لم تعد الاستدامة مقصورة على المبادرات التي تقوم بها الشركات على الهامش كرد فعل للتغيرات الكبيرة الناجمة عن الاحتباس الحراري والتغير المناخي العالمي فحسب، بل أصبحت جزءاً أساسياً من نموذج عملها ومن أولوياتها الأساسية، كما أن الحكومات وقادة الأعمال يدعون لاعتماد ممارسات أكثر استدامة للبيئة عبر سلسلة القيمة، ويشمل ذلك سلسلة التوريد التي تمثل جانباً مهماً من عملياتهم وتؤثر بشكلٍ كبير في أداء الشركات وقدرتها على تحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
يمكن للشركات الحفاظ على مواردها وتحسين عملياتها وتخفيض التكاليف ورفع مستويات الإنتاجية وتعزيز قيمها المؤسسية، في حال امتلكت منهجية شاملة لإدارة العمليات واللوجستيات والابتكارات في مختلف جوانب سلسلة الإمداد.
تقوم عملية دمج الاستدامة في سلسلة الإمداد على الإدراك بأن الاستدامة مرتبطة بدورة حياة المنتج، بدءاً من توليد الطاقة إلى شراء المواد الخام وصولاً إلى عملية الإنتاج وتوريد المنتج إلى المستخدم النهائي. وينبغي أن تمتد مبادرات الاستدامة من مرحلة التصميم إلى إنهاء خدمة المنتج؛ ومن طلب المواد إلى اللوجستيات وصولاً إلى استخدام المنتج النهائي ومن ثم عمليات الاسترجاع وإعادة التدوير. وعلاوة على ذلك، قد تعمل الشركات على تحسين شبكات الإمداد الخاصة بها من خلال الاعتماد على برامج وتطبيقات حديثة في مختلف أقسام الشركة، والتي تتضمن تحديد مصدر المواد الخام وتتبعه وضمان ظروف عمل جيدة للعمال ورقمنة مختلف عمليات سلسلة التوريد وتقليل بصمة الكربون، وينعكس ذلك إيجاباً على ربحية الشركة والحفاظ على البيئة في آن واحد.
استراتيجية مجموعة شلهوب في مجال الاستدامة
تنشط مجموعة شلهوب منذ أكثر عام 1955 في مجال تجارة التجزئة وتوزيع العلامات التجارية الفاخرة في الشرق الأوسط، وهي تعتمد على مجموعة من الشراكات مع تشكيلة واسعة من أفضل العلامات التجارية في مجالات؛ مثل العطور والملابس ومنتجات التجميل والزينة وغيرها من منتجات الموضة والهدايا، وتعد إحدى الشركات الرائدة في تطبيق ممارسات الاستدامة في مختلف عملياتها ضمن سلاسل التوريد. تقوم استراتيجية المجموعة على تحقيق مجموعة من الأهداف التي تدخل ضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي يضم 17 هدفاً لإنهاء الفقر وحماية الكوكب وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار بحلول عام 2030، وتصب هذه الأهداف في مصلحة 4 ركائز أساسية تمثل مجتمعة هوية المجموعة هي: الموظفون والشركاء وكوكب الأرض والأعمال الخيرية.
فيما يلي ثلاثة أمثلة من الإنجازات المحققة في عام 2021:
- هدف التعليم الجيد: أطلقت المجموعة "جامعة شلهوب" (Chalhoub University) التي تقدم مساقات تعليمية تغطي مختلف جوانب الحياة المهنية والشخصية للموظفين، وتضمن لهم التعليم المستمر بما يلائم حاجات السوق المستجدة. قدمت هذه الجامعة نحو 50 ألف ساعة تعليم ومولت أكثر من 110 بعثة تعليمية نجحت في عقد شراكات مع اكثر من 10 جامعات عالمية وقدمت تمويلاً لنحو 1,200 لاجئ في لبنان.
- هدف الحد من أوجه عدم المساواة: تسهر المجموعة على تحقيق فرص متساوية لجميع الموظفين دون الأخذ في عين الاعتبار الجنس أو العرق، إذ تنحدر أصول الموظفين من نحو 108 جنسية مختلفة، مع نحو 53% من الإناث، و13 موظف من ذوي الهمم. أطلقت أيضاً المجموعة "برنامج تمكين العمل" (EWP) بهدف توظيف عدد أكبر من ذوي الهمم بحلول عام 2023.
- هدف الإنتاج والاستهلاك المسؤول: تشجع المجموعة الإنتاج والاستهلاك المسؤول داخل منشآتها وخارجها، حيث تعتمد على في تعاقدها مع الموردين على تقييمهم من حيث مدى احترامهم لمعايير الاستدامة، كما تعتمد على التكنولوجيات الحديثة في تحقيق استدامة مصادر الطاقة، إذ وبفضل الطاقة الشمسية، نجحت في تخفيض بنسبة 7% من استهلاك الكهرباء مقارنة بعام 2020 في منشآتها بدولة الإمارات فضلاً عن تخفيض 2,697 طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والنجاح في خفض استهلاك المياه والتخلص من 9,000 كيلوغرام من البلاستيك المخصص للاستعمال لمرة واحدة من سلسلة التوريد الخاصة بالمجموعة.
الناس والشركاء والكوكب: ركائز أساسية للاستدامة في سلسلة التوريد
تذهب الاستراتيجية الفعالة للاستدامة إلى ما وراء حماية البيئة، إذ تضم في جوهرها الناس والشركاء. أثّرت جائحة "كوفيد-19" على عمل الناس وطريقة معيشتهم، ما انعكس سلباً على صحتهم الجسدية والذهنية، وبالتالي على قدرتهم في تقديم الأداء الأمثل. فقد أفرزت الجائحة العديد من التحديات، غير أنها خلقت العديد من الفرص أيضاً من أجل تعزيز الاستدامة، حيث أظهر الاعتماد السريع للتكنولوجيات الرقمية أن الكفاءة والاستدامة جزءان لا يتجزءان.
تقوم الشركات اليوم أكثر من أي وقت مضى بتطبيق سياسات جديدة لغرس ثقافة العمل الإيجابية والصحية، حيث توفر مرونة العمل من المنزل، والشفافية في تقديم التقييمات وتوظف قادة مهتمين بخدمة موظفيهم، من أجل توفير بيئة شمولية وآمنة لجميع الموظفين. ومن شأن ذلك، إلى جانب التواصل الداخلي الفعال وإشراك الموظفين وأُسَرهم في برامج التطوع المجتمعية، أن يقطع شوطاً كبيراً في تشجيع الناس وإحداث تأثير إيجابي لا سيما في أوقات الأزمات، فضلاً عن تحفيز النمو الوظيفي.
ويستلزم إنشاء سلسلة إمداد مستدامة ضمان معاملة عادلة للموظفين، فضلاً عن قبول حقيقة أن كل شخص في سلسلة الإمداد يعتبر من أصحاب المصلحة. ويبقى الهدف النهائي من تعامل الموردين وغيرهم من أصحاب المصلحة هو إنشاء مجموعة محددة من معايير الاستدامة والتعاون بشكل وثيق معهم لتحقيق الأهداف المشتركة.
إشراك المجتمع
تعد مساهمة المسؤولية الاجتماعية للشركات في الجهود البيئية المتعلقة بالاستدامة ممارسةً مثالية للشركات، حيث أن هنالك ارتباطاً وثيقاً بين مبادرات المسؤولية الاجتماعية والاستدامة. ويجب على الشركات الاستثمار في برامج المسؤولية الاجتماعية التي تركز على التزاماتها البيئية والاجتماعية. فمبادرات مثل التعليم البيئي والحفاظ على الأراضي أو استصلاحها وغير ذلك من المشاركات المدنية تخلق فرصاً جديدة وتمنح الشركات ميزةً تنافسية. ومن خلال قيادة التغيير الذي يؤثر إيجاباً على البيئة والتعليم والقطاعات الإنسانية، يمكن أن تستقطب الشركات العملاء المهتمين بالاستدامة والمجتمع بشكله الأوسع لكي يصبحوا أكثر وعياً بكيفية تحسين تأثيرهم على البيئة.
ويمكن أن يتم تطبيق هذا الأمر على أصحاب المصلحة أيضاً، خاصة وأن المجتمعات والحكومات تدعو إلى مزيد من التعاون لتحقيق أهداف الاستدامة. كما يمكن للشركات التي تتفاعل جيداً مع مجتمعها الاستفادة من دعم إضافي خلال حشدها لمبادراتها الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية. ومن خلال الاستجابة الاستباقية للتهديدات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية والعمل على التخفيف منها في سلسلة الإمداد، ويمكن للشركات حماية حصتها السوقية وتقليل المخاطر نتيجة لذلك. كما أن القدرة على تحديد الأماكن المحتملة للمخاطر وتطوير منهجية للتخفيف منها، يتناسب بشكل جيد مع مجال الاستدامة.
وبدأ عدد متزايد من الشركات حالياً بتطوير وتنفيذ أداء المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR) بناءً على معايير دولية مثل مبادئ لإشراك 100% من الموردين وغيرهم من المشاركين في سلسلة الإمداد. وهذا يمكّنهم، إلى جانب منصة "سبِك آب" (Speak Up)، من التوصل إلى قرارات أسرع وأكثر شمولاً في حال تلّقوا تقارير تتعلق بالقضايا الأخلاقية.
التحول والتوسع
تُعتبر دول الخليج رائدةً في المنطقة من حيث التنمية المستدامة وخلق تأثيرٍ بيئي من خلال النظر إلى الحلول المستدامة على أنها فرص وليست التزامات. وتعد الطاقة المتجددة الوجه الجديد لاستهلاك الطاقة، وبالنسبة لمنطقة تعتمد بشكل كبير على قطاع النفط والغاز، فإن هذا يمثل فرصة للتنويع وتبني الابتكارات التكنولوجية وأن تصبح من أبرز الداعين لحماية البيئة. وبدأ قادة دول مجلس التعاون الخليجي في وضع وتنفيذ المشاريع والبرامج الموجهة نحو استخدام الطاقة المتجددة مع التركيز بشكل خاص على الطاقة الشمسية.
وأصبح تنويع الموارد من الصناعات القائمة والاستثمار في الأمن الغذائي والزراعة والطاقة البديلة من أولويات العديد من الشركات العائلية في منطقة الخليج، حيث عادةً ما تؤدي هذه الممارسات إلى تعزيز الاستدامة. وبدأ هذا التوجه قبل انتشار الجائحة، ويتبناه حالياً المزيد من قادة الشركات العائلية للحفاظ على أصول واستدامة شركاتهم وإرثها. وتساهم الشركات العائلية في منطقة الخليج والشرق الأوسط بنسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي، كما توظّف أكثر من 80% من إجمالي القوة العاملة، وفقاً لشبكة الخدمات المهنية "برايس ووترهاوس كوبرز" (PwC).
الاستدامة هي المستقبل
أبدت معظم شركات المنتجات الاستهلاكية خلال السنوات القليلة الماضية اهتماماً محدوداً حول إذا ما كان مورّدوهم معنيون بالتأثير الاجتماعي والبيئي لأنشطتهم التجارية، إلا أن هذا الأمر يشهد تغيراً جذرياً اليوم حيث بدأت الشركات بالاستفادة من الطاقة المتجددة، والمساهمة في الإنتاج الكلي للطاقة المستدامة للدولة وخفض الانبعاث الكربوني.
وقد لا يكون تبني الاستدامة أمراً يسهل تحقيقه في البداية، إلا أنه أصبح غير قابل للنقاش بالنسبة للشركات. وقد حان الوقت أن تؤدي الشركات دورها وتكون جزءاً من الحل، وتساهم في خفض الانبعاثات والنفايات، وحماية البيئة، مع ضمان استمرارية عملياتها التجارية ضمن أطر الحوكمة المناسبة، ويجب عدم استبعاد أنظمة سلسلة الإمداد في هذه العملية.