كيف تستفيد من أسلوبك القيادي في تربية أبنائك؟

6 دقائق
الاستفادة من أسلوبك القيادي
فريق هارفارد بزنس ريفيو/بيكسلز/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: لا يعني أن يبلغ ابنك سن المراهقة أنك لم تعد مضطراً للقلق بشأن الموازنة بين الحياة والعمل، بل إنك ستواجه تحديات جديدة مختلفة. تشبه تربية الأبناء المراهقين قيادة قادة آخرين نوعاً ما؛ يتمثل كلاهما بالعمل مع أشخاص يزداد مع نموهم تعطشهم لقدر أكبر من الاستقلالية وسعيهم للمزيد من التمكين والحرية. يمكنك الاستفادة من أسلوبك القيادي واستخدام مهارتك في قيادة القادة للتواصل بفعالية أكبر مع ابنك المراهق ومساعدته على تطوير المهارات والتمييز والقدرة على التحمل التي يحتاج إليها للاستقلال بصورة تامة.

 

بدا تامر مشتتاً للغاية في أثناء جلسة التدريب المهني، فتوقفت لأسأله عما يدور في خلده. اعتذر وقال إنه لا يستطيع التوقف عن التفكير في نقاش خاضه مع ابنه المراهق في مساء اليوم السابق وانتهى بغضب كل منهما تجاه الآخر. قال تامر إنه بوصفه أباً عاملاً يثمن عالياً اللحظات التي يتمكن من قضائها مع ابنه عندما يكونان متفرغين في نفس الوقت نظراً لانشغالهما الدائم، ولكنه لم يتمكن من فهم السبب الذي جعل نقاشهما يحتد وينتهي بهذا الشكل ولم يجر كما كان يأمل بعد أن تمكنا أخيراً من قضاء بعض الوقت معاً.

وبما أني أم عاملة أربي مراهقاً أيضاً، تمكنت من فهم وضع تامر. لا يعني نمو أبنائنا واعتمادهم على أنفسهم بدرجة أكبر أن احتياجات تربية المراهقين واحتياجات الموازنة بين العائلة والعمل ستنتهي، بل ستتغير فحسب.

كان النبأ الجيد بالنسبة لتامر هو أنه كلما استفاض في الحديث عن النقاش الذي دار مع ابنه ازدادت أوجه الشبه المخيف بين ما يصفه والتقييمات التي جمعتها عنه من زملائه بطريقة 360 درجة. في برنامج التدريب المهني الخاص بتامر، كنت أركز على تطوير أسلوبه في القيادة والتواصل لتناسب شخصيته الجديدة بوصفه “قائداً للقادة”، إذ إنه يدير مسؤولين ذوي رتب عالية في مؤسسته.

تحدثت مع تامر عن أن تربية الأبناء المراهقين تشبه قيادة قادة آخرين نوعاً ما؛ فكلاهما يتمثلان في العمل مع أشخاص يتطور تعطشهم لقدر أكبر من الاستقلالية ويسعون للمزيد من القوة والحرية. قال ابنه إنه يشعر في بعض الأوقات أن والده لا يستمع له بل يستمر في توجيهه وإملاء ما يجب عليه فعله وتعليمه كما كان يفعل عندما كان صبياً صغيراً. وبما أن زملاء تامر قالوا أشياء مشابهة في التقييم بطريقة 360 درجة، بدأ يتساءل عن أدوات القيادة والتواصل التي كان يطورها بوصفه قائداً للقادة والتي يمكن أن يستعين بها في المنزل مع ابنه أيضاً. إليك بعض الأساليب التي كانت ناجحة مع تامر ويمكن أن تساعدك على استخدام مكامن قوتك في العمل للتعامل مع ابنك وابنتك المراهقين بطرق إيجابية أكثر.

أعد تحديد دورك

يجب أن تدرك أن تجربة ابنك المراهق في الحياة أصبحت أكبر الآن، اعتبر نفسك قائداً يهيئ خليفته أو الموظف الذي يعقبه، وفكر كموجه أو مدرب مهني يهيئ شخصاً آخر ليطلق أجنحته ويستقل بصورة تامة في غيابه. ركز على التطوير واستوعب ابنك المراهق كما هو الآن، وهذا يتضمن تقييم مهارات الحياة الحالية لديه والإقرار بأنه يكبر. سمّ التغيير أو الانتقال الذي تمر به مع ابنك واعملا معاً على تحديد المجالات التي يمكن أن يحمل فيها المزيد من المسؤوليات فيما يتعلق بأعمال المنزل أو مجموعة القرارات التي يمكن أن يبدأ بأخذها وحده.

اعمل معه بجد على بناء كفاءته الذاتية عن طريق تقديم مزيد من فرص الانخراط في تجارب تساعد على تطوير مهاراته وتمييزه وقدرته على التحمل، قد يشمل ذلك ركوب المواصلات العامة بمفرده للذهاب إلى المدرسة أو العمل في وظيفة بدوام جزئي.

ضع حدوداً جديدة

كي يتمكن قائد القادة من تشجيعهم وتوفير مجالات أوسع لصنع القرار وخوض تجارب النمو على نحو آمن، إحدى أهم الأدوات هي إعادة النظر في الحدود وتقييم المخاطر. في بعض الأحيان، عندما يتلقى القائد ملاحظات حول ضرورة “زيادة التمكين الإداري” يبالغ في منح مرؤوسيه الاستقلالية، ولكن تخفيف القيود من دون ضمان قدرة المرؤوسين على التصرف على نحو مدروس إلى حد ما قد يؤدي إلى وضع أحدهم من دون قصد في موقف لم يُهيأ للتعامل معه بعد أو مواجهة مخاطر عالية. يتمثل هدفك في توسيع نطاق حواجز الحماية على نحو آمن مع زيادة التمكين ومنح الاستقلالية ضمن حدود جديدة.

ومع أبنائنا المراهقين يتيح لنا وضع حدود جديدة منحهم مجال حرية أكبر على نحو آمن مع توضيح المحظورات والواجبات المنزلية وقيم العائلة في نفس الوقت. فكر في أنشطة يمكنك السماح لابنك المراهق المبادرة فيها بدرجة أكبر، كالبحث عن فرص تدريب صيفية أو التجربة والخطأ (حتى وإن لم تعجبك قَصة الشعر الجديدة)، المهم هو أن تتيح له المجال ليكتشف طرقه الخاصة في إنجاز الأعمال بفعالية.

وعندما ترى أن ابنك أصبح يتخذ قرارات أكثر لنفسه، اطرح عليه أسئلة مفتوحة كي تتمكن من فهم ما يدور في ذهنه بصورة أفضل ومعرفة افتراضاته وطريقة تفكيره في الأمور، ساعده على اكتشاف بعض أجوبته الخاصة بطرح أسئلة مهمة وإعمال قدرته الآخذة بالتطور على التفكير وتأمل الذات. عن طريق فهم ابنك بحق والاستماع له ستساعده على توليد الأفكار والحلول أو إضافة وجهات نظر جديدة إلى تفكيره.

لاحظ تامر أنه يرغب في ممارسة الإدارة التفصيلية على ابنه عندما حصل على تصريح تعلم القيادة وتحديد الطرق التي يمكنه السير فيها للوصول إلى وجهة معينة، ففكر قليلاً وتذكر أن عليه أخذ دور الموجه والمدرب، وسأل ابنه عن الطريق التي اختارها بنفسه، وأدى ذلك إلى مناقشة رائعة؛ تحدث ابنه عن أنه يجيد التعلم البصري، لذلك استخدم تطبيق “خرائط جوجل” قبل الخروج لتجربة قيادة السيارة كي يختار الطريق التي سيسلكها، وأخبره تامر بأنه يفكر في عوامل مثل الطقس والوقت من اليوم والأماكن المعرضة للازدحام المروري أو صعوبة الرؤية عندما يخطط للذهاب إلى مكان ما. في حين التزم تامر بالقواعد والمعايير المفروضة في فترة تصريح تعلم القيادة، فقد تنبه لضرورة منح ابنه المساحة التي يحتاج إليها لتجربة طرق مختلفة والتدرب على أمور صيانة السيارة المختلفة، مثل ملئها بالوقود وتفقد ضغط الهواء في الإطارات.

بدأ تامر يرى أن دوره كقائد في العمل وأب في المنزل يعني أن يوضح المسؤوليات والنتائج المرجوة والأمور التي ستتم المحاسبة عليها، وليس أن يعزز الآخرين ليصبحوا نسخة عنه ويؤدوا الأعمال بنفس طريقته.

راقب واستمع وحاول أن تفهم

عندما بدأ تامر باستخدام أسلوب التدريب بدرجة أكبر مع ابنه المراهق والتركيز على أن يصبح مستمعاً فعالاً بدرجة أكبر، حرص على أن يتمهل ويراقب يوم ابنه ويستمع له ويطرح عليه المزيد من الأسئلة، وبذلك تمكن من تقدير التحديات اليومية وعوامل الضغط التي يواجهها ابنه المراهق بالكامل؛ لاحظ التخبط الذي يعانيه ابنه بصورة أوضح، إذ يجب أن يحضر إلى المدرسة مرتدياً الكمامة طوال اليوم ويشارك في عدة نشاطات وأنشطة رياضية (ما استهلك جزءاً كبيراً من وقته بعد المدرسة) ثم يقضي ساعات في إنجاز فروضه المنزلية بعد تناول العشاء.

وعندما أقرّ تامر بما لاحظه وتحدث عنه، ازداد شعور ابنه بأنه يراه ويفهمه، وهذا ساعدهما على فهم أسباب غضبهما في بعض الأحيان خلال نقاشاتهما المسائية. أدرك تامر أن ابنه لا يحتاج إلى حل المشكلة أو معالجتها بل يحتاج إلى التنفيس عن الضغط الذي يشعر به بعد يومه الطويل وأن يسمعه والده ويتعاطف معه.

يمكننا أن نبدي فضولنا بصورة مسبّقة في الحياة اليومية كي نفهم على نحو أفضل ما يثير حماس أبنائنا المراهقين ويحفزهم. ويمكننا التعرف على عالمهم أكثر حتى عن طريق أشياء بسيطة، مثل طلب أن يشغلوا الأغاني الجديدة التي يستمعون إليها في السيارة كي نتعرف على أنواع الموسيقى التي تؤثر فيهم، أو طرح أسئلة أكثر عما يجعلهم يفضلون مادة معينة في المدرسة.

خصص وقتاً لابنك على جدول أعمالك بدلاً من “اقتحام” شؤونه

مع حرص تامر على الاستماع الفعال وإبداء تعاطف وانفتاح أكبر، تمكن ابنه من امتلاك شجاعة أكبر للتحدث إليه عن أكثر ما يغضبه، وهو أنه يشعر بأن تامر “يقتحم شؤونه”. ففي كل مرة تمكنا من قضاء بعض الوقت معاً، كان تامر يفكر في أمر يود الاطمئنان عنه؛ “ما حال الاستعداد للجامعة وامتحان القبول الموحد؟”، “هل سددت الرسوم التي يطلبها الفريق الرياضي؟” وما إلى ذلك، وكان ابنه يشعر في كل مرة بأنه “يقتحم” شؤونه، ما أدى إلى خوض النقاشات بحدة وغضب.

كان ما يفعله تامر مع ابنه تماماً كالذي يفعله القادة الذين “يقتحمون” شؤون فرقهم ويثيرون الفوضى ويتسببون بتشتيت موظفيهم. لذلك اتفق تامر مع ابنه على تحديد مواعيد للقاءات هادفة بينهما كل أسبوع كي يتمكنا من مناقشة الأسئلة أو الأفكار الكثيرة حول المواضيع المهمة مثل برنامج التدريب الصيفي والاستعداد للمرحلة الجامعية وإدارة شؤون المنزل، كما عملا على إنشاء مستند مشترك على منصة “جوجل دوكس” كي يتمكن كل منهما من إدخال أسئلته أو أفكاره تفادياً لمقاطعة عمل الابن على فروضه المنزلية أو فترة استراحته بعد إجهاد يومه الطويل.

لم يكن تامر يتخيل في بداية عملنا معاً أن توسيع مهاراته في قيادة القادة وبناء مهارات جديدة في التدريب المهني ستتيح له تحقيق فوائد تتعدى نطاق العمل، فبدأ يسعى لتطبيق ما يتعلمه في أحد جوانب حياته في الجانب الآخر. بالنسبة للآباء العاملين المشغولين، يؤدي هذا النوع من الفائدة المتبادلة إلى زيادة الطاقة والزخم وينشئ دورة محمودة في حياة متكاملة. كما أدى أسلوب تامر إلى صقل إحساسه بغايته الشخصية بوصفه قائداً وأباً؛ الاستثمار في نجاح الآخرين في النمو ومساعدتهم على اكتساب المهارات والقدرة على التمييز التي سترافقهم بصورة دائمة، ومنحهم شعوراً أقوى بالثقة في قدرتهم على التقدم بخطى ثابتة عندما يحين الوقت المناسب لاستقلالهم بالكامل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .