على الرغم من تصدُّر عدد من القيادات النسائية الناجحة عناوين الصحف في الأعوام الأخيرة، من بينهن ماريسا ماير وشيريل ساندبيرغ وإندرا نوي، إلا أنهن يبقين استثناء للقاعدة. فما هي فوائد استقطاب النساء للمناصب التنفيذية؟
ومع ذلك تشكّل النساء في الولايات المتحدة نحو 40% من الحاصلين على ماجستير إدارة الأعمال و40% من المدراء. وفي عديد من الدول أصبحن يشكّلن نسبة مساوية أو أكبر من خريجي الجامعات والعاملين في الوظائف التخصصية والفنية. وعلى مستوى العالم بدأن يلحقن بركب الرجال من حيث المستوى التعليمي والمشاركة المهنية. إذاً، لماذا لم يزل من الصعب أن نجد قيادات نسائية في مجالس إدارة المؤسسات وفي المناصب التنفيذية العليا؟
فوائد استقطاب النساء للمناصب التنفيذية
في ورقة عمل صدرت مؤخراً عن "معهد بيترسون للاقتصاد الدولي"، نشرنا نتائج استقصاء أجريناه على نحو 22 ألف شركة على مستوى العالم. واكتشفنا أنه في عام 2014 كان ما يقرب من 60% من هذه الشركات تفتقر مجالس إداراتها إلى أي عضوية نسائية، وما يزيد عن نصفها تقريباً لا يضم قيادات نسائية في المناصب التنفيذية العليا، وأقل من 5% تقودها امرأة في منصب الرئيس التنفيذي. لكن كانت هناك اختلافات ملحوظة بين الدول: فدول مثل النرويج ولاتفيا وسلوفينيا وبلغاريا كانت تحظى بتمثيل نسائي يصل إلى 20% على الأقل في مجالس الإدارة والمناصب التنفيذية العليا، بينما انخفضت تلك النسبة في اليابان إلى 2% فقط في مجالس الإدارة و2.5% في المناصب التنفيذية العليا. كما كانت هناك اختلافات مماثلة عبر القطاعات الصناعية، وإن كانت أقل حدة. فقطاعات مثل الخدمات المالية والرعاية الصحية والمرافق والاتصالات كانت أكثر ترحيباً بالقيادات النسائية إلى حد ما، بينما كان يندر وجود النساء في المناصب العليا بقطاعات مثل المواد الأولية والتكنولوجيا والطاقة والصناعة.
وقد وجدنا أن لهذه الإحصاءات أثراً كبيراً على الأرباح. فعندما حللنا الشركات المربحة التي شاركت في الاستقصاء (والتي يبلغ متوسط هامش ربحها الصافي 6.4%)، وجدنا أن الانتقال من عدم وجود نساء في القيادة المؤسسية (كمنصب الرئيس التنفيذي وعضوية مجلس الإدارة وغيرها من المناصب العليا) إلى تمثيل نسائي بنسبة 30% يرتبط بزيادة قدرها 1% في هامش الربح الصافي، وهو ما يُترجم إلى زيادة بنسبة 15% في ربحية أي شركة عادية.
ومع ذلك فالمسألة ليست متعلقة فقط بوضع النساء في أعلى المناصب الإدارية. إذ تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن تأثير وجود عدد أكبر من النساء في المناصب التنفيذية العليا أكبر من تأثير وجود امرأة في مجلس الإدارة أو في منصب الرئيس التنفيذي. وفي الواقع، اكتشفنا أن النساء في منصب الرئيس التنفيذي لا يعلو أداؤهن بصورة منهجية أو يقل عن أداء نظرائهن الرجال.
نعتقد أن هناك سبيلين على الأقل يستطيع من خلالهما عدد أكبر من القيادات النسائية المساهمة في تحقيق أداء مؤسسي باهر.
أولاً: زيادة التنوع المهاري لدى الإدارة العليا، ما يزيد من فاعلية مراقبة أداء الموظفين. وثانياً: الحد من التحيز ضد المرأة في المناصب الإدارية كافة، ما يساعد في توظيف الكفاءات الموهوبة وترقيتها والحفاظ عليها. نظراً لأن الشركات المتحيزة ضد المرأة لا تكافئ الموظفات بمسؤوليات تتناسب مع مهاراتهن، فإنها تخسرهن لصالح الشركات المنافسة غير المتحيزة. وافتقار هذه الشركات إلى التنوع بين الجنسين يؤثر على أرباحها.
إذاً، كيف نضع عدداً أكبر من النساء في هذه المناصب العليا؟
يشدد البحث الذي أجريناه على الحاجة إلى تشجيع الارتقاء بالنساء عبر جميع درجات الهيكل المؤسسي، وليس المناصب التنفيذية فقط. وقد كشف البحث أن نجاح المرأة في الارتقاء داخل المؤسسة يرتبط ببعض اللبنات الأساسية، وهي: ارتفاع درجاتها في مادة الرياضيات وارتفاع معدلات تركيزها في البرامج الدراسية المرتبطة بمجال الإدارة وتبني سياسات متفتحة بشأن الإجازة الأبوية (بما في ذلك إجازة الأب). كما يرتبط النجاح أيضاً بالغياب النسبي للمواقف المتحيزة تجاه القيادات التنفيذية من النساء.
يتمثل أحد الأساليب التي اتبعتها دول مثل النرويج لمساعدة النساء على الارتقاء داخل المؤسسات في تطبيق نظام الحصص النسبية في عضوية مجالس الإدارة. صحيح أننا عجزنا عن إيجاد أي دليل يبين تأثير الحصص النسبية بالإيجاب أو بالسلب (حيث أن التحليل الإحصائي ربما يكون أولياً للغاية بما لا يسمح برصد هذه التأثيرات)، إلا أن الدراسة التي أجريناها اكتشفت أن وجود النساء في مجلس الإدارة يرتبط ارتباطاً إحصائياً بوجود عدد أكبر من النساء في المناصب التنفيذية العليا. إذاً، لو كان وجود النساء في مجالس الإدارة له تأثير على مسارهن المهني عن طريق تشجيع عدد أكبر منهن على تولي المناصب التنفيذية العليا، فإن نظام الحصص النسبية قد يستدعي النظر إليه بعين الاعتبار، لاسيما إذا كان التنوع المتزايد بين الجنسين في المناصب القيادية بالشركات يؤثر على الأداء المؤسسي بالإيجاب.
تأثير "التنورة الذهبية" وعلاقته بالنساء
لماذا يوجد معارضون لسياسة الحصص النسبية؟ ادعى البعض أن الدمج القسري للنساء في مجالس إدارة الشركات سوف يقلل من جودة أداء هذه المجالس أو فاعليتها عن طريق شغلها بأفراد عديمي الخبرة أو غير مؤهلين أو مثقلين بالأعباء. (هذا ما يسمى بتأثير "التنورة الذهبية"، حيث يعمل عدد محدود من النساء المؤهلات في عدة مجالس إدارة.) إلا أن هناك مجموعة تدابير معينة يمكن أن تخفف من الآثار السلبية المحتملة. فقد بدأت هولندا على سبيل المثال تطبيق سياسة مؤقتة للحصص النسبية في عام 2013، وإن كانت قد توقفت منذ الشهر الماضي. كان الهدف من وراء هذه السياسة هو إمهال النساء الوقت لتكوين الخبرات والعلاقات، وبدء تدريب الكوادر التالية، وزيادة الاحتكاك بالقيادات النسائية في المؤسسات. بمجرد تطبيق هذه الأسس فترة طويلة بما يكفي لإعداد كادر من النساء مؤهل لتولي القيادة، يمكن إلغاء الحصص النسبية.
وفي نهاية الحديث عن فوائد استقطاب النساء للمناصب التنفيذية، وعلى الرغم من أن مجالس إدارة الشركات المتداولة في البورصة تمثل هدفاً سهلاً للمشرعين الذين قد يؤيدون حلاً مثل الحصص النسبية، يشير بحثنا إلى أن اتباع سياسات لمساعدة النساء في منتصف حياتهن المهنية قد يكون أفضل من تناول مسألة عضوية مجالس الإدارة بشكل مباشر، وأن المردود الاقتصادي الحقيقي ينبع من زيادة التنوع بين الجنسين في المناصب التنفيذية العليا. وقد تكون نتائج السياسات التي تسهّل صعود النساء إلى المناصب المؤسسية بشكل عام -مثل توفير فرص تعليم أفضل للفتيات، وتبني سياسات أكثر مساندة لرعاية الطفولة، والتنفيذ الصارم لقوانين مكافحة التحيز في الدول التي تنتشر فيها مثل هذه الممارسات- قد تكون نتائج أهم وأكثر استدامة من محاولات تحقيق التنوع بالأمر.