اقرأ عن مشكلة التنفيذ في هذا المقال.
لم يستطع شريف*، الرئيس التنفيذي لشركة النشر العالمية "ماكسريد" (Maxred) النوم. فقطاع النشر يتغير أسرع بكثير من صناعات أخرى لطالما عُرفت بسرعة التغيير. لم تكن الاستراتيجية ما يبقي شريف مستيقظاً، فلديه خطة محكمة تُوظف التقنيات الحديثة ومجلس إدارة الشركة وفريق القيادة متضامنون حولها. كما أن شريف وفريقه انتهيا للتو من إعادة تنظيم هيكل الشركة ليتضمن أقساماً جديدة وأدواراً جديدة وأنظمةً جديد لدعم استراتيجيتهم.
قلقه هذا في محله. صحيح أن تصميم استراتيجية ذكية أمر صعب، لكنه يبقى أسهل بعشرات المرات من جعل الأفراد ينفذونها. والاستراتيجية السيئة التنفيذ تبقى عديمة الفائدة مهما كانت ذكية.
بعبارة أخرى، التفكير الاستراتيجي ليس هو التحدي الأصعب الذي يواجه مؤسستك –إنه مشكلة التنفيذ الاستراتيجي.
مشكلة التنفيذ
إذا تسنّى لي توضيح تحدي تنفيذ الاستراتيجية بالصورة، فسيكون له هذا الشكل:
ليتحول إلى هذا الشكل:
مفتاح الحل يكمن في كيفية الانتقال من الشكل الأول إلى الثاني. تعتمد معظم المؤسسات على خطط للاتصال لخلق هذا التحول. لكن للأسف، حتى لو مارستَ الاتصالات الاستراتيجية يومياً – مع أنها ليست دافعاً كافياً على أي حال - لا يُغني ذلك عن تنفيذ الاستراتيجية. ففي حين يرتكز تطوير الاستراتيجية واتصالاتها على معرفة الشيء، يرتكز تنفيذها على فعله. والفجوة بين ما تعرفه وما تفعله هي عادة كبيرة. أضف لهذا ضرورة جعل الجميع يعملون مع بعضهم بتوافق لتجد أن الفجوة بينهما أصبحت أعمق.
اقرأ أيضاً: هل يُعتبر التنفيذ مقبرة الاستراتيجية الجيدة؟
يعود السبب في غياب تنفيذ الاستراتيجية عن ذهن حتى أكثر الاستشاريين الاستراتيجيين دهاءً إلى أن تنفيذها ليس تحدياً في الاستراتيجية نفسها. هو تحدٍ في السلوك البشري.
لتقديم نتائج ممتازة، يجب أن يكون الأفراد شديدي التناغم وشديدي التركيز على الأفعال الأكثر تأثيراً والتي ستقود أهم ما تحققه الشركة من نتائج. لكن حتى في المؤسسات المستقرة والجيدة الإدارة يكون الأفراد غير متوافقين، وتركيزهم مشتت، ويعملون لغايات متناقضة.
إصلاح هذا الوضع ليس مهماً فقط في شركة تشهد تغييراً في صناعة متغيرة كتلك التي يعمل فيها شريف. الأمر ينطبق أيضاً على الشركات الناشئة السريعة النمو، والشركات في الفترات الانتقالية، وتلك التي تسلمت قيادتها إدارة جديدة.
وعلى هذا الأساس، فإن أهم سؤال يتعلق بالاستراتيجية يجب التركيز عليه في كل مرة يكون التركيز فيها على الاستراتيجية مهماً (وهل من وقت لا يكون مهماً فيه!): كيف يمكننا تنسيق جهود جميع الأفراد ومساعدتهم لإنجاز العمل الأهم في المؤسسة؟
مواجهة مشكلة التنفيذ
كان ذلك السؤال الذي أتاني شريف من أجله. ستجد أدناه الحل الذي نفذناه لـ "ماكسريد". نسميه عملية "السهم الكبير"، وفيها خلاصة أفضل أفكاري من 25 سنة من التجارب على هذه المشكلة تحديداً.
حدد السهم الكبير
عملنا مع شريف ومجموعة صغيرة من قادته لتحديد أهم شيء تحتاج "ماكسريد" إلى إنجازه على مدى 12 شهراً القادمة. كان "السهم الكبير" الخاص بـ "ماكسريد" عبارة عن تصميم خريطة طريق للاستراتيجية والمنتج يدعمها كامل فريق القيادة. لقد كان الوصول إلى هذا الشيء الأوحد والأكثر أهمية أصعب ما في الأمر فهو سيكون الحافز لدفع بقية الاستراتيجية قدماً.
اقرأ أيضاً: 8 أسئلة صعبة لتطرحها حول استراتيجية شركتك
حالما حددنا "السهم الكبير"، اختبرناه بسلسلة من الأسئلة. إذا كانت إجابتك "نعم" على كل من هذه الأسئلة فإن سهمك الكبير على الأغلب في مساره نحو الهدف:
• هل سيدفع نجاح السهم الكبير رسالة كامل المؤسسة؟
• هل يدعم السهم الكبير أهدافك الأساسية، وهل تدعمه هي؟
• هل سيبعث إنجازه رسالة في المؤسسة حول ما هو مهم؟
• هل سيقود إلى تنفيذ استراتيجيتك؟
• هل هو التوسع المناسب؟
• هل أنت متحمس له؟ وهل لديك ارتباط عاطفي معه؟
بالإضافة إلى ذلك الوضوح في النتيجة المطلوبة، خلقنا أيضاً وضوحاً سلوكياً بتحديدنا السلوك الأهم الذي سيؤدي إلى تحقيق النتيجة. فيما يخص "ماكسريد"، تمحور ذلك السلوك حول التعاون بثقة وشفافية. عرفنا ذلك من خلال توجيه بعض الأسئلة: ما السلوك الحالي في المؤسسة الذي يصعّب دفع السهم الكبير ويقلل فرص النجاح؟ ثم أكدنا بعدها على نقيض هذا السلوك، وأصبح هو سلوك السهم الكبير الذي ننشده.
حدد الأشخاص الأكثر تأثيراً
حالما أصبح السهم الكبير واضحاً، عملنا مع شريف وقسم الموارد البشرية لديه لتحديد الأفراد الأكثر أهمية في تحقيق الهدف. هذا أمر حيوي جداً لحاجتك إلى تركيز جهودك ومواردك على الأفراد الذين سيكون لهم التأثير الأكبر على السهم الكبير. في حالة "ماكسريد"، حددنا 10 أشخاص كان عملهم نواة المشروع ويتمتعون فعلاً بسلطة تنظيمية وشبكة علاقات واسعة. في عملنا مع عملاء آخرين حددنا عدداً أكبر من الأشخاص في مختلف مستويات التسلسل الهرمي للمؤسسة. اطرح على نفسك هذه الأسئلة بينما تحاول تحديد هوية هؤلاء الأشخاص: من الأكثر تأثيراً على الزخم التقدمي للسهم؟ من هو المؤثر في المؤسسة؟ من له التأثير الأكبر على نتيجة أو سلوك السهم الكبير؟ هؤلاء هم الأشخاص الذين عليك اختيارهم.
حدد ما عليك التركيز عليه
حالما حددنا الأشخاص الأكثر تأثيراً، عملنا مع كل منهم ومع مدرائهم لتحديد:
• مساهمتهم الأساسية في دفع السهم الكبير للأمام.
• قوتهم الحاسمة التي ستمكنهم من تقديم مساهمتهم الأساسية.
• عامل التحول، الشيء الذي إن حسّنه الشخص سيُدخل أكبر تحسين على قدرته على تقديم مساهمته الأساسية.
البساطة مهمة لنجاح هذه العملية، لهذا السبب اخترنا قوة واحدة وعامل تحول واحد حاسمين. فتنفيذ الاستراتيجية يجب أن يكون مركزاً، وأحد أكبر معوقات الزخم التقدمي لأهم أعمالنا محاولة منح هذا الزخم التقدمي لكل ما نفعله. البساطة تتطلب منا الاختيار. ما الذي سيكون له أكبر الأثر؟ ثم نجعل ذلك الشي الأوحد يحدث.
اعقد اجتماعات للتدريب شديدة التركيز
بمجرد التأكد من أن الأشخاص المناسبين لديهم التركيز المناسب، بدأنا جلسات تدريبية ثنائية شديدة التركيز لمدة 30 دقيقة. عادة ما تستخدم المؤسسات التدريب لإصلاح عيوب القادة، لكن هذا النوع من التدريب يركز على أمر آخر. هنا نحن ندرب القادة على التركيز على تحقيق تقدم واضح في مساهمتهم الأساسية في السهم الكبير. تركز هذه الحوارات فقط على الأنماط السلوكية الأشمل لدرجة أن الأولوية تُعطى لها ولو على حساب المهمة اليومية.
اجمع وشارك البيانات
نظراً لأننا كنا ندرب العديد من الأشخاص، فقد تمكنا من الحفاظ على سرية تامة حول الأفراد الذين يتم تدريبهم في الوقت الذي كان يجري فيه جمع البيانات عن التوجهات والعوائق التنظيمية التي كانت تواجههم والتي أبلغنا بها شريف وفريقه للقيادة. لم تكن هذه مجرد بيانات من استبيان للآراء، كانت تمثل العوائق الحقيقية التي تمنع أهم الأشخاص في "ماكسريد" من دفع أهم أولويات للشركة قُدماً.
اقرأ أيضاً: التوازن الدقيق في إنجاح استراتيجية المنظومة البيئية المتكاملة
كان الافتقار للتعاون بين مختلف وظائف الشركة من أهم التحديات التي أمطنا اللثام عنها، وقد تمكن شريف فعلاً متسلحاً بهذه المعلومة من معالجة المسألة مباشرة بجمع الأفراد المحوريين في غرفة واحدة معاً والتحدث إليهم بصراحة عن هذه القضية. في نهاية المطاف، أُطلقت عملية سهم كبير جديدة عابرة للأقسام شملت قادة من مجموعات التي لم تكن تتعاون سابقاً. بتحديدها ما يعيق عملها معاً، كسرت المجموعات الحواجز التي كانت موجودة بينها.
عَمّم الأداء لتتمكن من حل مشكلة التنفيذ
بينما كان شريف يزيل العوائق التنظيمية، استمر المدربون في مساعدة الأفراد الأكثر أهمية في "ماكسريد" على التعامل مع المشاكل والتحديات التي واجهتهم في تقديم مساهمتهم الأساسية. عالج المدربون التحديات الاعتيادية التي يواجهها الأفراد عند تنفيذ الاستراتيجية: كيف تُبلِغ الأفراد بالأولويات، كيف تتعامل مع شخص ممانع، كيف تؤثر في شخص لست مديره، وكيف تقاوم الإلهاءات، وهكذا. كانت أولوية التدريب لمساعدة الأفراد على بناء علاقات ضمن فرقهم وعبر مختلف القطاعات المنعزلة، وهي أولوية اُختيرت بناء على دعم من البيانات والسلوك الأساسي للسهم الكبير القائم على الثقة والتعاون. تجمّع الأفراد حول أهداف المؤسسة للدفع بنمو ونجاح مستمرَين.
بينما كان تدريب السهم الكبير جارياً، بعثنا استبياناً إلى أشخاص في برنامج التدريب وأفراد خارجه لتقييم التقدم الذي أحرزه أهم المساهمين. مقارنة بما قبل التدريب، هل هم الآن أكثر أو أقل فعالية في تقديم مساهمتهم الأساسية وتحقيق مخرجات السهم الكبير والتعامل مع عامل التحول؟ حصلنا على 98 رداً على الاستبيان:
المساهمة الأساسية: 90% قالوا إنهم إما أكثر فعالية أو أكثر فعالية بكثير.
السهم الكبير: 88% قالوا إنهم إما أكثر فعالية أو أكثر فعالية بكثير.
عامل التحول: 84% قالوا إنهم إما أكثر فعالية أو أكثر فعالية بكثير.
بعبارة أخرى، حصل المساهمون الأساسيون على زخم قوي لدفع العمل الأهم في المؤسسة –استراتجيتها الأساسية- للأمام. تأكدت هذه البيانات من ملاحظات شريف عن التقدم الذي حققه السهم الكبير: خريطة طريق لاستراتيجية ومنتج يدعمها كامل فريق القيادة.
ولعل الأهم في الأمر أن باقي أفراد المؤسسة كانوا يراقبون ما يجري. وهي بالطبع نقطة بداية كل تحرك.
لا يزال شريف يعمل بجد لحل مشكلة التنفيذ وللإبقاء على زخم التحول الاستراتيجي. وذلك هو المغزى فعلاً: ليس تنفيذ الاستراتيجية لحظة من الزمن. هو آلاف اللحظات المستمرة.
لكن على الأقل هناك شيء يحدث الآن.
اقرأ أيضاً: الأنشطة الجانبية الاستراتيجية