التسويق في عصر أليكسا

17 دقيقة
التسويق في عصر الثورة الرقمية
إليكم هذه القصة حول التسويق في عصر الثورة الرقمية الحالية، أوصلت المركبة ذاتية القيادة لوري إلى منزلها، ومن ثم غادرت لتقوم بالأعمال المسجلة على جدولها لدى الوكالة. وستعود المركبة في الوقت المحدد الصباح التالي لإيصال لوري إلى المطار. أما لوري، فقد أخذت الطلبيات التي أوصلتها الطائرة ذاتية القيادة من صندوق الإيداع على منضدتها ودخلت بها إلى منزلها، حيث رحبت بها إيف، وهي برنامج المساعدة الذكية من الجيل التالي مثل أليكسا، وذكرتها بلطف برحلتها المقررة إلى لوس أنجيليس من أجل المؤتمر القادم. لم تتكبد لوري عناء معرفة المزيد من التفاصيل بما أن إيف قد تكفلت بإيجاد أفضل رحلة وأفضل مقعد وأفضل غرفة فندق بما يناسب سياسة الإنفاق في الشركة.
وعندما فتحت لوري طلبية البقالة التي تم إيصالها، وجدت أن إيف عدلت قائمة المشتريات الأسبوعية، حيث حذفت المواد القابلة للتلف وأضافت مستلزمات النظافة والتزيين ومستحضراً واقياً من الشمس بأحجام مناسبة للسفر، وبعد أن حسبت إيف أن مسحوق الغسيل شارف على الانتهاء، وأنّ لوري ستحتاج لغسيل بعض الملابس عند عودتها بعد أسبوع، طلبت صنفاً جديداً من مسحوق أقّل كلفة يحظى بآراء إيجابية من الزبائن. وبما أن إيف تعلم أن لوري لن ترغب بالطبخ، رتبت أن يتمّ إيصال وجبتها الجاهزة المفضلة عند عودتها تماماً.
فكرت لوري أنّ وجود إيف نعمة. فبالإضافة إلى إدارة تسوقها وسفرها، تابعت إيف مصاريفها وحرصت على أن تبقى التكاليف منخفضة. على سبيل المثال، قامت إيف كعادتها  كل ثلاثة أشهر بمراجعة جميع خطط الاتصالات المتوفرة في السوق ومقارنتها ببيانات استخدام لوري للاتصالات في الفترة ذاتها. ووجدت أن خطتها الحالية تقدم لها أفضل سعر لاستخدامها الذي غالباً ما يكون مسائياً وأثناء عطلة نهاية الأسبوع. ولكن عند اقتراب عيد ميلاد أخيها الذي سيبلغ الأربعين، توقعت إيف أن تقوم لوري باتصالات كثيرة مع أصدقائها وعائلتها ووجدت صفقة مع شركة جديدة ستمكّنها من توفير النقود. فتّمت مطابقة هذا العرض فوراً مع شركة الاتصالات التي تتعامل معها لوري حالياً، وهي شركة دفعت مقابل أن يتم عرضها على منصة المساعدة إيف وأن تحظى بحقّ مطابقة أسعارها مع أسعار المنافسين. اعتمدت لوري على إيف في مساعدة مماثلة لشراء خدمات التأمين والمصرف والمنتجات الاستثمارية أيضاً. سابقاً، احتاجت  في بعض الأحيان أن تعطي إيف بعض الأوامر بشأن معاييرها والمقايضات التي كانت ترغب بالقيام بها (مثلاً، الاستغناء عن العائدات الأعلى مقابل حافظة استثمار أكثر حفاظاً على البيئة)، ولكن مؤخراً، بدأت إيف تكتشف خصائص المنتجات الذي تبحث لوري عنها، وحتى الجمالية منها دون الحاجة لأن تخبرها لوري بها.
لم تعلم لوري كيف تمكنت من التأقلم مع إيف. ولكنها أصبحت تثق بمساعدتها الذكية ليس فقط من أجل الاستشارة بشأن عمليات الشراء المعقدة وإنما أيضاً من أجل اتخاذ العديد من قراراتها الروتينية وتعريفها على منتجات وخدمات جديدة لم تعلم أنها كانت بحاجتها.

هل يبدو هذا السيناريو بعيد المنال؟

إنه ليس كذلك.  إذ إن التسويق في عصر الثورة الرقمية الحالية والتقنيات التي تستخدمها لوري للتعامل مع عالمها بعضها قيد التطوير والبعض الآخر متوفر فعلاً ويتم تحسينه بسرعة. حيث أطلقت شركات التقنيات العملاقة، مثل أمازون وجوجل وبايدو وغيرها، منصات ذكاء اصطناعي مع برامج مساعدة ذكية بمهارات رقمية متزايدة. وبرغم عدم اكتساب أي منها بعد الإمكانات الشاملة التي تمتلكها إيف، إلا أن هذا هو هدفها بالتأكيد، وما هي إلا مسألة وقت قبل تحقيقه.

تحتلّ برامج المساعدة الذكية منازل المستهلكين بسرعة كبيرة. ويقدّر المحللون أن أمازون مثلاً قد باعت فعلاً أكثر من 25 مليون قطعة من مكبر الصوت الذكي "إيكو"، الذي يستخدمه الناس للتعامل مع المساعدة الذكية المدمجة فيه، أليكسا. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم لأكثر من الضعف بحلول عام 2020. وما أن تقوم بحساب ملايين الأجهزة الأخرى التي يمكنها فعلاً أن تستضيف أليكسا عبر تطبيقات أنظمة التشغيل iOS أو أندرويد، تجد أن تغلغل أليكسا في السوق يبدو أكبر بكثير.

أصبح مساعد جوجل، الذي يمكن الدخول إليه بصورة رئيسية عبر أجهزة جوجل هوم وهواتف بيكسل، متوفراً على 400 مليون جهاز. وفي وقت سابق من هذا العام، أطلقت شركة آبل جهاز هوم بود الداعم لسيري، واستحوذت شركة سامسونج على فيف (شركة مساعدة ذكية أسسها مخترعو سيري) لتعزيز منصة المساعدة الذكية لديها، بيكسبي. أما مايكروسوفت وتينسنت، فلدى كل منهما منصة للمساعدة الذكية الخاصة بها (كورتانا وزاياوي Xiaowei)، وفي الصين، يحظى برنامجي المساعدة الذكية  تشومينوينوين (Chumenwenwen) وزاياويس (Xiaoice) بشعبية كبيرة. جدير بالذكر أن زاياويس قادر على إجراء محادثة بشرية غير اعتيادية ويسجل عدد 40 مليون مستخدم.

فكرة المقالة بإيجاز

البيئة الجديدة

ستحوّل برامج المساعدة الذكية مثل أليكسا طريقة بيع الشركات منتجاتها للزبائن وإرضائهم على مدى العقد القادم، وستتنازع الشركات العالمية لإنشاء منصة الذكاء الاصطناعي المفضلة.

السلوك المتغير

ستصبح منصات الذكاء الاصطناعي مستشاراً يثق به المستهلكون، وذلك عن طريق توقع احتياجاتهم وتلبيتها وضمان أن يتم إيصال المشتريات الروتينية إلى منازلهم بسلاسة دون عرقلة كما يتم إيصال الكهرباء مثلاً، بالإضافة إلى إرشادهم في قرارات الشراء المعقدة.

الجواب الاستراتيجي

ستحتاج الأسماء التجارية إلى تحويل تركيزها على المستهلك في عمليات التسويق وتوجيهه نحو منصات الذكاء الاصطناعي من أجل الحصول على مواقع أفضل لدى برامج المساعدة الذكية.

ستغير برامج المساعدة الذكية خلال العقد المقبل طريقة تواصل الشركات مع زبائنها، مع استمرار الصراع بين الشركات لبناء منصة المساعدة الذكية المفضلة لدى الزبائن. لأن هذه المنصات ستصبح القناة الرئيسية لحصول الناس على المعلومات والبضائع والخدمات، وسيتحول التسويق إلى معركة للفت انتباههم.

ستساعد برامج المساعدة الذكية المستهلكين على الاطلاع على العدد الهائل من الخيارات المتزايدة. إذ يشتري الناس كلّ عام الآلاف من أنواع المنتجات التي يختارونها من بين عشرات أو مئات الخيارات لكل منها. وحتى عمليات الشراء الروتيني تستهلك وقتاً، ولكن عمليات الشراء غير الروتينية تحتاج إجراء فرز بين أعداد كبيرة من العروض المتنافسة وتكون المجازفة فيها كبيرة. مثلاً، من الممكن أن تجد شراء حذاء أمراً ممتعاً، في حين أن اختيار فرشاة الأسنان المناسبة من بين أكثر من 200 منتج أمر ممل، ويمكن أن يدمر الاختيار الخاطئ لمضرب التنس مباراتك، ويمكن أن تكون عدم دراسة عقد شراء هاتف نقال أو عقد تأمين بصورة جيدة أمراً مكلفاً.

ستقلص جميع برامج المساعدة الذكية الكلفة والمجازفات بالنسبة للمستهلكين، بالإضافة إلى أنها ستقدم لهم تسهيلات غير مسبوقة. إذ أنها ستضمن وصول المشتريات الروتينية إلى المنازل دون عرقلة، تماماً كما يتم إيصال الماء والكهرباء اليوم، وستعمل على معالجة التعقيدات في قرارات الشراء التي تحتاج لمشاركة أكبر عن طريق التعرف على معايير المستهلكين وتحسين أي عملية مقايضة ينوي المستهلك القيام بها (كدفع سعر أكبر مقابل زيادة الاستدامة).

سيتوجه ولاء المستهلكين نحو برامج المساعدة الذكية الموثوقة بدلاً من الأسماء التجارية الموثوقة.

ستكون الآثار على وسط الأعمال التجارية واسعة. فالتقنيات التي تشكل ثورة في طريقة تفاعل المستهلكين مع سوقٍ ما تعيد ضبط وسائله وتعيد تشكيل الشركات التي تبيع منتجاتها فيه. في خمسينيات القرن الماضي مثلاً، أدى ظهور المتاجر الكبرى (سوبرماركت) إلى ازدياد أهمية وسائل الإعلام بالنسبة للمسوقين، حيث أطلقت موجة توحيد بين الشركات المصنعة للبضائع الاستهلاكية. وبالمثل، ستغير منصات الذكاء الاصطناعي وبرامج المساعدة الذكية اللعبة بالنسبة للأسماء التجارية الكبرى وشركات البيع بالتجزئة، عن طريق تغيير القوة النسبية لللاعبين في سلسلة القيمة وقاعدة التنافس الأساسية.

تأتي هذه التنبؤات من بحثنا الجاري في الطرق التي اتبعتها التقنية من أجل إعادة تعريف العلاقات بين الزبائن والأسماء التجارية الكبرى والشركات. وفي مجرى هذا البحث قمنا بمراجعة مئات من المقالات الأكاديمية والصناعية والإخبارية ذات الصلة، وأجرينا نقاشات متعمقة ومقابلات منظمة مع خبراء صناعيين وإداريين في شركات جوجل ولوريال ويوريد وغيرها من الشركات العالمية. (قدم لنا مساعدا الخريجين في جامعة آيفي للأعمال، غوبيند ديب سينغ وفيفيك آستفانش، مساعدة في المراجعة الأولية للمؤلفات). وسنحدد في هذا المقال بتفصيل أكثر التغييرات التي نتوقع أن تولّدها منصات المساعدة الذكية على المدى القريب وسنشرح ما يترتب عليها من آثار على استراتيجية التسويق.

التسويق على المنصات

نتوقع أنه، ما أن ينقشع الغبار، لن يبقى هناك سوى منصات الذكاء الاصطناعي التي تلبي جميع الأغراض. (انظر إلى الملحق بعنوان "تغيير المنصة المقبل"). سيستعمل معظم المستهلكين منصة واحدة يكون برنامج المساعدة الذكية فيها مدمج في منازلهم وسياراتهم وأجهزتهم النقالة. ستجمع هذه المنصة المعلومات وتوصلها، وسيكون برنامج المساعدة الذكية هو واجهة المستهلك في أنظمة المنزل والأجهزة والآلات الأخرى بالإضافة إلى كونه بوابة لمركز تسوق غير محدود للبضائع والخدمات. وكلما استخدم المستهلك المنصة أكثر ستفهم عاداته وتفضيلاته بصورة أفضل، وستلبي احتياجاته بكفاءة أعلى عن طريق زيادة رضاه ضمن دائرة ذاتية التعزيز.

تغيير المنصات القادم

ربما كان هناك ما يزيد عن عشرة متنافسين جديين في صناعة المنصات الناشئة اليوم. ولكننا نتوقع أن هذا القطاع سيصبح محصوراً بالبعض فقط في نهاية المطاف. ما الذي سيقود هذه التصفية وكيف سيتم اختيار الرابحين؟.

سيواجه المبتدئون عوائق كبيرة للدخول إلى السوق، إذ أن بناء وتشغيل منصات الذكاء الاصطناعي الضخمة التي تستخدم للأغراض العامة أمر مكلف للغاية. مثل أليكسا، برنامج المساعدة الذكية لشركة أمازون، الذي احتاج تطويره آلاف المهندسين وسنوات من العمل. وبالإضافة إلى تخصيص موارد داخلية كبيرة من أجل عملية البناء، يجب على كل لاعب أن ينشئ بيئة مكثفة من المزودات التي توفر البيانات والخدمات والمهارات والتطبيقات. وتحتاج المنصات من أجل النجاح إلى قاعدة واسعة مثبتة ومجموعة واسعة من الإمكانات. ومن يتمكنون من تحقيق الحجم والنطاق سيحظون بأفضلية طبيعية، فكلما كان أداء المنصة قوياً وموثوقاً أكثر، ازداد المستخدمون المخلصون لها. ومع الوقت، ستعرف المنصة تفضيلات المستهلكين وعاداتهم، ما سيحسن قدرتها على توقع احتياجات الناس وتلبيتها، وذلك بدوره سيدفع المستهلكين لاستخدامها أكثر. وباجتماع هذه القوى المحركة مع عدم إمكانية نقل البيانات بين المنصات ستزيد إمكانية احتفاظ المنصات بمستخدميها. وعلى الأغلب ستتحقق الفوائد لبعض المنصات الكبيرة فقط بينما تستمر المنصات الأصغر، مثل منصة أوبر أو إكسبيديا، لبعض الوقت فقط، ونتوقع أنها ستندمج في نهاية المطاف مع المنصات العامة الكبيرة لتعمل كبائعين أو مهارات محددة لبرنامج المساعدة الذكية.

سيتلاشى هاجس المسوقين اليوم بإنشاء تجربة تسوق للزبائن محصورة بقناة واحدة مهيمنة ما أن تصبح منصات الذكاء الاصطناعي وسيلة تسويق قوية وقناة بيع وتوزيع ومركز خدمة وتلبية، كلها جميعاً في مكان واحد. وسيحظى مالكو المنصات القليلة التي ستتركز فيها جميع هذه الوظائف بنفوذ هائل، وستجد البضائع ذات الأسماء التجارية الكبرى نفسها في موقع أضعف. كما أن قوة منصات الذكاء الاصطناعي ستثير قلقاً أكبر لدى شركات المنتجات الاستهلاكية التي تشعر اليوم أن شركات التجزئة الكبيرة، مثل وول مارت، تسيطر بنفوذ أكبر مما ينبغي. وسيكون تأثير هذه المنصات كبيراً على الأسعار والترويج وحتى على العلاقة مع المستهلك نفسه، على اعتبارها وسيلة كبرى، بل أساسية، للتواصل مع المستهلكين ومخزناً لكمية كبيرة من البيانات عن عاداتهم وتفضيلاتهم واستهلاكهم.

تدين الأسماء التجارية الكبرى اليوم بنجاحها لقدرتها على التميز بجودة منتجاتها وكسب ولاء الشاري. ولكن في عالم منصات الذكاء الاصطناعي، من المحتمل أن يجد المسوقون أن المستهلكين مثل "لوري" قد نقلوا ولاءهم للأسماء التجارية الموثوقة إلى برنامج مساعدة ذكية موثوق. وستكون منصات الذكاء الاصطناعي وسيلة لتحقيق أداء أفضل للنشاطات التي تساعد الأسماء التجارية الكبرى في توطيد علاقاتها مع المشترين مع مرور الوقت، عن طريق فهم احتياجاتهم وتلبيتها وضمان الجودة والتمحور حول اهتمامات المستهلك باستمرار. وفي الواقع، نحن نتوقع أن تحظى برامج المساعدة الذكية بثقة المستهلك وولائه أكثر من تقنيات التسويق السابقة. ولذلك نتوقع أن أن يتغير تركيز العديد من الأسماء التجارية الكبرى من تعزيز العلاقات المباشرة مع المستهلكين إلى تحسين مواقعهم على منصات الذكاء الاصطناعي. ولكن في بعض الحالات المعينة، من الممكن أن يكون حفاظ هذه الأسماء التجارية على روابط قوية مع المستهلكين بعيداً عن المنصات أمراً منطقياً من الناحية الاستراتيجية. (انظر إلى الموضوع الجانبي بعنوان: "هل ستكون الأسماء التجارية مهمة؟").

هل ستكون الأسماء التجارية مهمة؟

بفضل منصات الذكاء الاصطناعي، يكاد يصبح عمل الشركات المنتجة للبضائع ذات الأسماء التجارية أشد صعوبة. حيث سيتزايد تحكم برامج المساعدة الذكية، مثل أليكسا، بالتواصل مع زبائن هذه الشركات، وسيكون دور تمييز الأسماء التجارية في اختيار المنتج أضعف من دور خوارزميات الذكاء الاصطناعي الدينامية والفريدة. ولكن هذا لا يعني أن الأسماء التجارية لن تكون مهمة. إذ بإمكانها التجاوب بثلاث طرق:

أولاً: يجب عليها الاستثمار بقوة في فهم استخدام خوارزميات المنصات التي تستخدمها للتوصية بالمنتجات واختيارها، بما في ذلك كيفية حساب أهمية كل اسم تجاري بالنسبة لكل مستهلك. وفي بعض الفئات وبالنسبة لبعض الزبائن، قد تكون الأسماء التجارية أكثر أهمية من السعر (آبل مثال على ذلك). وفي حالات أخرى، (فلنقل، فرشاة أسنان) يمكن أن تكون الأسماء التجارية ذات أهمية أقل. وخوارزميات الذكاء الاصطناعي تأخذ هذه الاختلافات في الحسبان.

ثانياً: يجب أن تقدّر الأسماء التجارية قيمة الحفاظ على روابط مباشرة مع المستهلكين. في بعض أنواع العروض، كالأجهزة الإلكترونية الذكية المرتبطة بالإنترنت، قد يكون الترويج لنشر الاسم التجاري والولاء بعيداً عن منصات الذكاء الاصطناعي استراتيجية هامّة وضرورية. فالمنتجات الذكية تمنح الشركات قناة مباشرة للتواصل مع الزبائن وجمع البيانات عنهم، مما سيجعل هذه الشركات تعتمد بصورة أقلّ على منصات الذكاء الاصطناعي. وفي هذه الحالات، يكون استمرار الاستثمارات في بناء الاسم التجاري أمراً منطقياً.

وأخيراً: بينما يستمر تزايد عمليات الشراء عن طريق الانترنت، يتمّ شراء ما يقارب 90% من مبيعات التجزئة العالمية في المتاجر التقليدية. وسيستمر الزبائن باتباع هذه الطريقة التقليدية للتسوّق، على الأقل على مدى المستقبل المنظور، وستبقى الأسماء التجارية ذات تأثير. ولكن عندما يتحوّل تسوق المستهلكين نحو منصات الذكاء الاصطناعي، سيتوجب على شركات الأسماء التجارية الكبرى تقييم أهمية قنوات بيع التجزئة التقليدية بصورة منتظمة (ستتنوع هذه القيمة كثيراً بحسب الفئة) وتعديل استراتيجيتها بما يتناسب مع هذه الأهمية. وستبقى لدى هذه الشركات خبرة في فئات منتجها، بالإضافة إلى معرفتها العميقة بسلوك المستهلك وابتكار المنتج.

سيكون لهذه التغيرات أثر على الشركات ضمن ثلاثة مستويات حيوية: اكتساب الزبائن وإرضاؤهم والاحتفاظ بهم.

اكتساب الزبائن

أصبح اكتساب الزبائن اليوم أكثر فعالية من أي وقت مضى بسبب استخدام بيانات المستهلكين لإنشاء تسويق موجه بدقة. ومع ذلك، لا يزال هدف المسوقين أبعد ما يمكن عن الكمال. حيث توجّه الإعلانات باستمرار إلى المستهلكين الذين لا يشكلون فرصاً جيدة، دون أن تصل إلى المهتمين فعلاً بالعروض فيها. حتى عندما تصل الإعلانات إلى الجمهور المناسب، غالباً ما تشوش حدود المستهلك الإدراكية رسالتها، إذ من الممكن أن يحتاج الناس إلى رؤية الإعلان عدة مرات قبل أن يؤثر فيهم، أو ربما نسوه كلياً. ومن الممكن ألا يتذكروا سوى الجزء الذي يثير اهتمامهم من الإعلان، كالفكاهة فيه على سبيل المثال، وليس اسم المنتج أو عرضه المميز.

ستكون هذه الأمور ذات أهمية أقلّ في السنوات القادمة خلال التسويق في عصر الثورة الرقمية الحالية، عندما يتغير التوجيه الرئيسي للمليارات المنفقة على تسويق الاسم التجاري نحو منصات الذكاء الاصطناعي التي تحتفظ بأدقّ المعلومات بدلاً من توجيهها نحو المستهلك الناسي والمتحيز. ستحلل المنصات البيانات آخذة في الحسبان أسعار المنتجات وصفاتها وأداءها السابق وآراء المستهلكين عنها (والتي تقيّم بالمصداقية والارتباط) وتفضيلات المستهلكين وسلوكياتهم السابقة. سيصبح اكتساب المستهلك أمراً علمياً أكثر، وبدلاً من التركيز على عدة قنوات سينصبّ تركيزه على قناة واحدة، وهي المنصة.

سيكون مفتاح النجاح في هذا العالم هو التأثير على خوارزميات المنصات. سيكون من الضروري أن تفهم الشركات مقاييس الشراء ذات المواصفات المحددة التي تطبقها منصات الذكاء الاصطناعي لكلّ مستهلك. وغالباً سيكون على البائعين دفع رسوم للمنصات من أجل الحصول على هذه المعلومات، ولكي تدرجهم في قوائمها بنفس الطريقة التي تدفع فيها الأسماء التجارية الكبرى اليوم رسوم وضع منتجاتها على رفوف متاجر التجزئة التقليدية. ومن الممكن أن يحتاج المسوقون للقيام إما بالمزايدة أو دفع رسوم إضافية لقاء إدراجهم في المواقع ذات الأفضلية، تماماً كما تقوم الفنادق اليوم بالمزايدة من أجل الظهور على رأس نتائج البحث على موقع إكسبيديا، أو كما يتنافس المسوقون في نظام المزاد آدووردز كي يظهروا أولاً في نتائج البحث على موقع جوجل. ومع أن شركة أمازون تقول أنها لا تعتزم إضافة الإعلانات الترويجية لبرنامج المساعدة الذكي "أليكسا"، إلا أن محطة سي إن بي سي CNBC قالت أن الشركة تجري محادثات مع عدة شركات منتجات استهلاكية بشأن الترويج لمنتجاتها على منصتها. وكما تقول المحطة، من المحتمل أن تسمح التجارب القائمة بأن يقدّم أليكسا توصيات بشأن المنتجات بناء على استفسارات المستخدم السابقة ("كيف يمكنني تنظيف البقع الناتجة عن العشب؟" على سبيل المثال)، أو سلوكه السابق في التسوق. ونحن نعتقد أن تحديد موضع المنتج والتوصيات بشأنه على منصات الذكاء الاصطناعي أمر محتّم وسوف يصبح مع الوقت مصدراً أساسياً للعائدات.

ستهدف كل هذه التكاليف للوصول إلى المستهلك بطرق مختلفة. وما تدفعه الشركات اليوم للإعلانات الترويجية ورسوم التسجيل في القوائم وتحديد الفترات الزمنية وعمولات متاجر التجزئة، سيخصص حتماً للمنصات فيما بعد. وستقوم الأسماء التجارية بصياغة عروضها واستراتيجيات ابتكاراتها ضمن إطار جعل برامج المساعدة الذكية تعرض منتجاتها.

سيصبح اكتساب الزبائن متعلقاً أكثر بالعلم وسيركّز على قناة واحدة، وهي منصات الذكاء الاصطناعي.

كما أنّ البيئة الصاخبة التي تساعد الشركات اليوم على التودد للزبائن وجذبهم، بما فيها وكالات وشركات الإعلان، ستضطرّ لتعلّم التسويق من خلال منصات الذكاء الاصطناعي. وستصبح مسؤولية خدمات التسويق الموجهة للمنصات أكبر من مسؤولية شركات الإعلان اليوم، وسيتوجّب عليها إظهار الروابط  لسلوك المستهلك الفعلي. وربما حلّت المعلومات عن سلوك المستهلك الفعلي محلّ مجمل بحث السوق التقليدي مما سيمكّن الأسماء التجارية الكبرى من شراء هذه المعلومات من المنصات مباشرة.

رضى الزبائن

لا عجب أن المسوقين يركزون اهتمامهم خلال التسويق في عصر الثورة الرقمية على مراقبة رضى الزبائن، فهو يولّد الولاء والدعاية الشفوية وحصّة في السوق وتحقيق الربح. تخيل عالماً حيث يكون الحصول على بيانات الرضى الموثوقة من منصات الذكاء الاصطناعي أسهل من الحصول عليها من الزبائن أنفسهم.

تخدم المنصة المستهلكين عن طريق التنبؤ المستمر باحتياجاتهم. ومن أجل القيام بذلك يجب عليها أن تجمع بيانات دقيقة عن أنماط شرائهم واستخدامهم للمنتجات وتحاول فهم أهدافهم: هل يريدون منتجات أطعمة معينة لتحسين صحتهم ومنتجات طاقة للتقليل من تأثيرهم على البيئة ومنتجات مالية لزيادة عائداتهم على المدى الطويل؟ أم هل مقاييسهم هي الطعم والسعر والأداء الآني؟ ستقوم المنصات المتطورة بأكثر من ذلك، وستجد عمليات المقايضة التي يعتزم المستهلك القيام بها، كالمبلغ الإضافي الذي سيدفعه لقاء منتج صحي أكثر، والمساحة التي سيضحي بها في السيارة لقاء فعالية أكبر للوقود. حتى أن المنصات جميعها ستعرف ما إن كان هناك احتمال أن يغير المستهلكون متطلباتهم لتلائم سياقات مختلفة. مثلاً، إن كان شخص يتبع حمية غذائية سيتناول حلويات في احتفال ما استثنائياً.

لكل هذه الأسباب، ستكون منصات الذكاء الاصطناعي قادرة على التنبؤ بمزيج المواصفات والسعر والأداء الأكثر جاذبية لشخص ما في لحظة معينة. وبالتالي، ربما كانت برامج المساعدة الذكية قادرة على تلبية حاجات المستهلكين بصورة أفضل من المستهلكين أنفسهم. وبدأت محركات التوصيات البدائية نسبياً بالتحرك فعلياً في هذا الاتجاه، عن طريق اقتراح كتب وأفلام وموسيقى لم يعلم المستهلكون أنهم سيستمتعون بها.

عند بدء التسويق في عصر الثورة الرقمية الحالية، ستقود جميع المنصات إلى إجراء عمليات فرز ومطابقة أكثر فعالية في السوق. مثلاً، من غير المرجح أن تقترح المنصة حجزاً في فندق ترامب على زبائن يفضلون فندق الفور سيزونز. لذلك سيتوجب على الأسماء التجارية الكبرى جعل تحديد مواقعها أكثر دقة باتباع الطرق التي ستسجلها المنصات.

الاحتفاظ بالزبائن

يفترض المسوقون أن عمليات الشراء المكررة تشكل مؤشراً لرضى الزبون وتدل على ولائه للمنتج. ولكن العديد من الزبائن يستمرون بشراء منتج ما ليس لأنه يسعدهم ولكن لأنهم لن يتكبدوا عناء البحث عن بديل له إن كان أداؤه كافياً. وببساطة، يفضل معظم الناس القيام بأمور أهمّ من تقييم مكونات مسحوق الغسيل، على عكس برنامج المساعدة الذكية. فهو بإمكانه إعادة تقييم جميع الأسماء التجارية الكبرى من كل فئة بانتظام، سواء كان جهاز (لابتوب) أو (علكة)، والتوصية باسم جديد قد يخدم المستهلك بصورة أفضل. وربما يرغب بعض المستهلكين بشراء صنف آخر من باب التغيير فقط. لذلك ستقوم برامج المساعدة الذكية التي تدرك ذلك باقتراح منتجات جديدة قد تنال إعجاب المستهلكين بصورة دورية.

ستجبر إعادة التقييم الروتينية للمشتريات الأسماء التجارية الموجودة حالياً على إثبات جدارتها بمواقعها باستمرار، وستتيح فرصاً للأصناف المنافسة أيضاً، وبذلك ستصبح المنافسة أقوى.

ومع أن الأصناف الموجودة ستحتاج للابتكار لكي  تواكب التسويق في عصر الثورة الرقمية وتثبت لدى الزبائن، إلا أن الشركات المنتجة لها ستكون قادرة على شراء المعلومات التي ستساعد على منع تبديل الأصناف من المنصات. وإذا كانت الشركة المنتجة لاسم تجاري تعرف أن احتمال انشقاق الزبون عنها موجود، (فلنقل لأنه ذكر رغبته بالتغيير لمساعده الذكي)، يمكنها عندئذ حساب مقاييس الاحتفاظ في الزمن الفعلي لمعرفة ما إن كان هذا الزبون يستحق الاحتفاظ به. إن كان كذلك، يمكن للشركة إعداد عرض خاصّ له يناسب ما يحتاجه بالتحديد كي يبقى معها. وإذا قبل الزبون العرض سيكون هو وشركة الاسم التجاري رابحين، حيث تستمرّ أعمال الشركة ويحصل الزبون على صفقة أفضل. وتكون منصة الذكاء الاصطناعي في المنتصف تخدم الاثنين بطرق تنشئ القيمة لكل منهما وتولّد العائد لنفسها في الوقت ذاته.

وبدورها، تستعين الأسماء التجارية المتنافسة بمعلومات المنصة لاكتساب الزبائن، وستكون الإعلانات الترويجية عبر برامج المساعدة الذكية أداة اختيارية للشركات الحديثة. وبالطبع، ما أن يشقّ الصنف الجديد المنافس طريقه سيكون عرضة لتهديد الأسماء التجارية الموجودة والأصناف المنافسة الأخرى. ويكمن سرّ التميز التنافسي، الذي يؤدي إلى الاحتفاظ بالزبائن، في الاستمرار بتصميم عروض تلبي معايير الزّبون المتغيرة. وسيصبح الأمر بالنسبة للأسماء التجارية عبارة عن تركيز على الابتكار بقدر ما هو تصنيع منتج أفضل.

متطلبات المنصات

لن تنجح منصات الذكاء الاصطناعي إلا إذا وثق المستهلكون بها. قال لنا قائد إحدى المنصات في شركة جوجل: "سيكون بناء الثقة أهمّ ما نفعله". ومن أجل اكتساب ثقة المستهلك، يجب على المنصات أن تضمن ثلاثة أشياء: الدقّة والتوافق والخصوصية.

الدقة

ستصقل خوارزميات المنصات قدرتها على إرضاء المستهلكين عن طريق استخلاص رغبات كل فرد ومتطلباته باستمرار. فإن كان بإمكان منصة ما التوصية ببديل تعتقد أنه سيعجب المستهلك أكثر من منتج لاسم تجاري موثوق، واستطاع هذا البديل إسعاد المستهلك، ستعتبره المنصة منتجاً موثوقاً وستستعيض به عن الاسم التجاري السابق.

التوافق

هناك صراع طبيعي بين المصالح التي يجب على المنصات إدارتها بحذر عند التسويق في عصر الثورة الرقمية الحالية، فمن جهة، يجب عليها أن تركز بشدة على هدف تلبية احتياجات المستهلك، فإن فشلت في ذلك ستضعف الثقة. ومن جهة أخرى، سيكون لدى المنصات ترتيبات تعاقدية لتوفير المواقع المفضلة وبيانات المستهلكين لشركات الأسماء التجارية الكبرى. ولكن إذا شعر الناس أن المساعد الذكي يضع منتج الاسم التجاري الكبير في المقدمة لأنه يدفع رسوماً للمنصة دون أن يكون متوافقاً مع احتياجاتهم ستنهدم الثقة أيضاً. ربما كان هناك حلّ واحد يجعل المنصات أكثر شفافية بشأن علاقاتها مع الأسماء التجارية الكبرى، تماماً كما يفعل محرّك جوجل اليوم عندما يتعرف على بعض نتائج البحث على أنها إعلانات. وقد يكون هناك حلّ آخر بالتعامل مع التوصيات المدفوعة وغير المدفوعة بصورة متساوية، أي عندما يسأل مستهلك ما مثلاً عن طريقة إزالة البقع التي تسبب بها العشب، يكون جواب المساعد الذكي متضمناً الاسم التجاري الذي دفع الرسوم وملاحظة بأن هناك أصنافاً أخرى قد تكون بذات الفعالية. وبذلك يحصل الاسم التجاري على موقعه من القائمة ويُثبت المساعد الذكي أنه جدير بالثقة.

منصات الذكاء الاصطناعي القيمة

الخصوصية

سيتوجب على مالكي المنصات والمسوقين تحقيق توازن دقيق بين التسويق في عصر الثورة الرقمية واستخدام المعلومات الشخصية وأداء الذكاء الاصطناعي. وتزداد دقة المنصة بازدياد كمية البيانات المجموعة لديها، ولكن في الوقت ذاته محتمل أن يزداد شعور المستهلك بأنه مكشوف. وهناك حلّ لهذه الحالة وهو تقديم إعدادات مصممة خصيصاً للخصوصية، كما يفعل موقع فيسبوك اليوم بمنح المستخدمين القدرة على التحكم بالمعلومات التي يرغبون بمشاركتها والمدى الذي يسمحون به لمشاركتها. وربما كان هناك حل آخر يتمثل بإعلان أن الخصوصية محمية بسبب معالجة بيانات المستهلكين عن طريق الآلات دون تدخل الإنسان، كما تفعل جوجل اليوم.

ثلاثة أسئلة للشركات المنتجة للبضائع ذات الأسماء التجارية

1- لصالح من تعمل المنصة؟

قبل الإجابة على هذا السؤال، لنطبقه على المنصات التقليدية. خذ مثلاً شركات بطاقات الائتمان ومتاجر التجزئة التقليدية: وظائف كلتا المنصتين تتمثل في تقديم السهولة والكفاءة وتخفيض الخطورة لكل من البائع والمشتري. وبالمثل، تعمل منصات الذكاء الاصطناعي لصالح عدة جهات معنية، بما فيها الشركات المصنعة للبضائع ذات الأسماء التجارية. ولكن لا تنسَ أنّ المستهلكين لن يتعاملوا معها إن لم تخدم مصالحهم. وكلما ازدادت ثقة المستهلكين بها واعتمادهم عليها، ازدادت كفاءتها كمصادر للبيانات وقناة للمسوقين. وكما هو الحال مع أي منصة تعمل بصورة جيدة، يولّد إنشاء القيمة للأطراف على الجانبين قيمة للمنصة نفسها.

2- ما الذي نريده من المنصة؟

الإجابة بديهية ولكنها غير مكتملة، وهي أننا نريدها أن تبيع منتجاتنا. ولكن بدايةً، يجب على المسوقين عدم التفكير بالمنصة على أنها قناة تسويق بصورة أساسية، وإنما عليهم النظر إليها على أنها مصدر للمعلومات. وفي المقابل، ستقدم منصات الذكاء الاصطناعي نظرة على سلوك المستهلك ودوافعه بصورة مفصلة أكثر من أي شيء كان متوفراً في السابق. وهذا الفهم الدقيق سيسمح للشركات بإعادة تصميم نواحي التسويق بأكملها، بدءاً من التقسيم إلى تسعير المنتج وميزاته وصولاً إلى العروض الترويجية، من أجل تلبية احتياجات المستهلك. وستقوم المنصات بدورها بالترويج للمنتجات المحسّنة وستصبح هي قناة التسويق المتفوقة التي يبحث عنها المسوقون.

3- كيف يمكننا ضمان اختيار المنصة لنا؟

هنا، سيكون لدى الشركات المنتجة للأسماء التجارية الكبرى محركين اثنين: أحدهما سيكون بدفع رسوم لوضعها في مواقع أفضل. والثاني، وهو الأقوى على ما يبدو، سيكون عن طريق الاستمرار بابتكار عروضهم لتتوافق مع احتياجات المستهلكين المعلنة والضمنية، بالاعتماد على البيانات التي تقدمها المنصات. سيتطلب ذلك من الشركات زيادة تميّزها، وصقل قدرتها التنافسية على السرعة والجودة والكلفة، وتمييز التغيرات السريعة أو الخفيّة على أذواق المستهلكين.

لطالما رضي المستهلك بتقديم المعلومات الشخصية والتضحية بالخصوصية من أجل السهولة. وستعرض برامج المساعدة الذكية سهولة أكبر بكثير ولكنها ستكون بديهية ومتطفلة أكثر بكثير من أي برنامج مستخدم اليوم، كما أنها ستضخّم المقايضات بصورة كبيرة.

خاتمة

يمكن لجميع الشركات التي تتعامل مع المستهلك مباشرة أن تتجه نحو التسويق في عصر الثورة الرقمية الحالية وأن تتوقع من منصات الذكاء الاصطناعي إحداث تغيير جذري على علاقتها مع الزبائن. كم أنّ جميع أصولها الأساسية التقليدية، كالقدرة التصنيعية والأصناف ذات العلامة التجارية، ستصبح أقل أهمية ومركزية عندما يتحوّل انتباه المستهلك إلى برامج المساعدة الذكية، وعندما تحلّق قيمة بيانات المستهلك وقدرة الذكاء الاصطناعي التنبؤية.

كما ستزداد أهمية  التسويق بالدفع (Push marketing)، أي الاستعانة بالمنصات من أجل حمل منتج والترويج له، في حين تنقص أهمية التسويق بالجذب (pull marketing)، أي إقناع المستهلكين بالبحث عن المنتج. وسيبقى المستهلك هدفاً لجهود بناء الاسم التجاري، ولكن سيكون التسويق الذي يشجع على تجربة المنتج وتكرار شرائه أكثر فعالية عند توجيهه نحو الذكاء الاصطناعي. وبرغم أن ذلك سيجعل السوق أكثر كفاءة إلا أن الشركات ستواجه ضغطاً كبيراً من أجل تقديم أفضل صفقة للمستهلك، أي الصفقة التي تكون أكثر توافقاً مع تفضيلاته التي تعرّف عليها حراس بوابات الذكاء الاصطناعي.

وفي نهاية الحديث عن التسويق في عصر الثورة الرقمية الحالية، كانت شركات المنتجات الاستهلاكية، التي اعتادت مضاعفة وفورات الحجم إلى أقصى حدّ بسبب استثماراتها الثابتة الضخمة في الإنتاج والأسماء التجارية، توجّه تركيزها منذ زمن طويل إلى سؤال واحد: ما الكمية التي لازال بإمكاننا بيعها من منتجنا؟ ولكن منصات الذكاء الاصطناعي ستقدم فرصة مختلفة تماماً: مضاعفة عمق العلاقة مع المستهلك إلى أقصى حدّ عن طريق تقديم مجموعة كبيرة من المنتجات، أي مضاعفة وفورات النطاق. سيتم استهلاك الاستثمارات في بناء الثقة بين الزّبون ومساعده الذكي عن طريق طرح سؤال: ماذا يحتاج هذا الشاري أيضاً؟ وسيبقى تفوّق استراتيجية التسويق ذو أهمية كبيرة، إذ يجب على الشركات اكتساب الزبائن وإرضاؤهم والاحتفاظ بهم في عالم الذكاء الاصطناعي. ولكن على الأغلب سيتغير ما تتضمنه هذه الاستراتيجية بصورة ملموسة.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي