الفرق بين المتحرك الأول ومنشئ الفئة

5 دقائق

في العام الماضي، عندما أنفقت شركة "إس أيه بي" (SAP) مبلغ 8 مليارات دولار من أجل الاستحواذ على شركة الأبحاث "كوالتريكس" (Qualtrics)، وهو مبلغ يقارب 14 ضعفاً من رقم المبيعات المستهدف للشركة الأخيرة في عام 2019، ذكر الرئيس التنفيذي لشركة إس أيه بي رقماً إحصائياً للدفاع عن الصفقة، حيث قال: "تحقق الشركات التي تنشئ فئات جديدة عادة 76% من إجمالي القيمة السوقية للفئة. وبما أن كوالتريكس هي من أنشأت الفئة التي تعمل ضمنها، فهذه الصفقة ستؤتي ثمارها على الرغم من سعرها الباهظ".

يأتي الرقم الإحصائي الذي ذكره الرئيس التنفيذي من كتاب شارك أحدنا في تأليفه، وهو كريستوفر. وبما أننا نقدم الاستشارات ونكتب المؤلفات بشأن إنشاء الفئات منذ قرابة عقد من الزمن، يسرنا أن نرى أن الرؤساء التنفيذيين للشركات متعددة الجنسيات يهتمون بالموضوع.

ولكن للأسف، لاحظنا ارتفاعاً مكافئاً في المفاهيم المغلوطة حول إنشاء الفئات، وأكثر هذه الأخطاء شيوعاً هو الخلط بين إنشاء الفئة وميزة المتحرك الأول. يقول الاعتقاد الخاطئ إن إنشاء الفئة هو أن تكون أول من يُدخل منتجاً جديداً أو خدمة جديدة إلى السوق، ربما كان ذلك صحيحاً في بعض الأحيان، ولكنه ليس كذلك في أغلبها.

فإنشاء فئة جديدة هو تثقيف السوق بشأن حلول جديدة بالإضافة إلى مشاكل جديدة لا تخطر على بال أحد، ولا يمكن تحقيق هذه الثقافة عن طريق إضافة منتج عظيم أو خدمة رائعة أو بالتسويق التقليدي فقط، بل يجب أن تكون على درجة عالية من الخبرة، وذلك يتطلب طفرة في نموذج العمل إضافة إلى ما سبق.

يجب أن يكون التركيز على إنشاء أول عجلة توازن عالية الأداء، والتي هي مزيج من: 1) ابتكار خدمة أو منتج ثوري مدمج مع 2) طفرة في نموذج عمل مبتكر، ويتم تسييرها بمساعدة 3) طفرة في البيانات الكبيرة بشأن الطلب المستقبلي على الفئة الجديدة.

تتمتع البيانات اليوم بقوة مساوية لقوة الأموال النقدية، مثلاً، تملك نتفليكس معلومات عن استهلاك زبائنها للفيديو أكثر من المعلومات التي تملكها ديزني، وبذلك، تملك نتفليكس عجلة توازن تدير كلاً من الإيرادات والبيانات التي تستحيل مضاهاتها. تتحرك عجلات التوازن لدى الشركات التي تحقق هذه النتائج بسرعة وإنتاجية أكبر إلى أن تصل إلى حيث لا يمكن للشركات الأخرى مواكبتها ولا حتى تقليدها.

ما نقوله مدعوم بتحليلاتنا التي أجريناها على شركات فورتشن 100 الأسرع نمواً على مدى العقد الماضي. إذ أجرينا تحليلات على مدى الأعوام العشرة على 600 شركة فريدة، ووجدنا أن الشركات التي تتمتع بعجلة التوازن التي تحدثنا عنها أعلاه تشكل نسبة 22% من إجمالي الشركات، ولكنها حفزت 52% من نمو الإيرادات و72% من نمو القيمة السوقية.

واكتشفنا أن وول ستريت منحت الشركات التي تعتبر "ملكات" السوق (أي التي حققت عجلة التوازن بأجزائها الثلاثة) قيمة سوقية تبلغ 4.82 دولاراً لكل دولار واحد من الإيرادات، ما يجعل الشركات منشئة الفئات والتي تملك ميزة عجلة التوازن تتمتع بقيمة أكبر من قيمة الشركات النمطية.

خذ مثلاً الشركات الثلاث: "تيسلا" و"هايدرافيشال" (Hydrafacial) و"آكسون" (Axon)، لم تكن أي منها الأولى في دخول السوق ضمن فئتها، ولكن كانت كل منها الأولى في بناء عجلة توازن عالية الأداء من طفرات المنتج ونموذج العمل والبيانات.

تشتهر شركة تيسلا أنها الرائدة في مجال صناعة السيارات الكهربائية اليوم، ولكن السيارات الكهربائية الأولى من نوعها كانت من صنع روبرت آر أندرسون في عام 1832. وكانت سيارة فورد من طراز "تي" (T) هي في الحقيقة ما شكل ثورة في مجال السيارات الكهربائية.

تحظى سيارات تيسلا المبتكرة بمعظم الاهتمام، ولكن إضافة إلى ذلك، أنشأت الشركة عجلة توازن من الأجهزة والبرمجيات والخدمات، ويمكن اعتبارها أغلى شركات البرمجيات الاستهلاكية نظراً لتقاضيها 7,000 دولار على البرنامج الكامل للقيادة الذاتية، ما يساوي 500 مليون دولار من العائدات المؤجلة. ويتيح اندماج تيسلا الرأسي في تجارة التجزئة والخدمات وصولها المباشر إلى المستهلكين، الذين قد يهتمون أيضاً بألواحها الشمسية التي حدثتها مؤخراً. كما نجحت الشركة في طرح خدمة التأمينات في كاليفورنيا مستفيدة من البيانات التي تتمتع بحقوق ملكيتها، ويبدو أن هذه ليست إلا واحدة من خطواتها المستقبلية نحو الخدمات المالية. شركة "يو إس أيه أيه" (USAA) هي شركة عالية التخصص (عسكرية) للخدمات المالية تملك 155 مليار دولار من الأصول و30 مليار دولار من الإيرادات و2.5 مليار دولار من الفائدة على قاعدة مستخدمين استهلاكية تتألف من 12.4 مليون عضو فقط، وهم مفتونون بالشركة تماماً كافتتان زبائن تيسلا بها. إن عجلة التوازن المؤلفة من الأجهزة والبرمجيات والمتاجر والخدمات تصعب قياس الشركة وتقييمها، إلا أنه يبدو جلياً أن تقييمها على أنها مجرد شركة سيارات غير دقيق.

وبالمثل، يصعب قياس شركة "هايدرافيشال"، فهي تقدم أحدث أجهزة العناية بالوجه التي طورها أخصائيون خبراء في التجميل بأحدث التقنيات الطبية. تقوم هذه الأجهزة في غضون 30 دقيقة بتقشير الوجه وتنظيفه وترطيبه بطريقة تمنحه رونقاً فورياً يلاحظه الجميع ويستمر لأيام وحتى أسابيع، وهي تتميز في سوق العناية المتطورة بالبشرة الذي تبلغ قيمته 150 مليار دولار وسوق المنتجعات الذي تبلغ قيمته 115 مليار دولار. وفي حين تولد مستحضرات الشركة وتقنياتها التي يقوم عليها نظام إنتاجها الأساسي أكثر من 100 مليون دولار من العائدات التي تزداد بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 60%، إلا أن نموذج عملها هو ما يميزها عن بقية الشركات. فهي تدير مراكز تدريب لتعليم أخصائيي التجميل، كما تشاركت مع شركة سيفورا من أجل إنتاج نسخ مصممة خصيصاً من منتجاتها الأساسية تحت اسم "بيرك" (Perk). كما تتمتع هايدرافيشال بحقوق ملكية بيانات تمكنها من معرفة الأماكن التي يزداد الطلب فيها بسرعة أكبر على مستوى المناطق والأماكن التي يتجمع فيها أهم مستهلكيها بكثافة، حيث ينفقون الكثير أيضاً على النوادي الرياضية والألبسة والعناية الشخصية، مع إعداد شراكات هامة في الوقت ذاته. (إفصاح: قام أحدنا بتقديم استشارات لشركة هايدرافيشال، وهو إيدي).

قد لا تكون شركة آكسون مشهورة، ولكن منتجها المبتكر معروف جداً، وهو الصاعق الكهربائي "تيزر" (TASER)، وهو الأداة التي يستخدمها عناصر إنفاذ القانون، وتطلق أسلاكاً كهربائية لصعق المشتبه به وإعاقته. تتمثل رسالة آكسون في جعل الطلقات الرصاصية قديمة.

أنشأ جاك كوفر الفئة الأصلية في عام 1974، وهو باحث سابق في وكالة ناسا، وتم بيع المنتج في أسواق إنفاذ القانون، ولكنه لم يحقق كامل إمكاناته. وفي عام 1998، أنشأت آكسون طفرة في الإنتاج، وهي الصاعق "تيزر إم 26" (TASER M26)، وعينت ضابطاً سابقاً في البحرية اسمه هانز ماريرو كي يعرض المنتج ويبيعه بنفسه. وبحلول عام 2004، كانت شركة آكسون قد حققت واردات بقيمة 60 مليون دولار، ولكن لم تنطلق عجلة التوازن إلا عندما أضافت إنتاج الكاميرات التي ترتدى على الجسم والبرمجيات كخدمة من أجل تخزين اللقطات وتجميعها. هذه فئة مثيرة للجدل: فقد ثبت أن أجهزة الصعق الكهربائي تتسبب بحالات وفاة بين المدنيين، وتزود كاميرات الجسم التي يحملها عناصر إنفاذ القانون أدلة مرئية في قضايا قد تتحول إلى نقاط انفجار اجتماعية، ولكن من وجهة نظر الاستراتيجية، لم تعد شركة آكسون تعتبر شركة لا تنتج سوى منتج وحيد وهو الصاعق الكهربائي، وإنما أنشأت فئة تقنيات إنفاذ القانون.

واليوم، تملك كاميرات شركة آكسون أكثر من 80% من الحصة السوقية بين أقسام الشرطة. وهذا ما مكنها من زيادة الإيرادات من 268 مليون دولار إلى 420 مليوناً بين عامي 2016 و2018، وبنسبة تصل إلى 15% من الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك. وتبلغ قيمة شركة آكسون 3.5 مليار دولار، أي سبعة أضعاف الإيرادات وما يزيد عن 150 ضعفاً من الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك.

هل بإمكان شركات أخرى إنتاج سيارة كهربائية أو جهاز للعناية بالوجه أو جهاز صعق كهربائي أفضل؟ بالتأكيد، ولكن لن يكون ذلك مهماً إلا إذا تمكنت من تكرار عجلة التوازن أو إنشاء واحدة أفضل. ولكن بالطبع، يبقى السؤال هو: هل ستتمكن من تحقيق الأمور الثلاثة جميعها في الوقت ذاته، أي ابتكار طفرة في الإنتاج وطفرة في نموذج عمل وطفرة في البيانات بشأن مستقبل الفئة؟ هذا مستبعد تماماً. ستبقى الشركات الملكات في هذه الفئات الثلاث مهيمنة على فئاتها، وستتوسع إلى فئات جديدة بطريقة تجعل التغلب عليها غير ممكن، بغضّ النظر عما إذا كانت هي المتحرك الأول أم لا.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي