إليكم هذه القصة التي تتحدث عن مبادرات التواصل الداخلي. أعلنت الرئيس التنفيذي لشركة (HP) كارلي فيورينا في 3 سبتمبر/أيلول من عام 2001 أنّ هناك اندماج مع شركة كومباك (Compaq) للحاسب الآلي. ورأى كثير من الموظفين السابقين أو الجدد والمعارضين ضمن شركة (HP) أنّ الاندماج سوف يقضي على ما يسمى "بطريقة الشركة" (HP Way)، والتي تُعتبر ثقافة فريدة من نوعها موجودة في الشركة، يدمرها الاندماج. ويعتمد مفهوم هذه الثقافة على الثقة، والمظهر النهائي لتلك الثقة في الاتصال والتواصل المفتوح من أعلى الشركة إلى أسفل. وبدت المعارضة للاندماج تنمو داخلياً وخارجيا خلال الثمانية أشهر الأولى من بدء المفاوضات، وكان ممنوعاً على فريق التغيير الخاص بالاندماج الاتصال والتواصل مع أي شخص. كما أصبح جلياً أنّ انتهاء مبدأ "طريقة الشركة" والذي كان مبني على الاتصال والتواصل كان قريباً. وبعد الاندماج الرسمي الذي حصل عام 2002 تم تسريح 30,000 ألف موظف من الشركة بسبب عدم وضوح الهدف للعاملين وبسبب فشل كارلي فيورينا من الاتصال والتواصل القيادي منذ بداية الإعلان عن الاندماج. وبعد الاطلاع على نتائج الشركة بعد مرور فترة من الزمن تبين أنّ النتائج لم تكن ضمن المستوى المطلوب، إذ تم إجبار العقل المدبر للاندماج كارلي فيورينا على الاستقالة من الشركة. وتم الإيعاز إلى أنّ أحد الأسباب التي كانت وراء ضعف الأداء العام للشركة هو عدم القدرة للرئيس التنفيذي الخاص بالشركة على الاتصال والتواصل الداخلي، وعدم القدرة على استخدام استراتيجية مناسبة وواضحة في إزالة القلق والشكوك التي انتابت الموظفين.
كم من الوقت قضيت لقراءة القصة السابقة؟، نصف دقيقة؟، أربعون ثانية؟، ربما يكون التواصل مع الآخرين لثواني معدودة، وربما تصل الرسالة أو الهدف من الاتصال للمتلقي خلال تلك الثواني وتكون فعالة. لذلك نرى أنّ معظم الذين يعتلون المنصة في المنظمة الإعلامية المعروفة (TED) والتي تنشر المحادثات عبر الإنترنت للتوزيع المجاني لديهم القدرة على الاتصال والتواصل الفعال مع الجمهور. وذلك بسبب قدرة معظمهم على استخدام لغة الجسد بشكل فعال عبر هذه المنصات. فعندما يحدث الاتصال الفعّال يسبب ردة فعل عاطفية لدى الناس بشكل مباشر وغير مباشر أحيانا ويتأثرون به بسبب استخدام لغة الجسد. وفي حالة تقديمك مبادرة حول التغيير فالسؤال الأول الذي غالباً ما سيطرحه الناس هو: "كيف سيؤثر ذلك علي؟"، وغالبا ما يتم إيضاح ذلك من خلال الاتصالات اللفظية وغير اللفظية. إذ انه من المهم أن يكون القادة قادرين على التواصل بشكل فعال، حيث تلعب مبادرات التواصل الداخلي دوراً هاماً في نقل رؤية وأهداف وقيم الشركة. كما أنّ الاتصال والتواصل القيادي أمر حيوي في العلاقات بين الأشخاص داخل الشركة وخارجها في كثير من الأحيان. إذ يعني الاتصال والتواصل القيادي وفقا للباحثين جاكلين وميلتون الاعتراف بالأفكار المطروحة في الحديث والعمل من قبل الآخرين.
فوائد مبادرات التواصل الداخلي
لذلك يجب على القادة أن تكون لديهم مهارة الاتصال والتي تُعتبر أحد المهارات الشخصية المهمة التي يجب أن يتحلوا بها. خصوصاً عندما يواجهون مبادرات أو مشاريع خاصة بالتغيير، فقيادة التغيير تتطلب استخدام مجموعة متنوعة من تقنيات الاتصال لتقديم رسائل مناسبة، وخلق الاستعداد المناسب للتغيير. ويمكن اعتبار القادة هم المسؤولون عن إبلاغ الموظفين بالأهداف والمخاطر المتوقعة من التغيير. في دراسة قامت بها دييبرا باريت على شركات تم اختيارها من مجلة "فورتشن 500" وجدت أنه ليكون الاتصال والتواصل القيادي فعال أثناء تطبيق التغيير يجب عليهم أن يعملوا على:
1. ضمان إرسال رسائل واضحة ومنتظمة للموظفين فيما يتعلق برؤية ورسالة الشركة.
2. تحفيز الموظفين وتشجيع الأداء العالي.
3. الحد من سوء الفهم والشائعات التي تضر الإنتاجية من خلال التواصل السليم.
ومع ذلك، لا يمكن لجميع القادة تحقيق الهدف المطلوب داخل المؤسسة بسلاسة أو دون حواجز. يعتقد جون كوتر الذي نشر مقال في مجلة هارفارد بزنس ريفيو حول "قيادة التغيير، لماذا تفشل جهود التغيير" أنّ عدم استخدام جميع الوسائل المتاحة للتواصل في نشر رؤية الشركة يؤدي إلى الفشل في مبادرات التغيير. كما نوه إلى أهمية أن يصاحب التواصل تعليم السلوك الجديد على سبيل المثال، وذلك للتأكد من أنّ الناس يفهمون الرؤية والاستراتيجية الجديدة. ولتفادي هذه الحواجز، يجب أن يكون لدى القادة خطة اتصال لتنفيذ التغيير الناجح، ويكون لديهم فرق لمساعدة الشركة على منع الأزمة الرئيسية من البداية مثل المقاومة. فالقادة لا يستطيعون العمل بمفردهم، خاصة إذا كانت هناك برامج تغيير مستمرة. ولتوصيل رؤية واستراتيجية أي شركة، يجب أن يكون لدى القادة فريق قوي يملك مهارات عالية في الاتصال لمساعدتهم على تحقيق الهدف المنشود.
إضافة إلى ذلك، يجب أن يكون لدى القائد القدرة على الاتصال الفعال والقدرة على توصيل الأهداف بشكل واضح. ويجب أن يكون هناك تدفق كاف للمعلومات من القادة إلى الموظفين، ما يسمح لهم بتعلّم وفهم ومعالجة المخاوف والقلق والغموض. لذلك، حتى يمكن للاتصال والتواصل القيادي أن يحقق النتائج المرجوة، وتكون هنالك فاعلية في التعامل مع مبادرات التغيير بشكل فعال يجب مراعاة الآتي
كيفية خلق فاعلية في التعامل مع مبادرات التغيير
1- وجود خطة للاتصال والتواصل الداخلي
يُعتبر الاتصال والتواصل القيادي الفعال ضروري لقيادة التغيير باتجاه الأهداف الموضوعة، بحيث يحتاج التغيير إلى التفكير بشكل سليم من خلال خطة واضحة وشاملة قبل بدء التنفيذ. فسيكون من المهم أن يتم تحديد الواجبات والمهام المناطة بكل شخص وفريق معني بتوصيل وتوضيح الأهداف الرئيسة للتغيير.
2- تحديد الهدف من مبادرات التواصل الداخلي
تحديد الهدف من الاتصال يبقى أولوية مهمة جداً خلال تنفيذ مبادرات التغيير. لأنها جزءاً لا يتجزأ من خطة التغيير التي تتناول الأسئلة المتعلقة بكيفية ومكان ومتى وسبب التغيير. ينبغي أن تكون الأهداف واضحة للجميع وأن تخضع لقياس دوري ومستمر لأنها ستساعد المعنين على توصيل الرسالة وإزالة الشكوك أو القلق أثناء تطبيق مبادرات التغيير.
3- تخصيص الوقت الكافي
لا بد أن يخصص قائد التغيير الوقت الكافي لعملية الاتصال والتواصل. لأنه من خلال تخصيص الوقت اللازم للإجابة عن استفسارات الموظفين سوف يؤدي ذلك إلى إزالة الغموض المتكون لديهم بالإضافة إلى الحد من مقاومة التغيير. كما أنّ ذلك يدل على وجود التزام كبير من قبل القيادة العليا في الشركة بتحقيق الأهداف المنشودة.
4- الاستماع الفعال
يُعتبر السماح للآخرين بمعرفة أنك تستمع لهم من خلال تعبيرات الوجه وتكرار ما قالوه وعدم مقاطعتهم أثناء الحديث، من خصائص الاستماع الفعال، وذلك وفقا لما توصل إليه كل من جاك وجوزيف في مقال نشر لهم في مجلة هارفارد بزنس ريفيو حول "ماذا يفعل المستمعون الكبار في الواقع". إذ يؤدي فهم ما قاله الموظفون وجمع المعلومات المناسبة منهم إلى اتخاذ القرارات في الوقت المناسب، لأن الاستماع الجيد يعني الاتصال والتواصل الجيد.
5- تقييم خطة الاتصال والتواصل
وجود مؤشرات أداء للقياس وتقييم الخطة يحسن فعالية الاتصالات والتواصل لدى قادة التغيير. لكن بدون استراتيجية تقييم مدروسة وواضحة، لن يكون هنالك أية وسيلة أُخرى لمعرفة ما إذا كانت الخطة ناجحة أم لا.
6- المكافأة والاعتراف بالنهج الإيجابي
أخيراً، وبعد كل هذه الخطوات لابد من الاعتراف بالإنجازات التي تحققت وكيف حقق المعنيين من الاتصال والتواصل الهدف المنشود. ومن ثم تحفيز العاملين الذين ساهموا في إيصال رسائل واضحة وساعدت في تحقيق الأهداف العامة للشركة.
يمكن لاتباع خطوات علمية وعملية مدروسة ومجربة للتواصل أثناء تنفيذ مبادرات التغيير، تحقيق الأهداف المطلوبة. فالاتصال والتواصل القيادي مهم جداً أثناء القيام بمشاريع التغيير في الشركة، حيث يساهم في تحقيق كثير من الحالات والنتائج الإيجابية. ومثال على ذلك، الدراسة التي تم إجراؤها على موظفي قطاع التعليم العالي في دولة الإمارات، إذ بينت أنّ مستوى الثقة مرتفع لدى الموظفين عندما شملت مشاريع التغيير المشاركة الدائمة والتواصل والاتصال الجيد من قبل الإدارة، حيث أدى هذا الأمر إلى رفع الحافز الوظيفي وبالتالي انعكس بشكل إيجابي على الشركة. لكن من جهة أُخرى، سيؤدي عدم إيصال رسائل واضحة حول الأهداف المطلوبة، كما حصل في شركة (HP) إلى انعكاسات سلبية. فالقادة لابد أن يتذكروا بأنّ التواصل يحدث عندما يتم سماعهم، وليس عندما يتحدثون.
اقرأ أيضًا: