كيف تؤثر الأخطاء الصغيرة على تأثير القائد وصورته؟

4 دقيقة
الأخطاء الصغيرة
shutterstock.com/Madrolly

يمكن للأخطاء الصغيرة أن تشوه الصورة الكبيرة للقائد والموظف الطامح للقيادة، كيف يحدث ذلك؟ في زمن تصاغ فيه الثقة والقيادة بالكلمة المكتوبة مثلما تبنى بالأفعال، وفي عصر لغة الجسد الرقمية، أصبحت الأخطاء الإملائية على سبيل المثال لا مجرد زلات لغوية، بل أحد مكونات العلامة الشخصية التي قد تؤثر سلباً أو إيجاباً على صورة القائد. يذكر الرئيس التنفيذي لشركة سيسكو القابضة خالد سليماني في الحلقة الأولى من بودكاست طريقتي، خطورة ارتكاب الأخطاء الإملائية من خلال قوله: "بالنسبة لي، فإن إرسال خطاب رسمي يحمل اسم الشركة فيه خطأ إملائي هو أمر غير مقبول تماماً، فالمحتوى بتفاصيله الدقيقة مثل الفاصلة والنقطة هو جزء من العلامة التجارية، سواء للشركة أو حتى الشخص الذي يمثلها مثل الرئيس التنفيذي، فالمتلقي يحكم بناءً على الرسالة التي وصلته، وفي حالة الأخطاء الإملائية سيكون حكماً سلبياً دون شك".

ربما يستغرب البعض التركيز على خطأ إملائي قد يبدو شكلياً لدى كثيرين، لكن المسألة بالنسبة لسليماني هي أن الجودة كل متكامل، فلا يمكن أن تقدم عملاً ومنتجاً بكامل الجودة دون أن تهتم بالتفاصيل. والجودة تبنى خطوة خطوة عبر التخلص من الأخطاء الصغيرة. وإذا أردت أن يثق عملاؤك وفريقك بجودة عملك فعليك ألا تتنازل عن أي جزئية من الجودة بما فيها الأمور التي تبدو شكلية لدى البعض. وهذا ما تسميه الباحثة إيريكا داوان "لغة الجسد الرقمية". أي أنه قبل أن تتواصل اليوم عبر الإيميل يجب أن تجيب عن هذه الأسئلة الثلاثة: 1. هل رسالتي الإلكترونية موجزة أكثر مما ينبغي؟ فالإيجاز الزائد في الرسائل يربك المتلقي ويضيع الوقت، بينما الاهتمام بالتفاصيل يعكس الاحترام والوضوح، و2. ما هي النبرة التي أظهرها في رسالتي؟ فنبرة الرسالة تعبر عن التعاطف والتقدير؛ فالكلمات المقتضبة قد تسيء دون قصد وتقلل من معنويات الآخرين، و3. هل من المفيد التحدث بدلاً من إرسال رسالة؟ فعندما تتعقد الأمور أو يطول النقاش كتابياً، فالمكالمة أو الاجتماع يوفر الوقت ويعزز الفهم والتواصل الإنساني.

يستعرض المقال بعمق كيف تؤثر هذه الأخطاء في نظرة الناس إلى القادة، وسبل تفاديها.

1. اللغة مرآة الاحترافية

عندما أخطأ مسؤول تنفيذي في شركة كبرى في كتابة كلمة بسيطة في خطاب رسمي داخلي، تداولها الموظفون بسخرية، ما انعكس على مصداقيته داخل المؤسسة. تمثل اللغة المكتوبة اليوم مقياساً لاحترافية الفرد، خاصة في البيئات المهنية. في دراسة أجرتها منصة رييل بزنس أفاد 59% من مسؤولي التوظيف بأنهم يرفضون المرشحين لوظائف قيادية إذا كانت سيرهم الذاتية تحتوي على أخطاء لغوية، لأنهم يعتبرون ذلك مؤشراً على ضعف الدقة والتنظيم. القادة الذين يتواصلون كتابياً، سواء عبر البريد الإلكتروني أو التقارير أو منصات التواصل، يحكم عليهم جزئياً من خلال أسلوبهم الكتابي. والأخطاء الإملائية قد تظهر القائد بمظهر الهاوي أو غير المهتم بالتفاصيل، وهذا ما يتعارض مع صفات القائد المتمكن.

2. الانطباع الأول يدوم

وفقاً لدراسة نشرها موقع ويبسيت بلانت، تقل نسبة التفاعل مع الإعلانات والمحتوى المكتوب الذي يحتوي على أخطاء إملائية بنسبة تصل إلى 70%. ذلك لأن العقل البشري يربط تلقائياً جودة الكتابة بسمعة الشركة أو الخدمة أو المنتج الذي يمثلها. عندما يخطئ القائد لغوياً في أول تواصل له مع الجمهور أو الموظفين، يتشكل انطباع قد يصعب تغييره لاحقاً. وينطبق هذا خصوصاً على المنشورات العامة في منصات التواصل الاجتماعي، لذا يجب مراجعة أول منشور أو خطاب يكتبه القائد بعناية تماماً كما يفعل عند تحضير عرض تقديمي أمام مجلس الإدارة، لأن أثره يستمر على المدى البعيد.

3. تأثير سلبي على المصداقية

اللغة الواضحة والدقيقة تبني الثقة، في حين أن الأخطاء اللغوية تثير التساؤلات. في تقرير صادر عن شركة غلوبال لينغو، أكد 74% من المشاركين أنهم يلاحظون الأخطاء الإملائية في الاتصالات الرسمية و59% منهم قالوا إن تلك الأخطاء تقلل من ثقتهم بالمؤسسة أو الشخص الذي كتبها. بالنسبة للقادة، تتضاعف هذه الخطورة لأنهم يمثلون صوت المؤسسة وقيمها. وكل زلة لغوية قد تفسر على أنها زلة فكرية، ما يؤدي إلى تآكل الثقة في أحكامهم أو رؤاهم. تخيل قائداً يعلن عن استراتيجية جديدة تحتوي على 3 أخطاء إملائية؛ سيكون النقاش على وسائل التواصل أقل حول جوهر الاستراتيجية وأكثر حول أسلوبه الركيك.

4. مؤشر على غياب المراجعة أو التواضع في التعلم

البراند الشخصي المتين يرتكز على التعلم المستمر، والتطور المهني لا ينفصل عن التطور اللغوي. الأخطاء المتكررة قد تشير إلى أن القائد لا يراجع رسائله جيداً، أو لا يستعين بفريق محترف أو أدوات تدقيق، ما يعكس ضعفاً في إدارة الذات أو في التواضع لتلقي الملاحظات. بينت دراسة من مقال منشور في هارفارد بزنس ريفيو أن القادة الذين يظهرون "قابلية للتطور" يحصلون على تقييم أعلى بنسبة 31% من أولئك الذين يتمسكون بصورة "المكتمل"، لذا فتصحيح القائد لأخطائه اللغوية علناً، دون تبرير أو مكابرة، قد يزيد من احترام الجمهور له، لأنه يبين أنه يتعلم وينمو.

5. وسائل التواصل تضخم الأثر

تغريدة من 280 حرفاً قد تعيد تشكيل صورة قائد خلال ساعات. في بيئة رقمية لا ترحم، يجري تضخيم الأخطاء الإملائية بسرعة، خاصة إذا أخطأ القائد في كلمات بسيطة أو أسماء. في دراسة من بي بي سي فيوتشر حول الانطباعات الرقمية، تبين أن الجمهور يرى الأخطاء الإملائية على وسائل التواصل دليلاً على "انعدام الاحتراف"، وأنها تشتت الرسالة الأساسية مهما كانت قوية، وفي حالات كثيرة خسر قادة سياسيون نقاطاً في استطلاعات الرأي بسبب خطأ لغوي في منشور انتخابي، لأن الناس ربطوا الخطأ بقلة الكفاءة.

البراند الشخصي لا يبنى فقط بما يقوله القائد، بل بكيفية قوله. واللغة ليست مجرد وسيلة بل جزءاً من الهوية القيادية. إن إتقان الكتابة والابتعاد عن الأخطاء الإملائية لا يهدف إلى الكمال اللغوي، بل إلى إظهار الجدية والاحترام والاحتراف. لذا خصص وقتاً لمراجعة أي محتوى مكتوب قبل نشره. استخدم أدوات التدقيق، واطلب رأياً آخر عند الحاجة. فكما يتميز المظهر العام من خلال المظهر الخارجي، يتميز البراند الشخصي من خلال الكلمة الصائبة.

حتى الأخطاء الصغيرة، كالهفوات الإملائية أو نبرة الرسالة، قد تضعف صورة القائد وتوحي باللامبالاة أو قلة الاحتراف. في عالم تقاس فيه الثقة بالتفاصيل، تعكس العناية بالكتابة جزءاً من الكفاءة القيادية، فالدقة ليست مجرد تقنية، بل هي احترام للآخرين وللدور القيادي نفسه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي