في عام 2005، قام لافلي الذي كان حينها الرئيس التنفيذي لشركة "بروكتر آند غامبل"، وهي أكبر الشركات المعلنة في العالم، بطرح مفهوم تسويقي أسماه "لحظة الحقيقة"، وهو مفهوم يهدف إلى بناء الولاء للعلامة التجارية. وسرعان ما قامت شركات البيع بالتجزئة ذات العلامات التجارية بتبني المفهوم ومواءمة استراتيجياتها حول لحظتين حرجتين:
1) اللحظة التي يقرر فيها الزبون فيما إذا كان سيشتري المنتَج.
2) اللحظة التي يستعمل فيها الزبون المنتَج للمرة الأولى.
تجربة ما بعد الشراء وبناء الولاء للعلامة التجارية
ومع ظهور تقنيات جديدة مثل الإنترنت وأجهزة الهاتف الجوال، أصبح هنالك مرحلة حرجة إضافية لزيادة احتمالية الشراء، تتضمن مرحلة البحث عن المنتج المطلوب. في عام 2011، أدت مواقع المراجعة عبر الإنترنت أمثال "يلب" (Yelp) و"تريب أدفايزر" (TripAdvisor) إلى دفع موقع "جوجل" لتقديم مصطلح أطلق عليه "لحظة الحقيقة صفر"، وهي جزء حاسم في مرحلة الشراء. في الوقت نفسه، تظهر الإحصائيات أن نصف التجارة الإلكترونية تتم حالياً عبر الهاتف الجوال، مبشّرة بميلاد لحظة أخرى، تدعى "لحظة الحقيقة عبر الجوال".
واليوم، تقوم شركات البيع بالتجزئة ذات العلامات التجارية بدراسة تجربة العميل فيما يتعلق باللحظات الأربع السابقة، وتركز على دفع المتسوقين للضغط على زر "الشراء". ومع ذلك، من المهم لأصحاب العلامات التجارية الانتباه إلى أن رحلة الزبون لا تنتهي هنا، أو بالأحرى، إنها مجرد بداية العلاقة معه. فعندما يُنهي الزبون عملية الشراء عبر الإنترنت، تبدأ فترة زمنية ندعوها "فترة التجربة" اعتباراً من اللحظة التي يسجل فيها الزبون خروجه من صفحة الشراء إلى اللحظة التي يصل فيها المنتج إليه. وهذه لحظة حقيقة جديدة بالنسبة للمتسوقين عبر الإنترنت. يمثل تقديم تجربة إيجابية خلال هذا الوقت من الترقب فرصة رائعة لتجار التجزئة لتعميق علاقاتهم مع الزبائن وبناء الولاء لعلاماتهم التجارية. والمدهش أن 16% فقط من الشركات تركز على استبقاء الزبائن، على الرغم من أن تكلفة اكتساب زبون جديد تزيد بخمسة أضعاف عن تكلفة الاحتفاظ بزبون قديم.
يتوقع المتسوقون خوض تجربة تسوق سلسة، بغض النظر عن مكان وجودهم، أو الجهاز الذي يستخدمونه، أو الطريقة التي اختاروها للتسوق. ويدرك أصحاب العلامات التجارية ذلك: إذ إن 84% من تجار التجزئة يقولون إنه من الضروري للغاية خلق تجربة عميل متسقة عبر القنوات المختلفة للبيع. وفي حين كان توفير المنتج من المهمات التقليدية لسلسلة التوريد، بعيداً عن الخوض في تجربة العميل، إلا أن ظهور نمط المتسوقين الذين يبحثون عن المنتج عبر قنوات عدة، وكذلك ظهور نمط الخدمات عند الطلب مثل خدمة التوصيل عند الطلب "أوبر راش" (UberRUSH) التي قدمتها شركة "أوبر"ً، وكذلك خدمات شركة "بوست ميتس" (Postmates). كل ذلك أدى إلى طمس الطرق التقليدية في توفير المنتج المطلوب. يتطلع الزبائن أكثر من أي وقت مضى إلى خوض تجربة تسوق ذات طابع شخصي عبر كامل رحلة التسوق، وصولاً إلى طريقة حصولهم على المنتج ولحظة استلامه.
أما التركيز على مرحلة ما بعد الشراء فتعتبر المحطة التالية التي يجب على تجار التجزئة عبر الإنترنت الاهتمام بها. في السابق، أسلم تجار التجزئة تجربة العميل إلى طرف ثالث، مثل شركات "فيديكس" (FedEx) و"يو بي إس" (UPS)، التي ينصب اهتمامها على عملية التوصيل فقط. أما الآن، فيقوم تجار التجزئة بتوسيع اهتمامهم بمرحلة ما بعد الشراء حتى وصول المنتج إلى يد الزبون، من خلال التركيز على توفير أشكال عرض جميلة تحمل طابع العلامة التجارية لتقديم المنتجات وتأمين خدمة متابعة المنتج أثناء رحلة شحنه، إضافة إلى إضفاء طابع شخصي على المحتوى. ومن خلال تمهيد طريق الشراء أمام الزبائن وإعادة دفعهم مباشرة ضمن حلقة الولاء للمنتج، يمكن للعلامات التجارية أن تحول هؤلاء المتسوقين من زبائن يقومون بالشراء لمرة واحدة إلى زبائن داعمين للمنتج مدى الحياة.
ولتوضيح ذلك يمكننا أن نلقي نظرة عن كثب على شركة "سيفورا" (Sephora) المختصة بمستحضرات التجميل والعناية الشخصية، التي استفادت من مفهوم هذه اللحظات الجديدة لتوثّق ارتباطها بالزبائن. (تعتبر سيفورا أحد العملاء، إلى جانب العديد من الشركات الأخرى المذكورة أدناه). ينبثق نجاح عملاق مستحضرات التجميل من سعيها الدؤوب لإجراء متابعة مستمرة لتجربة العميل على مدار رحلة الزبون لشراء المنتَج عبر قنوات البيع كافة، سواء الرقمية منها أو عبر الهاتف الجوال أو مباشرة في المراكز التجارية. فمثلاً تقدم "سيفورا" لزبائن المتجر فرصة الحصول على دروس لتعليم فن "المكياج" عبر الإنترنت من خلال ما تطلق عليه "حلقات التدريب على التجميل". والآن من خلال التحديث الأخير لتطبيق "سيفورا" على الهاتف الجوال، أصبحت ميزة الواقع المعزز تمكن المتسوقين من رؤية أنفسهم يتحركون آنياً أثناء محاولتهم تجريب المكياج رقمياً.
لكن التجربة الشخصية لا تنتهي هنا. فحتى بعد الضغط على زر "الشراء"، تُفتح لزبائن "سيفورا" صفحة خاصة بمسار تتبّع المنتج الذي يحمل العلامة التجارية، حيث يستعرض الزبون من خلالها حالة الشحنة الخاصة به. وفي الوقت ذاته، يستقبل الزبائن رسائل تتضمن بعض التوصيات والصفقات ومحتوى تعليمي، وهو ما يبقيهم متحمسين تجاه مشترياتهم. وإذا اضطر الزبون لإرجاع منتَج ما، تقدم "سيفورا" له مجموعة حلول متكاملة من شأنها إزالة الغموض حيال السياسات المعقدة للإرجاع، في حين تزود تاجر التجزئة بمعلومات دقيقة عن ماهية المنتجات التي يمكن إرجاعها ومتى يمكن إعادتها ولماذا. في كل خطوة يخطوها الزبون مع "سيفورا"، تحاول هذه الأخيرة أن تحسن فيها من تجربة العميل وتضاعف من ولائه لمنتجاتها لأقصى درجة.
طرق تساعد تجار التجزئة على التفوق في تجربة ما بعد الشراء
فيما يلي أربع طرق أساسية يمكن لتجار التجزئة من خلالها التفوق في تجربة ما بعد الشراء:
استمر في المحادثة
واحدة من أولى الطرق التي يمكن لتجار التجزئة اتباعها هي الاستحواذ على تجربة ما بعد الشراء، بدلاً من إدراك الأمور صدفة عبر ترك زبائنهم يتواصلون مع طرف ثالث. قامت بعض شركات البيع بالتجزئة أمثال "نوردستورم" (Nordstrom) و"آر إي آي" (REI) و"أنثروبولوجي" (Anthropologie) بتصميم تجارب خاصة بها لتتبع الطرود وتؤمن للزبون من خلالها رؤية حالة شحنته إلى حين وصولها. يمكن للزبائن أيضاً الاشتراك في خدمة إشعارات الرسائل القصيرة، وكذلك العثور على الأسئلة الشائعة دون الحاجة إلى ترك تجربة العلامة التجارية. وبذلك، لا يقتصر الأمر على تحسين اطلاع الزبون وتقليل كمية المكالمات الواردة إلى مركز الاتصالات فحسب، بل تفتح هذه الإجراءات الباب لتجار التجزئة أمام قنوات تسويقية جديدة تمكنهم من الوصول إلى الجمهور الذي أصبح أسير منتجاتهم بالفعل.
احرص على تزويد المتسوقين بمعلومات ذات صلة، وتحمل طابعاً شخصياً
يكون الزبائن أثناء انتظارهم لتسلم منتجاتهم على استعداد كبير للتواصل مع تاجر التجزئة، لاسيما إن كان هذا التواصل مخصصاً لهم. يفضل 73% من الزبائن الشراء من علامات تجارية تستخدم معلومات شخصية، ما يجعل التسوقَ تجربة وثيقة الصلة أكثر وأكثر. فمثلاً، تقوم "بيرك بوكس" (Birchbox)، وهي خدمة اشتراك شهري عبر الإنترنت مختصة بمستحضرات التجميل، بإطلاع زبائنها على ما سيحصلون عليه عند الشراء من خلال مقاطع فيديو شهرية تظهر ما يوجد في عُلب المنتجات. في حين تعمل شركة "ليفايس" (Levi's) على جعل ارتباطها بالزبائن متيناً من خلال الترويج لمنتجاتها الجديدة بين عملائها الحاليين استناداً إلى مشترياتهم السابقة وتفضيلاتهم، وذلك عبر استخدام قناة البيع ما بعد مرحلة الشراء.
اعمل على تحويل تجربة العميل الرديئة إلى تجربة مذهلة
قد تحصل الكثير من العثرات في أثناء إتمام عملية الشراء، ما قد يخيب أمل الزبون، كأن يحصل خطأ في شحن المنتج المطلوب، أو أن يصل المنتج إلى عنوان خاطئ، أو أن يتأجل الشحن بسبب سوء الأحوال الجوية. وفي حين أن هذه الحالات قد تكون خارجة عن إرادة تاجر التجزئة، إلا أنها تنعكس سلباً على العلامة التجارية نفسها. هذا لا يعني بأي حال فقدان الزبون المستاء للأبد. إن قدرة صاحب العلامة التجارية على التعامل مع حالات كهذه في الوقت المناسب يعتبر فرصة مواتية لإعادة كسب الزبائن وضمان حديثهم عن المنتج مع الآخرين بشكل إيجابي. لنضرب مثالين على ذلك: شركة "غاب" (Gap) وشركة "بيد باث آند بيوند" (Bed Bath & Beyond)، إذ كانتا تجلبان استياء زبائنهما وقت وصول المنتجات إليهم، وهو الوقت الذي تتكشف فيه على الأرجح معظم المشكلات ويتم الإبلاغ عنها. ولكن من خلال مراقبة سلوك الزبون واتخاذ إجراءات استباقية للمساعدة في تقديم حلول سريعة ومُيسّرة للمشكلات الناجمة، تمكنت الشركتان من كسب مودة زبائنهما من جديد.
هيئ بيئة تنظيمية تدعم تجربة رائعة لمرحلة ما بعد الشراء
بما أن تجربة العميل أصبحت على رأس أولويات بائعي التجزئة، فعليهم تأمين فرق عمل داخلية ضمن المؤسسة تتماشى مع هذه الأولوية. من الضروري بمكان، على وجه التحديد، تعزيز العلاقة بين فرق سلسلة التوريد والتجارة الإلكترونية والتسويق، بهدف الوصول إلى تجربة فريدة من نوعها لما بعد الشراء. ربما كانت هذه الفرق تعمل في الماضي في وحدات منفصلة، لكن إذا أخفقت تجربة العميل ذات مرة، سواء عاد هذا الإخفاق إلى سلسلة التوريد أو فريق التسويق، نجد أن الأمر ينعكس بالسوء على العلامة التجارية. فعندما تعمل هذه الفرق جنباً إلى جنب مع توفر الموارد والميزانية والمقاييس المناسبة، لا بد لتاجر التجزئة أن يتأهب للاحتفاء بنجاحه.
يحتاج بائعو التجزئة إلى تصميم رحلة كاملة للزبون من ألفها إلى يائها من ضمنها تجربة ما بعد الشراء، وذلك لدفع الزبائن إلى حب علامتهم التجارية والتوق للتعامل معهم. إن اكتساب زبون دائم مدى الحياة ليس أمراً وليد الصدفة، لكنه نتاج تجربة كاملة تخوضها الشركات من البداية إلى النهاية.