هيلز المتخصصة بالحواجب ومنتجة مواد التجميل "إن واي إكس" استعملتا أدوات شبكات التواصل الاجتماعي لجذب انتباه العملاء المتفاعلين والواعين لقضايا الجمال والتجميل. وقد استحوذ هذا الجيل من الشركات الناشئة على 10% من سوق مواد التجميل الملوّنة وهو ينمو بوتيرة تفوق أربعة أضعاف وتيرة نمو الشركات التقليدية (راجع الشكل البياني). كما أنّ نمو العلامات التجارية المولودة رقمياً التي تشكّل تحدّياً للشركات التقليدية يمكن أن يتسارع، مع توجّه رؤوس الأموال الجريئة إلى هذا القطاع.
تدرك العلامات التجارية المولودة رقمياً أنّ العملاء الأصغر عمراً يتفاعلون مع المنتجات بطريقة مختلفة بالمقارنة مع العملاء الأكبر عمراً. كما كان استعمالها للأقنية مثل الفيديوهات التي تبث عبر الانترنت وعمليات التسويق التي يقوم بها النافذون عبر شبكات التواصل الاجتماعي لبناء قاعدة من المتابعين أمراً أساسياً في نجاحها. فتشارلوت تيلبوري، على سبيل المثال لديها عشر أضعاف المتابعين على موقع يوتيوب بالمقارنة مع العلامات التجارية التقليدية العادية، وغالبية هؤلاء المتابعين يريدون الحصول على نصائح تخص كيفية وضع المكياج واستعمال مستحضرات التجميل. ومن خلال هذه الأقنية، تمكّنت العلامات التجارية المولودة رقمياً من إيجاد طريقة للتسويق تتجاوز مجرّد الانخراط في صفقة بيع. بل هي تعتمد على إنشاء علاقة مع العملاء وجعلهم يشعرون بأنهم جزء من مجتمع يتمحور حول العلامة التجارية.
لكنّ هذه الاستراتيجية لم تكن خافية عن العيون: فالشركات التقليدية الراسخة هي الأخرى طوّرت أداءها في المجال الرقمي وغالباً ما تمكّنت من تحقيق نتائج ممتازة. تتمثّل إحدى المقاربات في الاستحواذ على هذه الشركات صاحبة الخبرة الجديدة. ففي عام 2016، لجأت الشركات التقليدية إلى القيام بما مجموعه 52 عملية استحواذ، العديد منها كان يستهدف شركات ناشئة. فقد اشترت شركة إيستي لاودر، على سبيل المثال، شركات بيكا (التي تصنع مكياج الأساس)، وتو فيسد (لمستحضرات التجميل)، وحصة أقلية في ديسيم (للعناية بالجلد). ثمّة مقاربة أخرى هي التقليد. فشركات مستحضرات التجميل الكبيرة تضخ استثمارات هائلة في شبكات التواصل الاجتماعي الرقمية وتسويق الشخصيات المؤثّرة على هذه الشبكات لمنتجاتها: فقد وظّفت لوريل 1,600 خبير رقمي. المقاربة الثالثة هي الاحتضان، الذي يتّخذ شكل صناديق رأس المال المغامر أو (ما يعرف برأس المال الجريء) داخل الشركة، مثل شركة كيندو التابعة لشركة إل في إم إتش، التي حالفها النجاح مؤخراً مع منتج فينتي بيوتي من الفنانة ريهانا.
أظهرت شركات التجميل التقليدية الراسخة أنها قادرة على التكيّف ويجب عليها ذلك لتدافع عن موقعها. وهذا درس سيكون من المفيد بالنسبة لشركات السلع الاستهلاكية الأخرى أن تتعلّم منه.
نبذة عن المؤلفين
سارة هدسون هي شريكة في مكتب شركة ماكنزي في لندن، حيث تعمل جيسيكا مولتون كشريكة أولى؛ وإيمي كيم هي شريكة أولى في مكتب سيؤول.