3 انحيازات سلوكية تسلبُك ميزة الهدوء والتريُث

4 دقائق
الانحيازات السلوكية
shutterstock.com/peterschreiber.media
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نعيش اليوم عصر ما يُسمى “عصر السرعة”، وهذا يعني أن وتيرة الأحداث من حولنا أصبحت سريعة جداً لتواكب القفزات التقنية الهائلة التي أفرزتها التكنولوجيا الحديثة. فلو سألت أي شخص عما يشعر به في هذه الأيام، فعلى الأرجح سيرد مستخدماً أي كلمة تشير إلى “الإرهاق”، على غرار “لقد تعبنا من العمل في خضم حالة من القلق وعدم التيقن”، وبأنّ الأمور “ضبابية” ويصعب تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والأُسرية.

وعندما يكون هذا هو شعورنا، فإن أدمغتنا تتجه إلى توفير طاقتنا الذهنية من خلال توجيه تركيزنا إلى المعلومات المتاحة التي يمكن استحضارها بسهولة لمساعدتنا على اتخاذ القرارات بسرعة. وغالباً ما نقوم بذلك من خلال اتباع حدسنا والاعتماد على أفضل تخميناتنا، وهو ما يُسمى في علم النفس بالانحيازات السلوكية أو المعرفية (Cognitive Biases)، وتُعرف على أنها عيوب تشوب التفكير الإنساني خلال مواقف معينة تؤدي إلى استخلاص استنتاجات غير دقيقة، ويمكن أن تؤدي إلى اتخاذ قرارات غير سليمة لأنها توجه الدماغ البشري نحو التركيز بشكل مفرط على بعض المعلومات دون غيرها من المعلومات المتاحة. 

يتطلب الانتباه إلى هذه الانحيازات السلوكية مزيداً من الهدوء والوعي الذاتي لتجنب التسرع في اتخاذ القرارات، فمزيد من التريث والإحاطة بجميع جوانب المشكلة التي تواجهنا يجعلنا نتحرك بخطوات مدروسة ومتأنية للوصول بسرعة أكبر إلى المبتغى، ولا شيء يقتل الأحلام والتخطيط للبرامج مثل العجلة واليأس والإحباط من عدم تحقيق شيء بشكل عاجل؛ باختصار نحن بحاجة إلى المزيد من البطء.

توجد 3 انحيازات سلوكية شائعة تجعل الإنسان يقع في فخ التسرع وتسلبه ميزة الهدوء والتحرك المدروس هي:

  1. انحياز الثقة المفرطة (Overconfidence Bias): انحياز سلوكي يعني التقييم الخاطئ للقدرات والمهارات والمواهب الذاتية، والاعتقاد المضلل الذي يجعل الفرد يظن أنه أفضل مما هو عليه بالفعل. يؤكد علماء السلوك أن الثقة المفرطة هي أمُ كل التحيزات النفسية إذ يرى الإنسان نفسه أفضل من غيره، وهذا يدعوه إلى القيام بممارسات عنصرية وتحيزية متسرعة ضد الآخرين.

ذكر دانيال كانيمان في كتابه “التفكير: السريع والبطيء” أن الثقة المفرطة تمثل أحد أهم الانحيازات المعرفية التي تؤدي لحدوث كوارث في مختلف الميادين، وأنها تسببت بالفعل بكوارث بشرية على مر التاريخ مثل غرق سفينة تايتنك، والحادث النووي في تشيرنوبيل، وفقدان مكوك الفضاء تشالنجر، والأزمة المالية الكبرى عام 2008. قد تُسهم الثقة المفرطة أيضاً في زيادة معدلات التداول في سوق الأوراق المالية، وارتفاع نسب فشل المشاريع، وتصاعد وتيرة النزاعات القانونية والحزبية السياسية، وحتى اندلاع حروب حقيقية. على سبيل المثال، يدّعي معظم المحللين في السوق المالية أن لديهم مهارات عالية فوق العادية، وهذا ما يعتبره العديد من النقاد ضرباً من ضروب الغرور.

يتمثل خطر الثقة المفرطة في جعل الفرد عرضة لارتكاب أخطاء حساسة في العمليات الاستثمارية، ذلك أنها تجعله أقل حذراً وأكثر جرأة (غير مدروسة) عند اتخاذ القرارات الاستثمارية.

تنقسم الثقة المفرطة إلى أربعة أنواع كالتالي:

  • التصنيف العالي للذات: حيث يرى الإنسان نفسه برتبة أعلى مما يستحق.
  • وهم السيطرة: يظن المرء أنه مسيطر كلياً على وضع ما بينما هو في الواقع ليس كذلك.
  • التفاؤل بخصوص التوقيت: يبالغ المرء في تقدير الفترة التي يمكنه فيها من القيام بأمر ما.
  • تأثير الرغبة: يبالغ المرء الظن في تقدير حدوث شيء ما غير منطقي لتغيير سير الأحداث، وذلك ببساطة لأن النتيجة غير مرغوبة له.
  1. التوافر الإرشادي (Availability Heuristic): يُسمى أيضاً الانحياز للمتوفر (Availability Bias)، وهو انحياز سلوكي يظهر عندما يميل الناس لاتخاذ قرارات أو إصدار أحكام حول موضوع ما استناداً إلى مدى سهولة المعلومة أو المثال الذي يتبادر إلى الذهن لحظة تقييم هذا الموضوع أو الخيار بهدوء. على سبيل المثال، قد يحكم المستثمرون على جودة الاستثمار بناء على المعلومات التي أُذيعت مؤخراً في وسائل الإعلام، متجاهلين بذلك كل الحقائق الأخرى ذات الصلة.

يمكن أن يؤدي التوافر الإرشادي دوراً في العديد من التقديرات، مثل أسعار المنتجات أو الخدمات، ونجاح أو فشل منتج ما. يُطلق على التوافر الإرشادي أيضا مصطلح “عقلية بحسب الظروف”، ذلك أنه يقوم على مبدأ نفسي فحواه أن تذكر أمر ما يعني أنه أمر مهم، أو على الأقل أكثر أهمية من الخيارات البديلة التي لا يتم تذكرها بسهولة، وبالتالي، يميل الناس الذين يتبعون هذه العقلية إلى بناء قراراتهم أساساً على المعلومات الأكثر حداثة، وهذا ما يجعل للأخبار وسائل الإعلام تأثيراً كبيراً حتى وإن كانت أخباراً مزيفة.

  1. الارتساء (Anchoring): يُسمى أيضاً انحياز الارتساء (Anchoring Bias)، وهو انحياز سلوكي يصف ظاهرة بشرية شائعة تحدث عندما يُعتمد أساساً على معلومة واحدة أو عدد محدود جداً من المعلومات لاتخاذ القرار. اشتُقت هذه التسمية من مرساة السفينة التي تَعلق في مكان ما تحت الماء بهدف تثبيت السفينة، والشيء نفسه بالنسبة للعقل البشري الذي يعلق بمعلومة ما ويبني عليها مختلف القرارات. توجد العديد من العوامل التي تؤثر في مدى لجوء العقل البشري لظاهرة الارتساء، والتي لا يوجد إجماع حولها، ويمكن تلخيصها فيما يلي: 
  • الحالة المزاجية: لا يوجد إجماع بين العلماء حول تأثير الحالة المزاجية، فقد افترضت دراسات أن الأشخاص الذين يعانون من حالات مزاجية حزينة يميلون إلى استخدام الارتساء أقل من أولئك الذين يعانون من حالات مزاجية أكثر سعادة، غير أنّ دراسات أخرى أظهرت العكس.
  • الخبرة: بصفة عامة، الأشخاص الذين لديهم معرفة أو خبرة كبيرة في مجال ما أكثر مقاومة لتأثير الارتساء في هذا المجال.
  • الشخصية: الأشخاص المنفتحون على التجارب الجديدة أكثر عرضة لتأثير الارتساء، والعكس صحيح.
  • القدرة الإدراكية: كلما زادت القدرات الإدراكية، انخفض تأثير الارتساء العكس صحيح.

بصفة عامة، يمكن للأشخاص تجنب الارتساء من خلال التريث وتعزيز معرفتهم قبل اتخاذ أي قرار وذلك عبر البحث الجيد إضافةً إلى تنمية مهارات التفكير الاستنتاجي؛ كما يمكن مناقشة القرارات مع الخبراء أو الزملاء، أو الاستعانة بقوائم المراجعة التي تساعد على اتخاذ القرارات في أماكن العمل من خلال توثيق حالات سابقة مرّت في العمل.

أخيراً، تذكر أن التسرع لا يُثمر سرعة إنجاز، وأن التأني والتريث لا يعني التأخر، وأنّ الوصول على نحو سليم للوجهة الصحيحة أهم من الوصول متسرعاً للوجهة الخاطئة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .