على الرغم من أننا محاطون من كل حدب وصوب بجميع أنواع التكنولوجيا والتطبيقات والبرمجيات المختلفة، فلم تتمكن أقسام الموارد البشرية بعد من تحسين طريقتها في تقييم الأشخاص الذين ترغب في توظيفهم وضمهم إلى صفوف القوى العاملة لديها. فطرق التوظيف التقليدية التي تعتمد على السيرة الذاتية لم تعد كافية، فهي لا تسلط الضوء بالضرورة على الصفات الصحيحة المطلوب وجودها لدى القادة هذه الأيام، كما أن معاييرها القديمة التي عفا عليها الزمن تمنع العديد من الأفراد الموهوبين من لفت نظر مسؤولي الموارد البشرية إلى وجودهم.
ليس هناك من عيب أو خلل متأصل في السيرة الذاتية، فهي على العكس من ذلك تسلط الضوء على الإنجازات والتجارب السابقة للشخص المتقدم لشغل الوظيفة. ولكن في الوقت الذي تعتبر فيه السيرة الذاتية وسيلة جيدة لإظهار المهارات الرسمية لدى الشخص، إلا أنها لا تفيد كثيراً في تحديد قيمه وسلوكياته. فالسيرة الذاتية لا تميّز عموماً ما بين المهارات (معرفة كيفية القيام بشيء ما) والكفاءات (القيام به على الوجه الصحيح وبقدر كبير من الموثوقية والسهولة).
لقد قادت السيرة الذاتية مسؤولي التوظيف إلى التركيز على العلامات، والسمعة الجامعية، والخبرة العملية السابقة. والمشكلة في معايير التوظيف هذه هي أنها منحازة لصالح المرشحين القادمين من خلفيات وعائلات أثرى وأغنى. فهذه العائلات تمتلك عادة صلات وشبكة علاقات أفضل، وهي قادرة على تأمين فرص تعليمية أفضل، وبمقدورها سداد رسوم التعليم في الجامعات المرموقة. إضافة إلى ذلك، فإن الأطفال الذين نشؤوا ضمن الطبقات الاجتماعية العليا يُعتبرون أكثر اعتياداً على المعايير الاجتماعية التي توجّه السلوك الناجح و"المقبول".
فما الذي يمكن فعله في هذا الصدد؟
يتعين على الشركات الراغبة في توظيف أشخاص ينحدرون من بيئات متنوعة التخلي عن الممارسة التقليدية المتمثلة في التنقيب ضمن السير الذاتية. ويجب على مسؤولي الموارد البشرية المعنيين بالتوظيف البحث عن براهين تثبت الكفاءة للعثور على المرشحين الواعدين حقاً. وثمة أدوات وعمليات توظيف جديدة يمكن أن تساعد هؤلاء المسؤولين في العثور على مجموعات من الموهوبين الأكثر تنوعاً، والوصول إلى مرشحين ربما كانوا قد استبعدوا سابقاً من دائرة البحث.
فإذا كانت شركات التوظيف تولي اهتماماً أقل للسير الذاتية التي تركز على مهارات المتقدم وتاريخه، وركّزت اهتمامها بدلاً من ذلك على الخصائص الاجتماعية والعاطفية والإدراكية والسلوكية للمتقدمين، خاصة أولئك الذين ينتمون إلى خلفيات اقتصادية أضعف، فستتمكّن بذلك من العثور على موظفين مستقبليين ينتمون إلى نطاق اجتماعي أوسع. ما يضمن تحقيق قدر أعلى من الفعالية المهنية، ويكفل أيضاً تنوع الطبقات الاجتماعية التي تنتمي إليها القوى العاملة في أي شركة أو مؤسسة.
كما أن الشركات التكنولوجية الكبيرة مثل شركة "آي بي إم" تساعد على بناء "شركات اجتماعية" لتقرير مدى "الملاءمة" (والتي تعرّفها "آي بي إم" على أنها "القدرة على خلق تجارب عمل أكثر فعالية عبر التعاون الاجتماعي والتجربة الرقمية") من خلال حُسن التعامل مع قوة شبكات التواصل الاجتماعي وحضور الشخص على شبكة الإنترنت. وقد لجأت شركات مثل "كويد" (Quid) التي تعمل انطلاقاً من سان فرانسيسكو، إلى تحليل المحتوى من أجل رسم صورة بصرية واضحة وتحديد المجالات التي تشهد أكبر قدر من الاهتمام والطاقة الابداعية والموارد المالية على شبكة الإنترنت. صحيح أن الجهات الأساسية التي تستعمل هذه الأدوات حالياً هي الشركات المالية وشركات الإعلان، إلا أنها تنطوي على طاقة كامنة كبيرة لمهنة التوظيف والموارد البشرية، لأنها تسمح للمدراء التنفيذيين المتخصصين في التوظيف برؤية المجالات التي يخصص المرشحون طاقاتهم المهنية فيها.
لا يزال هناك الكثير من القضايا المتعلقة بالخصوصية وهي بحاجة إلى حلول، إلا أن شركات مثل "آي بي إم" و"كويد" تشير إلى مستقبل قطاع الموارد البشرية والتطورات التي ستطرأ عليه، من خلال استعمال تكنولوجياتها الذكية التي تساعد على التنبؤ بسلوك الموظفين المستقبليين ومدى اندماجهم في بيئة العمل، وهو أمر ليس بوسع السيرة الذاتية تقديم الإجابة عنه دائماً.
اقرأ أيضاً: كيفية كتابة السيرة الذاتية