ملخص: تمكّنت شركات المنصات مثل "فيسبوك" و"أمازون" و"جوجل" و"تينسنت" (Tencent) من خلق قيمة بمعدلات مذهلة. فهي تنمو بسرعة وتمتلك القليل من الأصول، واستغلت جميعها قدرات الذكاء الاصطناعي بقوة. ما الذي يمكن أن تتعلمه الشركات القديمة من تلك المنصات؟ وهل يمكنها استخدام نموذج الأعمال هذا أيضاً؟ توصلنا عند إجراء دراسة على الشركات القديمة التي نجحت في التحول إلى نموذج المنصات إلى 6 خطوات يجب على الشركات اتباعها: 1) وضع استراتيجية حول قدرة العلاقات في بيئة العمل على تحسين العروض والسعي إلى بناء تلك الشراكات. 2) التأكد من الحصول على البيانات عند بناء العلاقات. 3) تطوير بنية خدمات تكنولوجيا المعلومات مستندة إلى واجهة برمجة التطبيقات. 4) تحديد القرارات الرئيسية التي يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى اتخاذها، وجمع البيانات لتدريب النماذج. 5) تصميم عملية سلسة من وجهة نظر الزبون. 6) استخدام البيانات المتولدة في بيئة العمل لتحسين النماذج والعروض.
أتاح نمو الذكاء الاصطناعي تطوير مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات ونماذج الأعمال الجديدة، من استهداف الإعلانات البرمجية والاقتصاد التشاركي وحتى الميتافيرس. وكانت الشركات الأكثر نجاحاً في استخدام تلك النماذج عبارة عن "منصات متعددة الجوانب"، حيث تتولى شركة ما في مركز بيئة العمل أو شبكة الأعمال مهمة تنسيق الخدمات وتقليل الاحتكاك بالنسبة للزبائن، ولعلّ أهم تلك الشركات هي الشركات الرقمية الأصلية. وتمكّنت شركات "فيسبوك" و"آبل" و"إير بي إن بي" (Airbnb) و"أمازون" و"جوجل" و"أوبر" و"علي بابا" و"تينسنت" وشركات المنصات الرائدة الأخرى من خلق قيمة بمعدلات مذهلة بالفعل.
وهذه ليست بمصادفة، فقط أظهرت البحوث أن المنصات المتعددة الجوانب تحظى بأعلى التقييمات فيما يتعلق بنماذج الأعمال البديلة السائدة، إذ إنها تكسب أكثر من 4 أضعاف الإيرادات السنوية المرتبطة ببعض نماذج الأعمال القديمة. ويعود ذلك إلى نموها السريع وامتلاكها أصولاً قليلة نسبياً.
عادة ما تولّد نماذج الأعمال مثل نموذج المنصات كميات كبيرة من البيانات من جميع المشاركين في بيئة العمل؛ والذكاء الاصطناعي مطلوب لمعالجة كل تلك البيانات. يساعد تعلم الآلة في مطابقة الزبائن مع المنتجات والخدمات التي يحتاجون إليها أو يرغبون في الحصول عليها، كما أنه يوفر تجربة سلسة في بيئة العمل. ويحتاج الملايين من الزبائن الذين يستخدمون تلك المنصات إلى خدمة عملاء عالية الكفاءة، مثل أنظمة الوكيل الذكي وروبوتات الدردشة. وليس من المستغرب بالتالي أن تكون شركات المنصات الرائدة المذكورة أعلاه رائدة على مستوى العالم أيضاً في تطبيق الذكاء الاصطناعي على أعمالها.
لكن يمكن للشركات التقليدية أيضاً تنظيم منصات متعددة الجوانب، ويمكنها أيضاً استخدام البيانات ونماذج الذكاء الاصطناعي لتنظيم الخدمات للزبائن ضمن بيئة عمل تضم شبكة من الشركات. ويتطلب ذلك وضع استراتيجيات جديدة وتقنيات جديدة وتطوير علاقات تجارية جديدة، ويمكن للشركات التي تؤدي عملية الانتقال بنجاح تحقيق نمو سريع وكسب ولاء الزبائن، وهما السمتان اللتان تتمتّع بهما المنصات الرقمية الأصلية.
وتوجد أدلة على أن الشركات التقليدية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي تتبنى نهج بيئة العمل بشكل جدي (وقد تصبح شركات مستندة إلى المنصات في النهاية). وفي استقصاء أجرته شركة "ديلويت" عام 2021 حول حالة الذكاء الاصطناعي في المؤسسات، تزايد احتمال أن تطور المجموعتان اللتان حققتا أفضل أداء من بين مستخدمي الذكاء الاصطناعي علاقتي عمل أو أكثر ضمن بيئة العمل (83% بالنسبة للمجموعتين الأفضل أداء، مقابل 70% و59% للمجموعتين الأدنى أداء). وازداد احتمال أن تستخدم الشركات ذات بيئات العمل الأكثر تنوعاً الذكاء الاصطناعي بمقدار 1.4 مرة أكثر وبطريقة تميزها عن منافسيها. كما زاد احتمال أن تطور المؤسسات ذات بيئات العمل المتنوعة رؤى تحويلية للذكاء الاصطناعي، وأن تضع استراتيجيات للذكاء الاصطناعي على مستوى المؤسسة، وأن تستخدم الذكاء الاصطناعي كعامل تمييز استراتيجي.
قد لا تمتلك تلك الشركات نماذج أعمال شاملة للمنصات، لكن يُعد تطوير علاقات أوسع ضمن بيئة العمل الخطوة الأولى لبناء منصات مستندة إلى الذكاء الاصطناعي. وبعيداً عن تلك الخطوة، نورد لكم الخطوات التي يمكن للشركات اتباعها للتحول إلى منصات مستندة إلى الذكاء الاصطناعي.
لا يقتصر نموذج المنصات على الشركات الرقمية الأصلية
في الواقع، أنشأ عدد قليل من الشركات "القديمة" نماذج منصات مستندة إلى الذكاء الاصطناعي، وهي تولد مزيداً من الزبائن باستخدام تلك النماذج بالفعل، ويولّد الزبائن بدورهم مزيداً من البيانات التي تسهم في إنشاء نماذج أفضل تساعد على تطوير عروض أفضل للزبائن، وتمثّل العملية باختصار دورة محمودة. لا تزال الشركات الأخرى في مراحلها المبكرة، لكنها تأمل تحقيق النتيجة نفسها في النهاية.
ولعّل أفضل مثال للدورة المحمودة في نموذج المنصات هو منصة "بينغ آن" (Ping An) في الصين التي بدأت كشركة تأمين عام 1988 لكنها تضم اليوم خمس بيئات عمل، ألا وهي الخدمات المالية والرعاية الصحية والمدن الذكية والسيارات والعقارات التي يشكل كل منها منصة قائمة بحد ذاتها. على سبيل المثال، تربط منصة "بينغ آن" في مجال الرعاية الصحية بين الحكومة والمرضى ومزودي الخدمات الطبية وشركات التأمين الصحي والتكنولوجيا. وتوفر منصة "بينغ آن غود دكتور" (Ping An Good Doctor) استشارات عبر الإنترنت واستشارات وجهاً لوجه، وتستخدم الذكاء الاصطناعي لتقديم المشورة الطبية للأعضاء الذين يمتلكون أجهزة محمولة.
إن حجم بيئة العمل مذهل، فهي توفر التشخيص والعلاج لأكثر من 3,000 مرض شائع، ولديها ما يقرب من 350 مليون مستخدم، وأكثر من 1,800 ممارس طبي وممرض، وما يقرب من 10,000 خبير في مجال الرعاية الصحية في جميع أنحاء الصين. وتشترك مع 110,000 صيدلية و49,000 عيادة وأكثر من 2,000 مركز فحص طبي. وأجرت في عام 2020 أكثر من 830,000 معاملة طبية يومياً. ولا تبيّن هذه الأرقام حجم سكان الصين فحسب، بل توضح أيضاً مدى التوسع السريع الممكن باستخدام نموذج أعمال مستند إلى المنصة.
وعلى الرغم من أن القيمة الأساسية للمنصة تتمثّل في تنمية الأعمال التجارية وتوفير رعاية صحية فاعلة، تُعتبر مفيدة أيضاً في تجميع الرؤى الثاقبة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. بمعنى آخر، يمكن لبيئة عمل الرعاية الصحية في منصة "بينغ آن" جمع بيانات المطالبات والمدفوعات من دافعي الأموال، وجمع بيانات العلاج من مقدمي الرعاية الصحية، وجمع بيانات الوصفات الطبية من الصيدليات، وجمع بيانات الأعراض من المرضى، والحصول على أنواع أخرى من البيانات من الأعضاء الآخرين في بيئة العمل. وبحلول عام 2020، كان لدى منصة "بينغ آن" بيانات عن أكثر من 30,000 مرض وأكثر من مليار سجل استشارة طبية.
ويتبع العديد من الشركات الأخرى المستندة إلى الذكاء الاصطناعي فكرة بيئة العمل نفسها، لكنها لا تزال في مراحلها المبكرة مقارنة بمنصة "بينغ آن"، بما فيها منصة "سكاي وايز" (Skywise) التابعة لشركة "إيرباص" (Airbus) و"شيل" (Shell) و"أنثيم" (Anthem) و"سومبو" في اليابان. وعلى الرغم من أنها ما زالت تستكشف نماذج الأعمال والإيرادات في هذه المرحلة، فهي تتبع أيضاً نهج مشاركة البيانات والتكامل، وتطور تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات.
كيف يمكن للشركات المتوسطة الحجم المنافسة؟
لا تُعتبر الشركات الكبرى التي تمتلك ميزانيات كبيرة للبحث والتطوير الشركات الوحيدة القادرة على إعادة التمحور تلك. وتوضح شركة "سي سي سي إنتيليجينت سوليوشنز" (CCC Intelligent Solutions) التي تأسست عام 1980 قدرة الشركات المتوسطة الحجم على التنافس بفاعلية باستخدام نموذج منصة مستند إلى الذكاء الاصطناعي. حيث تركز منصتها على رقمنة اقتصاد التأمين على السيارات، وتقليل الاحتكاك فيما يتعلق بتقديم المطالبات وإصلاح الأضرار لملايين السائقين كل عام. وجمعت من خلال علاقاتها مع أكثر من 300 شركة تأمين، وأكثر من 27,000 منشأة إصلاح، وأكثر من 4,000 مزوّد لقطع الغيار، وجميع مصنعي المعدات الأصلية للسيارات أكثر من تريليون دولار من بيانات المطالبات القديمة، ومليارات الصور القديمة، وبيانات أخرى عن قطع غيار السيارات وورش الإصلاح وإصابات الحوادث المرورية والقوانين وتناقل المعلومات والعديد من الكيانات الأخرى. وكما هو الحال مع العديد من بيئات العمل الأخرى المذكورة أعلاه، يوفر كل عضو جديد قيمة أكبر للشبكة ومزيداً من البيانات، وهو ما يسهم في تطوير نماذج أفضل للذكاء الاصطناعي.
تجمع منصة "سي سي سي" البيانات لمنصتها من أجل معالجة المطالبات بسرعة وكفاءة للمستخدم النهائي، وتدعم القرارات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي باستمرار. وتتم جميع المعاملات الناتجة في السحابة التي تربط 30,000 شركة، و500,000 مستخدم فردي، و100 مليار دولار في المعاملات التجارية.
وطوّرت على مدى السنوات العديدة الماضية نماذج مطالبات "آلية" تستخدمها شركة "يو إس أيه أيه" (USAA) وشركات تأمين رائدة أخرى. حيث يمكن للزبائن المشتركين في التأمين والمتورطين في حادث ما التقاط صور بحسب الإرشادات التي يتلقونها عبر هواتفهم، وإرسالها إلى شركة التأمين المتعاقدين معها، والحصول على تقدير مؤتمت خلال ثوانٍ. ويتطلب مثل ذلك الابتكار المدعوم بالذكاء الاصطناعي سنوات من التحسينات التكنولوجية، فضلاً عن التعاون مع أعضاء بيئة العمل لدمج تلك القدرات في نماذج المطالبات وعمليات الإصلاح.
متطلبات النجاح في المنصات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي
لدى الشركات احتياجات عمل مختلفة وتقدم خدمات مختلفة، لكن تحدياتها مشتركة فيما يتعلق بكيفية التعامل مع عمليات إعادة التمحور والتحول إلى نموذج المنصات. ويجب على الشركات التي ترغب في النمو والازدهار باستخدام منصات مستندة إلى الذكاء الاصطناعي تنفيذ سلسلة من الخطوات التي تتضمن:
وضع استراتيجية حول قدرة العلاقات في بيئة العمل على تحسين العروض والسعي إلى بناء تلك الشراكات. ستحدد استراتيجية الأعمال المنصات التي تحتاج شركتك إلى تطويرها ومدى قدرتها على تحسين منتجاتك وخدماتك. وقد يتطلب تنفيذ الاستراتيجية تطوير قدرات عمل جديدة أو شراءها. على سبيل المثال، قررت منصة "بينغ آن" بناء سوبر ماركت مالي للزبائن بدلاً من تقديم خدمات التأمين فقط. وعلى الرغم من امتلاكها بعض القدرات بالفعل، طورت منصة لإدارة الثروات "لوفاكس" (Lufax) واشترت منصة السيارات "أوتو هوم" (Autohome).
تأكد من أن تحصل على البيانات بعد بناء العلاقة. يتمثل جزء كبير من قيمة المنصة في الوصول إلى بيانات الشركاء، لذلك، تأكد من أن تشمل صفقات الشراكة قدرتك على الحصول على البيانات المطلوبة واستخدامها في نماذج الذكاء الاصطناعي، مثل عمليات المطابقة بين الزبائن والعروض والتوصيات المقدمة لهم.
تطوير بنية خدمات تكنولوجيا المعلومات مستندة إلى واجهة برمجة التطبيقات. سيحتاج شركاء بيئة العمل إلى الوصول إلى البيانات والقرارات التي تتخذها أنظمة الذكاء الاصطناعي بسهولة. وتتمثّل أسهل طريقة للقيام بذلك في استخدام أنظمة واجهة برمجة التطبيقات. على سبيل المثال، بنت شركة "سي سي سي" شبكة واجهة برمجة تطبيقات مستندة إلى السحابة لتتيح لمزودي الخدمات التفاعل بسهولة مع الشركة.
تحديد القرارات الرئيسية التي يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى اتخاذها، وجمع البيانات لتدريب النماذج. سيتم استخدام الذكاء الاصطناعي لاتخاذ القرارات في معظم الحالات. بالنسبة إلى منصة الرعاية الصحية "بينغ آن"، تتضمن القرارات الرئيسية تحديد التشخيص الأكثر ملاءمة لحالة المريض، ومدى حاجته إلى زيارة الطبيب، وماهية العلاج الموصى به. كما تتضمن القرارات التي توفرها منصة "سي سي سي" تحديد نسبة الضرر الدقيقة للمركبة وتكلفة إصلاحها، وهوية الشركاء في بيئة العمل الذين يجب عليهم المشاركة في الإصلاح، وماهية الخدمات المطلوبة.
تصميم عملية سلسة من وجهة نظر الزبون. يتمثل جزء كبير من جاذبية نموذج المنصة بالنسبة للزبائن في إزالة الاحتكاك حتى لا يضطروا إلى التعامل مع جميع المشاركين وفهم التعقيدات التي يتطلبها الحصول على الحل، سواء كان ذلك علاجاً طبياً أو إصلاح ضرر ما بعد حادث مروري أو صيانة طائرة. ويجب على الشركات التي تطور منصة ما العمل مع شركائها لتصميم عملية سلسة ومنظمة لتلبية احتياجات الزبائن وتنفيذها.
استخدام البيانات المتولدة في بيئة العمل لتحسين النماذج والعروض. لا تستند نماذج تعلم الآلة التي تدعم قرارات المنصة إلى نهج "الضبط والنسيان"، بل إنها ستتحسن في قدرتها على التنبؤ أو تقديم التوصيات بمرور الوقت في حال جرى إعادة تدريبها على البيانات الجديدة. ويجب إعادة تدريبها كلما ظهرت مصادر بيانات جديدة رئيسية، أو عند تقديمها أداءً غير فاعل في القرار الذي كُلفت باتخاذه.
باختصار، توضح كل من شركات المنصات الرقمية الأصلية والشركات القديمة التي أجرينا دراسة عليها أيضاً قيمة نموذج أعمال المنصة المستند إلى الذكاء الاصطناعي بالنسبة للشركات وزبائنها. لكن من الصعب أن تحقق تلك الشركات النمو بسرعة دون مجموعة من شركاء الأعمال، ومن الصعب فهم بياناتهم وتقديم قيمة لجميع الأطراف دون الذكاء الاصطناعي. ونتوقع رؤية مزيد من تلك المنصات في المستقبل.