لم تكن أحدث شركة تكنولوجية مدرجة في بورصة نيويورك إحدى شركات وادي السيليكون وإنما من أفريقيا، حيث شهدت منصة جوميا التي تعمل في مجال التجارة الرقمية في أفريقيا وتضم أكثر من 4 ملايين زبوناً في 14 دولة أفريقية ارتفاع أسهمها بحوالي 70% في أول ظهور لها في بورصة نيويورك في 12 أبريل/ نيسان. وبهذا بلغت القيمة السوقية للشركة ما يقرب من 2 مليار دولار، ما يرسخ من مكانتها كأول شركة تكنولوجية ناشئة أحادية القرن "يونيكورن" في أفريقيا.
ويُعد هذا الإدراج الناجح لمنصة جوميا في بورصة نيويورك تذكيراً مناسباً بالتحول الرقمي السريع و التجارة الرقمية في أفريقيا وهو توجّه خفي عن نظر العديد من المستثمرين والمسؤولين التنفيذيين العالميين. وتمتلك أفريقيا بالفعل 122 مليون مستخدم نشط للخدمات المالية المتنقلة، بنسبة أكثر من نصف المجموع العالمي. ومن المتوقع أن يتضاعف عدد الهواتف الذكية المتصلة بشبكة الإنترنت من 315 مليون هاتف في عام 2015 إلى 636 مليون في عام 2022، وهو ضعف الرقم المتوقع في أمريكا الشمالية. ومن المتوقع أن تزداد حركة البيانات المتنقلة عبر أفريقيا بمقدار سبعة أضعاف خلال نفس الفترة.
وقمنا في كتابنا الجديد بعنوان "ثورة الأعمال في أفريقيا: كيف تنجح في سوق النمو الصاعدة في العالم" (Africa’s Business Revolution: How to Succeed in the World’s Next Big Growth Market) بتسليط الضوء على قطاع الرقمنة الناشئ وقطاع التجارة الرقمية في أفريقيا وأوضحنا سُبل مشاركة المستثمرين ورجال الأعمال من جميع أنحاء العالم فيه. كما أجرينا مقابلات مع العديد من الرواد في طليعة الثورة الرقمية، بمن فيهم المدير التنفيذي المشارك لمنصة جوميا، ساشا بونيونيك.
ومن الرسائل البارزة التي توصلنا إليها هي أن التقنيات الرقمية تتيح للشركات المستقبلية أن تعيد صياغة التحديات في أفريقيا باعتبارها فرصة للابتكار وأن تعالج الطلب الهائل غير الملبى. وتشير تقديراتنا إلى ارتفاع الاستهلاك الخاص في أفريقيا من 860 مليار دولار في عام 2008 إلى 1.4 تريليون دولار في عام 2015، ويُعتبر مجموع الاستهلاك هذا أعلى بكثير من مجموع الاستهلاك في الهند التي لديها عدد سكان مماثل. ونتوقع أن يبلغ مجموع الاستهلاك الخاص إلى 2.1 تريليون دولار بحلول عام 2025. ومع ذلك، لا يزال مستهلكو أفريقيا يعانون من نقص حاد في الخدمات، إذ يوجد ستون ألف شخص لكل منفذ رسمي للبيع بالتجزئة في أفريقيا، مقارنة بـ 400 شخص فقط لكل متجر في الولايات المتحدة.
ووفقاً لحسابات جوميا، تبلغ نسبة المبيعات عبر الإنترنت حالياً أقل من 1% من إجمالي مبيعات التجزئة في أفريقيا، بالمقارنة مع 24% في الصين. وكما أفاد بونيونيك: "أعتقد أن انتقال تجارة البيع بالتجزئة إلى البيع عبر الإنترنت سيكون سريعاً جداً في أفريقيا. قد تصل نسبة التجارة الإلكترونية إلى 15% من إجمالي مبيعات التجزئة على مدى السنوات العشر القادمة، وستتجاوز هذه النسبة بعد ذلك".
وهناك الكثير من رواد الأعمال الآخرين الذين يسخّرون التكنولوجيا في سبيل حل الفجوات المتأصلة في أسواق أفريقيا. وأحدهم هو الرئيس التنفيذي لشركة إنتر سويتش (Interswitch) الناشئة في نيجيريا ميتشل إليجبي. حيث شهد إليجبي في عام 2002 قيام الأفراد بحمل أكوام من المال لدفع ثمن كل شيء، من البقالة إلى فواتير مكالمات الهاتف المحمول وحتى فواتير استخدام المرافق العامة. ويعقد المستهلكون والشركات النيجيرية اليوم أكثر من 300 مليون صفقة رقمية في الشهر عبر مجموعة من القنوات التي تدعمها شركة أنتر سويتش. وتخطط شركة إنتر سويتش أيضاً إلى تحقيق تصنيف عالمي يزيد من قيمة الشركة بما يصل إلى 1 مليار دولار، ما يجعلها الشركة أحادية القرن الناشئة التالية في أفريقيا.
ونعتقد أن هناك مجال وحاجة إلى العديد من هذه الابتكارات التي تدفعها الرقمنة في أفريقيا عبر العديد من القطاعات. تأمل على سبيل المثال معدل الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي في أفريقيا الذي يُعتبر نصف معدل الالتحاق بالمؤسسات التعليمية في الهند. ومن بين الابتكارات التي تعتمد على التكنولوجيا لسد هذه الفجوة هي جامعة القيادة الأفريقية (ALU)، التي تمكّن مبانيها الجامعية في مدن موريشيوس ورواندا الطلاب من إدارة تعليمهم الخاص باستخدام التكنولوجيا والتعلم من الأقران والتدريب الداخلي لمدة أربعة أشهر مع الشركات الشريكة. حيث بدأ المؤسس فريد سوانكر بتصميم نموذج أعمال للتعليم العالي من الصفر. ووفق ما أفاد سوانكر: "تخلق جامعتنا مواهب تتنافس مع مواهب طلبة جامعات هارفارد وستانفورد". "لكننا نفعل ذلك باستخدام عشر العقارات ونسبة واحد من عشرة إلى واحد من عشرين من التكلفة". وقد حازت جامعة القيادة الأفريقية مؤخراً لقب واحدة من 50 شركة من الشركات الأكثر ابتكاراُ في العالم.
اقرأ أيضاً: دراسة حالة: إنشاء أول بنك رقمي في أفريقيا.
ونعتقد أن الوقت قد حان لإعداد هذه الابتكارات وتوسيع نطاقها وتكرارها، ولا ندّعي أن ذلك سيكون سهلاً. والسبب هو الحاجة إلى استثمارات أكبر بكثير في قطاع التجارة الرقمية في أفريقيا على الرغم من نجاح حملة منصة جوميا في جمع التبرعات. ويسير التوجه في الاتجاه الصحيح، إذ أشارت التوقعات إلى بلوغ حجم الاستثمار في الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الأفريقية مستوى قياسياً بمقدار 1.2 مليار دولار في عام 2018، أي ضعف العام السابق. ولكن لا يزال هذا المجموع يُمثل جزءاً ضئيلاً من الاستثمارات في مناطق أخرى. على سبيل المثال، اجتذبت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في جنوب شرق آسيا أكثر من 10 مليار دولار بهدف التمويل في عام 2018.
وبالنظر إلى الفجوات التعليمية في أفريقيا، قد يكون نقص المواهب الرقمية عائقاً آخر أمام نمو الشركات التكنولوجية. وهذا يتطلب اتباع أساليب مبتكرة، مثل الاستراتيجية التي اتبعتها شركة أنديلا (Andela) الناشئة وسريعة النمو. تقوم شركة أنديلا بتأهيل مهندسي برمجيات أفريقيين وتوظيفهم وتدريبهم في فروعها في نيجيريا وكينيا وأوغندا، ومن ثم توفير فرص عمل لهم "كفرق موزعة" بدوام كامل في شركات أفريقية وعالمية. وقد وفّرت شركة أنديلا فرص عمل لحوالي 1,200 موظف من المطورين الأفارقة على مدى السنوات الأربع الماضية، وقدمت خدماتها إلى 200 شركة في جميع أنحاء العالم. وتسعى الشركة أيضاً للحصول على لقب شركة ناشئة أحادية القرن، إذ تقدر قيمتها بالفعل بما يصل إلى 700 مليون دولار.
شاهد أيضاً: ويبينار: ريادة الأعمال والابتكار الاجتماعي: الإمكانات الواعدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
يجب على شركات التكنولوجيا في أفريقيا التغلب على بعض تحديات البنية التحتية الكبيرة، بما في ذلك حقيقة أن بيانات الإنترنت لا تزال أبطأ بكثير وأكثر تكلفة في أفريقيا منها في القارات الأخرى. وعلى الرغم من أن معدل انتشار الإنترنت يتزايد بسرعة، لا يزال يفتقر ثلثي الأفارقة إلى إمكانية الوصول إلى شبكة الإنترنت تماماً.
وتعمل بعض الشركات على إعادة صياغة هذه التحديات بوصفها فرص في هذا المجال حتى. حيث قام رجل الأعمال الزيمبابوي سترايف ماسيووا بتجاوز لوائح معقدة لتنمية شركته لكويد تيليكوم (Liquid Telecom) لتصبح أكبر شركة بيانات وخدمات ذات بنية تحتية واسعة النطاق في عموم أفريقيا، مع أكثر من ثلاثين ألف ميل من الألياف الضوئية عبر اثني عشر دولة. في حين تجاوزت الشركة الشقيقة لجوجل وهي شركة لون (Loon) أنظمة الألياف الضوئية لتبني شبكة من المناطيد عالية التحليق لتوفير خدمة الإنترنت للأفراد في ريف كينيا.
نعتقد أن قطاع الرقمنة في أفريقيا لا حدود له، إذ ينتهز رواد الأعمال ورجال الأعمال والمستثمرون كل الفرص لبناء شيء جديد وتغيير حياة الأفراد.
اقرأ أيضاً: ما الذي على الشركات متعددة الجنسيات فعله للنجاح في أفريقيا؟