بينما كنت أتجول في مكتب عميلي، سمير*، لمراجعة التقييمات التي جمعتها من المقابلات التي أجريتها في مؤسسته، لاحظت شعوراً واضحاً بالوجوم يسود المكان. كان الموظفون هادئين ومركزين في عملهم وقلقين إلى حد ما -بدا المكان مختلفاً تماماً عما كان عليه عندما زرته قبل أسابيع قليلة. عندما وصلت إلى مكتب مساعد سمير، سألته: “هل كل شيء على ما يرام؟ يبدو الوجوم على وجوه الجميع”. أجاب قائلاً: “سمير في حالة مزاجية سيئة، والجميع قلقون مما سيحدث بعد مغادرتك. لقد خرج قبل قليل وطلب مني معرفة إذا ما كانت هناك أي صناديق فارغة في غرفة التخزين لأنه قد يحتاج إليها لاحقاً”. فسألت مساعد سمير لماذا يعتقد أنه يريد الصناديق؟ فأجاب: “يعتقد سمير أنه سيُطرد بسبب التقييمات”.

من المفارقات أن تقييمات أداء سمير كانت أكثر تركيزاً على جوانبه الإيجابية ولم تركز كثيراً على الجوانب التنموية. لقد أشاد به مدراؤه وأقرانه ومرؤوسوه المباشرون، وأشاروا إلى العديد من مواطن قوته وإمكاناته الكبيرة. مع ذلك، كانت هناك بعض المجالات التي أشاروا إلى أن سمير يحتاج إلى التحسن فيها، وأبرزها ميله الشديد نحو السلبية والتشاؤم، على حد تعبير أحد الأشخاص الذين قابلتهم. تشير التعليقات، مثل “يتوقع سمير أسوأ السيناريوهات والنتائج دائماً” و”لم أر قط شخصاً يتعامل مع المشكلات البسيطة كما لو أنها كوارث كبرى”، إلى ميله نحو توقع العواقب الوخيمة في المواقف بغض النظر عن خطورتها الفعلية. يصف علماء السلوك هذا الميل نحو توقع الأسوأ بالكارثية.

من الواضح أن سميراً كان قلقاً بشأن اجتماعنا، وقد أخبر الجميع بذلك. كان ميله إلى توقع الأسوأ سلوكاً شائعاً. يظهر بعض الأبحاث أن نحو 70% من أفكارنا سلبية، لذلك من المنطقي أن يميل بعض الأفراد إلى المبالغة في استخلاص استنتاجات كارثية من هذه الأفكار السلبية، حتى عندما لا يكون هناك أساس حقيقي لمثل هذه الاستنتاجات.

الأسباب الجذرية للكارثية

إذا كان لديك ميل إلى تخيل سيناريوهات كارثية من المشاكل البسيطة اليومية، فمن المهم أن تدرك أن لعقلك دوراً في ذلك. أخبرني المؤلف المشهور وأخصائي الصحة العقلية المرخص والمتخصص في أشكال محددة من الصدمات، جاي سترينغر، بأن المهاد، وهو جزء من الجهاز الحوفي في دماغنا، يدمج تصوراتنا ويعالجها ويترجمها إلى استنتاجات حول ما يحدث حولنا.

تُرسل الأحاسيس التي يعالجها المهاد إلى منطقتين: لوزة المخيخ والفص الجبهي، حيث تصل إلى إدراكنا الواعي. يمكن تشبيه لوزة المخيخ بكاشف الدخان، إذا إنها تعمل طوال الوقت وتقيّم باستمرار إذا ما كانت المعلومات الواردة تشكل تهديداً لبقائنا أو رفاهنا. تعمل اللوزة بسرعة وتلقائية، وتتحقق دائماً من الأخطار أو الكوارث المحتملة. إذا شعرت اللوزة بوجود تهديد، مثل وجود مدير يشكل تهديداً أو احتمال حدوث تصادم وشيك مع مركبة أخرى، فإنها ترسل رسالة إلى جذع الدماغ لإفراز هرمونات التوتر استعداداً لاستجابة الجسم بالكامل. وهكذا، وقبل أن نتمكن حتى من التفكير بوعي في حدث ما، يستعد جسمنا للتخفيف من أي كارثة محتملة.

يوضح سترينغر أن التجارب المؤلمة السابقة يمكن أن تشوّه قدرتنا على تقييم التهديدات الوشيكة بدقة. لقد صُممت مناطق معينة على نحو خاص لتحديد التهديدات المحتملة وتنسيق استجابة جسمنا، وهي بطبيعتها أنظمة جيدة مصممة لحمايتنا. ويضيف سترينغر: “ولكن التجارب المؤلمة أو السلبية الماضية يمكن أن تتسبب في انكماش الحُصين (جزء من الدماغ) بنسبة 8-12%، ما قد يؤثر سلباً على قدرة الفرد على التمييز بين تجارب الماضي والحاضر. لذلك، وبدلاً من محاولة قمع الكارثية، حاول فهم المشكلات التي لم تُحل من الماضي، التي قد تسبب العيش في حالة مستمرة من الشعور بالتهديدات”.

إذا كانت الكارثية تعوق قدرتك على قيادة الآخرين بفعالية أو تمنعك من تجربة السعادة والرضا في الحياة، فإليك بعض الطرق التي يمكنك من خلالها بدء معالجة هذه المشكلة.

فكر ملياً كيف طورت الميل إلى توقع أسوأ النتائج

لم يكن ميلك إلى الكارثية عشوائياً ولكنه سلوك اكتسبته بمرور الوقت، لذلك استكشف كيف اكتسبت هذا السلوك ومتى. فكر في تجارب الماضي خاصة خلال الفترات المهمة في حياتك التي ربما أسهمت في تطوير قدرتك وميلك إلى توقع كوارث وشيكة. من المؤلم ربما تذكر هذه التجارب، ولكن إذا تمكنت من تحديد الحاجة العاطفية التي تشبعها من خلال توقع كوارث غير محتملة، فيمكنك بعد ذلك العمل على كسر هذا النمط.

أخبرتني الحاصلة على درجة الدكتوراة ومؤلفة الكتب الأكثر مبيعاً وعالمة نفس الأعمال والمدربة التنفيذية المتمرسة، شارون ميلنك، بأنه من الشائع أن يكون الأفراد الذين لديهم حاجة قوية إلى السيطرة، ويظهرون ميلاً نحو الكمال غالباً، عرضة للكارثية. وتضيف: “يمارس هؤلاء الأفراد ضغطاً كبيراً على أنفسهم لتحقيق نتائج من شأنها أن تنعكس عليهم انعكاساً إيجابياً، وفي الوقت نفسه، لديهم خوف غير واعٍ من أنه إذا لم تكن نتائجهم مثالية، فسيُنظر إليهم على أنهم يستحقون اللوم وغير جديرين في النهاية”.

تبين أن سميراً نشأ في كنف أبوين متطلبين جداً لم يكن لديهما سوى القليل من التسامح مع أقل من الأداء المثالي. بغض النظر عما إذا كان الأمر يتعلق بالمهام المنزلية أو الدرجات الأكاديمية أو الأداء الرياضي، عندما لا يحقق سمير المعايير العالية لأبويه، كان يتعرض للانتقاد والعقاب. بعد بضعة أشهر من عملنا معاً، قال لي: “كنت أعرف أن والديَّ يحبانني. كنت أرى دائماً أن الضغط الذي يمارسانه عليّ يحفزني على التفوق. لم يخطر ببالي قط أن حاجتي إلى الكمال وخوفي من الفشل وتوقعاتي غير المنطقية للآخرين تنبع من الحاجة الماسّة لكسب حب من حولي وإعجابهم”. لقد دفعت الكارثية سميراً إلى تقديمه الأداء الأقصى مع تعزيز إيمانه بأن جدارته مرتبطة بالكمال فقط.

يروي سمير إحدى القصص عندما كان في المدرسة الثانوية، حيث كان يدرس تحضيراً لامتحانات منتصف العام الدراسي وفي الوقت نفسه يلعب في فريق كرة القدم بصفته لاعباً رئيسياً. بسبب الإرهاق، سجل سمير درجة (B) في أحد الاختبارات وأضاع تمريرة حاسمة في المباراة كانت لتؤدي إلى فوز الفريق وتقوده إلى التصفيات. وقع الحدثان كلاهما في الأسبوع نفسه. نتيجة لهذين الإخفاقين، نأى والدا سمير بأنفسهما عنه ولم يتلق أي هدايا في عيد الميلاد. بالنظر إلى هذه الخلفية، من المفهوم لماذا كانت تؤدي التقييمات السلبية التي يتلقاها سمير إلى تجنب الموقف أو الهروب منه، تماماً مثلما قادته التقييمات التي قدمتها إليه إلى توقع أن يتجنبه مديره هذه المرة.

ابتكر طرقاً لفحص البيانات المضللة

تتمثل إحدى الطرق للتخفيف من الميل إلى الكارثية في إجراء فحص نقدي للمعلومات التي تجمعها لإثبات توقعاتك المتشائمة. ما العلامات التي تركز عليها وتقودك إلى الاعتقاد أن الأسوأ سيحدث؟ هل هناك ظروف أو أفراد أو صعوبات محددة تحرض باستمرار توقعك للكارثة. بالنسبة لي، عندما يستغرق شخص ما وقتاً أطول من المعتاد للرد على بريد إلكتروني أو رسالة، كنت متيقناً من أن علاقتنا قد تضررت.

تحقق مما قد تتجنبه حقاً بدلاً من التركيز على الكارثة التي تتخيلها في عقلك. على سبيل المثال، قد يتصور بعض القادة الكوارث المحتملة جميعها (وهذا شكل من أشكال الشلل التحليلي) لتجنب اتخاذ قرارات صعبة أو الاعتراف بافتقارهم إلى المعرفة. أجبر نفسك على إنشاء سيناريوهات شرطية (إذا حدث ذلك، يمكنني فعل كذا) لتوسيع نطاق الاستجابات المحتملة.

تقول ميلنك: “حاول التنبه للفكرة الكارثية بمجرد ظهورها وملاحظتها، قبل أن تثير سلسلة من الارتباطات التي تعزز قناعتك بأنها واقعية. ابذل جهداً للنظر في جميع النتائج المحتملة للموقف واكتبها، وليس فقط النتائج السلبية التي تفرط في التركيز عليها.

تتجلى أهمية ذلك على نحو خاص في أعقاب المواقف. يشعر معظم من يميل إلى الكارثية ببعض الارتياح عندما لا تحدث الكارثة المتوقعة، ولكن قد يعتقدون في الوقت نفسه أن الأسوأ لم يأت بعد. ومع ذلك، من المهم مقارنة النتيجة الفعلية بالنتيجة المتوقعة. ما المؤشرات التي كانت موجودة طوال الوقت التي كانت تشير إلى النتيجة المحتملة وربما فاتتك. هل كان هناك علامات على النتائج الإيجابية التي تميل إلى تجاهلها عادة؟ يمكن أن يساعدك إجراء تحليلات ما بعد الحدث على تطوير فهم أوسع للأنماط يمكنك من خلاله تقييم المواقف المستقبلية التي تكون فيها عرضة لتوقع الأسوأ.

تعلّم كيفية إدارة ردود أفعالك عند مواجهة الكارثية.

غالباً ما يحاول العديد من الأفراد الذين يميلون إلى الكارثية إخفاء مشاعرهم الحقيقية تحت غطاء من الإيجابية المزيفة، لكن هذا الشكل المتطرف من الإيجابية يزيد حدة الخوف الذي يحاول هؤلاء الأفراد تجنّبه. حتى عندما نكون كارثيين، لا تزال لدينا القدرة على التحكم في المدة التي نسمح فيها لأنفسنا بالبقاء في هذه الحالة. يقول سترينغر إن 80% أو أكثر من الأحاسيس التي نختبرها تنتقل من أجسادنا إلى دماغنا، وليس العكس.

وبالتالي إذا أردنا التخفيف من الكارثية، فعلينا أولاً تركيز خطة العلاج على الجسم بصورة أساسية. غالباً ما نحاول تغيير حالتنا العقلية دون النظر في تغيير حالتنا الجسدية. لقد ثبت أن عدة استراتيجيات، مثل تمارين التنفس وقضاء الوقت في الهواء الطلق والاعتراف بمشاعرنا الحقيقية بصدق، يمكن أن تجلب منظوراً أكثر توازناً، ما يسمح لجهازنا العصبي الباراسمبثاوي بتهدئتنا ويؤدي إلى انخفاض سريع في مستويات هرمون الكورتيزول المرتبط بالتوتر. عندما يحدد دماغنا حالتنا العاطفية بدقة، يفرز ناقلات عصبية تعمل على تهدئة لوزة المخيخ.

ميّز بين المخاوف المتجذرة في الواقع عن تلك التي تختلقها.

بالنسبة لبعض الأفراد، يتمثل أحد تحديات الكارثية في أن مخاوفهم ترتكز على تجارب سابقة حقيقية. كانت للحالات السابقة من الصدمة أو الصعوبات عواقب حقيقية، لذلك لا تبدو النتائج الكارثية المتوقعة بلا أساس تماماً، حتى لو بولِغ فيها. تذكر ميلنك أمثلة في هذا الصدد: “ربما تعرّضت بعض المجموعات الممثلة تمثيلاً ناقصاً، مثل النساء أو الأقليات العرقية، إلى التمييز في عمليات التوظيف أو الترقيات، أو تلقت قدراً أقل من التمويل من المستثمرين، أو ربما واجه الموظفون صعوبات لأكثر من عام في الحصول على وظيفة. يمكن أن تؤدي ذكريات هذه التجارب الحقيقية إلى تعميم الخوف من العواقب السلبية، وبالتالي تغذية القلق وإدامة التشوه المعرفي المرتبط بالكارثة، وذلك يعزز استنتاج المرء بأنه يفتقر إلى القدرة على تغيير الموقف أو التعامل معه بفعالية أو توليد نتيجة فريدة له”.

في هذه اللحظات، من الضروري التمييز بين الحقائق الفعلية المستمدة من تحديات الماضي والسيناريو الكارثي الذي تخيلته بشأن ما هو آتٍ. ذكّر نفسك بالحالات التي أظهرت فيها القدرة على التحمل وواجهت التحديات بفعالية. شكك في أي معتقدات تحد من إدراكك لمدى سيطرتك التي تتمتع بها على الموقف. تقترح ميلنك أن تبحث عن طرق لاستعادة إحساسك بالسيطرة والقوة بدلاً من الاستسلام للخوف من النتائج الكارثية.

تعرف على الآثار التي يمكن أن يتركها ميلك نحو الكارثية على الآخرين.

بصفتك قائداً، فإن حالتك المزاجية يمكن أن تؤثر في الجو العام لفريقك أو قسمك أو حتى مؤسستك. على سبيل المثال، انتشر قلق سمير بشأن التقييمات إلى أعضاء الفريق جميعهم. للحفاظ على بيئة عمل صحية، يجب أن تدرك كيف يمكن أن يؤثر ميلك نحو تخيل أسوأ السيناريوهات في الآخرين. إذا لزم الأمر، فاعتذر لفريقك وناقش الإجراءات التي ستتخذها للسيطرة على هذا الميل، وإلا فإن الكارثية يمكن أن تصبح عدوى عاطفية تسمم المؤسسة بأكملها.

يقول سترينغر في هذا الصدد: “على سبيل المثال، يخلق المدير الأوسط الذي يخفي خوفاً عميقاً من التعرض لانتقادات قاسية من مديره ثقافة سامة بين مرؤوسيه المباشرين. أحد أسباب ميل مثل هؤلاء المدراء إلى الكارثية محاولتهم تجنب التعرض للنقد أو التوبيخ من مدرائهم، ما يخلق بيئة تولد القلق واللامبالاة بين الموظفين الآخرين. ونتيجة لذلك، يصبح الموظفون حذرين جداً خشية ارتكابهم الأخطاء، ما يخنق طاقتهم الإبداعية وروحهم التعاونية. يدركون أن مديرهم لا يبذل أقصى جهده لدعمهم، لذلك يردون بالمثل من خلال الأداء الضعيف”.

فكر في الطرق التي ربما أدّت بها كارثيتك إلى خنق الإبداع أو إضعاف تماسك الفريق أو تقليل المرح أو تقويض الشجاعة داخل مؤسستك. كيف يؤدي هذا الميل إلى تضييق منظورك حول أداء الفريق؟ هل يشعر من حولك بالحاجة إلى التعامل معك بحذر ولا ينقلون إليك سوى الأخبار الإيجابية بسبب ميلك إلى الكارثية؟ تقول ميلنك: “غالباً ما يصبح القادة الذين يميلون إلى الكارثية أكثر أنانية، مركزين على أنفسهم على حساب الفريق أو المؤسسة. والأسوأ من ذلك، يمكن أن يؤدي هذا التركيز على الذات إلى إغفال الإشارات أو الفرص المهمة في السوق أو المؤسسة”. مهما كانت عواقب الكارثية، يجب عليك أن تقاوم الرغبة في التقليل من أهميتها أو تجاهلها.

بدلاً من الاستسلام لمشاعر الخزي أو الذنب أو الإهانة، اعتبر ميلك إلى الكارثية إشارة تدعوك إلى استكشاف دورها في حياتك. عامل نفسك بلطف وأنت تفكر ملياً إذا ما كانت هذه العادة مفيدة لك. لتعزيز الأمل في أن التغيير ممكن، استبدل العبارات التي تستنكر الذات مثل “أنا أبالغ في رد فعلي” أو “أنا سلبي جداً” بأسئلة بنّاءة مثل “كيف يمكن أن أسيء تفسير التهديد الذي أتصوره؟”

في النهاية، تقبّل فكرة أن هذه العادة تمثل فرصة للشفاء من صدمات الماضي والنمو الشخصي والتعلم. يقترح سترينغر أنه من الضروري أن نتفهم أنظمتنا العصبية ونتعلم إدارتها عندما تكون في حالة تأهب شديد. عندما نلاحظ بشجاعة وتعاطف المشاعر الصعبة عند ظهورها، يمكننا أن نتعلم كيفية الاستجابة لها بطريقة مدروسة بدلاً من التفاعل معها بتهور.

* غُير الاسم حفاظاً على الخصوصية؛ نُشرت القصة بعد أخذ الإذن.