كيف تؤدي المهام المملة دون أن تُصاب بالضجر؟

6 دقيقة
العمل على مهام مملة
shutterstock.com/Zaie

ملخص: في حياتنا الشخصية والمهنية، كثيراً ما نضطر إلى العمل على مهام مملة، حتى عندما تتوفر بدائل أكثر متعة وفعالية. تعزو إحدى الدراسات هذا السلوك إلى حالة "الثبات"، أي تحول النشاط المتكرر إلى عادة ثابتة، فنغفل عن البدائل الأفضل وتزداد احتمالات استمرارنا به. تستكشف المؤلفة في هذا المقال حلولاً عملية لتعزيز الرفاهة عن طريق الحد من الإصرار المفرط على مثل هذه المهام، منها تقليل التكرار وتقسيم الانتباه والتبديل بين المهام بغية منع ثبات الأنشطة. وبتبني استراتيجيات لمنع ثبات الأنشطة، سيرتفع مستوى رضا الموظفين وتتعزز كفاءتهم إلى حد بعيد.

كثيراً ما نجد أنفسنا غارقين في أداء مهام لا نحبها. وكلما طالت مدة تنفيذنا لمهمة ثقيلة على القلب ثبتت أكثر؛ فنستمر بأدائها حتى إن كانت لدينا فرص للانتقال إلى بدائل أكثر متعة وتحقق الهدف نفسه. فكر في آخر مرة بذلت فيها جهداً لكتابة رسالة إلكترونية طويلة على هاتفك بدلاً من استخدام الكمبيوتر القريب منك لكتابتها بسهولة أكثر، أو تذكر آخر مرة نسقت فيها مستنداً يدوياً بدلاً من الاستعانة ببرنامج ينسقه آلياً، أو حين قضيت ساعة في مشاهدة برنامج تلفزيوني ممل بدلاً من الخروج في نزهة ممتعة.

لا يتعمد أي منا الإصرار على الأساليب غير المثلى، لكن هناك دراسة ألقت الضوء على بعض الأسباب التي تدفعنا لذلك. يميل الأفراد إلى الإفراط في استخدام حل بمجرد تعلمه، وتطبيقه على المشاكل التي يواجهونها لاحقاً حتى إن توفرت حلول أكثر ابتكاراً. وبمجرد إتقان طريقة معينة تصبح أول ما يتبادر إلى الذهن، وتحجب رؤيتنا عن الأساليب الأخرى. وهذا من الأسباب التي تصعّب على الخبراء أحياناً التفكير بأساليب غير تقليدية.

عندما تتاح فرصة لتحقيق هدف بطريقة ممتعة أكثر يجب اغتنامها؛ فجميعنا نريد قضاء وقتنا في مهام نحب إتمامها ونستمتع بها بينما نحقق أهدافنا بكفاءة. وبصفتنا مدراء، نتمنى الأمر نفسه لموظفينا، لأن الموظفين السعداء أعلى إنتاجية. كما تدرك شركات عدة فوائد تمتع قوة العمل بصحة أفضل وسعادة أكبر، وتعمل على تصميم أماكن العمل على نحو يساعد على تحقيق ذلك؟

في حين يتجه الاهتمام نحو اكتشاف طرق تزيد إصرار الموظفين على إتمام المهام، يركز بحثنا على تعزيز الرفاهة بالحد من هذا الإصرار المفرط، وعلى وجه التحديد، ندرس الحالات التي يصبح إصرار الفرد فيها على إتمام مهمة غير ممتعة عادة ثابتة، فيعجز عن الانتقال إلى بدائل أكثر متعة وتحقق الأهداف نفسها. تخيل مثلاً أنك تتقاضى أجراً لإنهاء استقصاء، وما إن تبدأ حتى تجد أنه مهمة شاقة. لكنك تجد في أثناء أدائها فرصة سانحة لجعل ما بقي من الاستقصاء لعبة ممتعة بالأجر نفسه والوقت نفسه، أي أنك ستحقق الهدف نفسه. يبدو من المنطق أن تحول المهمة إلى لعبة فعلاً، لكننا توقعنا أن هذه ليست الحال دائماً. واكتشفنا في سلسلة تجارب شملت أكثر من 4,000 مشارك، أن المشاركين كثيراً ما يستمرون في أداء المهام المملة متجاهلين فرص الانتقال إلى شيء يفضلونه. وتبين لنا أنه كلما تكرر أداء الشخص لمهمة ما في غضون مدة زمنية قصيرة، زادت سهولة استحضار ذهنه للخطوات اللازمة لتنفيذها. فبمجرد أن تتبادر هذه الإجراءات إلى ذهنه، أي أن يثبت النشاط ويتحول إلى عادة، يرى أن مواصلة المهمة المملة أسهل من الانتقال إلى مهمة أخرى أكثر متعة.

النقطة الأهم هي أننا حددنا طرقاً مختلفة لمنع ثبات النشاط؛ منها تقليل التكرار، أو تقسيم الانتباه، أو التنقل بين مهام مختلفة، أي أن هناك حالات يساعد فيها تقييد الانتباه أو تشتيته عن أداء مهمة ما على اغتنام فرص الانتقال إلى مهمة أكثر متعة وتحقق الأهداف نفسها.

ثبات النشاط يقلل فرصة الانتقال إلى مهمة مفضلة

في البداية، أجرينا دراسة تجريبية لتقييم إذا ما كان المشاركون الذين انتقلوا تلقائياً إلى مهمة مفضلة قد أعربوا عن شعور أكبر بالرضا عن التجربة. كرر المشاركون المهمة نفسها 10 مرات؛ طلبنا من بعضهم تنفيذ مهمة مملة 10 مرات متتالية، وتمثلت في نسخ نص مكتوب باتجاه عمودي، أما البعض الآخر فطلبنا منهم تنفيذ المهمة المملة 7 مرات ثم حولناها تلقائياً إلى لعبة كلمات ممتعة في المرات الثلاث المتبقية؛ فذكر المشاركون الذين تغيرت مهمتهم تلقائياً أنهم خاضوا تجربة أكثر إيجابية ومتعة وأقل مللاً. قدمت لنا هذه النتائج دليلاً أساسياً على أن المشاركين الذين اختاروا عدم الانتقال إلى مهمتهم المفضلة عندما أتيحت لهم الفرصة في تجارب لاحقة كانوا أقل شعوراً بالرضا.

أثبتنا لاحقاً أنه عندما نمنح الفرصة للمشاركين للانتقال إلى مهمة جربوها من قبل وفضلوها على المهمة المملة، فعدد كبير منهم لا ينتقل إليها. كانت فرضيتنا الصفرية هي أن 0% من المشاركين سيرفضون فرصة الانتقال إلى مهمة أكثر متعة، بمعنى أننا توقعنا أنه عندما يكون الهدف هو إنهاء استقصاء، فلن يختار أي مشارك الاستمرار في مهمة مملة وأمامه فرصة الانتقال إلى مهمة يفضلها دون أي تكلفة، ولكن تجربتنا أظهرت أنه بمجرد انشغل المشاركون تماماً في مهمة النسخ المملة ومنحناهم فرصة الانتقال إلى اللعبة الممتعة التي يفضلونها، اختار نحو ربعهم عدم الانتقال إليها.

لاحقاً، كشفت نتائجنا أن ثبات النشاط يزداد مع مرور الوقت: كلما زاد تكرار الشخص للمهمة قل احتمال تخليه عنها حتى عندما يكون ذلك سهلاً للغاية. كلفنا المشاركين بمهمة النسخ المملة، وفي مراحل مختلفة من الدراسة منحناهم فرصة الانتقال إلى لعبة الكلمات التي يفضلونها، وقدمنا هذه الفرصة لقسم من المشاركين في مرحلة مبكرة قبل أن يثبت النشاط؛ وقدمناها لقسم آخر عندما كان النشاط قد ثبت قليلاً؛ وقدمناها للقسم الأخير عندما ثبت بدرجة كبيرة. وجدنا أن شريحة كبيرة من المشاركين (21%) اختارت الاستمرار في مهمة النسخ المملة بدلاً من التحول إلى اللعبة التي فضلوها بغض النظر عن ظروف التجربة، كما كان احتمال اتخاذ المشاركين لهذا الخيار أعلى كلما ثبت النشاط أكثر: فنسبة 28% من المشاركين الذين ثبت النشاط لديهم بدرجة كبيرة تجاهلت الفرصة، مقارنةً بنحو 16% فقط من المشاركين الذين ثبت النشاط لديهم قليلاً.

من أجل تعميق فهمنا لسبب اتخاذ المشاركين هذا الخيار، أجرينا دراسة مماثلة سألنا فيها المشاركين على اختلاف درجات ثبات النشاط لديهم عن شعورهم عند الانتقال إلى أداء اللعبة الممتعة، فذكر المشاركون في حالة الثبات الشديد أنهم يشعرون بصعوبة أكبر عند محاولة تبديل المهمة، مقارنة بالمشاركين الذين كان ثبات النشاط لديهم أقل، الأمر الذي دفعهم إلى عدم الانتقال إلى المهمة الأخرى. ببساطة نقول إنه كلما تكررت المهمة، بدا الانتقال إلى طريقة جديدة أصعب، حتى إذا كانت تحقق النتائج نفسها بمتعة أكبر.

تعمقت دراساتنا الإضافية أكثر في سبب ثبات الأنشطة وطرق منعه. يزداد ثبات النشاط مع التكرار والاستمرارية؛ لذلك فالحد من أي منهما يقلل ثبات النشاط. على سبيل المثال، جعل الموظفين يتناوبون بين مهام مختلفة يكسر الاستمرارية ويقلل ثبات النشاط ويزيد احتمالية الانتقال إلى طرق جديدة. فقد قل ثبات النشاط لدى المشاركين في دراستنا الذين تناوبوا بين مهمة مملة ومهمة ممتعة، وازداد قبولهم للانتقال إلى المهمة الممتعة مقارنةً بمن أدوا المهمة المملة باستمرار. وبالمثل، زاد تعدد مهام المشاركين فرص التغيير.

ربما يقول البعض إن الدخول في حالة التدفق الذهني لها وقتها ومكانها وفوائدها، إلا أن حالة التدفق الذهني ترتبط عادةً بالأنشطة الممتعة، ونحن صممنا تجاربنا بحيث نضمن ثبات نشاط غير ممتع لدى مشاركين متساوين من حيث الكفاءة، سواء استمروا بأدائه أو انتقلوا إلى نشاط ممتع أكثر، لكن تجربة من يختارون الاستمرار في النشاط نفسه تكون أسوأ، وبذلك كان ترك فرصة الانتقال إلى نشاط ممتع أمراً غير بديهي إطلاقاً.

استراتيجيات لتجنب الضجر وثبات النشاط في الحياة اليومية

لما كان ثبات النشاط نزعة طبيعية إلى حد بعيد، كيف يمكن للموظفين والمدراء والشركات منعه من تقويض الإنتاجية والرفاهة؟ هناك عدة طرق لتصميم أعمالنا الروتينية في المنزل والعمل لتجنب ثبات النشاط.

تنطوي الحياة في العمل والمنزل على العديد من المهام التي تؤدي إلى ثبات الأنشطة، ويمكن للأفراد والمدراء استخدام أدوات لمنع الأشخاص من الانغماس المفرط في مهام معينة، ما قد يعوق قدرتهم على اختيار الأساليب المفضلة. فعلى سبيل المثال، عند الانخراط في مهام قابلة للثبات في المنزل أو العمل، يمكننا ضبط مؤقت أو استخدام أي أداة متاحة تذكرنا بأخذ فترات راحة قصيرة أو التبديل بين المهام بعد مدة معينة. وبذلك نتفادى التشبث بطرق أقل متعة وأدنى كفاءة لأداء المهام. فالاستراحة القصيرة في أثناء كتابة الرسالة الإلكترونية الطويلة على هاتفك ستجعلك تدرك فائدة إنهائها على الكمبيوتر.

بمقدور الشركات تشجيع موظفيها بوسائل الترغيب وغيرها على التنقل بين المهام القابلة للثبات والأنشطة التي تعود بالنفع على صحتهم؛ مثل عقد اجتماع عمل قصير في أثناء المشي، لتقليل فرصة ثبات الأنشطة وتحسين الرفاهة. وبالمثل، يمكن للشركات إتاحة تطبيقات رقمية معينة لموظفيها مجاناً تقيد مواقع أو منصات إلكترونية بعينها أو تحجبها، في سبيل مقاومة إغراء الانغماس في وسائل التواصل الاجتماعي أو الأنشطة القابلة للثبات المشابهة خلال ساعات العمل. كما يمكن للموظفين استخدام هذا النهج في حياتهم الشخصية للحد من الوقت المهدور في تصفح تلك المواقع والمنصات. فثبات النشاط حالة شائعة يدرك الكثيرون مدى انتشارها، والأرجح أنهم سيقدرون أهمية الاستعانة بأدوات خارجية لمنعها. ويكفيك أن تعلم أنني أجريت استقصاءً منفصلاً مع 100 شخص بالغ، أعرب فيه أكثر من نصفهم عن اهتمامهم باستخدام مثل هذه الأداة في حال قدمتها لهم شركاتهم.

الوقوع في براثن ثبات الأنشطة حالة شائعة وانتشارها واسع، وكما تشير دراستنا، لا يمكن لأي منا تفاديها تماماً. لكن وعينا بحقيقة ميلنا لثبات الأنشطة وتأثير هذه الحالة على استمتاعنا بعملنا ومعدلات إنتاجيتنا ومستوى رفاهتنا هو الخطوة الأولى لمنعه. وبالسعي إلى فهم سبب إصرار الأشخاص على الاستمرار في أداء المهام بدرجة مفرطة أحياناً، نقدم الأدوات التي تساعد الأفراد والشركات على مقاومة جاذبية ثبات الأنشطة، مع إتاحة فرصة تعزيز الصحة والرفاهة، للأفراد والشركات على حد سواء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .