البشر والذكاء الاصطناعي يوحّدان جهودهما

18 دقيقة
العلاقة المبتادلة بين البشر والذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي والبشرأصبح الذكاء الاصطناعي ماهراً في إنجاز العديد من الوظائف البشرية، مثل تشخيص الأمراض والترجمة اللغوية وتقديم خدمة العملاء، وهو يحسّن من أدائه ويتطور سريعاً. وهذا ما يثير مخاوف منطقية من أن يستبدل الذكاء الاصطناعي في نهاية المطاف الموظفين البشر في جميع القطاعات الاقتصادية. لكن ذلك ليس مصيراً محتوماً أو حتى النتيجة الأكثر احتمالاً لتطور الذكاء الاصطناعي. فنحن نشهد في عصرنا هذا مستوى تجاوب غير مسبوق بين الأدوات الرقمية وبين البشر، كما أن البشر لم يكونوا من قبل بهذا المستوى من التجاوب مع هذه الأدوات. فكيف يمكننا تحديد العلاقة المناسبة بين البشر والذكاء الاصطناعي؟

ومع أنّ الذكاء الاصطناعي سيغير بشكل جذري كيفية إنجاز المهام ومن ينجزها، إلا أن التأثير الأعظم لهذه التقنية سيكمن في تكميلها وتعزيزها للقدرات البشرية، وليس استبدالها.

لا شك أن العديد من الشركات تستعمل الذكاء الاصطناعي لأتمتة العمليات، إلا أن الشركات التي تستخدمه لاستبدال الموظفين بشكل أساس ستربح فقط مكاسب إنتاجية على المدى القصير. وقد وجدنا في هذا البحث الذي شاركت فيه 1,500 شركة أن الشركات تحقق تحسناً ملحوظاً في الأداء عندما يعمل البشر والآلات معاً (انظر الرسم البياني "قيمة التعاون"). يقوم البشر والآلات من خلال الذكاء التعاوني بتحسين النشط لنقاط القوة لدى كل منهما بشكل تكاملي في الإدارة والعمل الجماعي والإبداع والمهارات الاجتماعية من ناحية البشر، وفي السرعة وقابلية التوسع والتطور والقدرات الكمية من ناحية الآلات. إن ما يفعله البشر عادةً بكل عفوية (مثل إلقاء نكتة على سبيل المثال) يبدو أمراً صعباً للآلات، وما يبدو أمراً بسيطاً لها (مثل تحليل كمية غيغابايت من البيانات) يعجز البشر عملياً عن القيام به. وبطبيعة الحال، تحتاج الشركات والأعمال التجارية لكلا النوعين من القدرات.

من أجل تحقيق الاستفادة الكاملة من هذا التعاون، ينبغي على الشركات أن تفهم كيف يستطيع البشر أن يعززوا من أداء الآلات بشكل أكثر فعالية، وكيف تستطيع الآلات أن تعزز ما يبرع البشر في إنجازه، وأن تعيد تصميم عمليات الأعمال بشكل يتيح دعم هذه الشراكة. ومن خلال البحوث والعمل الذي أنجزناه في هذا المجال، قمنا بتطوير قواعد إرشادية لمساعدة الشركات على تحقيق هذا الهدف ووضع قوة الذكاء التعاوني في حيز التطبيق.

مساعدة البشر للآلات

في هذا الجانب، لا بد على البشر أن يؤدوا ثلاثة أدوار مهمة هي: تدريب الآلات على أداء مهام معينة؛ وتفسير نتائج تلك المهام، لا سيما عندما تكون النتائج غير بديهية أو مثيرة للجدل؛ وأخيراً ضمان الاستخدام المسؤول لتلك الآلات (على سبيل المثال، من خلال منع الروبوتات من إيذاء البشر).

التدريب

يجب تدريب خوارزميات تعلم الآلة حول كيفية إنجاز المهام التي صُممت من أجل إنجازها. وفي هذا السياق، يتم جمع مجموعات بيانات ضخمة من أجل تعليم تطبيقات الترجمة الآلية طريقة التعامل مع التعبيرات الاصطلاحية، وتعليم التطبيقات الطبية كيفية تشخيص الأمراض، وتعليم محركات تقديم التوصيات كيفية دعم اتخاذ القرارات المالية. بالإضافة إلى ذلك، يجب تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي على أفضل طريقة للتفاعل مع البشر. ومع أننا نجد المؤسسات في مختلف القطاعات في المراحل المبكرة لإعداد عمليات تدريب الآلة، إلا أن الشركات التقنية الرائدة ومراكز الأبحاث لديها بالفعل فرق تدريبها وخبرائها للقيام بذلك.

لنأخذ على سبيل المثال مساعد مايكروسوفت الذكي 'كورتانا'. يحتاج هذا البوت (bot) لتدريب مكثف مستمر لتطوير الشخصية المناسبة التي تتمتع بالثقة والاهتمام وحب المساعدة دون تسلط. لكن اكتساب كورتانا لهذه الصفات استغرق من الشركة عدداً كبيراً جداً من ساعات عمل فريق مكون من شاعر وروائي وكاتب مسرحي. وبالمثل، احتاجت الشركات للمدربين البشريين لتطوير شخصيات المساعد أبل الذكي "سيري"، ومساعد أمازون الذكي 'أليكسا'، من أجل ضمان أن تعكس هذه التقنيات بدقة العلامات التجارية للشركات المطوّرة لها. وفي هذا الصدد، يتمتع سيري، على سبيل المثال، بمسحة من الدعابة التي يتوقعها عملاء شركة آبل.

قيمة التعاون

في وقتنا الحالي، يجري تدريب المساعِدات الذكية على إظهار خصال بشرية أكثر تعقيداً وعمقاً مثل إبداء التعاطف. وفي هذا الجانب، طورت الشركة الناشئة كو كو (Koko)، إحدى شركات إم آي تي ميديا لاب (MIT Media Lab)، تقنية تجعل المساعِدات الذكية تبدو متعاطفة. مثلاً، إن مر أحد المستخدمين بيوم سيء لا يرد نظام كوكو بإجابة جاهزة مثل "أنا آسف لسماع ذلك"، بل يطرح النظام أسئلة أخرى للتعرف أكثر على المشكلة ومن ثم يقدم نصائحه لمساعدة الشخص على رؤية مشاكله من زاوية مختلفة. فإن كان المستخدم يشعر بالتوتر، على سبيل المثال، فقد ينصحه نظام كوكو بأن يفكر بالتوتر كشعور إيجابي من شأنه أن يحفزه على الإنجاز.

التفسير

بما أن تقنية الذكاء الاصطناعي تصل إلى نتائجها على نحو متزايد من خلال عمليات مُبهمة (أو ما يسمى بمشكلة الصندوق الأسود)، فإنها بحاجة إلى خبراء بشريين في المجال لتفسير سلوكياتها للمستخدمين غير الخبراء. إن هؤلاء "المفسّرين" مهمون للغاية لا سيما في القطاعات المستندة إلى الدلائل والبراهين مثل القانون والطب، حيث تحتاج الجهة المستخدمة للذكاء الاصطناعي إلى فهم كيف خَلُصت الآلة إلى هذه النتائج، مثلاً إصدار حكم أو وصفة طبية.

كما أن هؤلاء المفسرين مهمون أيضاً في شركات التأمين ومع سلطات إنفاذ القانون من أجل مساعدتهم على فهم لماذا قامت سيارة ذاتية القيادة بتلك الأفعال التي أدت إلى وقوع حادث أو لماذا فشلت في تجنبه. ولذلك أصبح المفسّرون جزءاً لا يتجزأ من القطاعات الخاضعة لضوابط تنظيمية، بل وأصبحوا عنصراً ضرورياً في كل قطاع يعتمد على تفاعل المستخدمين والنتائج الصادرة عن الآلات قد تُنعت بأنها ظالمة أو غير قانونية أو خاطئة تماماً. على سبيل المثال، إذا أخذنا قانون حماية البيانات العامة الجديد الذي أصدره الاتحاد الأوروبي سنجد أنه قد منح المستخدمين الحق في الحصول على تفسير لكل قرار تم اتخاذه بناء على خوارزمية، مثل رسوم البطاقة الائتمانية أو رسوم الرهن العقاري. وهنا يبرز أحد المجالات التي سيسهم فيها الذكاء الاصطناعي في زيادة عدد الموظفين: حيث يقدر الخبراء أنه سيتعين على الشركات خلق حوالي 75,000 وظيفة جديدة لتلبية المتطلبات التي جاء بها قانون حماية البيانات الأوروبي.

التعاون بين البشر والآلات

الدعم المستمر

بالإضافة إلى توفير أشخاص قادرين على تفسير نتائج تقنيات الذكاء الاصطناعي، تحتاج الشركات إلى "موفري الدعم المستمر"، وهم موظفون يعملون باستمرار على ضمان عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح وآمن ومسئول. وفي هذا الجانب، نجد أن مجموعة من الخبراء يطلق عليهم عادة بمهندسي الأمان ينصّب عملهم على توقع الضرر الذي قد تسببه أنظمة الذكاء الاصطناعي ومحاولة منعه. ويولي مطورو الروبوتات الصناعية التي تعمل جنباً إلى جنب مع العمال البشريين اهتماماً بالغاً لضمان إدراك الروبوتات الصناعية لوجود البشر بالقرب منها وعدم تعريضهم للخطر. ويمكن لهؤلاء الخبراء كذلك أن يراجعوا التحليلات التي يقدمها "المفسرون" عندما يتسبب الذكاء الاصطناعي بإيقاع الضرر، مثل تسبب إحدى السيارات ذاتية القيادة في حادث مميت. في حين يمكن لفئة أخرى من "موفري الدعم المستمر" أن تتحقق بانتظام من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي متوافقة المعايير الأخلاقية وخاضعة لها. فإن اكتشفنا مثلاً أن أحد أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تستخدم للموافقة على ائتمان بنكي يمارس التمييز العنصري ضد الأشخاص من شريحة معينة (مثلما حدث بالفعل) فإن مدراء الأخلاق المهنية مسؤولون عن إجراء تحقيق في القضية ومعالجة المشكلة. بالمثل، يكمن دور مسؤولي مراقبة الامتثال في محاولة لضمان امتثال البيانات التي تُغذّى بها أنظمة الذكاء الاصطناعي لقانون حماية البيانات العامة الأوروبي وغيرها من قوانين حماية المستهلك. كما يشمل دورهم كذلك في ضمان استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي للمعلومات بشكل مسؤول. تستخدم شركة آبل، مثل الكثير من الشركات التقنية الأخرى، الذكاء الاصطناعي لجمع البيانات الشخصية للمستخدمين أثناء استعمالهم لأجهزة الشركة وبرمجياتها. وتهدف الشركة من ذلك إلى تحسين تجربة المستخدم، إلا أن جمع البيانات غير الخاضع للضوابط ينتهك الخصوصية ويتسبب في إزعاج العملاء وخرق القوانين. ولذلك يعمل "فريق الخصوصية التفاضلية" الذي كونته الشركة لهذا الغرض من أجل ضمان حماية خصوصية المستخدمين الشخصية خلال سعي أنظمة الذكاء الاصطناعي لتعلم أكبر قدر ممكن من البيانات عن مجموعة معينة من المستخدمين بشكل إحصائي.

مساعدة الآلات للبشر

تسهم الآلات في مساعدة البشر على مضاعفة قدراتهم بثلاث طرق: تعزيز نقاط القوة المعرفية لدينا كأفراد؛ التفاعل مع العملاء والموظفين بشكل يجعلنا نتفرغ فقط للمهام ذات المستوى الأعلى؛ وتجسيد المهارات البشرية بشكل يضاعف من قدراتنا البدنية.

التعزيز

يستطيع الذكاء الاصطناعي تعزيز قدراتنا في مجال التحليل واتخاذ القرارات بتوفير المعلومة المناسبة في الوقت المناسب. لكنه لا يقتصر على ذلك فحسب، لأنه يستطيع كذلك زيادة الإبداع البشري. لنأخذ تقنية الذكاء الاصطناعي دريم كاتشر (Dreamcatcher) التي طورتها شركة أوتوديسك (Autodesk) والتي تعزز خيال المصممين حتى المحترفين منهم. في هذه التقنية يقدم المصمم لبرمجية دريم كاتشر معايير اختيار المنتج الذي يريده؛ على سبيل المثال، كرسي يمكنه تحمل وزن 130 كيلو غراماً، مع مِقعدة ترتفع 50 سنتيمتراً عن الأرض، ومصنوع من مواد تكلّف أقل من 75 دولاراً، وما إلى ذلك. لا تكتفي هذه التقنية بتوفير المعلومات عن المنتج المطلوب فحسب، بل تعطي المصمم أيضاً معلومات عن المقاعد الأخرى التي تجدها تلك البرمجية جذّابة وقد تعجب المصمم. بعدئذ، تنتج تقنية دريم كاتشر آلاف التصاميم التي تنطبق على المعايير التي طلبها المصمم، مما يثير لديه أفكاراً من الأرجح أنه لم يفكر بها في البداية. وبعد ذلك تقوم تقنية دريم كاتشر بتحديد المقاعد التي تعجبها والتي لا تعجبها، مما يقلص عدد الخيارات أمام المصمم ليحصل على أفضل ما يريده.

وطوال هذه العملية الروتينية تنجز تقنية دريم كاتشر ما لا يحصى من العمليات الحسابية التي تضمن أن كل تصميم مقترح يلبي المعايير المحددة. هذا ما يجعل المصمم متفرغاً للتركيز فقط على نشر نقاط القوة الإنسانية الفريدة من نوعها في التصميم والمتمثلة في الاختيار المهني الاحترافي والحس الجمالي للتصميم.

التفاعل

تستطيع الشركات من خلال التعاون بين البشر والآلات التفاعل مع الموظفين والعملاء بطرق أكثر حداثة وفعالية. فالمساعِدات الذكية مثل كورتانا تستطيع تسهيل الاتصالات بين البشر أو القيام بها نيابة عنهم، مثل كتابة مجريات أحد الاجتماعات أو توزيع نسخة صوتية قابلة للبحث لأولئك الذين لم يحضروا الاجتماع. ومثل هذه الاستخدامات قابلة للتوسع والتطوير بشكل كبير، فبرنامج محادثة ذكي (chatbot) واحد، على سبيل المثال، بإمكانه توفير خدمة العملاء الروتينية لعدد كبير من البشر في وقت واحد وأينما كانوا. وفي الوقت الحالي يستخدم بنك إس إي بي وهو أحد بنوك السويد الكبرى، مساعدة افتراضية تدعى "آيدا" (Aida) تتفاعل مع الملايين من العملاء. ونظراً لقدرتها على معالجة اللغات الطبيعية، تتمتع "آيدا" بالوصول إلى قواعد بيانات ضخمة من البيانات وتستطيع الإجابة على العديد من الأسئلة الشائعة، مثل كيفية فتح حساب أو إرسال الأموال من بلد لآخر. كما تستطيع "آيدا" أيضاً أن تطرح أسئلة إضافية على المتصلين بها لمساعدتهم في حل مشاكلهم، وهي قادرة كذلك على تحليل نغمة صوت المتصل (ما إن كان محبطاً أو متفائلاً على سبيل المثال) واستخدام تلك المعلومة لتقديم خدمة عملاء أفضل في وقت لاحق. وعندما لا يتمكن النظام من حل مشكلة ما -الأمر الذي يحدث في حوالي 30% من الحالات- تحوّل "آيدا" المتصل إلى دعم فني بشري ومن ثم تراقب التفاعل بينهما لتتعلم كيف تُحَل المشاكل المشابهة عندما تحدث مستقبلاً. وبتعامل "آيدا" مع الطلبات والأسئلة الأساسية، يستطيع الدعم الفني البشري أن يركز على حل المشاكل الأكثر تعقيداً، لا سيما المتعلقة بالمتصلين الساخطين الذين يحتاجون قدراً أكبر من الدعم والاهتمام.

التجسيد

إن العديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل "آيدا" و"كورتانا" لا توجد إلا في هيئة رقمية فقط، لكن التطبيقات الأخرى للذكاء الاصطناعي مجسدة في هيئة روبوتات تساعد العمّال البشر. ومن خلال مستشعراتها ومحركاتها ومشغلاتها المتطورة، تستطيع الآلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي الآن التعرف على البشر والأشياء والعمل بأمان إلى جانب البشر في المصانع والمستودعات والمختبرات.

الذكاء الاصطناعي في شركة مرسيدس

فنجد في عمليات التصنيع، على سبيل المثال، أن الروبوتات تطورت من آلات صناعية قد تكون خطرة و"حمقاء" إلى "روبوتات مساعدة" ذكية ومدركة لمحيطها. هنا نجد أن الروبوت المساعد المتجسد في شكل ذراع آلية، مثلاً يتولى العمليات الروتينية التي تتطلب رفع الأحمال الثقيلة، في حين يمكن للفرد أن يؤدي المهام التكميلية التي تتطلب براعة بشرية وقدرة على الحكم الصحيح على الأشياء مثل تجميع أجزاء محرك سيارة.

في هذا الجانب، وسّعت شركة هيونداي استخدامات الروبوتات المساعدة في تصنيع الهياكل الخارجية. هكذا ستسهم هذه الأجهزة الروبوتية القابلة للارتداء والتي تتكيف مع المستخدم والمكان في الوقت الحقيقي، في تمكين عمال المصانع من أداء أعمالهم بقدرة تفوق القدرة البشرية العادية من ناحية التحمل والقوة.

إعادة تصميم أعمالك

إن أردت اكتساب أكبر قدر ممكن من مزايا الذكاء الاصطناعي، لا بد لك من إعادة تصميم أعمالك. وللقيام بذلك، ينبغي على الشركات أولاً أن تكتشف وتحدد المجال التشغيلي القابل للتحسين في منظومتها. قد يكون هذا المجال التشغيلي هو عبارة عن إجراء داخلي مُعطِلاً (مثل بطء مسؤول الموارد البشرية في توظيف الأشخاص)، أو يكون مشكلة مستعصية لم تستطع الشركة حلها في السابق لكن يمكن الآن حلها باستخدام الذكاء الاصطناعي (مثل التحديد السريع للتفاعلات الدوائية الضارة في عينة من المرضى). بالإضافة إلى ذلك، يمكن لعدة أساليب الذكاء الاصطناعي الجديدة وأساليب التحليل المتطورة أن تحل المشاكل التي كانت خفيّة في وقت سابق، حيث يمكن حلها الآن بسهولة باستخدام الذكاء الاصطناعي (انظر للشريط الجانبي "الكشف عن المشاكل الخفية").

بعد ذلك، يجب أن تطوّر الشركات حلاً لهذه المشاكل من خلال المشاركة في وضع حلول، وذلك بجعل أصحاب المصلحة في الشركة يتصورون كيف يمكن للتعاون مع أنظمة الذكاء الاصطناعية أن يحسّن من العمليات داخل الشركة. لنأخذ مثالاً عن ذلك، فكّر في شركة زراعية كبيرة تريد أن تطبق تقنيات الذكاء الاصطناعي لمساعدة المزارعين. هناك كمية هائلة من البيانات المتاحة عن خصائص التربة وحالات الطقس وتواريخ مواسم الحصاد وما إلى ذلك، وتتمثل الخطة الأولية في بناء برنامج ذكاء اصطناعي يستطيع بدقة أكثر أن يتوقع غلات المحاصيل الزراعية في المستقبل. لكن بعد إجراء عدة مناقشات مع المزارعين، عرفت الشركة بوجود حاجة أكثر إلحاحاً وهي أن ما يريده المزارعون حقاً يتمثل في نظام يستطيع أن يقدم توصيات في الوقت الحقيقي حول كيفية زيادة الإنتاجية، وما هي المحاصيل التي ينبغي زراعتها، وأين يجب زراعتها وكمية النيتروجين التي ينبغي تسميد التربة بها وما إلى ذلك. وهكذا طوّرت الشركة نظاماً يستند إلى الذكاء الاصطناعي لتقديم مثل هذه النصائح وكانت النتائج واعدة بالفعل، وكان المزارعون سعداء بالمحاصيل الزراعية التي جنوها باتباع مشورة الذكاء الاصطناعي. من ثَم أُدرجت الشركة نتائج هذه التجربة الأولي في النظام بغية تحسين الخوارزميات المستخدمة. ومثلما هو الحال في مرحلة الاستكشاف، يمكن لأساليب الذكاء الاصطناعي والأساليب التحليلية الجديدة المساعدة في وضع حلول مشتركة وذلك باقتراح مقاربات جديدة لتحسين العمليات.

تتمثل المرحلة الثالثة بالنسبة للشركات في التوسع في تطبيق الحل المقترح ومن ثم الدعم المستمر له. وبالعودة لبنك إس إي بي، على سبيل المثال، سنجد أنه قد نشر في الأصل نسخة من المساعدة الافتراضية "آيدا" داخل المؤسسة لمساعدة 15,000 من موظفي البنك، لكن بعد ذلك وسّع البنك مهام الشات بوت ليخدم عملاء البنك البالغ عددهم مليون عميل. ومن خلال عملنا مع المئات من الشركات حددنا خمس خصائص لعمليات الأعمال التي ترغب الشركات عادة في تحسينها وهي: المرونة والسرعة والتوسع واتخاذ القرارات والتخصيص. ونحن نوصي أثناء شروعك في إعادة تصميم عملية الأعمال بتحديد أي من هذه الخصائص لها أهمية أكبر بالنسبة للتحول المرجو الذي تريد تحقيقه في مؤسستك، وكيف يمكن الاستفادة من التعاون الذكي في معالجة هذه المشكلة، وما هي الترتيبات والتنازلات الواجب عملها مع الخصائص الأخرى للعمليات.

تعاون البشر مع <a href=الذكاء الاصطناعي" width="825" height="463" />

الكشف عن المشاكل الخفية

يُعرف وزير الدفاع الأميركي السابق، دونالد رامسفيلد، بتصريحه المشهور الذي ميّز فيه بين "الأشياء التي نعرفها"، و"الأشياء التي لا نعرفها"، و"الأشياء التي لا نعرف أننا لا نعرفها" أي الأمور التي لا تدري أنك لا تعرفها أصلاً. وبالمثل، تستخدم بعض الشركات الآن الذكاء الاصطناعي للكشف عن "الأشياء التي لا تعرف أنها لا تعرفها" في أعمالها التجارية. وكمثال على ذلك: تستخدم شركة 'جي إن إس هيلث كير' (GNS Healthcare) برنامج تعلم الآلة للكشف عن العلاقات المجهولة في بيانات السجلات الصحية للمرضى وفي غيرها من الأماكن. وبعد أن يحدد البرنامج إحدى العلاقات، يضع الذكاء الاصطناعي عدداً كبيراً من الفرضيات لتفسيرها ومن ثم يقترح الفرضيات التي يراها أكثر ترجيحاً. مكّنت هذه الطريقة شركة 'جي إن إس' من الكشف عن تفاعلات دوائية جديدة كانت مختفية في البيانات غير المنظمة للمرضى. ويشير كولين هيل، الرئيس التنفيذي للشركة، إلى أن هذه الطريقة ليست المنهج المألوف للتنقيب عن البيانات بغرض اكتشاف العلاقات والروابط المتبادلة. وبهذا الصدد، يقول كولين "إن منصتنا لتعلم الآلة ليست مجرد أداة للكشف عن الأنماط والعلاقات المتبادلة في البيانات، بل إن هدفها هو أن تكتشف حقاً الروابط السببية".

المرونة

تمثل العمليات غير المرنة للمسؤولين التنفيذيين في شركة مرسيدس بنز تحدياً متنامياً. فقد أصبح العملاء الذين تجني منهم الشركة معظم إيراداتها يطلبون أكثر فأكثر مواصفات خاصة بسيارات سيدان إس كلاس ( S-class sedan)، إلا أن أنظمة التجميع في شركة مرسيدس بنز في مصانعها لا تستطيع توفير التخصيص الذي يطلبه الناس.

فيما سبق، كانت عملية تصنيع السيارات جامدة وذات مراحل مؤتمتة تقوم بها روبوتات "غبية". وبغية تحسين مستوى المرونة، قام مسؤولو شركة مرسيدس باستبدال بعض هذه الروبوتات بروبوتات مساعِدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي وأعادوا تصميم عملياتها بحيث تتيح التعاون بين البشر والآلات. هكذا، نرى الآن الأذرع الروبوتية المساعدة التي يوجهها البشر، في مصنع الشركة بالقرب من مدينة شتوتغارت بألمانيا، ترفع الأجزاء الثقيلة وتضعها، بحيث أصبحت امتداداً لجسد العمّال البشريين. يتيح هذا النظام للعامل أن يتحكم ببناء كل سيارة على حدة، ويجعله يقوم بعمل روتيني أقل وعمل "إبداعي" أكثر باستخدام الروبوت. هكذا استطاعت فرق الشركة من الآلات والبشر التأقلم بسرعة. في ذلك المصنع، يمكن بسهولة إعادة برمجة الروبوتات المساعدة باستخدام جهاز لوحيّ، مما يتيح لها أن تنجز مختلف المهام حسب التغييرات المطلوبة في سير العمل. مكّنت هذه الرشاقة في سيرورة العمل الشركة المصنعة من تحقيق مستويات غير مسبوقة في تخصيص سياراتها. وهكذا تستطيع شركة مرسيدس الآن تخصيص عملية إنتاج مركباتها وفق الخيارات التي يريدها العملاء في الوقت الحقيقي لدى وكالات بيع السيارات، وتستطيع تغيير كل شيء بداية من مكونات لوحة قيادة السيارة إلى جلود المقاعد حتى غطاء صمام الإطارات. ونتيجة لذلك، لا نجد سيارتين متشابهتين عند خروجهما من خط التجميع في مصنع مرسيدس في شتوتغارت.

السرعة

بالنسبة لبعض الأنشطة التجارية، تعتبر السرعة هي الميزة الفارقة. ولنتأمل في أحد هذه الأنشطة والذي يتمثل في اكتشاف الاحتيال عند استخدام بطاقات الائتمان. ليس لدى الشركات إلا بضع ثوان فقط للموافقة على عملية تحويل معينة أو رفضها، لأنه في حال تبين أن العملية احتيالية، ستتحمل الشركة الخسارة المترتبة عنها. وفي حال رفضت الشركة عملية تحويل شرعية، فإنهم سيخسرون رسوم التحويل ويتسببون في إغضاب العميل.

طوّر مصرف آتش إس بي سي (HSBC)، مثل معظم البنوك الكبرى، نظاماً يستند إلى الذكاء الاصطناعي لتحسين سرعة ودقة كشف العمليات الاحتيالية. يراقب هذا النظام الذكي ويقيّم ملايين المعاملات يومياً، حيث يستخدم البيانات المتعلقة بمكان الشراء وسلوك المستخدم وعناوين بروتوكول الإنترنت (IP) وغيرها من المعلومات لتحديد الأنماط الخفية التي تدل على عملية احتيال محتملة. قام مصرف آتش إس بي سي في البداية بتطبيق هذا النظام في الولايات المتحدة الأميركية، مما خفّض معدل عمليات الاحتيال غير المكتشفة والعمليات المشروعة التي تتم بطريقة خاطئة، ومن ثم تم التوسع في استخدام النظام في المملكة المتحدة وقارة آسيا. من ناحية أخرى، استخدم بنك دانسك (Danske Bank) نظام ذكاء اصطناعي مختلف حسّن معدل اكتشاف العمليات الاحتيالية بنسبة 50% وخفّض العمليات المشروعة التي تتم بطريقة خاطئة بنسبة 60%. أدى تقليص العمليات المشروعة التي تتم بطريقة خاطئة إلى إتاحة المزيد من الوقت لمسؤولي التحقيق لتركيز جهودهم على المعاملات المريبة التي أبلغ عنها الذكاء الاصطناعي لكنها تحتاج إلى تقييم بشري للحكم عليها.

وفي هذا الجانب، تشبه مكافحة الاحتيال المالي سباق التسلح، حيث يؤدي الكشف عن الجرائم بصورة أفضل إلى ظهور مجرمين أكثر احتيالاً، مما يؤدي إلى تطوير تقنية كشف أفضل، وهكذا دواليك. ولذلك لا تدوم خوارزميات ونماذج التقييم التي تكافح المعاملات الاحتيالية فترة طويلة، لأنها تتطلب تحديثاً مستمراً. بالإضافة إلى ذلك، لا نجدها موحدة وقياسية لأن مختلف المناطق والبلدان تستخدم نماذج مختلفة منها. ولهذه الأسباب، هناك حاجة إلى عدد كبير من خبراء تحليل البيانات وخبراء إدارة تقنية المعلومات وغيرهم من الخبراء المتخصصين في مكافحة الاحتيال المالي للربط بين البشر والآلات بغية جعل البرمجيات متقدمة دائماً بخطوة عن المجرمين.

التوسع

يعتبر ضعف القدرة على التوسع بالنسبة للعديد من عمليات الأعمال العقبة الرئيسية أمام حدوث تحسن في أداء الشركة. وهذا ينطبق بشكل خاص على العمليات التي تعتمد بكثافة على العمل البشري ولا تحتاج كثيراً للمساعدة الآلية. لنأخذ على سبيل المثال عملية التوظيف في شركة يونيليفر (Unilever)، حيث تبحث هذه الشركة العملاقة عن طريقة لتنويع 170,000 موظف لديها.

ولتحقيق ذلك، قرر قسم الموارد البشرية أنه لا بد من التركيز على عمليات توظيف الموظفين المبتدئين ومن ثم ترقية أفضلهم إلى الأعمال الإدارية. لكن عمليات التوظيف الحالية بالشركة لم تكن قادرة على تقييم المرشحين المحتملين للوظائف بأعداد كافية بحيث يُمنح كل مقدم طلب توظيف اهتماما فردياً لضمان تنويع مجموع موظفيها ذوي المواهب الفذة.

وإليك كيف دمجت شركة يونيليفر بين قدرات البشر وقدرات الذكاء الاصطناعي لتنفيذ عملية التوظيف الفردية على نطاق أوسع: في الجولة الأولى من عملية التوظيف، يطلب من المرشحين ممارسة الألعاب عبر شبكة الإنترنت لمساعدة الشركة على تقييم سماتهم الشخصية مثل مستوى العزوف عن المجازفة. لا تتضمن هذه الألعاب إجابات صحيحة أو خاطئة لكنها تساعد نظام الذكاء الاصطناعي في يونيليفر على اكتشاف الأشخاص المناسبين أكثر لمنصب معيّن. وفي الجولة المقبلة، يطلب من المرشحين تقديم فيديو وهم يجيبون فيه عن أسئلة مصممة لمنصب معين يريدون الحصول عليه، ثم يتم تحليل ردودهم باستخدام نظام الذكاء الاصطناعي حيث لا يكتفي النظام بدراسة ما قالوه فحسب بل يدرس كذلك لغة أجسادهم ونغمة أصواتهم. بعد ذلك يقيّم الذكاء الاصطناعي أفضل المرشحين الذين اجتازوا الجولة الثانية، ويتم دعوتهم إلى مقر شركة يونيليفر لإجراء المقابلات الشخصية، حيث يتخذ البشر القرار النهائي للتوظيف.

لكننا لا ندري بعد ما إن كانت هذه الطريقة الجديدة في التوظيف أدت إلى تعيين موظفين أفضل أم لا. وبطبيعة الحال، تتبعت شركة يونيليفر عن كثب مدى نجاح هذه التعيينات، لكننا لا زلنا بحاجة للمزيد من البيانات لنحكم على نجاحها من عدمه. مع ذلك، من الواضح أن النظام الجديد قد أسهم بالفعل في التوسع في عملية التوظيف في الشركة. ويعود ذلك في جزء منه إلى أن الباحثين عن العمل أصبحوا يصلون بسهولة إلى نظام التوظيف عبر هواتفهم الذكية بحيث تضاعف عدد طلبات التوظيف ليصل إلى 30,000 طلب خلال عام من تطبيق النظام، وارتفع عدد الجامعات التي تخرج منها مقدمو طلبات العمل من 840 إلى 2,600، وسجلت الشركة أيضاً ارتفاعاً في نسبة التنوع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية للموظفين الجدد. بالإضافة إلى ذلك، انخفض متوسط وقت عملية التوظيف من أربعة أشهر إلى أربعة أسابيع فقط، فيما انخفض الوقت الذي يقضيه مسؤولو التوظيف في مراجعة الطلبات بنسبة 75%.

اتخاذ القرارات

يستطيع الذكاء الاصطناعي مساعدة الموظفين في اتخاذ قرارات أفضل، من خلال منحهم المعلومات والمشورة الدقيقة. وتظهر فائدة ذلك بصورة أكبر لدى العمّال في الميدان، حيث يكون لاتخاذ القرار السليم تأثير كبير على النتائج النهائية.

فكّر مثلاً في الطريقة التي يتم من خلالها تحسين معدات الصيانة باستخدام "التوائم الرقمية"، المتمثلة في نماذج افتراضية للمعدات المادية. فقد طورت شركة "جنرال إلكتريك" برنامجاً يصنع نماذج لتوربيناتها وغيرها من المنتجات الصناعية، وكانت الشركة تقوم بتحديث هذا البرنامج باستمرار بالبيانات التشغيلية التي تأتي من هذه المعدات. ومن خلال جمع البيانات المستخرجة من عدد كبير من الآلات العاملة في الميدان، راكمت شركة جنرال إلكتريك ثروة من المعلومات عن الأداء السليم والأداء غير السليم للمعدات. وهكذا يستطيع برنامجها بريديكس (Predix)، الذي يستخدم خوارزميات تعلم الآلة، أن يتوقع بسهولة عطب قطعة معينة في إحدى الآلات.

غيرت هذه التقنية بشكل جذري عملية اتخاذ القرار المكثفة في مجال صيانة المعدات الصناعية. يستطيع بريديكس على سبيل المثال أن يحدد خللاً غير متوقع في أحد دوّارات توربين معين، فيتحقق من السجل التشغيلي للتوربين، ويُبلّغ المهندسين أن العطل ازداد بنسبة أربعة أضعاف خلال الأشهر القليلة الماضية، ويقدم تحذيراً أنه في حال لم يتم إصلاح هذا العطل سيخسر الدوّار ما قدره 70% من فترة صلاحيته. من ثم يمكن أن يقترح النظام الإجراءات المناسبة لاتخاذها، مع مراعاة الوضع الحالي للآلة والبيئة التشغيلية لها والبيانات المجمعة عن الأعطال والإصلاحات المماثلة التي أجريت على الآلات الأخرى. بالإضافة إلى توصياته، يمكن لبرنامج بريديكس أن يقدم معلومات عن تكاليف إصلاح الأعطال والمكاسب المالية المتوقعة ويعرض مستوى الثقة (لنقل مثلاً 95%) في الافتراضات التي استخدمها في التحليل.

من هنا نجد أنه من دون برنامج بريديكس، سيكون العمّال محظوظين إن صادف واكتشفوا عطب الدوّار أثناء فحوصات الصيانة الروتينية. ومن المحتمل أن يبقى العطل غير مكتشف إلا عندما يتلف الدوّار تماماً، مما يؤدي إلى إيقاف التشغيل المكلّف مالياً. لكن مع وجود بريديكس، يتلقى عمال الصيانة تنبيهاً بالمشاكل المحتملة قبل أن تتطور وتصبح خطرة، ويوفر لهم البرنامج المعلومات اللازمة عند أطراف أصابعهم لاتخاذ القرارات الصائبة التي توفر في كثير من الأحيان ملايين الدولارات لشركة جنرال إلكتريك.

التخصيص

يمثل توفير تجارب استخدام مخصصة بشكل فردي لمنتجات ماركة تجارية "حجر الأساس" في مجال التسويق. ومع توفر تقنيات الذكاء الاصطناعي، يمكن الآن تحقيق ذلك بدقة مذهلة لم يكن بالإمكان تخيلها بشكل مسبق وعلى نطاق واسع. فكّر مثلاً في طريقة استخدام خدمة بث الموسيقى 'باندورا' (Pandora) لخوارزميات الذكاء الاصطناعي من أجل عرض قوائم تشغيل مخصصة لكل مستخدم من ملايين المستخدمين لديها، كل حسب تفضيلاته من الأغاني والفنانين وأنواع الموسيقى والغناء. أو تأمل حال شركة ستاربكس مثلاً، التي تستعمل بموافقة زبائنها، الذكاء الاصطناعي للتعرف على أجهزتهم المحمولة وتفحص سجل طلباتهم السابق لمساعدة مقدّمي القهوة والمشروبات على تقديم توصيات مناسبة لهؤلاء الزبائن. تقوم تقنية الذكاء الاصطناعي بما تقوم به بأفضل شكل، فتغربل كميات هائلة من البيانات وتعالجها وذلك من أجل التوصية بعروض معينة أو إجراء تصرفات محددة، ويقوم البشر بما يقومون به بشكل أفضل، من خلال التصرف وفقاً لحدسهم وقدرتهم البشرية على الحكم لتقديم توصيات أو اختيار الأفضل من بين مجموعة من الخيارات.

تطبق شركة 'كرنفال كوربوريشن' (Carnival Corporation) الذكاء الاصطناعي لتخصيص الرحلات البحرية لملايين السائحين ومسافري العطلات من خلال جهاز قابل للارتداء يدعى "ميدالية المحيط" (Ocean Medallion) وباستخدام شبكة تسمح بالتواصل بين الأجهزة الذكية. تعالج تقنية تعلم الآلة بشكل فعّال ونشط البيانات المتدفقة من الميدالية ومن المستشعرات ومن الأنظمة المنتشرة في جميع أنحاء السفينة وذلك لتوفير أفضل تجربة ممكنة للعطلات لضيوفها وعملائها. تنظم الميدالية عمليات الصعود على ظهر السفينة والنزول منها وتقوم بتتبع نشاطات الضيوف وتبسط عملية الشراء بوصل بطاقاتهم الائتمانية بالجهاز المحمول، الذي يعمل كذلك كمفتاح للغرفة. كما أن الميدالية متصلة بنظام يتوقع تفضيلات الضيوف، مما يساعد أعضاء طاقم السفينة على تقديم خدمة مخصصة لكل زبون على حدة، وذلك باقتراح مسارات سفر مخصصة لتجربة مختلف النشاطات وموائد الطعام.

الحاجة إلى وظائف ومواهب جديدة لا تقتصر عملية إعادة تصميم عمليات الأعمال على تطبيق الذكاء الاصطناعي فحسب، بل تتطلب أيضاً التزاماً كبيراً بتنمية ما يدعى "مهارات الدمج" لدى الموظفين، وهي عبارة عن مجموعة من المهارات التي تتيح لهم أن يعملوا بفعالية مع واجهات التفاعل بين الإنسان والآلة. ولكي تقوم الشركات بذلك، لا بد على موظفيها أولاً أن يتعلموا تفويض المهام للتقنية الجديدة، كما هو الحال عندما يثق الأطباء بالحواسيب لقراءة صور الأشعة السينية والرنين المغناطيسي. كما يجب على الموظفين أيضاً أن يتعلموا كيف يدمجون مهاراتهم البشرية المميزة مع مهارات الآلات الذكية للحصول على أفضل نتيجة ممكنة لا يستطيع أي من الطرفين الوصول إليها بشكل منفرد، كما هو الحال في عمليات الجراحة بمساعدة الروبوتات. كما ينبغي على الموظفين أن يكونوا قادرين على تعليم الأجهزة الذكية مهارات جديدة وأن ينخرطوا في دورات تدريبية لتعلم كيفية العمل بشكل جيد في بيئات معززة بالذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، من الضروري أن يتعلم الموظفون أفضل طريقة لطرح الأسئلة على الأجهزة الذكية للحصول على المعلومات التي يريدونها. بالإضافة إلى ذلك، لا بد من وجود موظفين، مثل أولئك المتواجدين في شركة آبل ضمن فريق "الخصوصية التفاضلية"، مهمتهم ضمان استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في شركاتهم بشكل مسؤول وليس لأغراض غير قانونية أو غير أخلاقية.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي 

إننا نتوقع أن يتم مستقبلاً إعادة تصميم الوظائف في الشركات، بحيث تتركز على النتائج المرجوة للعمليات التي أعيد صياغتها، ونتوقع أيضاً أن يتم تنظيم الشركات الكبرى أكثر فأكثر استناداً إلى مختلف أنواع المهارات عوضاً عن الاستناد إلى المسميات الوظيفية الجامدة. وفي هذا السياق، بدأت شركة "أيه تي آند تي" (AT&T) بالفعل هذه النقلة وذلك بتحولها من الخدمات الهاتفية الأرضية إلى شبكات الهواتف المحمولة، وشروعها في إعادة تدريب 100,000 من موظفيها لشغل مناصب جديدة. وفي إطار هذه المساعي، قامت الشركة بإجراء إصلاح جذري لمخططها التنظيمي: فقد جرى تبسيط حوالي 2,000 مسمى وظيفياً ضمن عدد أقل بكثير من فئات توظيف واسعة تضم مهارات مشابهة. بعض هذه المهارات قد يتوقعها القارئ بالفعل (مثل إجادة علم البيانات وتشذيب البيانات)، في حين أن بعضها أقل وضوحاً (مثل القدرة على استخدام الأدوات البسيطة لتعلم الآلة في البيع الأفقي للخدمات).

تتطلب معظم الأنشطة في واجهة التفاعل بين الإنسان والآلة من الأشخاص أن يقوموا بأمور جديدة ومختلفة (مثل تدريب برنامج محادثة ذكي -شات بوت) والقيام بالأمور بشكل مختلف (مثل استخدام ذلك الشات بوت لتوفير خدمة عملاء أفضل). مع ذلك، وحتى وقتنا الحالي، لم نجد إلا عدداً قليلاً من الشركات التي استطلعناها قد بدأت بالفعل في إعادة تصميم عملياتها أعمالها لتحسين ميزة التعاون الذكي إلى أبعد مدى ممكن. إلا أن المغزى واضح هنا: وهو أن الشركات التي تستخدم الآلات فقط لاستبدال العمال والموظفين من خلال الأتمتة ، لن تتمتع بالإمكانات الكاملة لتقنيات الذكاء الاصطناعي. وبطبيعة الحال، مثل هذه الاستراتيجية هي منهج خاطئ منذ البداية. إن قادة الغد سيكونون مختلفين بطريقة تعاملهم مع قضية البشر والذكاء الاصطناعي، حيث سنراهم يتبنون مبدأ التعاون الذكي، ويحولون عمليات شركاتهم التجارية وأسواقها وقطاعاتها وأخيراً وهذا لا يقل أهمية، القوة العاملة لديهم.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي