هل سبق لك أن تعاملت مع زميل كان رائعاً في عمله، لكنه يتصرف وكأن القواعد لا تنطبق عليه؟ حدث هذا لعميلي يوسف، وهو مدير إبداعي كان يعمل على مدار العام الماضي مع مصمم منتجات موهوب يُدعى سليمان؛ قال لي يوسف: "سليمان شخص حاد الذكاء وتصميماته إبداعية، ويمتاز بقدرته الرائعة على طرح الأفكار وتبادلها مع الآخرين، لكن تجاهله للإجراءات المقرَّرة في شركتنا محبط". على الرغم من موهبة سليمان التي لا ينكرها أحد فرفضه الالتزام بقواعد الشركة كان يسبب الكثير من المشاكل، وكان يوسف يواجه صعوبة في تمالك أعصابه كلما تجاوز سليمان الإجراءات المقررة لمراجعة التصميم أو بدا أنه يتجاهل المبادئ التوجيهية لعلامتهم التجارية تماماً.
لا يقتصر هذا السيناريو على يوسف وسليمان؛ فلا بد من أن تصادف موفين يخالفون القواعد في كل قطاع وعلى مختلف المستويات الإدارية، مثل مندوب المبيعات الذي لا يسجل الأنشطة في نظام إدارة علاقات العملاء، أو القائد الذي يتأخر في حضور الاجتماعات ويضطر الجميع إلى انتظاره، أو مدير التسويق الذي يبرر باستمرار تجاوز الميزانية المقرَّرة متذرعاً بأن نتائج الحملة ستكون مجزية، أو اختصاصي تكنولوجيا المعلومات الذي يثبِّت برمجيات غير مصرَّح بها.
قد يكون العمل مع شخص مثل هذا مزعجاً، خاصة إذا كنت من النوع الذي يفضل الالتزام التام بالقواعد، وإذا كان الشخص الذي يخالف القواعد بارعاً في عمله، فقد يغض المسؤولون عنه الطرف عن سلوكه بسبب موهبته أو نتائجه، وسيجعلك ذلك تشعر بأن رغبتك في الالتزام بقواعد العمل غير منطقية.
لا مفر من التعامل مع أشخاص صعبي المراس في الحياة المؤسسية، والزميل الذي يخالف القواعد أحدهم، ومن المؤسف أنك لا تستطيع التوجُّه إليه ببساطة ومطالبته بالتوقف عن تجاهل المعايير؛ فمطالبته بالالتزام بالقواعد لن تجدي أي نفع. يتعين عليك بدلاً من ذلك معالجة المشكلة دون إثارة العداء بينكما أو إفساد علاقة العمل التي تربطك به. وإليك الطريقة:
حاول فهم أسباب ميل زميلك إلى مخالفة القواعد
من السهل أن تغضب إذا كنت تحاول دائماً إصلاح المشكلات التي يسببها شخص يخالف القواعد باستمرار، فقد تشعر بأنك مضطر دوماً لتدارك أخطائه أو تصحيح عمله أو إكمال النقص فيه نيابة عنه، كما أن الإحساس بالظلم الناجم عن هذا كله قد يثير غضبك واستياءك، فعلى الرغم من حرصك على اتباع كل خطوة بعناية، يبدو هذا الزميل وكأنه يتجاوزها دون عقاب.
قبل الاستسلام لهذا الإحباط والسماح له بالتفاقم، تمهَّل قليلاً، وخذ في حسبانك خطأ الإسناد الأساسي (FAE)، وهو تحيّز معرفي يجعلنا نبالغ في التركيز على سمات الفرد أو طبيعة شخصيته عند تفسير سلوكه مع التقليل من أثر العوامل الخارجية. بعبارة أخرى، قد تفترض أن زميلك كسول أو مهمل بطبعه أو يتعمّد إثارة المشكلات، في حين أن ثمة أسباباً أخرى لسلوكه في واقع الأمر؛ فربما مرّ بمشكلات شخصية أدت إلى تشتيت انتباهه، أو ربما تعرّض لضغوط من كبار مسؤولي الشركة لإنجاز العمل بأسرع ما يمكن، حتى لو على حساب إغفال بعض المعايير. هذا لا يسوغ أفعاله، لكن فهم الأبعاد الأخرى لسلوكه قد يساعدك على التعامل مع الموقف بهدوء أكبر دون أن تسيطر عليك انفعالاتك.
احرص على التحدث إليه لاستيضاح الموقف قبل مواجهته
اختر وقتاً مناسباً يخلو من المشتتات بحيث يكون كلاكما في حالة من الاسترخاء الذهني، ثم ابدأ بسؤال غير مستفز يحفز نقاشاً بناءً، مثل: "لاحظت أنك غالباً ما تتخذ نهجاً مختلفاً في التعامل مع قواعد العمل، هل يمكنك أن توضح لي السبب؟" أو "يبدو لي أن الإجراءات لا تروق لك، ما هو اعتراضك عليها؟"
حين يجيب زميلك عن السؤال، استمع إليه ثم اطرح عليه أسئلة استيضاحية، مثل:
- أي الإجراءات تروق لك؟
- إذا كان بإمكانك تغيير إجراء واحد، فما هو؟
- لا يمكننا الاستغناء عن الإجراءات المقرَّرة تماماً، فهل لديك حل وسط معقول من وجهة نظرك؟
احرص على إظهار اهتمامك، لا انتقادك، وقد تتمكن من معرفة أحد أسباب تجاوزه للخطوات الواجب اتباعها. ربما يخبرك بأنه لم يتلق تدريباً مناسباً أو يعلم من خبرته في وظيفة سابقة أن ثمة طرقاً لتنفيذ المهام بأسلوب مختلف وأكثر كفاءة.
أوضِح الغاية
ربما لا يفهم زميلك أيضاً أهمية القواعد في المقام الأول؛ فقد يعتبرها إجراءات بيروقراطية غير ضرورية لا قيمة لها، ومهمتك في هذه الحالة هي سد الفجوة من خلال توضيح سبب أهمية القواعد، والأهم من ذلك أن توضح الفائدة التي تعود عليه مباشرة من اتباعها. قال يوسف لسليمان: "أعلم أن المراجعات قد تبدو وكأنها تعطلك عن عملك، لكنها في الواقع توفّر علينا إجراء مراجعات كبرى لاحقاً. هل تتذكر مشروع شركة أكمي الذي نفذناه في وقت سابق من هذا العام؟ لقد اكتشفنا تناقضاً في بعض عناصر العلامة التجارية في بداية عملية المراجعة، ما وفّر على فريقك إعادة عمل أسبوع كامل".
يكمن السر هنا في صياغة حجتك بأسلوب يراعي المنفعة التي تعود عليه في المقام الأول؛ فربما يؤدي اتباع الإجراءات المقرَّرة إلى تقليل عدد الحالات الطارئة التي تظهر في اللحظة الأخيرة والحد من الحاجة إلى إعادة العمل وازدياد تقدير جهوده وسلاسة التعاون معه وتمكينه من تحقيق التوازن بين العمل والحياة على نحو أفضل. يمكنك أيضاً توضيح أثر سلوكه في الآخرين. على سبيل المثال، يمكنك أن تقول: "إن تقديم تقارير المصروفات باستخدام قائمة المراجعة المعتمدة بشركتنا يساعد قسم الماليات على إغلاق الحسابات بسرعة أكبر وبالتالي نحصل جميعاً على تعويضاتنا بسرعة أيضاً".
أتح المرونة قدر الإمكان
فكِّر في الوصول إلى حل وسط مع زميلك. ما هي الجوانب التي يمكنك تعديلها في الإجراءات المقرَّرة دون الإخلال بضوابط العمل؟ يتمثل الهدف هنا في الحفاظ على جوهر القواعد مع تكييف أساليب تنفيذها بحيث يستطيع زميلك الالتزام بها بيسر وسهولة. على سبيل المثال:
- اقترح اختصار مدة المراجعة إلى 15 دقيقة بدلاً من ساعة كاملة
- اقترح تقديم التحديثات يوماً واحداً في الأسبوع بدلاً من تقديمها يومياً
- أنشئ نموذجاً يسمح له بإعداد التقارير بسهولة أكبر (والالتزام بالصيغة المعتمدة)
تعامل مع هذه التغييرات باعتبارها تجارب، وحدِّد جدولاً زمنياً لتجربة كل نهج جديد، مثل تجربته شهراً واحداً أو 3 أشهر، ثم أعد تقييم الموقف وأدخل التعديلات اللازمة.
كُن حازماً إذا طلب منك زميلك مخالفة القواعد
على الرغم من أنك تبذل قصارى جهدك لإبداء تفهُّمك للطرف الآخر والتعاون معه، يتعين عليك أحياناً أن تتمسك بموقفك. اعترف بوجهة نظره بأدب ولكن بحزم، ثم أكِّد ضرورة الالتزام بالحدود المقرَّرة. يمكنك أن تقول مثلاً: "أقدر رغبتك في تلبية طلبك بسرعة، وأفضل طريقة هي تقديمه باستخدام هذا النموذج، وبعد ذلك سنقيّمه ونحدد أولويته".
إذا حاول الرفض أو الجدال، فأعد صياغة موقفك باستخدام عبارات مماثلة: "أتفهم أنك في عجلة من أمرك، لكن إجراءاتنا تقتضي تصنيف أولويات كل ما يرد إلينا عبر هذا النموذج. نضمن بهذه الطريقة مراجعة طلبات كل قسم بأسلوب عادل ومنصف".
التعامل مع زميل يخالف القواعد وينتهكها ليس سهلاً، لكنه مهارة جديرة بالإتقان. ويمكنك التوصل إلى طريقة للتعامل معه من خلال المزيج المناسب من التعاطف والبراعة والحزم.