3 طرق لمساعدة فريقك على التعافي من الاضطراب

6 دقائق
التعافي الذاتي الجماعي
تصوير: ديفيد ميرون/غيتي إميدجيز

ملخص: تحتاج الشركات إلى إيجاد طرق لتحسين قدرة موظفيها على التكيف عندما لا تسير الأمور على ما يرام. يشير الذكاء السربي (Swarm intelligence) إلى الطرق التي تتصرف بها الكائنات ذات النُظم اللامركزية ذاتية التنظيم. إذ إن قدرتها على معرفة الوقت المناسب لتبديل الأدوار أو المهام، دون أن يخبرها أحد بذلك، هو ما يمنحها القدرة على التعافي والتكيف مع المواقف التي تهدد الحياة. ونظراً إلى أن هذا السلوك من الممكن وجوده على مستوى المستعمرات فقط، أشارت إليه المؤلفة بـ "التعافي الذاتي الجماعي". أظهرت بحوث جارية على أعضاء فِرق الإجراءات، بما في ذلك فِرق الاستجابة لحالات الطوارئ وفِرق التدخل السريع التابعة للشرطة والفِرق المتخصصة في علاج المصابين بإصابات بالغة وفِرق الرعاية الصحية العسكرية، أن هذه الفِرق تُجيد التعافي الذاتي الجماعي للغاية. وهذه الفِرق التي تتعافى ذاتياً وتتمتع بقدرة هائلة على التكيف تتسم بثلاث ميزات رئيسية. أولاً، تنجز المهام بغض النظر عمّن ينجزها. ثانياً، تستفيد من القيادة الموزّعة. وأخيراً، تدرك حدود خبراتها وتطلب المساعدة عند الحاجة.

 

العديد من المؤسسات تسعى جاهدة إلى معرفة كيفية التفوق في ظل الظروف المتغيرة بسرعة. وستواجه عاجلاً أم آجلاً تحديات تجبرها على تعديل الطرق التي تنجز بها الأمور حتى تتمكن من الاستمرار في الوفاء بالتوقعات. بعض الشركات تقوم بذلك بشكل أفضل من غيرها، وعادة ما يعود الأمر إلى مدى ثقتها في قدرة فِرقها على استيعاب الأمور المزعزعة. ما الذي يميز الفِرق التي تنجح في التعافي من الاضطرابات والعراقيل؟ تشير بحوث سابقة وجارية إلى أن الذكاء السربي قد يكون جزءاً من الإجابة عن هذا السؤال.

يشير الذكاء السربي (Swarm intelligence) إلى الطرق التي تتصرف بها الكائنات ذات النُظم اللامركزية ذاتية التنظيم. فالذكاء السربي هو ما يجعل النمل والنحل والطيور والأسماك تُظهر سلوكيات جماعية معقدة يمكن أن يجدها البشر ملهمة؛ على سبيل المثال الكيفية التي تبحث بها هذه الكائنات عن الطعام أو توزع العمل الذي يجب القيام به في المستعمرات.

على سبيل المثال في مستعمرات النمل يمكن للنمل أن يتبادل الأماكن أو الأدوار بسرعة عند حدوث أي اضطراب أو خلل؛ ما يعني أن لديه القدرة على التناوب وتبديل الأدوار بشكل غريزي. فإذا كان النمل خارج المستعمرة يبحث عن طعام ثم اعترض كلب طريقه، يدرك النمل أن هناك خللاً قد حدث ويتبادل المهام بسرعة لحماية المستعمرة. وقدرته على معرفة الوقت المناسب لتبديل الأدوار، دون أن يخبره أحد بذلك، هو ما يمنحه القدرة على التعافي والتكيف مع المواقف التي تهدد الحياة. ونظراً إلى أن هذا السلوك من الممكن وجوده على مستوى المستعمرات فقط، نشير إليه بـ "التعافي الذاتي الجماعي".

بتطبيق هذه الفكرة على البشر، نجد أن التعافي الذاتي الجماعي يحدث على مستوى الفريق وليس الفرد. فهو يحدث عندما يتخذ أعضاء الفريق زمام المبادرة لتبادل المهام، حتى لو كانت هذه المهام خارج نطاق أدوارهم الوظيفية التقليدية. وبهذه الطريقة يصبح أعضاء الفريق قابلين للتناوب وتبديل الأدوار، مثلما يفعل النمل، على اعتبار أنها استراتيجية للتكيف مع المواقف غير المتوقعة.

في بحوثنا الجارية، استفدت أنا وزملائي من بحوث سابقة وأجرينا مقابلات متعمقة مع أعضاء فِرق الإجراءات، بما في ذلك فِرق الاستجابة لحالات الطوارئ وفِرق التدخل السريع التابعة للشرطة والفِرق المتخصصة في علاج المصابين بإصابات بالغة وفِرق الرعاية الصحية العسكرية. ووجدنا أنه من خلال التدريب، طورت هذه الفِرق غريزة لتبادل الأدوار فيما بينها، ما يجعلها جيدة للغاية في التعافي الذاتي الجماعي. خلاصة القول، ما علمناه حتى الآن هو أن هذه الفِرق التي تتعافى ذاتياً وتتمتع بقدرة هائلة على التكيف تتسم بثلاث ميزات رئيسية. يمكن أن تلهم الأساليب الثلاثة التالية فريقك للتعافي والتكيف مع أي ظروف أو اضطرابات بسرعة أكبر.

إنجاز المهام بغض النظر عمّن ينجزها

نظراً إلى أن كل عضو في الفريق الذي يتعافى ذاتياً يركز على الهدف نفسه، فهم لا ينشغلون بالجدال حول مَن يجب أن يفعل ماذا؛ ما يعني أنهم ببساطة يرون ما يجب القيام به ثم يقومون به.

وقد لاحظنا هذا السلوك لدى الفِرق المتخصصة في علاج المصابين بإصابات بالغة في خضم الجائحة. على سبيل المثال، كجزء من وضع خطة لمواجهة مرض "كوفيد-19"، سُئل الأطباء عن المكان الذي سيكونون مرتاحين للعمل داخله في المستشفى إذا اقتضى الأمر أن يقدموا خدماتهم في مكان آخر. وبالتفكير في هذا السؤال، أدرك العديد من أعضاء فِرق الرعاية الصحية هذه أنه على الرغم من عدم عملهم في تقديم خدمة معينة لفترة من الوقت، فإنهم سيكونون قادرين على تقديمها إذا لزم الأمر. وقال بعضهم: "يمكنني سد العجز في أي مكان بحاجة إلى خدماتي". في الماضي كان لا بد من احترام التسلسل الهرمي المحكم والأدوار الصارمة للغاية. ولم يُسمح لأي شخص بأداء مهام خارج نطاق دوره الوظيفي.

ولكن تحدت الجائحة هذا التسلسل الهرمي؛ فقد بدأ أعضاء الفريق في العمل خارج نطاقهم التقليدي لتخفيف عبء العمل على الفريق وتعزيز قدراته. وفي حين أن فكرة القيام بالمهام التي من المتعارف عليه أنها تنتمي إلى تخصص آخر كانت مثيرة للقلق في البداية، إلا أن أعضاء الفريق أخبرونا أنه عندما تسوء الأمور للغاية، فمن الممكن أن يبدل أعضاء الفريق الأدوار.

الاستفادة من القيادة الموزّعة

تتبنى الفِرق التي تتعافى ذاتياً عقلية التدريب متعدد التخصصات لمساعدة بعضها بعضاً على تعلم كيفية سد الفجوات عندما لا يستطيع أحد أعضاء الفريق القيام بدوره. لا يهم ما إذا كنت أنت القائد أم لا؛ ما يهم هو أن الجميع مستعدون لأخذ زمام المبادرة والقيام بمهام تقع خارج نطاق دورهم الوظيفي إذا لزم الأمر. يحدث هذا غالباً في فِرق الاستجابة لحالات الطوارئ التي تختلف عن الفِرق المتخصصة في علاج المصابين بإصابات بالغة التي لديها تركيبة ثابتة؛ إذ إن فِرق الاستجابة تتألف من أي شخص متاح في تلك اللحظة. إذ يمكن أن ينتهي الأمر بأي فريق بوجود العديد من المسعفين أو عدد قليل منهم فقط، أو بفرقة إطفاء أو دون وجود فرقة إطفاء، أو حتى بفريق طلابي للاستجابة للطوارئ. يتعين على هذه الفِرق أداء مهامها بالأعضاء المتاحين لديها، وهذه الظروف تتطلب حتماً تبادل المهام، لاسيما فيما بين المهنيين المدرَّبين. وليس من المستغرب إعادة توزيع المهام القيادية أو أن يضطلع بها مَن هو أكثر استعداداً للقيادة في الوقت الحالي. ولذلك إذا حدث شيء ما، يمكن لهذه الفِرق العودة إلى العمل في أسرع وقت ممكن.

إدراك حدود خبراتك وطلب المساعدة عند الحاجة

تدرك الفِرق التي تتعافى ذاتياً أنه عندما تسوء الأمور، لا يوجد مكان للأشخاص شديدي الغرور. فهي تعلم أنه يجب عليها انتقاد أصحاب السلوك السيئ، وإذا كنت الشخص الذي يتم انتقاده، فمن الأفضل التخلص من هذا السلوك بسرعة حتى يستمر الفريق في العمل بوصفه وحدة متماسكة.

التسلسل الهرمي متأصل في طبيعة البشر، ولا يُستثنى أي فريق بشري من تأثيره. على الرغم من الفعالية الكبيرة لتبديل المهام القيادية في فِرق الاستجابة للطوارئ، فهو ليس أمراً سهلاً لأنه يتطلب التحلي بدرجة معينة من الحكمة. ففي بعض الأحيان يدفع حدث محفّز شخصاً ما من فرقة الإطفاء إلى تولي مهمة قيادية على الرغم من أنه كان من المفترض أن يؤديها أحد المسعفين. في مثل هذه المواقف، يجب صياغة المحادثة بعناية حتى يعرف كل عضو في الفريق أن تبديل المهام أو الأدوار قد حدث بسبب الظروف وليس عدم الكفاءة.

يُوضع التسلسل الهرمي بشكل مزدوج في فِرق الرعاية الصحية العسكرية. فهناك تسلسل هرمي يتعلق بالرتبة العسكرية وأيضاً هناك تسلسل هرمي يتعلق بثقافة الرعاية الصحية. وعادة ما تظهر مشكلة "الأنا" في هذه الفِرق. ولكن في عمليات النشر التي تكون فيها الموارد شحيحة والخطر وشيك، ينبغي أن يظل أعضاء الفريق منفتحي الذهن. سمعنا كثيراً قصصاً عن "ذلك" المسعف الذي كان "يقوم بأكثر من مهمة" وكان يعرف كيفية اكتشاف الإصابة وعلاجها بشكل أفضل من الجراحين.

بسبب خبرة مثل هؤلاء الأشخاص في عمليات النشر، فقد تعرضوا لمجموعة متنوعة من المواقف، وإذا لزم الأمر سيتمكنون من أداء مهام طبيب التخدير أو الممرض في وحدة العناية المركزة. كما يمكنهم تصنيف الإصابات حسب شدتها لتحديد الأولوية في تلقي العلاج. ويمكنهم المساعدة أيضاً في الإبقاء على المسالك الهوائية مفتوحة. وهذا جيد، لأن هذه الفِرق مستعدة لقبول أن شخصاً برتبة مهنية أقل قد يمتلك المهارات اللازمة في اللحظات الحرجة.

كما علمتنا هذه الفِرق، فإن التعافي الذاتي الجماعي يتطلب أن يفهم أعضاء الفريق أن المجموعة أكثر أهمية من الفرد. وفي حين أنه أمر منطقي، إلا أنه ليس من السهل تقبله. في الحشرات الاجتماعية، مثل النمل، يُعد التعافي الذاتي الجماعي قدرة طبيعية. النمل بدائي للغاية؛ فهو لا يمكنه اتخاذ القرارات بنفسه ونظامه التنظيمي بيولوجي وليس اجتماعي. ولهذا السبب فهو ليس لديه القدرة على الجدال حول مَن هو الأكثر أهمية أو مَن يطرح أفضل الأفكار. ولكن البشر يفعلون ذلك، ما يخلق تحديات.

التعافي الذاتي الجماعي في الفِرق البشرية ليس سمة فطرية؛ بل يجب غرسها وتنميتها. كما تَبين من فِرق الاستجابة لحالات الطوارئ وفِرق القوات الخاصة التابعة للشرطة والفِرق المتخصصة في علاج المصابين بإصابات بالغة وفِرق الرعاية الصحية العسكرية، يتطلب التعافي الذاتي الجماعي عقلية تؤمن بالتعلم والتعليم بشكل كبير. وستكون قد حققت إنجازاً عندما يكون لديك عضو في الفريق على استعداد لاكتساب المعرفة وتعلم المهارات والتعرف على المواقف التي تقع خارج نطاقه المهني. فهذه العقلية تعني أن أي وقت متاح لدى أعضاء الفريق يتم استغلاله في التدريب وإعادة التدريب بحيث لا توجد فجوة أو نقص في الكفاءة عند وقوع أي حدث غير متوقع.

ينبغي للقادة الذين يحاولون مواكبة القضايا الصعبة المتغيرة باستمرار في مجتمعنا التفكير في بعض الأسئلة:

  • هل تتفاعل فِرقنا في الوقت الحالي بطرق تمكّنها من التعافي الذاتي الجماعي؟
  • إذا لم يكن الأمر كذلك، هل يمكن أن تتطور قيمنا وأدوارنا ومسؤولياتنا وعقلياتنا بطريقة تمكّننا من التعافي الذاتي الجماعي؟
  • إذا أتحنا فرصاً للعمل خارج نطاق المهام أو الأدوار الموكلة إلينا، فهل سيجعل ذلك التعافي الذاتي الجماعي ممكناً؟

على الرغم من أن الإجابات عن هذه الأسئلة قد لا تكون سهلة، فإنها على الأقل يجب أن تدفعنا إلى التفكير. ففي النهاية، ستكون المحصلة النهائية بالنسبة إلى الفِرق المتخصصة في علاج المصابين بإصابات بالغة وفِرق القوات الخاصة التابعة للشرطة وفِرق الاستجابة لحالات الطوارئ وفِرق الرعاية الصحية العسكرية هي بناء فريق أكثر تماسكاً وزيادة احتمالية تحقيق نتائج إيجابية. أليس هذا ما تبحث عنه أي مؤسسة؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي