هل تبذل شركتك الناشئة كل ما في وسعها لاسترداد القيمة؟

6 دقائق
استرداد القيمة الرأسمالية للشركات

ملخص: لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن ظهور شركات ناشئة حديثة تقدم للعملاء خدمات ومنتجات جديدة توفر لهم المال، وعلى الرغم من جاذبية عروضها، فإن بها عيباً واحداً، ألا وهو أنها تعجز عن استرداد القيمة الرأسمالية للشركة الناشئة. ولحسن الحظ، هناك نموذج استراتيجي يمكن للشركات الناشئة اتباعه بحيث يتيح لها التركيز على خدمة العملاء واسترداد القيمة في الوقت ذاته، وهو ما يُطلَق عليه الأداء المزدوج. وحينما تعزف عمليات الشركة الناشئة على وتر الأداء المزدوج، فإن هذا يعني أنها تتفهم تموضعها الحالي، ومن ثم تتوصل إلى طرق للحصول على قيمة إضافية في هذه الأثناء. ويتميز الأداء المزدوج بارتفاع مستوى التبعية داخل وحدات العمل، ما يتيح إمكانية إنشاء دائرة إبداعية من استرداد القيمة ضمن علاقة تكافلية. وتمر عملية إنشاء الأداء المزدوج بثلاث مراحل أساسية: اكتشاف أفضل منتج يمكن أن يقدمه عملك التجاري، ثم تحديد نقاط القيمة في شركتك، وأخيراً تحقيق الربح من هذه القيمة.

أثبت الاقتصاد الرقمي في القرن الحادي والعشرين، بدايةً من نموذج أعمال "فريميوم" وصولاً إلى نموذج العمل التجميعي، أن التفاني في خدمة العملاء قد لا يوفر بالضرورة عنصر الاستدامة للشركة ما لم تحاول أن تسعى بكل ما أوتيت من قوة لإيجاد طرق تمكّنها من استرداد القيمة في هذه الأثناء. قد يبدو هذا بديهياً لا يحتاج إلى توضيح، لكن الكثير من شركات الإعلام وشركات التجارة الإلكترونية أشهرت إفلاسها، على الرغم من تحسين تجارب العملاء من خلال القنوات الرقمية، وذلك ببساطة لأنها أهملت عنصر استرداد القيمة.

خدمات الشركات الناشئة

فقد ظهر على الساحة، على سبيل المثال، الكثير من الشركات الناشئة التي قدمت وسائل أرخص أو مجانية تماماً لإجراء المكالمات المحلية والدولية عبر الإنترنت، لكنها ما لبثت أن انهارت لاحقاً عندما عجزت عن استرداد القيمة. قد تبلغ تكلفة مكالمة هاتفية تقليدية مباشرة مدتها 30 دقيقة من لاغوس إلى نيويورك 10 دولارات، ولكن باستخدام تطبيق إلكتروني، قد لا تتجاوز تكلفة المكالمة نفسها ما يعادل دولاراً واحداً، حتى هذا الدولار يمثل تكلفة خدمات تشغيل الإنترنت عبر الهاتف الجوال خلال المكالمة. وإذا كان التطبيق مجانياً (ومعظمها كذلك)، فهذا يعني أنه ضيّع على شركة الاتصالات التقليدية مكاسب بقيمة 9 دولارات، ولم يحقق في الوقت نفسه أي مكاسب للشركة صاحبة التطبيق الإلكتروني.

ويعبر هذا الرسم التوضيحي بصدق عما يجري في الكثير من القطاعات حيث تقدم الشركات الناشئة خدمات للعملاء توفر لهم المال، ولكنها تعجز عن استرداد القيمة لنفسها على المديين المنظور والطويل. ويتمثل دافعها الرئيسي في الاستحواذ على حصة سوقية، ولكن الطريق إلى الربحية يغدو معقداً في كثير من الأحيان ويهدد استدامة العمل ذاته.

لكن بعض الشركات استطاعت النجاة من هذا المأزق. وبنظرة بسيطة إلى هذه الأمثلة سنرى كيف نجحت في استرداد قيمتها الرأسمالية فيما سأطلق عليه الأداء المزدوج. يفترض الأداء المزدوج أن الشركات تتبع أسلوباً مزدوجاً لتموضع المنتجات في السوق من أجل تعظيم القدرة التنافسية الاستراتيجية، بمعنى أن الشركة تقدم خدمة في قطاع معين بينما تسترد القيمة في قطاع آخر، حيث تختلف العوامل التي تسهم في ازدهار الشركة عن تلك التي تتراءى للكثيرين في معظم الأحيان. فإذا قضت "أمازون" على الكثير من المحال التجارية التقليدية من خلال مبيعات التجزئة بهامش ربح منخفض، فستتمكن من استرداد القيمة مع تحول تجار التجزئة إلى التكنولوجيا الرقمية من خلال بيع خدمات الحوسبة السحابية لهم عبر شركة "أمازون ويب سيرفيسز" (أيه دبليو إس) التابعة لها. وتحتل "أمازون أيه دبليو إس" مكانة متقدمة في عالم التجارة الإلكترونية، ويشكل هامش الربح المتحقق منها عنصراً مهماً في ارتفاع القيمة السوقية لشركة "أمازون". لكن لولا وحدة التجارة الإلكترونية ما استطاعت "أمازون" إنشاء البنية التحتية الضخمة للحوسبة السحابية اللازمة لشركة "أيه دبليو إس" من الأساس.

كما تستخدم الشركات الناشئة هذا الدليل الإرشادي في أثناء نشوئها ونموها. وقد عانت شركات التجارة الإلكترونية أيما معاناة لأجيال عدة في إفريقيا، بداية من أول نسخة من "أمازون" تسمى "كالاهاري". ركزت معظم هذه الشركات حصرياً على التجارة الإلكترونية، ولكن سرعان ما أشهرت إفلاسها نتيجة المنافسة الشرسة مع الأسواق المفتوحة وغيرها من البدائل. لكنها باتت تتبع في الآونة الأخيرة نموذج الأداء المزدوج. يعيد هذا النموذج تموضع بعضها مثل "جوميا"، إحدى شركات التجارة الإلكترونية التي طرحت تطبيق "جوميا باي" (Jumia Pay) إلى جانب خدمة الألعاب، وشركة "كونغا" (Konga) التي طرحت أيضاً تطبيق "كونغا باي" (Konga Pay). نجحت هاتان الشركتان إلى حد بعيد في استغلال عمليات التقنية المالية وتحقيق الربح من هذا الكم الهائل من المعاملات ذات الهامش المنخفض التي تتم على منصتيهما من خلال عمولات معالجة الدفع التي يتم تحصيلها في وحدة التقنية المالية.

ولا ينبغي بالضرورة أن يعتمد دمج الأداء المزدوج في عمليات الشركات الناشئة على توافر الأموال والموارد. فأكثر ما يهمنا هنا أن تفهم الشركة الناشئة تموضعها الحالي، كمعالجة الكثير من معاملات التجارة الإلكترونية مثلما تفعل "جوميا"، ثم إيجاد طرق للحصول على قيمة إضافية في هذه الأثناء. فإذا كانت الشركة تنشئ مستودعات وشبكات للتوزيع وتشتري أسطول نقل، فإن إضافة تطبيق للدفع إلى عملياتها لا يعتبر نوعاً من مخالفة النظام من الناحية المالية بكل تأكيد. ويتميز الأداء المزدوج بارتفاع مستوى التبعية داخل وحدات العمل، ما يتيح إمكانية إنشاء دائرة إبداعية من استرداد القيمة ضمن علاقة تكافلية. ويتجاوز الأمر ببساطة وجود مصادر دخل متعددة في الشركة الواحدة.

هناك متغيرات مختلفة لاسترداد القيمة. من المعروف أن شركة "أورايد" (ORide) الناشئة في مجال النقل في غرب إفريقيا تزاحم منافسيها في السوق بعرض أسعار أقل. وقد انتقل الكثير من العملاء إلى منصتها بسبب أسعارها الزهيدة للغاية، لكن ما لم يكن يعرفه الكثيرون هو أن "أورايد" قد أنشأت تطبيقاً إلكترونياً خاصاً بها للدفع، ما أتاح إمكانية الحصول على عمولة من أي معاملة تمر عبر شبكتها. وحرصت الشركات المنافسة على مجاراتها في الأسعار، ولكنها لم تكن تمتلك وحدات للتقنية المالية تمكّنها من تحصيل عمولات المعالجة، وهو ما عرّضها لخطر الإفلاس.

وقد نجح هذا الأسلوب في قطاع السيارات عندما أنشأت شركة "إينوسون موتورز" (Innoson Motors)، أكبر شركة محلية لصناعة السيارات في إفريقيا، وحدة للنقل حسب الطلب، حيث تعمل على زيادة حصتها السوقية على حساب العلامات التجارية المهيمنة مثل "هوندا" و"تويوتا". ويتوقع الكثيرون أن تؤدي هذه الوحدة إلى تكبيد الشركة خسائر فادحة، لكن "إينوسون موتورز" تنفذ في حقيقة الأمر جزءاً استراتيجياً من نموذج الأداء المزدوج، فقد تخسر بعض المال في اتفاقيات شراء خدمات النقل حسب الطلب مع الكثير من سائقيها المستقلين، ولكنها ستسترد القيمة من خلال انتشار المركبات على الطرق وتشجيع المستهلكين على اقتناء علامتها التجارية. بعبارة أخرى، حتى لو خسرت الشركة أموالاً في قطاع النقل حسب الطلب، فستسترد القيمة من خلال المبيعات الإضافية لسياراتها.

مراحل عملية إنشاء الأداء المزدوج

ثمة عامل مشترك لا تخطئه العين يربط بين هذه الشركات، وهو أنها تضخ استثمارات ترسّخ استرداد القيمة من خلال طرق أخرى. ونستخدم أسلوب الأداء المزدوج في صندوقنا الاستثماري العائلي الصغير الذي يستثمر أمواله في أكثر من 30 شركة ناشئة في إفريقيا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، خاصة فيما يمس الشركات الرقمية. ونتبع عملية تتألف من 3 مراحل أساسية:

اكتشاف الواحة الخضراء وتعميقها

درسنا في الجغرافيا الطبيعية أن الواحة هي المنطقة الوحيدة في الصحراء التي تصلح لحياة الإنسان، ويمكن بالمثل تشبيه "الواحة الخضراء" بأفضل منتج في الشركة يتحدد بواسطة العديد من المتغيرات، مثل الحصة السوقية أو سمعة العلامة التجارية أو الربحية. ويعتمد ازدهار المنتجات الأخرى في الشركة على هذه الواحة، حيث تعتبر وحدة التجارة الإلكترونية، على سبيل المثال، بمثابة الواحة الخضراء في شركة "أمازون" لأنها أهم أسباب شهرة "أمازون". ويقوم نموذجنا على تسريع الاستثمارات في هذا المنتج الرئيسي وإخراجه على أفضل ما يكون في عالم يسيطر عليه القليل من الشركات. وتعد شركة "زيدو لوجستيكس" (Zido Logistics) خير مثال على هذا، وهي شركة ناشئة مقرها لاغوس متخصصة في الخدمات اللوجستية الرقمية، وتتمثل واحتها الخضراء في مساعدة العملاء على نقل بضائعهم لأن هذا هو ما تشتهر به الشركة.

تحديد القيمة

بعد تحديد أفضل خدمة أو منتج، فإن المرحلة التالية هي تحديد نقاط القيمة المحتملة في الشركة. انظر مثلاً إلى شركة "زينفوس" (Zenvus)، وهي شركة نيجيرية متخصصة في التقنيات الزراعية، حيث تتمثل قيمتها الأساسية في بيانات المزارع، وليس بيع أجهزة الاستشعار الدقيقة للتربة. أما شركة "كروزو" (Krozu)، وهي شركة ناشئة متخصصة في صناعة البرمجيات كخدمة ومقرها فلوريدا، فإن قيمتها الأساسية تتمثل في استشارات الإنتاجية، وليس الأعمال التعاونية. في حين أن القيمة الأساسية لشركة "فيتفلاي" (Vetifly) في دبي تكمن في خدمات البنية التحتية الأرضية، ولا تقتصر على حجز التذاكر فقط.

استثمار القيمة

أخيراً، نضع أيدينا على أنسب طرق استرداد القيمة، لكن هذه القيمة لا تُسترد بالضرورة من خلال الواحة الخضراء. فنحن في شركة "زيدو لوجستيكس" نجني الأرباح من خلال تمويل فواتير سلسلة التوريد أكثر من الأرباح التي نجنيها من خلال النقل نفسه، على الرغم من اعتباره أهم أسباب شهرة الشركة. وتلعب وحدة تمويل الفواتير هنا دور الأداء المزدوج الذي لم يكن ممكناً لولا ذراع الخدمات اللوجستية.

يجب على كل الشركات بمختلف أنواعها فهم سبل استرداد القيمة في مختلف مجالات العمل لما يمثله هذا من أهمية كبيرة، وعليها أن تعلم أيضاً أن عملية استرداد القيمة الرأسمالية لا تتم بالضرورة من خلال المنتج الأكثر شعبية للشركة. ويجب على الشركات الناشئة تحديداً أن تعلم أن تقديمها أفضل الخدمات للعملاء لا يضمن لها استرداد القيمة في عالم تهيمن عليه شركات منصات الأعمال، مثل "جوجل" و"فيسبوك" تقدّم معظم الخدمات مجاناً بالأساس. لذا، يعد تحديد كيفية استرداد القيمة في المرحلة الأولى من العمل أمراً بالغ الأهمية، حتى مع إقبال المستخدمين على منتجك أو خدماتك. ولكن حتى إذا كانت شركتك مستقرة، فإن هذا لا ينفي الحاجة إلى تقييم عملياتك ومعرفة ما إذا كان هناك ما يدعو إلى ممارسة الأداء المزدوج حول واحتك الخضراء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي