3 سمات تميّز القادة الذين يستحيل أن نعوّضهم بالذكاء الاصطناعي

7 دقيقة
الذكاء الاصطناعي في الإدارة
ماستر 1305/ غيتي إميدجيز، أدوبي فاير فلاي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يتفوق الذكاء الاصطناعي على القدرات البشرية في بعض المجالات، لكن لا يمكن أن يحل محل الإنسان في المجالات كافة. استناداً إلى الأبحاث حول مدى راحة الموظفين مع استخدام الذكاء الاصطناعي في الإدارة، بالإضافة إلى الأبحاث التي استمرت عقوداً من الزمن حول صفات القيادة الفعالة، يحدد المؤلفون وعود الإدارة المدعومة بالذكاء الاصطناعي ومخاطرها، بالإضافة إلى 3 قدرات بشرية فريدة يجب على القادة التركيز على تحسينها، لا سيما بعد تزايد دور الذكاء الاصطناعي في الإدارة: 1) الوعي، 2) التعاطف، 3) الحكمة.

سيتفوق الذكاء الاصطناعي قريباً على القدرة البشرية في العديد من مجالات القيادة بفضل وصوله إلى معلومات غير محدودة وتمتعه بقوة المعالجة الفائقة وقدرات التعلم السريع وانعدام القيود العاطفية. أظهرت نتائج دراستنا، التي استطلعنا خلالها آراء أكثر من 600 موظف من عدة قطاعات مختلفة، أن الموظفين يثقون في الذكاء الاصطناعي أكثر من ثقتهم برؤسائهم البشر في بعض مجالات القيادة.

لكن على الرغم من قدرة الذكاء الاصطناعي على إتقان العديد من العمليات المعقدة في العمل، فهي لا تعني أنه يمثل تهديداً لدور القادة؛ فالبشر يرغبون في أن يقودهم بشر آخرون، بغض النظر عن الفوضى والمشكلات التي قد تصاحب القيادة الإنسانية.

تتوافق هذه النتائج مع أبحاثنا السابقة التي استمرت 10 سنوات؛ إذ درسنا معنى القيادة الفعالة والناجحة في الوقت الحاضر والمهارات اللازمة لها. باختصار، وجدنا أنه كلما كانت القيادة إنسانية أكثر أصبحت النتائج أفضل بالنسبة للفِرق والمؤسسة والقائد نفسه. في الوقت الحاضر، يجب على القادة الناجحين فهم فوائد الذكاء الاصطناعي والاستفادة منها، وفي الوقت نفسه، يجب عليهم تعزيز صفاتهم الإنسانية الفريدة واستثمارها على نحو أكبر.

أسرع وأدق وأقل تحيزاً وأكثر اتساقاً

أجرينا مقابلات مع بعض الموظفين لفهم مشاعرهم إزاء دمج الذكاء الاصطناعي في القيادة. يقول موظف في إحدى الشركات الاستشارية العالمية: “في مسيرتي المهنية، واجهتُ في كثير من الأحيان قادة لم يفهموا مجال خبرتي وكانوا يركزون غالباً على تحقيق أهدافهم الشخصية. في كثير من الحالات، كنت أتمنى أن يكون مديري روبوت ذكاء اصطناعي شديد الدقة وغير متحيز ليساعدني على تطوير مهاراتي وتوجيه مسار عملي بذكاء”.

يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات وتحديد الأنماط بدقة أكبر تفوق قدرة البشر، ويمكنك باستخدامه الحد من تأثير الحالة الذهنية للقائد وتجاربه وظروفه وعلاقاته ومنصبه ووجهات نظره الشخصية، ما يؤدي إلى تفوق الذكاء الاصطناعي في مجالات الاستراتيجية وصناعة القرار. كشفت أبحاثنا عن ثقة كبيرة في الذكاء الاصطناعي فيما يتعلق بالاستراتيجية وصناعة القرار، ومن الجدير بالذكر أن 65% من المشاركين في استطلاعنا لديهم ثقة كبيرة في قدرة الذكاء الاصطناعي على تطوير استراتيجيات فعالة.

يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أيضاً أكثر اتساقاً وأقل تقلباً من القادة البشر، وهذا مفيد في بعض مجالات القيادة مثل التخطيط وتوزيع المهام في العمل وتحديد أولوياته. ذكر المشاركون في استطلاعنا أنهم يشعرون بالارتياح تجاه دور الذكاء الاصطناعي في تحليل أدائهم وتحسين الإجراءات والققرارات، وبلغت نسبة الموظفين الذين وافقوا على هذا الموضوع أو أيدوه بشدة نحو 43%، في حين أعرب 23% عن موقفهم المحايد تجاهه.

من المثير للاهتمام والدهشة، أن 45% من المشاركين أعربوا عن ارتياحهم للحصول على ملاحظات الأداء المدعومة بالذكاء الاصطناعي، بشرط أن تكون هذه الملاحظات إيجابية (سنتطرق إلى ذلك في الجزء التالي). ربما يرجع ذلك إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على تقديم ملاحظات شخصية وفورية للموظفين حول أدائهم، كما أنه قادر على تحليل مواطن قوتهم والمجالات التي يمكن تحسينها لديهم، وتقديم الإرشادات أو التدريب أو الموارد الأخرى اللازمة لمساعدتهم على النمو.

على الرغم من ذلك، يجب ألا تثير هذه الفوائد الحالية والمستقبلية المتوقعة مع تطور الذكاء الاصطناعي مخاوف القادة من فقدان دورهم واستيلاء التكنولوجيا عليه، إذ تشير نتائج بحثنا إلى أن الموظفين يفضلون القيادة الإنسانية على القيادة التي تعتمد على التكنولوجيا.

غير مثالي لكنه يتمتع بالمصداقية

الذكاء الاصطناعي محدود على الرغم من قدرته على تقديم دعم كبير للقادة، وعلى الرغم من الاعتقاد السائد حول مثالية العمل من ناحية التنظيم والاحترافية والدقة، فهو في الواقع مليء بالديناميات المعقدة وانعدام الأمان والمصالح الشخصية والطموحات. ما السبب؟ يعود ذلك إلى أننا بشر نحمل مشاعر واحتياجات، ويواجه الذكاء الاصطناعي أكبر قيوده في هذه الجوانب الإنسانية بالذات. توصل بحثنا إلى أن الموظفين لديهم ثقة محدودة في قدرة الذكاء الاصطناعي على فهم السلوك البشري في بيئة العمل مقارنة بالقيادة الإنسانية (نحو 57% من الموظفين الذين شملهم الاستطلاع لا يثقون به و22% محايدون)، بالإضافة إلى ذلك، أعرب 60% من المشاركين عن قلقهم بشأن إمكانية تحليل الذكاء الاصطناعي لمشاعر الموظفين والاستفادة منها في اتخاذ القرارات.

تدعم الأبحاث الأكاديمية ما سبق؛ إذ تشير إلى أن الموظفين يشعرون بعدم الثقة وعدم الارتياح تجاه استخدام الذكاء الاصطناعي فيما يتعلق بالأمور الشخصية. يقلق الموظفون حيال سوء استخدام الذكاء الاصطناعي للبيانات الشخصية والتعامل معها بطريقة غير مناسبة، ما يؤدي إلى شعورهم بانعدام الأمان وفقدان الخصوصية، وتزداد مخاوف كثير منهم من احتمالية تبنّي الذكاء الاصطناعي استراتيجيات متحيزة ومعاملة فئات معينة بطريقة غير عادلة، في حين يشعر آخرون بالقلق بشأن عدم شفافية الذكاء الاصطناعي وغموض آلية اتخاذ قراراته، ما يثير الشكوك حول كيفية إنشاء التوصيات. يتحمل البشر مسؤولية منع حدوث مثل هذه الإخفاقات الإدارية.

بدلاً من القلق بشأن ردود الفعل السلبية هذه، يجب على القادة استخدام هذه الملاحظات من الموظفين بوصفها مؤشراً يوضح أهمية التركيز على الجوانب الإنسانية والعاطفية من العمل، التي تتطلب الاهتمام والشفافية وإجراء المحادثات الجريئة.

عمليات التوظيف والترقيات هي أبرز المجالات التي تستلزم شفافية القيادة ونزاهتها؛ إذ لا تضم حياتنا العملية كثيراً من المجالات التي تثير القدر نفسه من الأحاسيس المتناقضة، مثل الأمل والقلق والفخر والإحباط، لذلك لا يرغب الموظفون في أن يكون للذكاء الاصطناعي أي دور في عملهم بأي شكل من الأشكال. أظهرت نتائج بحثنا أن 69% من الموظفين لديهم مخاوف بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في اتخاذ قرارات تتعلق بعمليات التوظيف والترقيات وتوزيع مهام العمل بناءً على فهمه للسلوك البشري.

على الرغم من أن الموظفين قد يشعرون بالارتياح عند تلقي ملاحظات إيجابية حول الأداء بواسطة الذكاء الاصطناعي، كما ذكرنا أعلاه، فهم يشعرون بالاستياء وتزداد حساسيتهم عند تلقي الملاحظات السلبية. وفقاً لنتائج استطلاعنا، أبدى 25% فقط من المشاركين استعداداً لتقبل الملاحظات السلبية التي يُنشئها الذكاء الاصطناعي حول أدائهم الوظيفي، في حين أفاد 55% منهم بأنهم سيشعرون بعدم الارتياح بدرجة تتراوح بين “الخفيف” و”الشديد” إزاء ذلك.

على الرغم من التعقيد والفوضى في التفاعلات البشرية، لا يزال الموظفون يفضلونها على إمكانات الذكاء الاصطناعي الواعدة، لكن هذا بالطبع لا يعني ضرورة أن نتخلى عن الذكاء الاصطناعي وفوائده العديدة في تطوير الأداء. بدلاً من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وحده، يسعى القادة المتميزون الحاليون والمستقبليون إلى تحقيق التوازن في ممارساتهم، من خلال تبني الذكاء الاصطناعي وتوظيف نقاط قوته العديدة مع تعزيز صفات القيادة الإنسانية.

كيف تتبنى الذكاء الاصطناعي مع الاهتمام بالصفات الإنسانية وتقديرها؟

في مستقبلنا المدعوم بالذكاء الاصطناعي، سيتمتع القادة الذين يستفيدون من الذكاء الاصطناعي بميزة بارزة فيما يتعلق بتحسين الإنتاجية وتعزيز الكفاءة وتحسين صناعة القرار. في الوقت نفسه، سيتفوق القادة الذين يتبنون قيادة تركز على العنصر البشري في جذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها وتطويرها وتحفيزها. كيف تعرف أن عليك الاستفادة من الذكاء الاصطناعي أو استخدام صفاتك الإنسانية في موقف ما، أو الجمع بينهما؟ اطرح على نفسك هذين السؤالين:

  • هل يعتمد الموقف على المعرفة أو التفكير المنطقي أو التحليل؟
  • هل يتطلب الموقف صفات اجتماعية أو عاطفية أو شخصية؟

توضح المصفوفة أدناه متى يجب على القادة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي ومتى يجب عليهم التركيز على أفضل صفاتهم الإنسانية.

أفضل القادة اليوم على دراية بإمكانات الذكاء الاصطناعي وقيوده وبعض القضايا الأخلاقية المرتبطة باستخدامه، ويتوافر كثير من المقالات والموارد القيّمة التي تقدم أمثلة على حالات استخدام الذكاء الاصطناعي واستراتيجيات البدء باستخدامه. لكنّ العمل لا يتوقف عند هذا الحد؛ إذ يجب على القادة التركيز على تطوير مهارات القيادة الإنسانية واكتساب الثقة والولاء بالحماس والالتزام نفسه.

الصفات الأساسية للقيادة الإنسانية

هذه النقطة الأمثل لبدء عملية التحول. على مدى العقد الماضي، جمعنا بيانات من 75,000 قائد وموظف في القطاعات المختلفة في العالم، وأجرينا مقابلات مع مئات المدراء التنفيذيين ذوي الخبرة، وتعاونّا مع باحثين من كلية هارفارد للأعمال وكلية كولومبيا للأعمال وكلية روتمان للإدارة.

يقول أحد المدراء التنفيذيين الذين قابلناهم: “يكمن جوهر القيادة في التخلي عن أنماط الإدارة وإعادة إحياء القيم الإنسانية”. تتمثل القيادة الإنسانية في ظهور القادة بوصفهم بشراً حقيقيين على الرغم من نقاط الضعف والعيوب وعدم امتلاكهم للحلول الجاهزة دائماً. ترتكز القيادة الإنسانية على 3 صفات أساسية: الوعي والتعاطف والحكمة.

الوعي

هو قدرة العقل على إدراك حالتك الذهنية وأفكارك وعواطفك، بالإضافة إلى إدراك العالم والأشخاص المحيطين. يمنحك الوعي قدرة كبيرة على ضبط أفكارك وعواطفك ويعزز قدرتك على قيادة الآخرين بفعالية. من خلال الوعي، يمكنك أيضاً تطوير المرونة الذهنية، وهي القدرة على التنقل بين التركيز على الأولويات والمهام الضرورية والحفاظ على رؤية شاملة للأهداف الكبرى. في عالم سريع التطور، تعد المرونة الذهنية أمراً أساسياً لإنجاز العمل المهم مع ضمان التوافق بين الرؤية الشاملة للأهداف وتفاصيل المهمة التي تنفذها. الوعي هو صفة إنسانية فريدة، فالذكاء الاصطناعي حتى الآن لا يتمتع بالوعي الذاتي، كما لا يمتلك القدرة على اتخاذ خيارات مستقلة تستند إلى وعي غير متسلسل وغير قابل للقياس.

التعاطف

هو قدرة العقل على الاهتمام بالذات وبالآخرين، وهو يبدأ بالمشاركة الوجدانية ويتطور إلى العمل بنية صادقة لإحداث تغيير إيجابي في حياة الآخرين. تؤدي ممارسة التعاطف إلى تنمية الشجاعة للاهتمام بالآخرين؛ أي القدرة على المشاركة بجرأة في التفاعلات البشرية وعدم التهرب من المحادثات الصعبة. يمكنك أيضاً اكتساب الشفافية في الاهتمام بالآخرين؛ أي القدرة على التواصل الصريح والصادق لتمكين الآخرين من فهم الموقف بوضوح. التعاطف هو صفة إنسانية فريدة تعزز الثقة والأمان النفسي، ما يسمح بتحسين أداء الموظفين والفِرق، على الرغم من تطور الذكاء الاصطناعي في محاكاة المشاعر الإنسانية مثل المشاركة الوجدانية، فقدرته على إظهار التعاطف الحقيقي ما زالت بعيدة المنال.

الحكمة

هي قدرة العقل على التمييز واتخاذ قرارات صائبة تستند إلى الخبرة. تتمثل الحكمة في رؤية الأشياء على حقيقتها بعيداً عن قيود الأنا والغرور، ومعرفة الإجراءات السليمة التي تعود بالنفع على الموظفين والمؤسسة. يتمثل أحد العناصر الأساسية للحكمة في عقلية المبتدئ؛ أي القدرة على البقاء منفتحاً تماماً على الاحتمالات كافة دون التأثر المفرط بالخبرة. تؤدي ممارسة الحكمة إلى ترسيخ نزاهتك، أو قدرتك على التصرف وفقاً لضميرك وقيمك الأخلاقية. على الرغم من قدرة الذكاء الاصطناعي على توفير كميات هائلة من البيانات والمعارف، فإنه يتطلب توظيف القادة لقدرتهم الفريدة على التمييز ومهارة اتخاذ القرارات الحكيمة ليكون ذا قيمة حقيقية.

تمثل صفات الوعي والتعاطف والحكمة جوهر القيادة الإنسانية الفعالة. إذا كنت مهتماً بمعرفة المزيد وتقييم قدرتك على القيادة الإنسانية والحصول على توجيهات مخصصة حول كيفية تعزيزها، يسعدنا أن نوفر لك إمكانية الوصول المجاني إلى تقييم القيادة الإنسانية (Human Leader Assessment ) من هنا.

يتمحور مستقبل القيادة حول تعزيزها بالذكاء الاصطناعي، لا سيطرته عليها. لا شك في أن الذكاء الاصطناعي غيّر عالمنا وسيستمر تأثيره ليشمل مجالات عملنا وحياتنا اليومية، وفي المستقبل القريب سيقضي معظمنا وقته في التفاعل مع الأنظمة والأدوات المختلفة التي ستوجه قراراته وتصرفاته. سيواجه القادة الذين يجهلون هذه الحقيقة ويعجزون عن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي خطر التخلف عن الركب.

وفي الوقت نفسه، لا يزال الموظفون يتطلعون إلى العمل تحت إشراف القادة الذين يركزون على الإنسان ويقدرون قيمتهم، على الرغم من أوجه القصور والعيوب التي ترافق القيادة الإنسانية. سيتفوق القادة الذين يعززون قدرتهم على القيادة الإنسانية في جذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها وتطويرها وتحفيزها. يتطلب ذلك الاستفادة من الصفات الإنسانية المميزة مثل الوعي والتعاطف والحكمة. بالنسبة لنا جميعاً، تمثل هذه فرصة رائعة لتعزيز المصداقية وتحسين القدرة على التواصل وتعزيز الجوانب الإنسانية.

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .