شاهدنا في الآونة الأخيرة نقاشاً حاداً بين عميلنا واثنين من مرؤوسيه المباشرين. ولا حظنا أنه يحتاج إلى معرفة طرق التعامل مع الأشخاص صعبي المراس. كان عميلنا، وهو قائد مسؤول عن شعبة بقيمة 350 مليون دولار، وأحد المرؤوسين المباشرين، وهو مدير قسم التسويق، مستعديْن لتقديم عرض لمرشح في منصب جديد: نائب الرئيس التنفيذي للتحليلات المحوسبة. ولكن مديرة قسم الموارد البشرية كانت مصرة على أنهم اختاروا المرشحة الخطأ. وكان مبررها، الذي عبّرت عنه بقناعة ثابتة، هو أنّ المرشحة لم ينطبق عليها جانب "القدرة على التكيف" في ملف التوظيف، وهو ما مثّل بالنسبة لها صفقة خاسرة. شعر القائد ومدير قسم التسويق أنّ هذه المرشحة على الرغم من أنها لم تكن مثالية حقاً، إلا أنها كانت الأفضل من بين حوالي 40 مرشحاً قابلوهم، وكانا مستعدين للتغاضي عن نقاط ضعفها. وبعد جولات من النقاش، استخدمت قائدة الموارد البشرية ورقتها الرابحة، وقالت: "أتريدان خبرتي أم لا؟ لقد جعلتماني مديرة الموارد البشرية، وإذا كنتما لن تأخذا بنصيحتي، فلماذا أعطيتماني هذه الوظيفة؟".
في محادثة خاصة، عبّر عميلنا عن شعوره بالإحباط. "إنها تستخدم تلك الورقة في اللحظة التي تخاف فيها من عدم تحقيق ما تريد. هي ذكية وأنا أقدّر نصيحتها، ولكنها ترغب بأن تكون على حق في كل القرارات. وبصفتي مديرها، فأنا أشعر الآن أنني في موقف لا يربح فيه أحد. إذا لم آخذ بنصيحتها، فستشعر أنها مهمّشة. وإذا أخذت بنصيحتها، فسأعزز سلوكاً لا أريد أن يستخدمه فريقي للتأثير في القرارات بطريقتهم الخاصة".
ثلاث طرق لإجراء المحادثات المفيدة
كان في مأزق غير عادي. يعاني الكثير من الموظفين من "قناعة مزمنة" حول مسائل لا توجد لها إجابة مثالية. وإليك ثلاث طرق شاهدنا قادة يتجاوزون بها القناعة المزمنة لمساعدة أنفسهم والآخرين على توسيع نطاق تفكيرهم وإجراء محادثات تعود عليهم بفائدة أكبر.
ادعم منبع القناعة المزمنة
تأتي الانحيازات المعرفية بأشكال شتى، وغالباً ما تشكل الأساس الذي تقوم عليه وجهات نظر متشددة. وفي حالة عميلنا، كان لدى قائدة الموارد البشرية التي جرى تعيينها حديثاً انحياز ثقة زائدة نظراً لأنها امتلكت سجل إنجازات تمثّل في قرارات توظيف ممتازة في وظيفتها السابقة. وكانت ثقتها تنبع من رغبتها في تكرار نجاحاتها السابقة، وليس من موقف دفاع أو رياء. عندما تعاني أنت أو أحد مرؤوسيك من القناعة المزمنة، فمن المهم تحديد أي الانحيازات التي تحدث لديك. القناعة الثابتة متجذرة دائماً في معتقدات راسخة في النفس، وغالباً ما تكون عن غير وعي.
اقرأ أيضاً: كيف تتفاوض مع شخص أقوى منك؟
قاوم إغراء زيادة حدة الجدل حتى ينتصر شخص ما. لا تتسرع لكي تفهم ما يحدث بالفعل. وبغض النظر عن مدى غرابة وجهات نظرهم، ادخل المناقشة كما لو كان لديهم بعض مظاهر الشرعية. وإذا كانت ثقتهم تمثل نمطاً ما، فلا تحاول التعامل معه أثناء الجدل حول قضية معينة. وبدلاً من ذلك، حدد موعداً لمحادثة منفصلة للتعامل مع مخاوفك. ربما تقول شيئاً مثل: "كلما وجدنا أنفسنا نتطرق إلى جوانب مختلفة من مشكلة ما، أشعر كما لو أنك تصر على وجهة نظرك بقوة لا تلين حتى أنني لا أمتلك خياراً سوى التوقف نهائياً أو إهمال ثقتك. قد يساعدني أن أعرف أنّ وجهة نظري تؤخذ بعين الاعتبار، حتى إن لم تتفق معها".
ادرس الطريقة التي ربما تشجع فيها مؤسستك على القناعة
القناعة المزمنة ليست مشكلة أفراد فحسب. وغالباً ما يستخدم المتخصصون في علم النفس نظرية الشخص في البيئة (PIE theory) لفهم الصراعات الاجتماعية للأفراد في سياق البيئات التي تشكلهم. هل تكافئ ثقافتك القناعات المتشددة؟ هل يُنظر إلى صناعة القرار على أنها تنافسية؟ هل يشعر الموظفون كما لو أنهم غير واثقين فيما إذا سيُنظر إلى أفكارهم على أنها ضعيفة؟ في بعض المواقف، مثل المحادثات بشأن التخطيط الاستراتيجي والموازنة وإدارة المواهب، التي يلاحظ فيها الموظفون وجود الكثير في دائرة الخطر، تصبح الحاجة للظهور واثقاً مسألة بقاء. يظهر بحث حول أماكن العمل التنافسية أنّ الموظفين أكثر ميلاً للتصرف على نحو غير أخلاقي، بما في ذلك ممارسة التملق للوصول إلى ما يريدون، عندما يشعرون بالقلق إزاء العمليات التنافسية.
اقرأ أيضاً: كيف تفاوض بلطف دون أن تكون لقمة سائغة
ولتجنب إضفاء الطابع المؤسسي على القناعة كنهج مفضل للتعبير عن الآراء أو الطلبات، اطلب من الموظفين حضور الاجتماعات مع نقاط إيجابية وسلبية حول المسائل المطروحة. وتعوّد على دعوة الآخرين في الفريق لمشاركة وجهات نظرهم المختلفة عند اتخاذ القرارات. تعمل نهُج كهذه على تطبيع حاجة الموظفين لتنظيم أنفسهم وموازنة ثقتهم في آراء الشخص دون عقيدة من القناعة.
اعترف فيما إذا كانت قناعة الآخرين تجعلك ممانعاً
بالنسبة للبعض، تبدو قناعات الآخرين مهدِّدة لآرائهم وقيمهم الخاصة. ويقودنا الانحياز التأكيدي إلى إزالة الآراء غير المؤكِّدة، فنعارض بشكل طبيعي عند إجبارنا على مواجهة الاختلافات. يمكن أن نصبح دفاعيين أو منعزلين أكثر مما ينبغي، فنغض الطرف عن معلومات قد تكون مهمة للغاية. لاحظنا أحد العملاء، ولنطلق عليه اسم يوسف، يقدم عرضاً إيضاحياً لمديره ونظرائه يهدف إلى التأكيد على زيادته الكبيرة للموازنة. ووجّه أحد زملائه، وهو شخص يمتلك علاقة تشوبها الخلافات معه، انتقادات مشروعة حول حجم الزيادة في ضوء مشكلة حديثة في جودة المنتج. ولأنّ يوسف يميل مسبقاً إلى الاعتقاد بأنّ أي شيء يقوله هذا الزميل يكون بدوافع سيئة، فقد أغلق باب النقاش. ولكن ردة فعله الدفاعية جداً جاءت بنتائج عكسية، وقادت مديرهما إلى تأجيل الموافقة على الموازنة "لمواصلة النظر فيها". لو أخذ يوسف مخاوف زميله بعين الاعتبار، لربما تفاوض بشكل أفضل على اعتماد موازنة مخصصات للطوارئ بشكل ربما سمح له بالمضي قدماً.
اقرأ أيضاً: تعلم التفاوض الصادق انطلاقاً من الذات
ومع الكثير من التأكيد هذه الأيام حول التعبير عن الأفكار، يجب علينا تعلم التحكم بنبرتنا من خلال الاستماع، وخصوصاً عند اتخاذ قرارات مهمة في مسائل يكون فيها خيارات متناقضة. تذكر أن قول "نسختك" من الحقيقة مختلف تماماً عن قول "الحقيقة". يخاف البعض من تأييد الاستماع لوجهة نظر الآخر. وبالأحرى، من خلال الاستماع يبدأ الآخرون بالشعور بالأمان بما يكفي لإفلات قبضتهم عن القناعات الراسخة لديهم. لا تخجل، وارفض أو صعّد موقفك بوجهة نظرك المخالفة. فمن خلال الاستماع ستغرس الثقة والأمان المطلوبين لاختبار الآراء المخالفة على نحو فعال.
قد لا تكون ثمة طرق للتعامل مع الأشخاص صعبي المراس، أو طريقة للتصالح مع الآراء المخالفة بالكامل. ويمكن أن يقوم أولئك الذين يتمتعون بقناعة مزمنة بتجاهل آرائك بوصفها غير معقولة وبأنّ سلوكك دفاعي، وهذه هي المسؤولية الملقاة على كاهل القيادة. ولكن إذا استطعنا الإبطاء من ردة فعلنا ودراسة دوافعنا، والقناعة المزمنة لدى الآخرين، يمكننا عند ذلك إزالة أثرها السلبي وإيجاد أرضية مشتركة مختبئة في جميع الاختلافات.
اقرأ أيضاً: أسئلة القراء: ما الحل إذا كان صوتي يرتعش كلما دخلت في نزاع؟