ملخص: تخطط شركة "نتفليكس" إلى إطلاق الألعاب الإلكترونية كجزء من العرض الحالي للمشتركين. هذا مثال على استراتيجية التجاور (adjacency strategy)، ولكنه في هذه الحالة ليس أذكى خطوة يمكن للشركة اتخاذها. يكون النمو في الأسواق المجاورة منطقياً جداً عندما يسمح للشركة بتنفيذ استراتيجية البيع المتقاطع (cross-sell) أو إنشاء نوع جديد تماماً من الأعمال المدرة للدخل، لكن لا ينطبق أي منهما على هذه الحالة. يقدم المقال 3 استراتيجيات بديلة يمكن أن تستخدمها شركة "نتفليكس" للانتقال إلى الأسواق المجاورة التي تتناسب أكثر مع أعمالها الأساسية ومن المرجح أن تساعدها على زيادة الإيرادات.
في الصيف الماضي، أعلنت شركة "نتفليكس" عن خططها لتقديم الألعاب الإلكترونية على منصتها للبث التدفقي، وفي أوائل شهر نوفمبر/تشرين الثاني، أطلقت أول الألعاب المباشرة على نظام التشغيل "أندرويد". تندرج الألعاب في عروض الأفلام والمسلسلات التلفزيونية التي تقدمها المنصة ويشملها السعر الشهري نفسه، وقد عينت الشركة مسؤولاً تنفيذياً للألعاب لقيادة هذا المشروع لديه خبرة في العمل لدى شركتي "زينغا" (Zynga) و"إلكترونك آرتس" (Electronic Arts).
يعد الانتقال من الأفلام والبرامج التلفزيونية إلى الألعاب الإلكترونية مثالاً على استراتيجية التجاور، فهل ستنجح؟ على الأرجح لا.
لكن سبب قيام الشركة بهذه الخطوة هو ما يقرر نجاح استراتيجية الجوار أو فشلها، وقد يتمثل هذا السبب في واحدة من 3 استراتيجيات: الدفاع عن الأعمال الأساسية الحالية، أو بيع الأعمال الأساسية الحالية بأسلوب البيع المتقاطع، أو إنشاء عمل أساسي جديد تماماً. يمكن أن تؤدي هذه الاستراتيجيات الثلاثة إلى إضافة القيمة، لكن من المحتمل أن تقدم الاستراتيجيتان الأوليان عروضاً لها جذور راسخة في الماضي، في حين تولّد الاستراتيجية الأخيرة عروضاً جريئة ومتميزة تراهن على المستقبل بدرجة أكبر بكثير.
غالباً ما تُستخدم استراتيجيات التجاور التي تدافع عن الأعمال الأساسية تحديداً في الشركات التي تكون أعمالها الأساسية ناجحة وقوية؛ إذ تملك هذه الشركات حوافز هائلة للتركيز على حماية ما يشكل منجم ذهب لها، كما أنها تفتقر إلى المهارات المطلوبة لوضع أفضل مواهبها ومواردها في سوق مجاور جديد، وغالباً ما ينتهي بها الأمر بتقديم عروض تقلد عروض شركات أخرى. خذ مثلاً من فترة التسعينيات من القرن الماضي؛ كان هدف شركة "مايكروسوفت" الحقيقي من تصميم متصفح "إنترنت إكسبلورر" هو حماية نظام "ويندوز" وبرنامج "أوفيس"، وكان هدف شركة "جوجل" الحقيقي من إنشاء "جوجل بلس" هو حماية أعمالها المهيمنة في البحث، لكن لم يكن أي من هذين العرضين قوياً بما يكفي ليستمر بمفرده.
من الواضح أن استراتيجية التجاور التي تتبعها شركة "نتفليكس" تهدف إلى الدفاع عن أعمالها الأساسية الحالية، فهي تقدم مزايا جديدة للعملاء الحاليين من دون أي رسوم إضافية. (إذا فرضت الشركة رسوماً إضافية للألعاب فسيعتبر ذلك بيعاً متقاطعاً لفئة المنتج). ما ترجوه الشركة هو أنها عندما تتحمل هذه التكلفة المتغيرة الأعلى لإضافة الألعاب فسوف تشهد بمقابلها انخفاضاً في معدل خسارة العملاء وزيادة في الوقت الذي يقضيه العملاء على المنصة، وقد يمهد ذلك في النهاية لزيادة الأسعار مستقبلاً، وهي جزء مهم من استراتيجية الشركة. لدى شركة "نتفليكس" حالياً 214 مليون مشترك، لكن نمو عدد المشتركين بات متباطئاً. تشير هذه التوجهات إلى أن الزيادة في الأسعار ستكون ذات أهمية متزايدة في توليد الإيرادات المستقبلية مع تزايد صعوبة جذب المشتركين الجدد.
وتعتبر إتاحة الألعاب مجاناً إشارة من شركة "نتفليكس" لعملائها بأن عرض الألعاب المقدم إليهم هو عرض ضعيف من المحتمل أن يكون جيداً، ولكنه ليس رائعاً ولا مختلفاً. كان حرياً بشركة "نتفليكس" أن تكون أكثر جرأة وأن تفرض رسوماً على الألعاب، لأن المستهلكين يرغبون بشدة في دفع المال للحصول على الألعاب الجديدة المذهلة والمحتوى المتعلق بالألعاب. تقول إحدى الدراسات إن 71% من أبناء جيل الألفية يلعبون الألعاب الإلكترونية ومنهم من ينفق 112 دولاراً شهرياً على محتوى الألعاب.
تحقق استراتيجيات التجاور التي تهدف إلى بيع الأعمال الأساسية بأسلوب البيع المتقاطع نجاحاً أكبر، إذ يجب أن تكون العروض الجديدة مختلفة وجديرة بما يكفي لضمان تزايد إنفاق العملاء. عندما أطلقت شركة "آبل" جهاز "آيبود" بوصفه "ألف أغنية في جيبك" أفضى بها الأمر إلى بيع الموسيقى نفسها بعد مرور الوقت، وتمكنت من توليد 4.1 مليار دولار من إيرادات بث الموسيقى التدفقي في عام 2020. مثال آخر: استحوذت شركة تكنولوجيا الدفع "سكوير" مؤخراً على شركة "أفترباي" (Afterpay) ومنتجها ومنصتها القائمين على نهج "اشتر الآن وادفع لاحقاً". ترجو الشركة أن تتمكن من القيام بعمليات البيع المتقاطع لدفع مستخدمي شركة "سكوير" الشهريين النشطين، الذين يصل عددهم إلى 30 مليوناً، إلى استخدام منتجات شركة "أفترباي". ولأن شركة "أفترباي" تقدم شكلاً مختلفاً من الائتمان (6 أسابيع من الائتمان مجاناً من دون أي رسوم)، تعمل شركة "سكوير" على تقديم ما يتعدى رفاهية البيع المتقاطع لفئة منتجات يسهل على مستخدميها الحصول عليها بمفردهم. العرض الجديد هو البيع المتقاطع لشيء مختلف يولّد على الأرجح شعوراً بالحماس والإثارة لدى قاعدة المستخدمين.
يمكن أن تهدف شركة "نتفليكس" إلى هدف أكبر، إما ببناء طريقها إلى عرض ألعاب متميز بما يكفي ليكون جديراً بفرض سعر إضافي، وإما بشرائه. لكن استراتيجية التجاور المثالية تتمثل في إنشاء فئة منتجات جديدة تماماً.
ويمكن للمبادئ التوجيهية الثلاثة التالية مساعدة شركة "نتفليكس" على القيام بذلك تحديداً.
الإخلاص لفائدة شركة "نتفليكس" الأساسية والارتكاز عليها
تتمثل رسالة شركة "نتفليكس" في الترفيه عن العالم عن طريق سرد القصص، وتحديداً، تقول الشركة: "نحن أكبر عشاق الترفيه في العالم، ونتطلع دائماً لمساعدتك في العثور على قصتك المفضلة التالية".
ما يجعل شركة "نتفليكس" رائعة جداً هو قدرتها على تقديم أوسع مجموعة متنوعة لا منتهية من القصص تسمح لنا بالاسترخاء في وضعية مريحة ومشاهدتها في أثناء القيام بأعمال أخرى غالباً. وفقًا لبيانات شركة "نيلسن" في عام 2018، فإن 45% من المستهلكين يستخدمون هواتفهم الذكية أو شاشة ثانية في أثناء مشاهدة التلفزيون. هذا هو السبب الذي يجعل الألعاب عرضاً مناسباً بصورة غريبة لشركة "نتفليكس"، إذ إن الألعاب هي نشاط يستدعي التفاعل؛ الألعاب هي نشاط إيجابي بمقابل النشاط السلبي، يدفع الإنسان للتفاعل بدلاً من الاسترخاء.
يجب أن تبحث شركة "نتفليكس" عن أوجه التجاور التي تتناسب على نحو أفضل مع طبيعة التفاعل السلبي مع راوية القصص العالمية المتمثل في "الاسترخاء"، والأفضل من ذلك هو أن تقوم بإنشائها.
متابعة شغف "المستهلكين الخارقين" بالقصص
المستهلكون الخارقون (Superconsumers) هم مستهلكو الدرجة الأولى الذين يشترون فئة المنتجات ويهتمون بها ويعرفون كل شيء عنها. المستهلك الخارق لفئة واحدة من المنتجات هو مستهلك خارق لتسع فئات أخرى، بعضها واضح وبعضها ليس كذلك.
خذ مثلاً مسلسل "لعبة الحبار" (Squid Game) الكوري الجنوبي الذي يحظى بانتشار واسع ويحتل المرتبة الأولى في 90 دولة ويكاد يصبح المسلسل الأكثر مشاهدة على منصة "نتفليكس". ماذا يفعل المستهلك الخارق في منصة "نتفليكس" بعد مشاهدة الحلقات التسع بأكملها في يوم واحد؟ سيبحث عن المزيد من المحتوى حول المسلسل الذي يمكنه تشغيله في أثناء القيام بأعمال أخرى، مثل المراجعات وشرح الإشارات المخفية و"طريقة صنع" المحتوى ومعلومات عن خلفية الممثلين والمخرجين. يُترك جزء كبير من هذا المحتوى للهواة على منصة "يوتيوب"، ولكن يمكن لشركة "نتفليكس" بسهولة إنشاء محتوى إضافي حول مسلسل ناجح يمكن أن يكون جذاباً مثل المسلسل نفسه.
لا يلعب محترفو الألعاب فحسب، بل يشاهدون الآخرين وهم يلعبون ألعاب الفيديو لساعات أيضاً. فاللاعبون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً يشاهدون الآخرين وهم يلعبون عبر الإنترنت ويقضون في ذلك وقتاً أطول بنسبة 77% مقارنة بمشاهدة الفعاليات الرياضية المتلفزة. يمكن لشركة "نتفليكس" أن تخصص قيمة إنتاجية عالية لإنشاء قناة مخصصة لألعاب الفيديو على نمط قناة "إي إس بي إن" (ESPN ) المخصصة للرياضة، والمراهنة بدرجة كبيرة على مستقبل الإعلام الرياضي الإلكترونية.
إنشاء فئات جديدة من المنتجات تستحق سعراً أعلى
فئات المنتجات الجديدة تولّد فئات جديدة أخرى. عندما أوقفت منصة "نتفليكس" عرض موسم كامل من مسلسل "هاوس أوف كاردز" (House of Cards) لأول مرة، فقد أنشأت فئة المشاهدة الشرهة، وعندما أتاحت المنصة البث التدفقي على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية مكّنت المشاهدة الفردية غير المتزامنة، وترك ذلك فجوة في المشاهدة الاجتماعية، وهي فئة أخرى من المنتجات جاهزة لتقوم شركة "نتفليكس" بإنشائها.
يتطلب إنشاء فئة جديدة من المنتجات 3 مكونات رئيسية: عرض غير مسبوق ونموذج عمل غير مسبوق وعجلة توازن للبيانات غير مسبوقة. في هذه الحالة، يمكن أن يتمثل نموذج الأعمال غير المسبوق في كثير من الأشياء. فبإمكان شركة "نتفليكس" إنشاء مجموعة منفصلة من القنوات ضمن منصتها الحالية ويمكن للعملاء الحصول عليها بالاشتراك الممتاز؛ وبإمكانها أن تحصل على منصة للتراسل أو منصة مجتمعية مثل منصة "ديسكورد" (Discord) ، حيث يتجمع اللاعبون حالياً للتواصل والتحدث عن الألعاب وتنظيم مجتمعات لتواصل المستهلكين الخارقين، ويمكنها أن تحصل على منصة مثل "باتريون" (Patreon) حيث يقوم منشئو المحتوى بمشاركته وتحويله إلى نقد واستخدامه للسماح للمستهلكين الخارقين والممثلين والمخرجين ومنصات بث العروض الأخرى بالتواصل مباشرة مع المستهلكين الخارقين الآخرين. ويمكن أن يساعد المستهلكون الخارقون في تحسين المصداقية والجودة في ترجمة مسلسل لعبة الحبار من اللغة الكورية إلى اللغة الإنجليزية، وكل ذلك سيضمن زيادة سعر الاشتراكات الحالية.
ستتمكن شركة "نتفليكس" عن طريق كل من "المحتوى المتعلق بالمحتوى" والمنصات المجتمعية مثل "ديسكورد" أو "باتريون" من إذكاء شغف المستهلكين الخارقين الذين يحبون هذا المحتوى وبناء مصادر دخل جديدة تعمل على تضخيم أعمالها الأساسية.
والأفضل من ذلك كله هو أن نماذج الأعمال هذه تولّد كميات هائلة من البيانات حول المستهلكين. ويمكن لهذه البيانات سدّ واحدة من أهم فجوات البيانات الأساسية لدى شركة "نتفليكس"، إذ تتيح لها معرفة المحتوى الذي يشاهده كل فرد من أفراد الأسرة تحديداً. تساعد معرفة هذه المعلومات كثيراً في معرفة نوع المحتوى الذي يجب إنشاؤه وإبعاد منصة "نتفليكس" أكثر عن أي منافسة محتملة.
كما أن هذه الاستراتيجيات ستكون أكثر طموحاً من إضافة بعض الألعاب الإلكترونية إلى منصتها الحالية. إذا كانت شركة "نتفليكس" تطمح حقاً إلى الحصول على فرص نمو تتعدى محتواها الحالي المؤلف من الأفلام والبرامج التلفزيونية، فمن المرجح أن تساعد هذه الأنواع من استراتيجيات التجاور في تحفيزها.