عندما يزعجك أحد زملائك في العمل فقد تستهويك فكرة تجنّبه ما أمكن، لكن هذا ليس ممكناً دائماً وغالباً ما يجعل الموقف أسوأ. من الأفضل لك أن تتعاطف معه قليلاً. فكيف يمكن أن تفعل ذلك مع زميل يزعجك؟ وكيف تعزز الفضول بدلاً من العداء في التعامل معه؟

ما الذي يقوله الخبراء؟

تقول إحدى كبيرات الباحثات في جامعة بنسلفانيا ومؤلفة كتاب “كيف تكون سعيداً في العمل؟ (How to Be Happy at Work)، آني ماكي: “كل واحد منا سبق له أن قابل شخصاً يزعجه في مكان العمل. قد يعود سلوكه هذا إلى أسلوبه الشخصي في التواصل، أو ربما إلى تصرفات أخرى قد تجدها غير مهذبة، كالتأخر الدائم عن الاجتماعات على سبيل المثال”. ولكن في هذا الوقت الذي تزايد فيه التركيز على عمل الفريق وتتطلب فيه المشاريع في الغالب تعاوناً مكثفاً “عليك أن تجد طريقة لربط الصلات وبناء الجسور” حتّى بينك وبين الأشخاص الأكثر إزعاجاً لك. يقول الرئيس التنفيذي لمعهد ابحث داخل ذاتك للقيادة (Search Inside Yourself Leadership Institute)، ريتش فيرنانديز: “مهما كان هؤلاء الزملاء مزعجين، فإن تعزيز التعاطف معهم، يمثل نقطة بداية جيدة. فتوظيف هذا التعاطف يمكّنك من نهج متوازن ومضبوط جيداً يساعدك على العمل مع الأشخاص المزعجين”. إليك بعض النصائح المفيدة في بلورة هذا النهج.

فكّر ملياً

بداية ضع في اعتبارك أن زميلك لا يثير أعصابك عن قصد. يقول فيرنانديز: “إنه يفعل ذلك على الأرجح تفاعلاً مع مشكلات حياته الخاصة، وعليك ألّا ترى سلوكه موجهاً إليك شخصياً”، وتضيف ماكي: “تأمَّل سلوكك الشخصي، فعندما يُغضبك أحدهم يساعدك ذلك على التساؤل عن سبب تفاعلك بهذه الطريقة، وقد لا يكون إحباطك ناتجاً عن سلوك هذا الشخص، بل عن طبيعتك النفسية”. أو ربما “يذكّرك زميلك هذا بشخص آخر لا تحبّه”. تقول ماكي: “التحلّي بالوعي الذاتي والفهم العميق لتركيبتنا النفسية يقوي قدراتنا على التعاطف”. وعموماً يجب أن تكون تنمية التعاطف، سواء مع الذات أو مع الآخرين، هدفك الأول.

حافظ على هدوئك

تقول ماكي: “اعتمد على انضباطك العاطفي وقوة إرادتك، فعندما يأتي زميلك متأخراً أو يقاطعك أو يكون ببساطة شخصاً بغيضاً، قد تشعر برد فعل فسيولوجي. لذا انتبه إلى الإشارات التي تدل على أنك قد تكون عرضة للوقوع في فخ الاستفزاز، كتسارع أنفاسك أو تعرق راحتي يديك أو ارتفاع درجة حرارتك”. يؤدي الاستسلام إلى هذه الأعراض إلى خطر حدوث “اختطاف اللوزة الدماغية”، إذ يفقد الإنسان القدرة على توظيف جزء التفكير العقلاني من دماغه. تقول ماكي: “بدلاً من ذلك خذ بعض الأنفاس العميقة لمساعدتك على ضبط هرمونات التوتر لديك وتقليل احتمالية نهج سلوك لن يشرّفك ذكره فيما بعد”. يضيف فيرنانديز: “إن الحفاظ على سلوك هادئ ومنفتح يجعلك في حالة مزاجية أفضل لاستحضار هذا التعاطف مع زميلك. لا ترضخ ولا تمتنع عن الاستجابة، بل حافظ بدلاً من ذلك على هدوئك ورباطة جأشك، ووعيك بالموقف”.

كن فضولياً

ثمة نوعان من التعاطف: التعاطف المعرفي،الذي يعني القدرة على فهم وجهة نظر الآخر، والتعاطف النفسي ويعني القدرة على استشعار أحاسيس الآخر. تقول ماكي: “في الحالتين معاً يميل الفرد إلى التوقف عن الاستجابة عندما يتعرّض للمضايقة أو الإحباط”. لكن عليك أن تقاوم الرغبة في ذلك.

  • لاستحضار التعاطف المعرفي مع زميل مزعج تنصح ماكي بافتراض تصورات تفسر “سبب حديثه بهذه الطريقة المزعجة وتفكيره وتصرفه بها”. تقول عن ذلك: “نشّط فضولك واسأل نفسك: ما دوافعه؟ ما الذي يثيره أو يلهمه؟” تجاوز “رؤيتك الشخصية للأمور” وفكر فيما “يجعله يتصرف بهذه الطريقة انطلاقاً من خلفيته الثقافية أو تربيته أو حالته الأسرية أو الضغوط اليومية التي يتعرض لها”. وتذكّر أن الهدف من ذلك، وفقاً لفيرنانديز، هو: “فهم وجهة نظر هذا الشخص، وهذا لا يعني أن عليك تبنيها أو تأكيدها أو الاتفاق معها، لكن عليك الإقرار بها”.
  • تقول ماكي: “لاستجماع التعاطف النفسي مع ذلك الزميل ابحث عن بعض الاهتمامات المشتركة بينكما، ومن بين طرق التعامل مع الشخص الذي يزعجك تخيّل صورته في السادسة من العمر. بعبارة أخرى عليك أن تتذكر أنه مجرد إنسان”. ووفقاً لفيرنانديز يمكن أن تكون الفرضيات التي افترضتها لتفسير سلوك زميلك مفيدة هنا أيضاً: “ربما يكون هذا الزميل متوتراً أو تحت الضغط، أو ربما يمر بيوم سيئ”. ليس عليك أن تتحول إلى طبيب نفسي وتتعمق في وقائع طفولته، “لكن عليك أن تبذل جهداً لتجريب الصدى العاطفي” أي الشعور بمعاناة الآخر. وغالباً ما تكون نتيجة ذلك “تفهّم ظروفه”.

ركِّز على التشابهات الموجودة بينكما

بتوظيف كل من التعاطف المعرفي والنفسي يجب أن تحاول أيضاً “التعرّف إلى هذا الزميل” وتعميق “فهمك لوجهة نظره” وفقاً لماكي. لذا بدلاً من “التركيز على الاختلافات بينكما، ركز على الاهتمامات المشتركة”. وتنصحك ماكي أن تبدأ “بأمور بسيطة”. قد يكون لكما مثلاً أطفال في العمر نفسه. أو ربما يكون زميلك هذا مقيماً في حي أو بلدة تعرفهما جيداً. وظِّف هذه الاهتمامات المشتركة من أجل خوض محادثة مع زميلك، وإذا لم ينجح ذلك، “فارتجل حواراً حول موضوع وجدتماه مثيراً للاهتمام في آخر اجتماع لفريقك مثلاً”. يقول فيرنانديز: “غالباً ما يتيح العمل أرضية مشتركة للمحادثة، ومن المفترض أن يكون لكما هدف مشترك، هو نجاح المؤسسة التي تعملان فيها”.

كن لطيفاً

تقول ماكي: “في الواقع من السهل عليك أن تكون متعاطفاً مع الأشخاص الذين تحبّهم لأنك تفترض حسن نيتهم”. عندما تتعامل مع شخص لا تحبه، فإنك في الغالب تفترض حدوث الأسوأ، وتنعكس هذه العقلية على سلوكياتك. حاول إذاً أن تختزل رد الفعل هذا و”افعل شيئاً أو قل كلاماً مفاجئاً ولطيفاً” كما تضيف ماكي. اثنِ على هذا الزميل بسبب فكرة طرحها في اجتماع، أو اعرض عليه المساعدة على إنجاز مشروع ما. ولكن لا تتصنّع ذلك، “لأنه يجب أن يكون صادقاً“. لنفترض أن زميلك هذا حضر متأخراً كما العادة إلى الاجتماع الأسبوعي لفريقك. لا تشتكِ من ذلك أو تتذمر. ولا تتصرف بعدوانية سلبية وتعلِّق مثلاً قائلاً: “لطف منك أن تلتحق بنا”. قد تدفعك عفويتك إلى ذلك، لكن من الأفضل أن تقاومها. وبدلاً من ذلك تنصحك ماكي أن تعلّق بقول على غرار: “مرحباً. خذ فنجان قهوة قبل أن تجلس، وسنحيطك علماً بما فاتك”. هذا الشكل من سخاء الروح مفيد لك ولزميلك. يقول فيرنانديز: “تذكّر أن التعاطف اختيار يمكن أن تعبّر عنه في أيّ موقف”.

افتح نقاشاً (حاداً)

يقول فيرنانديز: “إذا استمر زميلك هذا في تحدّيك فقد يتعين عليك فتح نقاش حول كيفية عملكما معاً، وإذا فعلت ذلك انطلاقاً من مبدأ التعاطف فإن هذا النقاش لن يكون مشحوناً“. علاوة على ذلك إذا كنت “متّزناً وعادلاً، فمن المحتمل أن يتلقى زميلك رسالتك بطريقة جيدة جداً”. لا تقل له، على سبيل المثال: “أنت تأخذ وقتاً أكثر من المفروض خلال الاجتماعات”. وقل له بدلاً من ذلك: “أود أن نجد طريقة مناسبة لنا معاً للتعبير عن أفكارنا خلال اجتماع الفريق الأسبوعي”. ولا تنسَ أن زميلك ربما يشعر بذلك أيضاً تجاهك. وعموماً تقول ماكي: “إذا كان زميلك يُغضبك، فمن المحتمل أن تكون أنت أيضاً تُغضبه”.

مبادئ يجب تذكّرها

ما يجب أن تفعله

  • بذل جهد مكثف لفهم وجهة نظر زميلك ومشاعره.
  • التحلّي باللطف والتعاطف في التعامل مع زميلك المزعج.
  • معرفة العلامات الدالة على رد الفعل العاطفي السلبي الذي قد يصدر عنك تجاه زميلك. التنفس بعمق والحفاظ على الهدوء.

ما يجب ألا تفعله

  • التفاعل مع سلوك زميلك باعتباره موجَّهاً إلى شخصك ومهاجمته. وبدلاً من ذلك تأمَّل سلوكك الشخصي واسأل نفسك: ما الذي يدفعني إلى التفاعل بهذه الطريقة؟
  • التركيز على الاختلافات القائمة بينك وبين زميلك. عوضاً عن ذلك ركِّز على التشابهات والاهتمامات المشتركة.
  • التهرب من خوض نقاش مع زميلك حول الطريقة المثلى للعمل معاً. وتذكّر أنه إذا كان يغضبك، فمن المحتمل أنك تغضبه أيضاً.

دراسة حالة رقم 1: كن لطيفاً ومحباً للاطلاع على وجهة نظر زميلك

تقول رئيسة جامعة بنتلي، غلوريا لارسون، إن التعاطف مع الآخرين أمر اعتيادي بالنسبة إليها. وتروي عن ذلك: “نشأت في أسرة كثيرة الترحال، وكنت دائماً تلك الطفلة الجديدة في المدرسة. وكان عليّ باستمرار أن أتعرّف إلى أشخاص مختلفين جداً عنّي، وأحبّهم”.

وطوال مسارها المهني الطويل تعرّضت أساليبها في التعاطف مع الآخرين للكثير من الاختبارات. فعندما كانت تعمل محامية قبل سنوات في بوسطن ترأست غلوريا لجنة مسؤولة عن بناء قصر المؤتمرات في ولاية ماساتشوستس، وهو مشروع يمتد على الواجهة البحرية بكلفة تصل إلى 800 مليون دولار.

وكان بول (اسم مستعار)، أحد أعضاء مجلس الإدارة، شخصاً صعب المراس. وشكّت غلوريا أنه يسرب المعلومات إلى الصحافة ويقوض جهود باقي أعضاء المجلس. وكانت مصممة على عدم السماح له بالنيل منها. فكرت غلوريا في دوافع بول المحتملة. تقول عن ذلك:

“إذا أزعجني أحدهم فإنني أبذل جهداً إضافياً كي أتعرّف إليه وأحبّه، لكنني لا أقضي وقتاً طويلاً في التفكير في ذلك، لأنني لا أريد أن أُسقط ما أشعر به على هذا الموقف”. وعوضاً عن ذلك واجهت غلوريا الموقف بلطف. تقول: “دعوت بول إلى شرب فنجان قهوة معي”.

وفي أثناء المحادثة حافظت على هدوئها ورباطة جأشها، بأسلوب منفتح. وكان هدفها التعرّف إلى بول على المستوى الشخصي، والتحدث أيضاً عن المشروع. لم تتهم بول بتسريب المعلومات، بل تحدثت معه عن أهدافهما المشتركة المتعلقة “بإيجاد طريقة لإيصال المشروع إلى خط النهاية”.

وخلال حديثهما عرفت أموراً كثيرة عن وجهة نظره حول المشروع. تقول عن ذلك: “كان قلقاً من تركيز جهودنا على تشويه صورة القيادة السابقة أمام الرأي العام”.

وكانت النقاط التي أثارها بول اكتشافاً مهماً بالنسبة إلى غلوريا، وربما لبول نفسه. تقول غلوريا: “أدركت أن عليّ التقليل من انتقادي العلني للقيادة السابقة. وأعتقد أنه أدرك أننا يجب ألّا نكون بالضرورة أعداء، وبإمكاننا العمل معاً”.

دراسة حالة رقم 2: ابذل جهداً خاصاً لمعرفة ماضي زميلك

تقول الرئيسة التنفيذية للعمليات في منصة مايند إيدج (MindEdge) التعليمية الإلكترونية الموجهة للشركات والكليات، ساندرا سلاجر، إنها عندما تعمل مع زميل صعب المراس، فإنها تذكِّر نفسها “بافتراض الأفضل” بشأن هذا الشخص. تقول: “أحاول أن أتذكر أنه لا يغضبني عن قصد”.

كما تحاول أن تكون واقعية. و”أعترف أنه ليس من الضروري أن أحبّ شخصاً ما كي أعمل معه بنجاح”.

قبل سنوات كُلّفت سارة بمشروع تحريري مع لويس (اسم مستعار). تتذكر ذلك قائلة: “كان لويس عصبياً للغاية ومتوتراً، وقد تجلّى ذلك التوتر في ردوده الحادّة وتصرفه مثل شخص متنمر”.

فأدركت ساندرا أن عليها فعل شيء تجاه هذا السلوك. فكان تعزيز التعاطف مع لويس الخطوة الأولى التي اتخذتها، على الرغم من اعترافها أن ذلك لم يكن نابعاً من طيبة قلبها. تقول ساندرا: “لم يكن حماسي للتعاطف معه إيثاراً مني، بل كان محاولة لحلّ مشكلتي المتعلقة بإيجاد طريقة للعمل معه”.

فبذلت جهداً خاصاً للتعرّف إلى لويس و”فهم ماضيه”. فأخبرها لويس أنه طُرد من منصبه السابق بسبب خطأ لم يكن مسؤولاً عنه. كما علمت أيضاً أن لويس أب لمراهقين كانوا بصدد التقديم للالتحاق بالكلية.

تقول ساندرا عن لويس: “كانت هذه الوظيفة مهمة للغاية بالنسبة إليه وكان قلقاً بشأن مورد رزقه وأسرته، وبعد أن اطلعت على هذه الأمور، فهمته جيداً وعرفت مصدر توتره”.

فشعرت ساندرا بالمزيد من التعاطف مع لويس، وفهمت سبب توتر أعصابه. وبذلت أفضل ما لديها من أجل جعله يتقبّل دورها في المهمة. تقول عن ذلك: “قلت له إننا نرغب معاً في نجاح هذا المشروع، وأننا نحتاج إلى الثقة المتبادلة كي ننجز مهمتنا بنجاح”.

ومع مرور الوقت أصبح العمل مع لويس: “مهمة أقل انفعالاً وتحدياً تقنياً أكثر. لم تكن أساليبنا متوافقة، لكن أهدافنا كانت كذلك”.

وانتهى المشروع بنجاح، وعملت ساندرا ولويس معاً في عدة مشاريع على مر السنوات. تضيف ساندرا: “ما يزال لويس متوتراً لكن بيننا علاقة عمل جيدة”.