كيف تبدو عمليات الاندماج والاستحواذ في ظل الجائحة الحالية؟

7 دقائق
الاندماج والاستحواذ خلال كورونا

كيف ستكون عمليات الاندماج والاستحواذ خلال كورونا ؟ هل تستلزم الجائحة وما يصاحبها من انكماش اقتصادي وقف هذه العمليات أم مواصلتها؟ هناك عدة أمثلة بارزة على كل منهما، فقد تراجعت شركة "بوينغ"، على سبيل المثال، عن صفقة بقيمة 4 مليارات دولار للاستحواذ على 80% من أعمال شركة صناعة طائرات "إمبراير" (Embraer) التجارية وحصة بنسبة 49% في مشروع مشترك لتصنيع طائرة شحن عسكرية جديدة، وفي الوقت نفسه، أعلنت شركات مثل "جوجل كلاود" و"نستله إس إيه" و"بلاك روك" (Black Rock) وشركة الملابس البريطانية "بوهو" (Boohoo) وغيرها من الشركات، انفتاحها على عمليات الاستحواذ على الرغم من حالة الغموض التي فرضها فيروس كورونا.

ولفهم الطريقة التي تفكر بها الشركات فيما يخص عمليات الاندماج والاستحواذ خلال كورونا ، أجرى مجلس قيادة عمليات الاندماج والاستحواذ استقصاء بمشاركة 50 شخصاً من المسؤولين التنفيذيين رفيعي المستوى وكبار قادة تطوير الشركات يستفسر فيه عن خططهم، وشمل الاستقصاء مشاركة جهات محلية وعالمية متمرسة في عمليات الاستحواذ من شريحة عرضية تمثل عدداً من القطاعات، كالصيرفة والمالية والبرمجيات والتكنولوجيا والرعاية الصحية والمستحضرات الدوائية والخدمات المهنية، وغيرها، كما جرى توزيع أحجام الشركات المشاركة عبر قطاعات الإيرادات التمثيلية بحيث تجاوزت إيرادات 25% منها 5 مليارات دولار، وتراوحت إيرادات 20% منها بين مليار و5 مليارات دولار، وتراوحت إيرادات 20% منها أيضاً بين 100 مليون ومليار دولار، في حين تراوحت إيرادات 35% منها المتبقية بين 10 ملايين و100 مليون دولار.

الاندماج والاستحواذ خلال كورونا

طرحنا خمسة أسئلة رئيسية لتقييم الأثر المتحقق على: (1) الصفقات الحالية قيد التنفيذ وقت وقوع الأزمة، (2) حجم الصفقات المتوقعة في 2020، (3) الأهداف الاستراتيجية الكبرى المرجوة من "نوع الصفقة" في المستقبل القريب، (4) التحديات التشغيلية لعمليات الاندماج والاستحواذ خلال كورونا بما في ذلك فترة الإغلاق وفي ظل متطلبات الحجر المنزلي، (5) الإمكانيات الداخلية اللازمة لعمليات الاندماج والاستحواذ.

اقرأ أيضاً: كيف يمكنك أن تتطور في معمعة عملية الاندماج والاستحواذ؟.

الصفقات الحالية

أشار أكثر من نصف المشاركين في هذا الاستقصاء (51%) إلى أن نشاط الصفقات الحالية لديهم "توقَف بشكل مؤقت" من أجل إتاحة الوقت لتقييم الجدول الزمني المحتمل لانتعاش السوق مرة أخرى أو لتأجيل الصفقات المتوقعة التي لا تزال في مراحلها المبكرة ولم تتخطّ مرحلة خطاب النوايا أو مرحلة الفحص النافي للجهالة المبدئي، وأشار 14% منهم إلى أن كل صفقاتهم الحالية قد توقفت على الفور، ومع ذلك فقد وجدنا أن العمل على إتمام الصفقات التي بلغت المراحل الأخيرة لا يزال مستمراً: فقد قال ما يقرب من 12% من المشاركين إنهم بادروا إلى إتمام الصفقات التي بلغت المراحل الأخيرة من أجل إبرام المعاملات سريعاً، وقال 12% آخرون إنهم يعتزمون مواصلة إتمام صفقاتهم طبقاً لنجاح عملية إعادة التفاوض على التقييم أو الشروط، بينما أشار الباقون والذين تبلغ نسبتهم 11% ببساطة إلى أن إتمام صفقاتهم الحالية بات "مجهولاً أو غير قابل للتنفيذ".

حجم الصفقات

فيما يتعلق بحجم الصفقات المتوقع إبرامها خلال الفترة المتبقية من عام 2020، أي السؤال الثاني الذي طرحناه، فلا عجب أن يقر 26% من المشاركين أنهم يتوقعون انخفاضاً كبيراً في حجم صفقاتهم المتوقع إبرامها مستقبلاً في الربعين الأخيرين من عام 2020، وبالمثل لا مفر من التسليم بحقيقة توقع أكثر من نصف الجهات المستحوذة (51%) استمرار هذا التوقف المؤقت إلى أن يتضح وقت عودة الانتعاش الاقتصادي وطبيعته أواخر عام 2020.

وعلى الرغم من هذه الأخبار الواقعية التي يمكن التنبؤ بها، فإن البيانات تكشف عن وجود استراتيجية للنمو قد تبدو غير متوقعة ولكنها مشجعة ومهمة بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين والشركات المستعدة لتحويل الأزمة إلى فرصة، فقد لاحظنا أن نسبة كبيرة من المشاركين (23%) أفادوا بأنه إما "أن حجم الصفقة المتوقعة لعام 2020 لم يتأثر" أو بعزمهم على "رفع" حجم الصفقة خلال الفترة المتبقية من عام 2020 بناءً على ازدياد عدد الأهداف السانحة أو التقييمات الأكثر قبولاً التي أسفرت عنها الأزمة، وقدم هذا التحليل الإضافي لهؤلاء المشاركين رؤى حيوية لغيرهم من المسؤولين التنفيذيين ومبرمي الصفقات العازمين على مواصلة تنمية شركاتهم خلال جائحة "كوفيد-19" وبعدها.

استمرت أربعة إجراءات استراتيجية في الظهور بين المسؤولين التنفيذيين العازمين على مواصلة إبرام صفقات الاستحواذ. تمثل الإجراء الأول في تحرك هذه الشركات بسرعة من أجل استغلال النقاط الغنية بفرص الاندماج والاستحواذ، فبالنسبة لهذه الجهات المستحوذة المتمرسة والتي تتمتع برباطة الجأش أو تمتلك ميزانيات ضخمة أو تشهد أسعار أسهمها انتعاشاً ملحوظاً أو القادرة على الحصول على تسهيلات ائتمانية كافية، فإنها تختار "شريكها المميز" الآن في ظل أفضل أدوات النمو الواعدة من تقنيات وحلول وقطاعات من أجل اكتساب ميزة المتحرك الأول والريادة بينما لا تزال الجهات المستحوذة المحتملة الأخرى في حالة من الذهول أو لا تزال مشغولة بترتيب خطواتها التالية، ولعل خير مثال على ذلك هو ما أُعلن عنه مؤخراً من استحواذ شركة "فيرايزون" (Verizon) على شركة "بلو جينز نتورك" (BlueJeans Network) وهي منصة رائدة في عقد الاجتماعات وتنظيم الفعاليات عبر تقنية الفيديو، فهذه الصفقة أكبر من مجرد اتجاه للتوسع بالنسبة لشركة "فيرايزون"، إذ تعتزم الشركة استغلال هذه الفرصة استراتيجياً والاستفادة من تكنولوجيا الجيل الخامس الناشئة الخاصة بها وتطويرها من أجل إنتاج نظام لعقد الاجتماعات عبر الفيديو بإمكانيات أكثر تقدماً.

ثمة نقاط أخرى غنية بالفرص تقف بانتظار المشترين الذين يحتاجون إلى التحول الرقمي، أو ابتكار نماذج عمل جديدة من أجل تصحيح مسارهم بما يتناسب مع سوق ما بعد جائحة "كوفيد-19" أو من أجل تسريع وتيرة تسويق أفضل التقنيات والتطورات الطبية ونماذج التسليم الواعدة بالنجاح.

اقرأ أيضاً: عند الاستحواذ على شركة أخرى... تعلم طرح هذه الأسئلة.

الأهداف المرجوة من "نوع الصفقة"

يتمثل الإجراء الثالث في عمل هذه الشركات على توسيع نطاق الأهداف الجديدة المحتملة المرجوة من نوع الصفقة، حيث أكد 57% من المشاركين في استقصائنا أن هدفهم من مواصلة تنفيذ صفقات نمو الإيرادات الاستراتيجية يماثل هدفهم في استراتيجيتهم الأساسية في الاستحواذ على مدى السنوات السابقة، ومع ذلك تشير البيانات إلى أن الجهات المستحوذة المتمرسة تتسوَّق في وقت واحد في مختلف أنواع الصفقات الاستراتيجية، إذ تشير 49% منها إلى أن هدفها هو انتهاز الفرصة وشراء الشركات المتعثرة، كما يستهدف 23% منها التوصل إلى تقنيات أو حلول أو قطاعات جديدة تماماً من أجل تحقيق إيرادات أكثر تنوعاً في المستقبل.

وليس ثمة الكثير من أوجه التشابه الملموسة بين الأزمة الاقتصادية الناتجة عن جائحة "كوفيد-19" في عام 2020 والركود الاقتصادي الكبير الذي وقع في الفترة بين عامي 2008 و2009، إلا أن الزيادة المتوقعة لنسبة تصفية الاستثمار هي أحد الجوانب التي لا يزال من الواجب الاستفادة منها: فقد أشار 23% من المشاركين في الاستقصاء إلى احتمال تصفية أعمالهم لأنهم يريدون جمع المبالغ النقدية اللازمة لخدمة الدين أو للاستثمار على نحو استراتيجي في فرص النمو في مرحلة ما بعد جائحة "كوفيد-19".

وأخيراً، يتوقع المشاركون استمرار صفقات التوسع الجغرافي (40%) واستمرار عمليات الاستحواذ على التكاليف ودمجها (26%) وما يعرف بـ "زواج البقاء" (6%).

التحديات الماثلة أمام عمليات الاندماج والاستحواذ خلال كورونا

يتمثل الإجراء الرابع في عمل هذه الشركات على سد فجوة التقييم بأسلوب إبداعي، فسيكون الطلب كبيراً جداً على البائعين الذين يتلقون الكثير من طلبات الشراء في الغالب، لاسيما أولئك البائعين الذين يعملون في أفضل المجالات الواعدة المرتبطة بالتصدي للأوبئة والوقاية منها، ويجب أن يكون كل من عوامل التقييم وهيكل الصفقة وحوافز النمو الصحيحة واستبقاء المواهب مصاغة بأسلوب إبداعي ومقنع وبسيط بما يكفي ليضمن الفوز بالمناقصة. أما بالنسبة لتلك الشركات الأكثر تضرراً من جائحة "كوفيد-19" والإغلاق الاقتصادي المصاحب لها، فسينتظر البائعون بصفة عامة ظهور حالة من الإجماع بشأن التقييم الجديد، أو انتعاش بيانات الربح والخسارة بمرور الوقت.

وبالنسبة إلى هذا النوع من أهداف الاستحواذ، فمن المحتمل أن يكون سد فجوة التقييم الخاصة بك بأسلوب إبداعي هو السبيل إلى إبرام الصفقة على المدى القصير، ويستلزم ذلك مستوى معيناً من تحليل الفحص النافي للجهالة والحوار مع البائع الذي بدأ العديد من المشترين من فورهم التعامل معه، ففيما يتعلق بالتحليل المالي لعام 2020، على سبيل المثال، إلى أي مدى أثرت المقومات الأساسية، أو الضغط التنافسي، أو غيرها من العوامل الداخلية أو الخارجية على الانخفاض الحاد للهدف في الإيرادات والأرباح مقابل آثار جائحة "كوفيد-19" فقط؟ وهل ينبغي للمشترين قبول "النفقات الإضافية الخاصة بجائحة كوفيد-19" الحالية التي تُضاف إلى هامش الأرباح قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك وإهلاك الدين؟ وبالمثل، كيف يتحقق فريق القيادة التابع لك من صحة كل من هدف الانتعاش الاقتصادي للشركة وخطة النهوض بها، والتوقعات المبدئية والمبادرات ذات الأولوية والإنفاق؟

الإمكانيات الداخلية اللازمة لعمليات الاندماج والاستحواذ

وأخيراً أفاد المشاركون في الاستقصاء بأنهم يعززون الإمكانيات الداخلية اللازمة لعمليات الاندماج والاستحواذ، حيث يستلزم تنفيذ عمليات الاندماج والاستحواذ عن بُعد خلال الأزمة وفي أثناء الانتعاش الاقتصادي الذي لا يزال غير مؤكد إلى حد كبير مستوى معيناً من الإمكانيات الداخلية اللازمة للاندماج والاستحواذ عبر جميع مراحل الصفقة وعدة سيناريوهات مختلفة من نوع الصفقة، على أن يتجاوز هذا المستوى الإمكانيات الحالية الموجودة في العديد من الشركات، وفي هذا الصدد يقول أحد المسئولين عن إحدى الشركات المستحوذة العالمية بالغة التطور: "لقد ظللنا خلال تاريخنا نجري أربع أو خمس صفقات استحواذ أو تصفية للاستثمارات سنوياً، ولكننا بعد جائحة "كوفيد-19" نتوقع بشكل معقول أن التغيير الجذري لمشهد السوق والشركات المستهدفة المحتملة التي ربما تكون متاحة لن يقع إلا مرة واحدة في كل جيل، ومن ثم لا بد لنا من زيادة حجم صفقاتنا بمقدار ضعفين أو ثلاثة أضعاف حتى نبلغ الموضع الذي نريد الوصول إليه على نحو استراتيجي".

اقرأ أيضاً: ما هي الاستراتيجية؟.

وسواء كان تحقيق هذا النوع من إعادة التموضع الاستراتيجي لما بعد جائحة "كوفيد-19" يتطلب من شركتك إبرام صفقة واحدة أو 20 صفقة، فلتستخدم الآن التوقف المؤقت على نحو استراتيجي من أجل تسريع وتيرة إتمام صفقات الاندماج والتكامل المتراكمة، لذا احرص على تحديث كل ما يلزم لتنفيذ صفقات الاندماج والاستحواذ، من عمليات التشغيل والأدلة الإرشادية والحلول البرمجية والمهارات والموارد من أجل تمكين عمليات التشغيل عن بعد بكل سلاسة لأي نوع من الصفقات وفي أي بيئة سوقية وعلى مستوى حجم الصفقة التي ستدعم أهدافك الاستراتيجية بشكل كافٍ لتجاوز الأزمة.

***

تكتنف عمليات الاندماج والاستحواذ صعوبات جمة، ولكنها ربما أصبحت أكثر صعوبة بعد جائحة "كوفيد-19"، وإذا نحيَّنا جانباً ذلك الجدال السياسي حول "قانون مكافحة الاحتكار خلال فترات تفشي الأوبئة" الذي صدر مؤخراً، فقد تواجه أكثر الشركات المستحوذة تمرساً صعوبات كبيرة للتغلب على تحديات الاستحواذ الآنية الأخرى، حيث يقول مسؤول على قدر من الذكاء والرؤية الثاقبة من المشاركين في الاستقصاء: "لقد مر أكثر من 10 سنوات منذ أن فكرنا في إجراء صفقة متعثرة، ولست على يقين أن لدينا دليلاً إرشادياً لذلك"، ويعلِّق آخر: "لا يجوز النظر إلى عمليات تصفية الاستثمارات بوصفها ’عمليات استحواذ معكوسة‘ لأن منحنى القيمة الخاص بها مختلف تماماً عن منحنى عمليات الاستحواذ النموذجية"، وأخيراً يردف مسؤول ثالث: "إن مخاطر الأمن السيبراني الإضافية التي قد تتكبدها الشركة جرّاء العمل من المنزل على نطاق واسع تضفي أهمية بالغة على الفحص النافي للجهالة الدقيق".

وفي نهاية الحديث عن الاندماج والاستحواذ خلال كورونا ، وبعيداً عن توقف الشركات المستحوذة مؤقتاً عن العمل في عام 2020، فإن تلك التي تصمم منها على اغتنام الفرص الكامنة في هذا الزلزال الاقتصادي المرير غير المسبوق ستكون الشركات الأكثر قدرة على فرض هيمنتها على السوق بمجرد عودة عجلة النشاط الاقتصادي إلى الدوران من جديد.

اقرأ أيضاً: دراسة حالة: هل يجب تقليص محفظة العلامات التجارية بعد عمليات الاندماج؟.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي