3 خطوات لبث السعادة في مكان العمل

10 دقيقة
السعادة في العمل
ألينا إيفوتشكينا/ غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يُعد الشعور بالسعادة في العمل مكسباً للموظفين وأصحاب العمل على حد سواء، إذ تظهر الأبحاث علاقة سببية بين سعادة الموظفين وزيادة الإنتاجية بنسبة 13%. في المقابل، يسبب انعدام السعادة في بيئة العمل خسائر اقتصادية بقيمة 7.8 تريليونات دولار؛ أي ما يعادل 11% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. على الرغم من ذلك، يعاني كثير من الموظفين شعور عدم الانتماء إلى العمل والانفصال الذهني عنه والملل فيه؛ يستقيل نحو نصف القوى العاملة حول العالم بصمت، في حين يعلن نحو 18% من الموظفين صراحة أنهم غير سعداء في العمل. وصلت ترندات وسائل التواصل الاجتماعي، مثل هاشتاغ “الاستقالة الصامتة” (#QuietQuitting) وهاشتاغ “أنفق وفق راتبك” (#ActYourWage) إلى أكثر من 1.2 مليار مشاهدة؛ إذ يؤكد انتشارها أننا لا نزال جميعاً نشعر بتأثيرات التوتر المزمن والاحتراق الوظيفي الناجمة عن الجائحة. لا شك في أن انعدام سعادة القوى العاملة مشكلة كبيرة يجب حلها. يجب أن تنبع السعادة من ارتباط جوهري عميق بسبب ممارسة هذا العمل، وتنشأ ثقافة الاستقلالية والانتماء والغاية من العمل نتيجة رؤية مشتركة بين الشركة والموظفين، لكن في الوقت الحالي يمكن القول إن الكثير من الشركات وموظفيها لا يتفقون على رؤية موحدة. يتناول هذا المقال 3 خطوات يمكن للمؤسسات اتخاذها لتحقيق تحول إيجابي في هذا السياق.

بالنسبة لكثير من الأشخاص، أصبح العمل اليوم مملاً ورتيباً؛ إذ يشبه المدرسة التي لا تقدم أنشطة ترفيهية مثل الفنون والرياضة وفترات الاستراحة، لذلك يشعر كثير منا بعدم الانتماء إلى العمل والانفصال الذهني عنه والملل فيه.

تؤكد بيانات مؤسسة غالوب هذا الأمر؛ بعد أن ارتفعت نسبة الاندماج والالتزام في العمل فترة من الوقت، انخفضت إلى أدنى مستوى لها خلال عقد من الزمن بين الموظفين الأصغر سناً والنساء، وهما الفئتان الأكثر تعاسة في بيئة العمل. يستقيل نحو نصف القوى العاملة حول العالم بصمت، في حين يعلن نحو 18% من الموظفين صراحة أنهم غير سعداء في العمل. وصلت ترندات وسائل التواصل الاجتماعي مثل هاشتاغ “الاستقالة الصامتة” (#QuietQuitting) وهاشتاغ “أنفق وفق راتبك” (#ActYourWage) إلى أكثر من 1.2 مليار مشاهدة؛ إذ يؤكد انتشارها أننا لا نزال جميعاً نشعر بتأثيرات التوتر المزمن والاحتراق الوظيفي.

ازداد تركيز كثير منا على كيفية عيش حياتنا بدلاً من التركيز على نوع العمل الذي نؤديه، توصلت دراسة جديدة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى أن الصحة والسعادة في العمل هما من أهم العوامل التي تحكم قرارنا بقبول وظيفة ما أو الاستمرار بها أو تركها.

يُعد الشعور بالسعادة في العمل مكسباً للموظفين وأصحاب العمل على حد سواء، إذ كشف بحث جديد أجراه باحثون في جامعة أوكسفورد عن علاقة سببية بين سعادة الموظفين وزيادة الإنتاجية بنسبة 13%. في المقابل، يسبب انعدام السعادة في بيئة العمل خسائر اقتصادية بقيمة 7.8 تريليونات دولار؛ أي ما يعادل 11% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

لا شك في أن انعدام سعادة القوى العاملة مشكلة كبيرة يجب حلها. ولتحقيق هذا الهدف علينا البدء ببناء جسور التواصل وتحسين العلاقات بخطوات صغيرة وتدريجية.

الخطوة الأولى: (إعادة) النظر في مفهوم المرونة في العمل

فرضت علينا الجائحة طريقاً صعباً ومليئاً بالتحديات، لكننا تجاوزناه بنجاح، وستعني عودتنا إلى طرق العمل السابقة أن نخوض في التحديات والصعوبات القديمة من جديد. نحن نقاوم ذلك، سواء عمداً أو لا شعورياً.

ستؤدي القدرة على اصطحاب الأطفال من المدرسة أو تقليل الضغط اليومي الناجم عن قضاء ساعات طويلة في المواصلات إلى تخفيف التضارب بين الالتزامات المهنية والشخصية والتوتر الناجم عنه. فلماذا نتراجع عن هذا التحسين؟ لا سيما أن الدلائل تثبت أن الموظفين الذين يتمتعون باستقلالية أكبر تزداد إنتاجيتهم وكفاءتهم، وذلك ينعكس إيجاباً على الشركة.

وجد تقرير لمنظمة العمل الدولية في عام 2023 أن زيادة المرونة، مثل السماح للموظفين باختيار مواعيد بدء العمل وتقاسم المناوبات وإمكانية العمل عن بعد، تؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتحسين التوازن بين العمل والحياة الشخصية. ووجدت دراسة استقصائية عالمية أجرتها شركة سيسكو (Cisco) على 28,000 موظف بدوام كامل أن 82% منهم قالوا إن القدرة على العمل من أي مكان وفرت لهم قدراً أكبر من السعادة. وفقاً لبيانات مؤسسة غالوب، يزداد مستوى التفاعل والمشاركة الإيجابية لدى الموظفين حين يقضون 60% إلى 80% من وقتهم في العمل خارج المكتب، تبيّن أيضاً أنهم يشعرون بأنهم يحصلون على احتياجاتهم المتعلقة بالتطور الوظيفي وبناء العلاقات الاجتماعية أكثر من الموظفين الآخرين.

يقول المدير التنفيذي الأول لشركة الاستشارات الإدارية روبرت هاف (Robert Half)، بول ماكدونالد: “تغيرت سوق العمل كثيراً وأصبح الموظفون يبحثون عن فرص عمل توفر لهم مزيداً من المرونة والاختيارات، وهو ما لا يدركه أصحاب العمل، وعلى الرغم من أن الراتب لا يزال في مقدمة اهتمامات الموظفين، فهم يهتمون بعوامل أخرى عند اختيار الوظيفة”.

لا سيما بالنسبة للنساء. على الرغم من فقدان 2.2 مليون وظيفة خلال جائحة كوفيد-19، فالنساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 24 و54 عاماً يمثلن اليوم 78% من القوى العاملة، وهي نسبة تفوق أعلى المعدلات المسجلة في عام 2019. ربما أدى تبني ثقافة العمل من المنزل دوراً كبيراً في زيادة نسبة تمثيل النساء في سوق العمل. لكن تحذر الكاتبة الصحفية، آكي إيتو، في مقالتها في مجلة بزنس إنسايدر (Business Insider) من أن العودة إلى العمل في المكاتب مرة أخرى ربما يؤدي إلى فقدان المكاسب التي تحققت في زيادة تمثيل النساء في سوق العمل.

في العام الماضي، عملت نسبة 41% من النساء من المنزل، مقارنة بنسبة 28% فقط من الرجال. تشعر إيتو بالقلق من استمرار هذا التوجه؛ إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى إنشاء قوة عاملة ذات مستويين، حيث تعمل النساء من المنزل في وظائف ذات أجور أقل ودون الحصول على فرصة للتطور الوظيفي، في المقابل يأتي الرجال إلى المكاتب لشغل مناصب إدارية أعلى أجراً.

ماذا عن نسبة الـ 60% من القوى العاملة التي لا تستطيع العمل من المنزل؟

أخبرني عالم النفس ومؤلف الكتب الأكثر مبيعاً ورئيس مركز الغرض والأداء في شركة بتر أب (BetterUp)، آدم غرانت، بأننا بحاجة إلى إجراء حوار أوسع حول موضوع المرونة في العمل يركز بالكامل على مكان العمل. يعتقد غرانت ضرورة أن تمنح المرونة الموظفين قدراً أكبر من الحرية؛ اكتب قائمة بالأشياء التي يرغب الموظفون في التحرر منها والأشياء التي يريدون أن يتمتعوا بالحرية في أدائها، ثم نفذها لهم إلى جانب خياراتهم بشأن مكان العمل ووقته وحجمه.

أصبح مفهوم المرونة الآن جزءاً أساسياً من الحياة بعد الجائحة. في عام 2023، قرر العاملون الإضراب عن العمل في أكبر 3 شركات لتصنيع السيارات في الولايات المتحدة، وكانت فكرة تقليص أسبوع العمل إلى 4 أيام فقط أهم مطالبهم.

نحن بحاجة إلى إعادة النظر في مفهوم المرونة في كل قطاع وفي أنواع الوظائف كافة؛ إذ لا يمكن أن تقتصر المرونة على بعضها فقط. تزداد كفاءتنا وفعاليتنا عندما نحصل على قدر وافر من الاستقلالية، بالإضافة إلى أن الاستقلالية في العمل هي السبيل ليصبح فريق العمل سعيداً ومتميزاً في أدائه، وبالتالي فهي صفقة رابحة للعاملين وأصحاب العمل على حد سواء.

الخطوة الثانية: (إعادة) بناء الانتماء

يقضي الشخص العادي 81,396 ساعة في العمل خلال حياته. تخيل أن تقضي ذلك الوقت كله بمفردك، دون التواصل مع أي شخص آخر. بالتأكيد، سيؤثر ذلك سلباً على سعادتنا.

نظراً للتقدم التكنولوجي السريع، أصبح التواصل بين الأفراد أسهل وأصعب في الوقت نفسه. على الرغم من زيادة التفاعل الاجتماعي بين الناس على المستوى الظاهري مع ارتفاع معدل الاجتماعات على منصة تيمز (Teams) بنسبة 252% وزيادة عدد مستخدمي منصة زووم (Zoom) النشطين يومياً بنسبة 2,900% مقارنة بفترة ما قبل الجائحة، فنحن في الواقع نشعر بالوحدة أكثر من أي وقت مضى؛ اليوم، تبلغ نسبة العاملين الذين يملكون صديقاً مقرباً في العمل نحو 30% فقط.

قال لي الرئيس التنفيذي لمؤسسة غالوب، جون كليفتون، في إحدى المقابلات: “نحن نواجه أزمة عالمية تتمثل في الشعور بالوحدة المستمر حتى من قبل الجائحة، يقول نحو 20% من البالغين حول العالم إنهم لا يجدون من يلجؤون إليه في وقت الحاجة”.

غالباً يُنظر إلى بناء علاقات اجتماعية في مكان العمل على أنه أمر ثانوي وأقل أهمية مقارنة بإنجاز العمل، لكن كليفتون يشير إلى أن بيانات مؤسسة غالوب تظهر أنه منذ بداية الجائحة، كان لوجود صديق مقرب في العمل تأثير أكبر على النتائج المهمة، مثل احتمالية توصية الموظفين بمكان عملهم ونية ترك العمل ومستوى الرضا العام عن العمل.

كشفت الدراسة الأخيرة لثقافة المؤسسات على مستوى العالم التي أجرتها شركة أو سي تانر (O.C. Tanner) في عام 2023 أن المؤسسات التي تحصل على تقييمات عالية في مؤشر مجتمع العمل (Community Index)، حيث يشعر الموظفون بالانتماء وأنهم يسهمون في تحقيق الأهداف المشتركة بطرق بنّاءة، تشهد زيادة بنسبة 62% في المدة المتوقعة لبقاء هؤلاء الموظفين في أماكن عملهم الحالية، وذلك وفقاً لتقديرات الموظفين.

تقول الأستاذة المساعدة في الإدارة بجامعة ديلاوير، بيث شينوف، إنه لتحسين علاقاتنا على نحو بنّاء، يجب أن نعمل على ضبط ما يسمى “إيقاع العلاقات”، وهو مصطلح يصف كيفية توافقنا ودعمنا لأساليب عمل زملائنا. تقول شينوف: “نحن نفعل ذلك من خلال التواصل مع زملائنا في العمل ومعرفة أسلوب عملهم وشخصيتهم، يجب أن نعتاد إجراء محادثات متعلقة بأسلوب العمل وإبداء اهتمام حقيقي بزملائنا وخوض تفاعلات إنسانية معهم”.

من الممكن تشجيع السلوكيات التي تؤدي إلى ثقافة تسودها سعادة أكبر من خلال التواصل في أثناء الأنشطة التي نمارسها في أوقات الفراغ وأنشطة العناية بالنفس، مثل التنزه في الهواء الطلق أو الحصول على بعض الوقت للتفكير الإبداعي. يسهم القادة الذين يمثلون نموذجاً يحتذى به للعناية بالنفس في ترسيخ المعايير الصحية لدى أفراد الفريق، ويمكن أن يسهم ذلك أيضاً في تقليل المنافسة غير الصحية بين الموظفين. من المعروف أن الأهداف المشتركة تعزز التعاون الذي يؤدي بدوره إلى تعزيز الصداقات.

ومع زيادة أسلوب العمل الهجين والعمل عن بُعد أصبح من الصعب الالتقاء بزميل ما بالصدفة في مكان العمل، ومع زيادة أعباء العمل التي تحد من التفاعلات الاجتماعية، ربما نحتاج إلى تخصيص وقت للقاءات العفوية مع الزملاء لتعزيز التفاعلات الاجتماعية في بيئة العمل. كيف يمكنك التخطيط للقاءات العفوية؟

أعيدوا لنا فترة الاستراحة.

وفقاً للبيانات التي قدمتها مؤسسة غريت بليسيز تو وورك (Great Places to Work)، تزداد فرصة الشعور بالراحة والسعادة لدى الموظفين الذين يعملون في بيئة عمل ممتعة بنحو 3 أضعاف.

لكن يجب أن تكون هذه المتعة طبيعية وتلقائية. تستفسر أفضل الشركات عن رغبات موظفيها وتأخذ في الاعتبار آراء الموظفين جميعهم بطريقة شاملة. لنأخذ مثالاً عن شركة جوجل: تمتلك الشركة العديد من المزايا، مثل وجود حمامات سباحة وملاعب غولف، لكن هذا ليس هو السبب الأساسي لمتعة العمل فيها، فوفقاً لتصريحات الموظفين تكمن المتعة في العلاقات الإيجابية بين الموظفين والشعور بأهمية غاية العمل. تتبنى شركة جوجل قاعدة “20% من الوقت” التي تمنح من خلالها موظفيها أسبوعاً واحداً سنوياً للعمل على مشروع من اختيارهم، ما يعزز ثقافة الاستكشاف والفضول فيها. وتدعم الشركة التعلم المشترك بين الموظفين والتعاون لإنجاز المشروعات، لذلك صُممت مساحات العمل لدعم أنماط العمل المتنوعة إذ توفر أماكن للعمل الجماعي للفرق الصغيرة ومساحات للاجتماعات الكبيرة إضافة إلى أماكن مناسبة للعمل الفردي. كما تنظم الشركة أنشطة وفعاليات عفوية وأخرى مخطط لها في الأقسام كافة لتلبية اهتمامات الموظفين واحتياجاتهم المتنوعة، مثل النوادي المخصصة لممارسة الهوايات أو الأنشطة الرياضية.

على الرغم من عمليات التسريح الأخيرة للعمال، لا تزال شركة جوجل تحافظ على تصنيفها بوصفها إحدى أفضل الشركات في كندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا. أشاد 93% من الموظفين بأداء الرئيس التنفيذي للشركة، سندار بيتشاي، وفقاً لتقييم آراء 40,000 موظف.

لنأخذ بعض الأمثلة الأخرى: في ثالث يوم أربعاء من كل شهر، تنظم شركة فيزا (Visa) حدثاً اجتماعياً تجهّز فيه مجموعات موارد الموظفين (ERGs) أكشاكاً يمكن للموظفين زيارتها والتعرف إلى فرص الانضمام إليها. وترى شركة إير بي إن بي (Airbnb) أن السفر وسيلة رائعة للحصول على المتعة، وهذا يتضح من خلال إحدى مزاياها الأكثر شعبية، وهي مكافأة السفر السنوية بقيمة 2,000 دولار لموظفيها للإقامة في أي من العقارات التابعة لها حول العالم.

عندما تحدثت مع نائبة المسؤول التنفيذي والرئيسة التنفيذية لقسم الموارد البشرية في سلسلة فنادق هيلتون، لورا فوينتيس، أكدت أهمية إتاحة السفر أكثر لموظفي سلسلة هيلتون، فعملت السلسلة على تحديث المنصة القديمة حتى يتمكن الموظفون من الوصول بسهولة إلى آلاف الغرف غير المستخدمة في أنحاء العالم كافة بأسعار مخفضة إلى حد كبير. بالإضافة إلى ذلك، يستطيع الموظفون حجز 100 ليلة لأصدقائهم وعائلاتهم للاستمتاع بتجربة الإقامة في الفنادق بالأسعار نفسها التي يحصلون عليها هم شخصياً. أصبح هذا الأمر بالغ الأهمية في هذا العصر الذي يفتقر فيه الموظفون إلى فرصة الحصول على إجازة للراحة، ومن المرجح أن يبغض الأشخاص الذين لا يحصلون على إجازات زملاءهم في العمل وتقل قدرتهم على التواصل الاجتماعي.

لن تكون المزايا التي تقدمها الشركات، مثل ملاعب الغولف، فعالة ومفيدة إلا إذا شعر الموظفون بأنه مسموح لهم باستخدامها، وإذا أردنا فهم جوهر المتعة في العمل فعلينا النظر في كيفية تمثيلها على مستوى القيادة؛ أي يجب أن يشارك القادة في أنشطة الموظفين. يمكن أن يؤدي الوقت المخصص للاستراحة إلى حدوث اتصالات عفوية ينتج عنها تعميق الصداقات والعلاقات في حياتنا المهنية.

لتعزيز الانتماء، يجب علينا أن نتحلى بالصبر لنبني علاقات مستدامة ومتينة. احرص على معرفة العوامل التي تسهم في سعادة الموظفين في العمل، والعوامل التي تقلل سعادتهم. ابحث عن الاحتياجات المشتركة للموظفين من خلال الاستماع بعناية إلى مطالبهم ومن خلال طرح أسئلة مباشرة، مثل “هل تشعر بالارتباط بفريقك في العمل؟” و”نحن نرغب في معرفة رأيك، فكيف يمكننا زيادة الشعور بالانتماء لديك ولدى الآخرين؟”.

الخطوة الثالثة: إحياء الغاية أو الهدف الأساسي للمؤسسة

في النهاية، نحتاج إلى وجود هدف في العمل يحفزنا ويحافظ على حماسنا، سواء كان هذا الهدف هو تحقيق دخل لتلبية احتياجات عائلاتنا أو ارتباط قيمنا برسالة المؤسسة. ترتبط الاستقالة الصامتة والتناقص المستمر في أعداد الموظفين بضعف الحماس والشغف وانعدام الشعور بالمعنى أو الأهمية في العمل.

أجرى مؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً “شركات التحبيب” (Firms of Endearment)، راج سيسوديا، بحثاً على مدار 15 عاماً حلل من خلاله الشركات التي تمارس الرأسمالية الواعية، وهي الفلسفة التي تنادي بضرورة خدمة الشركات لأصحاب المصلحة جميعهم بطريقة مسؤولة وأخلاقية، ويشمل ذلك الموظفين والمجتمعات والبيئة وليس فقط فرق الإدارة والمساهمين. وجد سيسوديا أن الشركات الرأسمالية الواعية حققت عائدات استثمارية تبلغ 1,646%، في حين حققت الشركات المدرجة على مؤشر إس آند بي 500 (S&P 500) عائدات بنسبة 157% خلال الفترة الزمنية نفسها. على الرغم من ذلك، فهو يشدد على ضرورة أن تكون الشركات قادرة على التعبير عن استعدادها لاعتماد فلسفة الرأسمالية الواعية حتى لو لم يؤد ذلك إلى زيادة الأرباح.

سألتُ فوينتيس عن العوامل التي أسهمت في إدراج شركتها في قائمة “أفضل أماكن العمل في العالم” من مجلة فورتشن وحصولها على لقب “مكان رائع للعمل” لـ 7 سنوات متتالية، وكنت أعتقد أن ثمة عوامل أخرى تؤدي دوراً مهماً في هذا التصنيف أكثر من المزايا بغض النظر عن المتعة التي تقدمها هذه المزايا.

بالنسبة لفوينتيس، يتعلق الأمر برمته بالالتزام بالقيم حتى عندما يبدو ذلك مستحيلاً، تقول: “كانت جائحة كوفيد أكبر التحديات التي واجهها قطاع الضيافة والفنادق على الإطلاق”. لمساعدة الموظفين في العثور على وظائف خلال فترات الإغلاق عندما كانت الفنادق خالية من النزلاء، احتفظت سلسلة فنادق هيلتون بمسؤولي التوظيف الذين عملوا على تعيين الموظفين في قطاعات خارجية تحتاج إلى أصحاب الكفاءات. في الوقت نفسه، قرر الرئيس التنفيذي، كريستوفر ناسيتا، عدم ترك الغرف فارغة خلال فترات الإغلاق، لذلك قرر منح مليون ليلة إقامة لمقدمي الرعاية الأولية الذين اضطروا إلى الخضوع للحجر الصحي بعيداً عن منازلهم.

كان هذا القرار صائباً.

تقول فوينتيس: “يجب أن نركز جهودنا على الأشياء التي تملك قيمة مستدامة وتستدعي اهتمامنا الفوري، والحاجة إلى التواصل الإنساني والشعور بأهميتنا والحاجة إلى التعلم هي ما يساعدنا على تجاوز الأزمات التي تواجهنا”.

يجب أن تنبع السعادة من ارتباط جوهري عميق بسبب ممارسة هذا العمل، وتنشأ ثقافة الاستقلالية والانتماء والغاية من العمل نتيجة رؤية مشتركة بين الشركة والموظفين، لكن في الوقت الحالي يمكن القول إن الكثير من الشركات وموظفيها لا يتفقون على رؤية موحدة.

لكن يمكننا تغيير ذلك. أولاً، يجب أن نتوقف عن التمسك بمواقفنا ونكون أكثر انفتاحاً واستعداداً لقبول وجهات النظر الجديدة، دعونا نتحدث صراحة عما نخاف منه،  ما المشكلات التي تواجهنا وكيف يمكننا التخلص منها؟ ابدأ بسؤال موظفيك: “كيف أستطيع مساعدتك لتصبح الأمور في الأسبوع المقبل أسهل؟”، ثم انطلق من هناك.

هذه هي الخطوة الأولى. بعد ذلك، يجب أن نكون مستعدين لتبنّي نهج جديد ومبتكر تماماً في العمل.

دعونا نجعل أماكن العمل التي تسودها سعادة أكبر هيكلاً أساسياً نبني عليه استراتيجياتنا جميعها. في ظل تعدد الأزمات والتغيرات المستمرة في العالم، يجب أن نركز قراراتنا على أساس تحقيق مصلحة الجميع ورفاهيتهم للمضي قدماً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .