هل أنت مستعد؟ جرب اختبار حب الاستطلاع قبل المحادثات المصيرية

6 دقيقة
هانز نليمان/غيتي إميدجيز

قبل أن تقلع الطائرة، يجري الطيار فحصاً شاملاً لضمان أن تعمل الأنظمة كلها بكفاءة خلال الرحلة. وقبل أن يبدأ الطبيب العملية الجراحية يجري فحص السلامة أولاً للتأكد من هوية المريض وتفاصيل العملية وجاهزية أدوات الجراحة. وبالمثل، يجري مهندسو البرمجيات اختبارات على الشفرة البرمجية للكشف عن أي أخطاء أو ثغرات قبل إطلاقها.

لكن عندما يشرع قائد شركة في إجراء محادثة حاسمة، سواء كانت مفاوضات مصيرية أو مناقشة صعبة حول الأداء أو جلسة لصناعة قرارات استراتيجية، فكثيراً ما يدخلها دون الاستعداد الذهني المناسب. وقد يترتب على هذا التهاون ثمن باهظ؛ لأن الجمود المعرفي يحد من قدرتنا على اكتشاف معلومات جديدة تخدم سياق النقاش، ويضعف قدرتنا على التعاون الفعال مع الآخرين.

يكمن الحل في إجراء "اختبار حب الاستطلاع"، وهو تقييم موجز لكنه منهجي لاستعدادك الذهني لتلقي معلومات جديدة وحيوية؛ فهذه الجاهزية الذهنية كفيلة بتحسين أدائك بدرجة كبيرة في المحادثات المصيرية.

الكلفة الخفية لليقين

فكر في آخر مرة دخلت فيها محادثة مهمة وأنت واثق بأنك تعرف مسبقاً نتيجتها أو موقف الطرف الآخر أو الحل الأمثل من وجهة نظرك. ربما كنت تستعد لتقديم ملاحظات قاسية إلى موظف لا يحقق الأداء المطلوب أو للتفاوض على صفقة معقدة أو لعرض توصية استراتيجية على مجلس الإدارة. وإذا كنت مثل معظم القادة، فأغلب الظن أنك خصصت وقتاً طويلاً لإعداد حججك وتوقع الاعتراضات المحتملة ومراجعة النقاط الرئيسة التي ستطرحها.

على الرغم من أهمية هذا النوع من الاستعداد، فالاعتماد عليه وحده يأتي على حساب مراجعة افتراضاتك الشخصية وتنمية حب الاستطلاع الحقيقي حيال ما قد تغفل عنه. وتفضي هذه الفجوة في التحضير إلى ما يطلق عليه علماء السلوك "الانحياز التأكيدي"، وهو نمط ذهني يدفعك إلى البحث عن المعلومات التي تؤيد قناعاتك المسبقة وتجاهل أي دليل يناقضها.

إذا تمكنت من تنمية حب الاستطلاع الحقيقي، خاصة في الأوقات التي تتعرض فيها لضغط نفسي أو خطر يلوح في الأفق، فستحقق فوائد هائلة؛ فحب الاستطلاع يعزز قدرتك على معالجة المعلومات الجديدة والتعامل بإبداع مع المشكلات المعقدة، كما أنه ينشط مراكز التعلم والمكافأة في الدماغ، فيزيد من قابليتك للإدراك العميق وحل المشكلات بطرق مبتكرة. وغالباً ما يظهر الأشخاص الفضوليون قدراً أكبر من المرونة في مواجهة المعلومات غير المتوقعة، سواء جاءت على هيئة اعتراض من مرؤوسيك المباشرين أو زملائك أو حتى مديرك.

اختبار حب الاستطلاع

على الرغم من كثرة الدراسات التي تثبت فوائد حب الاستطلاع على مستوى المعرفة والعاطفة والعلاقات، قلما يمتلك المسؤولون التنفيذيون وسيلة موثوقة لتقييم هذه العقلية وتحسينها قبل خوض تفاعلات مصيرية. ومن أجل سد هذه الفجوة، وضعت ما يعرف بـ"اختبار حب الاستطلاع"، وهو يتكون من ثلاث خطوات ولا يستغرق تنفيذه قبل أي محادثة مهمة أكثر من 5 دقائق:

الخطوة الأولى: حدد موقع عقليتك الحالي على منحنى حب الاستطلاع.

يساعدك منحنى حب الاستطلاع (المستوحى من نموذج وضعته مؤسسة بريفر إينجلز غير الربحية) على إدراك العقلية التي تدخل بها إلى المحادثة. انظر إليه باعتباره أهم مؤشر ذهني على القادة مراقبته، تماماً مثلما يراقب الطيار لوحة العدادات في قمرة القيادة. يمثل النصف الأيسر من المنحنى 3 مناطق يغلب عليها اليقين: الاستعلاء الأخلاقي، الرفض الواثق، التسامح المشكك. ويمثل النصف الأيمن 3 مناطق لحب الاستطلاع: الانفتاح الحذر، الاهتمام الحقيقي، الدهشة المفعمة بالفضول.

اسأل نفسك: "إن واجهت خلافاً في هذه المحادثة، فإلى أي منطقة ذهنية سأنتقل على منحنى حب الاستطلاع؟" كن صريحاً مع نفسك إلى أبعد الحدود. هل تدخل هذا الحوار وأنت تضمر ازدراء لرفض الطرف الآخر المحتمل؟ هل تتعامل بازدراء مع وجهات النظر المختلفة عن رؤيتك؟ أم أنك منفتح حقاً على تعلم شيء جديد؟ حين يصارح القائد نفسه، يعترف بأنه، في أغلب الأحيان، يشرع في المحادثات المصيرية وهو في واحدة من "مناطق اليقين". وعلى الرغم من أن هذا الموقف يمنح شعوراً بالراحة النفسية والثقة الظاهرة، فإنه يقوض فاعلية المحادثة.

تستدعي عملية تحديد موقع عقليتك على منحنى حب الاستطلاع ما يطلق عليه علماء النفس "ما وراء المعرفة"، أي إدراك المرء لأسلوب تفكيره ونمطه الفكري. ويسهم هذا الوعي الذاتي في تهيئة الأجواء اللازمة لإحداث تحولات في طريقة التفكير.

الخطوة الثانية: اعقد النية على تنمية حب الاستطلاع.

بعد أن حددت نقطة انطلاقك، استخدم منحنى حب الاستطلاع لتحديد العقلية التي تطمح إلى تبنيها. من غير الواقعي في كثير من الأحيان أن تصل إلى منطقة الدهشة المفعمة بالفضول؛ لذلك التزم بالتحرك خطوة أو اثنتين إلى اليمين على المنحنى. على سبيل المثال، إذا كنت تبدأ من موقع "الرفض الواثق"، فاجعل هدفك الوصول إلى "الانفتاح الحذر". وإذا كانت انطلاقتك من "التسامح المشكك"، فحاول أن تقترب من "الاهتمام الحقيقي". أياً كانت نقطة بدايتك، اختر تحولاً في العقلية يجمع بين الطموح وإمكانية التحقيق، واعقد النية على ترسيخ وجودك في هذه المنطقة.

الخطوة الثالثة: اطرح على نفسك أسئلة تحفز حب الاستطلاع لإحداث التحول المطلوب.

على الرغم من أهمية عقد النية، فإنك بحاجة أيضاً إلى أدوات تساعدك على تحقيقها، و"محفزات حب الاستطلاع" هي أسئلة قصيرة لكنها موجهة بدقة، من شأنها أن تدفعك نحو الانفتاح أكثر على منحنى حب الاستطلاع. إليك خمسة منها تستحق التأمل:

  • ما هي التحديات التي قد يواجهها الطرف الآخر دون أن أكون على دراية بها؟
  • ما هي المخاوف أو الأسباب المشروعة أو المعلومات الصحيحة (ولكن غير المعلنة) التي قد تكمن وراء خلافه معي؟
  • كيف يمكن أن تؤثر كلماتي أو تصرفاتي فيه بطرق لا أقصدها أصلاً؟
  • ما هي الافتراضات غير الصحيحة التي ربما بنيتها حول الموقف أو المشكلة أو الطرف الآخر؟ وحتى إن صحت افتراضاتي، فهل ثمة جوانب أخرى غائبة عني؟
  • ما هي الرؤى أو الأفكار غير المعلنة التي قد تكون لدى الطرف الآخر ويمكن أن تعالج التحدي الذي نواجهه؟

قد تجد صعوبة أحياناً في تأمل محفزات حب الاستطلاع هذه بمفردك، خاصة إذا كنت عالقاً في الجانب الأيسر من منحنى حب الاستطلاع. وقد يكون من المفيد أن تستعين بصديق موثوق أو زميل أو مرشد أو حتى بوت ذكاء اصطناعي لمساعدتك على التفكير فيها بعمق.

تطبيق اختبارات حب الاستطلاع على أرض الواقع

كانت نائبة رئيس إحدى الشركات للشؤون المالية، سارة*، التي سبق لي العمل معها، تستعد لإجراء مراجعة أداء قاسية مع فريد؛ إذ تشير سجلات أدائه إلى أنه كان أفضل مدراء الشركة، لكنه بدأ يتراجع في الأشهر الستة الأخيرة، على الرغم من التنبيهات المتكررة بأن أداءه بات مقلقاً. وقد أمضت سارة أسابيع في توثيق أخطائه والاستعداد لمحادثة حاسمة من طراز "إما أن تعدل مسارك وإما أن تغادر". وكانت تتوقع كل ذريعة قد يطرحها فريد، وتهيأت للرد عليها بالحقائق والأمثلة.

قبل المحادثة، أجرت سارة اختباراً سريعاً لحب الاستطلاع ووجدت أنها في منطقة "الرفض الواثق"؛ إذ كانت واثقة بأن فريد يركن إلى نجاحاته السابقة ويتجاهل محاولاتها لتحفيزه. وبعد أن عقدت النية على الانتقال إلى منطقة "الانفتاح الحذر" على الأقل، استخدمت القدرة التحفيزية التالية لحب الاستطلاع: "ما هي التحديات التي قد يواجهها فريد دون أن أكون على دراية بها؟".

أحدث هذا التحول البسيط فارقاً كبيراً؛ فقد فضلت سارة بدء المحادثة لا بالاتهامات، بل بأسئلة صادقة حول التحديات التي يواجهها فريد الذي كشف خلال دقائق معدودة أنه كان يواجه في الخفاء تجربة شديدة القسوة؛ إذ كان يرافق زوجته في رحلة علاج السرطان، محاولاً في الوقت نفسه الحفاظ على صورته المهنية وتجنب تحميل الآخرين عبء مشكلاته. وقد غيرت أسئلة سارة مجرى المحادثة من قرار فصل غير مبرر إلى مسار مشترك لحل المشكلة، يشمل التوصل إلى ترتيبات وآليات دعم مؤقتة، ما أدى في النهاية إلى الاحتفاظ بموظف كفء وتعزيز العلاقة المهنية بين الطرفين.

في سياق آخر، كنت أعمل مع الفريق التنفيذي في شركة متوسطة الحجم بمجال التكنولوجيا. كانت الشركة تعيش حالة من الجمود بسبب خلاف حول مسألة تأجيل إطلاق النسخة الجديدة من برنامجها 6 أشهر. أصر فريق الهندسة على حاجته إلى مزيد من الوقت، بينما كان قسم التسويق يؤكد أن الفرصة المتاحة لدخول السوق توشك على الضياع. ومع اقتراب النقاش من لحظة الانفجار، طلب رئيس فريق الهندسة، عدنان، استراحة لمدة 10 دقائق، وطلب من فريقه أن يجري اختباراً شخصياً سريعاً لمستوى حب الاستطلاع لديه. وعند استئناف الاجتماع، بدأ عدنان بالاعتراف بأنهم كانوا يقللون من شأن استعجال قسم التسويق، ثم طلب منهم أن يوضحوا الضغوط السوقية التي يواجهونها.

كشفت هذه المبادرات التطويرية البسيطة عن بيانات جديدة تتعلق بعروض المنافسين، وهي معلومات أقنعت عدنان وفريقه بأن النهج الأساسي الذي اختاروه سيكون بطيئاً للغاية. وبنهاية الاجتماع، نجح الفريقان في التوصل إلى حل إبداعي: إطلاق مرحلي يسمح بطرح بعض الميزات الجديدة في وقت أقرب من المخطط له، مع تخصيص وقت أطول لفريق الهندسة لاختبار الميزات المعقدة وضمان جاهزيتها.

في زمنٍ يفيض بالمعلومات لكنه يفتقر إلى الرؤى الثاقبة، قد يغدو حب الاستطلاع أعظم ما تملكه من مزايا تنافسية. فمثلما لا تغامر بالسفر في طائرة لم تخضع لفحص ما قبل الإقلاع، ينبغي ألا تخوض محادثة مصيرية دون أن تتحقق مسبقاً من استعدادك الذهني الأهم، ألا وهو حب الاستطلاع. فالسؤال الحقيقي لا يتمحور حول مواجهة خلاف أو مقاومة في محادثتك المهمة المقبلة، بل حول استعدادك الذهني لتحويل تلك المواجهات إلى الرؤى الثاقبة وعمل بناء.

حب الاستطلاع خيار شخصي، ويبدأ هذا الخيار قبل أن تتفوه بأي كلمة. فمن خلال إجراء تقييم صادق لموقعك على منحنى حب الاستطلاع وعقد النية على الانتقال نحو قدر أكبر من الانفتاح واستخدام محفزات حب الاستطلاع الموجهة، يمكنك أن تحول أصعب تفاعلاتك من معارك ينبغي الانتصار فيها إلى فرص للاكتشاف المتبادل وحل المشكلات بالتعاون.

* حرصت على تغيير الأسماء وبعض التفاصيل في المقال حفاظاً على الخصوصية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي