تحفيزاً لمشاعر الولاء، يحصل عملاء المتجر الإلكتروني ياسمايواين (Yesmywine) على طابع على شكل "ميدالية للمدينة"، كهدية رمزية كلما اشتروا زجاجة عصير من المتجر. والعملاء الذين يحصدون 12 ميدالية على مدار العام ينالون جائزة، وهي زجاجة عصير فاخر مجانية.
يبدو ذلك أشبه بأغلب برامج الولاء، أليس كذلك؟ كلا، إنه ليس كذلك؛ فهناك شرك خفي.
فمن أجل أن يتأهل العملاء لنيل الجائزة، عليهم جمع 12 نوطاً بتعاقب محدد يفرضه المتجر. على سبيل المثال، طلب من العملاء في أحد المرات شراء نوع معين من العصير. وبعدها بشهر واحد، كان يتحتم عليهم شراء نوع آخر من العصير. وبعدها بشهر، كان عليهم نوع مختلف، وهكذا دواليك.
يبدو برنامج الولاء هذا للوهلة الأولى مقيداً على نحو مبالغ فيه، ونتيجة لذلك، فإنّه من المستبعد أن يستقطب العملاء. ولكن قد يكون من الخطأ التفكير على هذا النحو. من الواضح أنّ متجر ياسمايواين اكتشف عاملاً منافياً للعقل بخصوص وضع الأهداف والسعي من أجل تحقيقها. وفطنته هذه لا تنطبق على تشجيع الناس على شراء المزيد من أنواع العصير وحسب، بل إنها تساعد المدراء على وضع أهداف لفرق عملهم.
لا عجب أنّ أغلب الناس يصرّحون بتفضيلهم الشديد للمرونة متى تعلق الأمر بانتقاء الأهداف. وهذا أمر مفهوم عندما تضع في اعتبارك أنّ أغلبنا ليس بارعاً في توقع أفعالنا وسلوكياتنا. وتبنّي نهج مرن نوعاً ما تجاه وضع الأهداف، ما يسمح لنا بمساحة كبيرة بعض الشيء للمناورة في المستقبل.
اقرأ أيضاً: لماذا يجب عليك التوقف عن وضع الأهداف السهلة؟
لكن هذا المنطق عينه لا يسري متى تعلق الأمر بالسعي لتحقيق الأهداف فور أن ننتهي من وضعها. والواقع أنه ما إن ينتهي المرء من وضع هدف إلا وتراه أكثر استعداداً لبلوغه متى وُضعت خطوات تحقيقه بطريقة صارمة ومقيدة.
إليكم مثالاً من مجموعة من الدراسات التي أجرتها أستاذ التسويق بجامعة ستانفورد، زو-شي هوانج، وزملاؤها. فقد عُرض على زبائن متجر لبيع اللبن الرائب بطاقة مكافأة تخول لهم الحصول على كوب مجاني بعد شرائهم ستة أكواب اعتيادية. لكن لم تكن البطاقات كلها متطابقة. فقد ألزم نصف البطاقات الزبائن بشراء 6 نكهات مختلفةٍ من اللبن الرائب بأي ترتيب للحصول على المكافأة، بينما ألزمهم النصف الآخر من البطاقات بشراء 6 نكهات مختلفة وفقاً لترتيب يحدده المتجر؛ حيث طُلب من الزبائن تحديداً شراء نكهات الموز والتفاح والفراولة والبرتقال والمانجو والعنب على الترتيب.
كان احتمال أنّ يشترك الذين عُرض عليهم العرض المرن ببرنامج المكافآت أكبر بكثير (حوالي مرتين ونصف) من احتمال اشتراك الذين طُلب منهم شراء نكهات مختلفة بترتيب محدد. لكن العكس كان صحيحاً حين تعلق الأمر بإكمال المهمة. فقد وُجد أنّ الذين مُنحوا بطاقات الولاء التي تفرض الالتزام بتعاقب صارم للمشتريات كان من المرجح (ما يزيد عن 75%) أن يبلغوا الهدف المنشود.
على الرغم من أنّ المنهج المرن يشجع بلا شك المزيد من الأشخاص على تبنّي هدف بعينه، فإنّ تلك المرونة نفسها قد عرقلت بلوغ الغاية. ولكن، لم حدث ذلك؟
من الواضح أنّ الإجابة تتعلق بحدود قدرة الإنسان على صنع القرار. فبحسب مجموعة متنوعٍ من المصادر، يُناط بنا اتخاذ عدد مهول من القرارات يومياً، يصل إلى 35,000 قرار. وعليه، ففي سياق فريق العمل المتخم بالفعل بالمعلومات، والمنهك بسبب صنع القرارات، من الأرجح أن يُقدر الناس أمراً واحداً؛ ألا وهو الحاجة لاتخاذ قرارات أقل لا أكثر. وهذا بالضبط ما يكفله المنهج الجامد تجاه السعي وراء تحقيق الأهداف. فبتحديد تعاقب محدد مسبقاً لإنجاز هدف ما، يتقلص عدد "لحظات اتخاذ القرار" التي تنشأ متى سعى الناس لتنفيذ خطة ما، أو ربما حتى يتلاشى تماماً. ونتيجة لذلك يصبح من الأرجح تحقيق الهدف، ويشعر الساعي وراء تحقيقه بسهولة أكبر.
ويُسلط نفاذ البصيرة هذا الضوء على المعضلة التي غالباً ما يواجهها القادة والمدراء، وأيّ أناس آخرين أيضاً ممن يحملون على عاتقهم مسؤولية وضع الأهداف ومراقبتها. إنّ الحكمة السائدة تفيد بأنّ القائد يضع الأهداف ومن ثم يُعطي فرق عمله الاستقلالية في تحقيقها. ويوحي هذا البحث بنقيض ذلك تماماً؛ فالقادة ينبغي أن يتحلوا بالمرونة في تعاملهم مع وضع الأهداف، ولكن فور الاتفاق على اتجاه بعينه، ينبغي أن يتشددوا بشأن الخطوات المؤدية إلى تحقيق تلك الأهداف. وأيّ الطريقين أفضل؟
الجواب هو، كما هو الحال عادة متى تعلق الأمر بسلوك الناس، فإنّ السياق مهم.
ففي المواقف التي يكون فيها الهدف المنشود بسيطاً نسبياً، والحافز لتحقيق ذاك الهدف قوياً جداً، يقترح هذا البحث أن تبني منهجاً مرناً، بدلاً من المنهج الصارم المتشدد، تجاه الخطوات اللازمة لتحقيق الهدف، فهو الأجدى بوجه عام. ولكن في المواقف التي يتسم التغيير الضروري فيها بالصعوبة الشديدة، أو التي يعتقد القائد فيها أنّ مستويات الحماس في فريق عمله متدنية، فمن المفترض أن يكون وضع تعاقب وهيكل صارمين متشددين، أكثر فعالية.
تخيل أنّ مديراً كُلف بإقناع زملائه بتبني مبادرة جديدة، كطرح مجموعة جديدة مثلاً من معايير خدمة العملاء في مركز اتصالاتهم. ينبغي على المدير، قبل وضع هيكل للإجراءات الضرورية، أن يطرح السؤال التالي: "هل التحدي في هذا السياق يختص بالإقناع أم بالمتابعة حتى الإنجاز؟". إذا كان التحدي يكمن في إقناع الزملاء بالمعايير الجديدة، فينبغي على المدير حينئذ التأكد من أنّ تعاقب الإجراءات والخطوات الضرورية مرن وعملي بالقدر نفسه. وينبغي على المدير أن يكون حريصاً على التأكيد على المرونة عندما يُعلن عن المبادرة لفرق العمل.
ولكن، إذا كان التحدي يكمن في المتابعة حتى الإنجاز، فسيتطلب الأمر منهجاً مختلفاً. وفي هذه الحالة ينبغي على المدير تبني منهجاً أكثر تنظيماً؛ يجب عليه تبني منهجاً يحدد الخطوات اللازم اتخاذها على نحو واضح وصارم. وينبغي على المدير عند الإعلان عن المبادرة التأكيد بأسلوب مباشر وبسيط على الطريقة التي صمم بها هذا البرنامج الجديد، وبذلك يقلل الحاجة لاتخاذ قرارات إضافية وغير ضرورية.
إنّ تبني منهج "الصرامة في مقابل المرونة" هذا تجاه وضع الأهداف يمكن أن يثمر حتى وإن تعلق الأمر بإنجازاتك الخاصة. كثير منا يضع هدفاً ليحققه خصوصاً في هذه الفترة من العام، ربما لنستعيد لياقتنا بعد فترة الأعياد. ولعلك ممن يجدون صعوبة في تحفيز أنفسهم بالاضطلاع بهذه الأهداف. إذا كان هذا هو الحال، فقد يكون تبني منهج مرن هو الأمثل بالنسبة لك. وأما إذا كنت تُجاهد من أجل استمرار الجهود وصولاً لهدفك، كأن تجد نفسك مثلاً في مواقف يواجهك فيها بوضوح عدد كبير من الأولويات الأخرى التي تتصارع لجذب انتباهك، فحينئذ يكون تبنيك لمنهج أكثر صرامة، والذي يتضمن تعيين إجراءات وخطوات محددة، خياراً أكثر فعالية.
أشارت بعض الاستبيانات إلى أنّ حوالي ثلثي الناس ينال منهم اليأس فيما يتعلق بقرارات وأهداف العام الجديد قبل نهاية شهر يناير/كانون الثاني، وعليه فإنّ تبني المنهج السليم تجاه وضع الأهداف والسعي لتحقيقها يمكن أن يمثل الفارق بين أن يستعيد المرء لياقته أو أن يودع جهاز المشي في المرأب حتى تتراكم عليه الأتربة.
في المرة التالية التي تضع فيها هدفاً لنفسك أو لفريق عملك، فكر فيما إذا كنت تسعى للإقناع أو للمتابعة حتى الإنجاز، وحدد طريقاً للنجاح على هذا الأساس.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن وضع أهداف قابلة للتحقيق للمدراء؟