اجتذاب أصحاب المواهب في ظلّ نقص الموظفين

6 دقائق
اجتذاب أصحاب المواهب
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يشهد سوق العمل في الولايات المتحدة حالة تناقض متمثلة في ارتفاع معدلات البطالة ونقص أعداد الموظفين في آن معاً. فكيف يمكننا اجتذاب أصحاب المواهب في سوق العمل هذا؟ بالنسبة للموظفين الساعيين الذين يعملون في وظائف بأجور متدنية، فإن إمكانية الوصول السهل إلى مواقع العمل من أهم محركات عملية التوظيف الفعّالة وغالباً ما نتجاهلها. بينت الأبحاث أن الاختلافات الجغرافية البسيطة ضمن مجموعة المواهب المتاحة والوظائف الشاغرة يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة حتى إن كانت ضمن مدينة واحدة، لذا يجب التفكير في طرق لتحسين إمكانية الوصول وتخفيض وقت التنقل في المواصلات. وبتصميم أسبوع العمل الذي يتكون من 40 ساعة عمل على اعتباره 4 ورديات تتألف كل واحدة منها من 10 ساعات عمل بدلاً من أسبوع العمل التقليدي الذي يتألف من 5 أيام، سنتمكن من تخفيض وقت التنقل الذي يقضيه الموظفون في المواصلات بنسبة 20%. وإبعاد وقت بدء الوردية عن ساعات الازدحام سيزيد عدد الأشخاص الذين يمكنهم قطع رحلة ضمن إطار زمني محدد للوصول إلى مؤسستك. زد على ذلك، أن الموظفين يرغبون في ضمان سلامتهم عند العودة إلى العمل، لذا خذ جائحة “كوفيد-19” على محمل الجد ووضح لهم الطرق التي ستتبعها لحمايتهم. وأخيراً، اخرج عن معايير السوق واعترف بأنه في ظلّ نقص الموظفين لا بد من رفع الأجور واتخاذ الترتيبات الأخرى (مثل الاستثمار في رعاية الأطفال) من أجل اجتذاب أصحاب المواهب إلى العمل في مؤسستك.

حتى شهر أبريل/نيسان من عام 2021، سجلت الولايات المتحدة رقماً قياسياً في عدد الوظائف الشاغرة الذي زاد على 9 ملايين وظيفة. تبين التقارير الحديثة أن أصحاب العمل في البلاد يواجهون صعوبات في التوصل إلى طرق لملء الشواغر لديهم في حين تشهد الولايات المتحدة حالة تناقض متمثلة في ارتفاع معدلات البطالة ونقص أعداد الموظفين في آن واحد.

تشير المحادثات التي نجريها مع عملائنا إلى أن شغل الوظائف ذات الأجور المتدنية والوظائف الساعية تحديداً هو الأصعب. كيف يمكنك اجتذاب أصحاب المواهب الذين يتمتعون بجودة عالية في سوق عمل يتحدى أنماط العمل الراسخة؟ إليك بعض المجالات التي يمكنك البدء منها.

الطرق القديمة لن تجدي نفعاً

بعد فترة قصيرة من حالات التسريح التي شهدناها نتيجة لانتشار الجائحة، توقع بعض قادة الفكر أن يظهر سوق أصحاب العمل من جديد. في مقال نشر في مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” بعد عدة أشهر من فرض حالة الإغلاق العام، حذرنا من الاتكال بشدة على المعايير العامة القديمة في توقع تأثير جائحة كوفيد على نتائج التوظيف، وقلنا إن سوق العمل التالي لن “يشبه أي شيء رأيناه منذ ولادة الرأسمالية الحديثة”.

واليوم، أيضاً نرى أن عدداً من الشركات التي تحدثنا إلى قادتها تعتمد بشدة على الأساليب التقليدية في وضع توقعاتها فيما يتعلق بسوق العمل، ما يقلص فعالية حلول التوظيف التي تستخدمها. مثلاً، قال لنا عدد من قادة الشركات إنهم يتوقعون أن تُحلّ غالبية مشكلات التوظيف المتعلقة بالجائحة لديهم ما إن يتم تفعيل برنامج تعويضات البطالة مجدداً. لكن تبين ورقة عمل جديدة تتمعن في تأثير التعويضات الفدرالية للبطالة الناجمة عن الجائحة أن زيادة تعويضات البطالة بنسبة 10% سببت انخفاضاً بنسبة 3.6% في طلبات التوظيف. على الرغم من أن هذا الانخفاض كبير، يرى بعض أصحاب العمل الذين تحدثنا إليهم أن زيادة طلبات التوظيف بنسبة 3.6% ستحلّ جميع مشكلات التوظيف لديهم.

بناء على ذلك، تبدأ استراتيجية التوظيف الناجحة بالإقرار بأنك لن تتمكن من حلّ مشكلات التوظيف الحالية في شركتك عن طريق تطبيق الحلول التي كانت مستخدمة في الماضي. آن الأوان لإعادة النظر في افتراضاتنا الأساسية السابقة وإجراء اختبار الضغط عليها واحداً تلو الآخر. فلنراجع بعض العوامل التي يحتمل أن يكون لها الأثر الأكبر على استراتيجية التوظيف في شركتك.

احرص على تيسير أمور الموظفين المضطرين لركوب المواصلات

بالنسبة للموظفين الساعيين الذين يعملون في وظائف بأجور متدنية، فإن إمكانية الوصول الوصول السهل إلى مواقع العمل من أهم محركات عملية التوظيف الفعّالة وغالباً ما نتجاهلها. بينت الأبحاث أن الاختلافات الجغرافية البسيطة ضمن مجموعة المواهب المتاحة والوظائف الشاغرة يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، حتى إن كانت ضمن مدينة واحدة. إذ انتقل كثير من الأميركيين من أماكن سكنهم في أثناء السنة الماضية لأسباب تتعلق بالعائلة وجائحة كوفيد ويفكر المزيد منهم جدياً في الانتقال، وذلك يعني أنه من المحتمل أن تزداد تحديات التوظيف بالنسبة للشركات التي بقيت مقرات العمل فيها كما هي.

لكن ما مدى خطورة هذه المشكلة؟ يشير البحث الذي أجريناه بأنفسنا إلى أن زيادة بنسبة 1% في المسافة بين السكن والعمل ترتبط بتراجع يبلغ نسبة 4.4% في حركة السير بين المقاطعات في الولايات المتحدة، وأحد الآثار العملية لهذا الأمر بالنسبة لمدراء التوظيف هو أن القدرة على تعيين موظفين من مقاطعة أقرب إلى الشركة بنسبة 10% ستتيح العثور على عدد أكبر بنسبة 44% من الأشخاص الذين يركبون المواصلات بصورة طبيعية للتنقل إلى موقع هذه الشركة. بعبارة أخرى، من المفيد أن تصبّ اهتمامك على اجتذاب أصحاب المواهب ضمن منطقتك.

إذا كنت ترى تناقصاً في فعّالية الاستراتيجيات التي تتبعها لإدارة المواهب المحلية، فيجب أن تبحث عن طرق لتحسين إمكانية الوصول وتخفيض وقت التنقل في المواصلات. وبتصميم أسبوع العمل الذي يتكون من 40 ساعة عمل على اعتباره 4 ورديات تتألف كل واحدة منها من 10 ساعات عمل بدلاً من أسبوع العمل التقليدي الذي يتألف من 5 أيام، سنتمكن من تخفيض وقت التنقل الذي يقضيه الموظفون في المواصلات بنسبة 20%. وإبعاد وقت بدء الوردية عن ساعات الازدحام سيزيد عدد الأشخاص الذين يمكنهم قطع رحلة ضمن إطار زمني محدد للوصول إلى مؤسستك. يجب أن يدرك أصحاب العمل الذين أتاحوا العمل عن بعد ويفكرون في فتح مقرات العمل من جديد أن الأبحاث التجريبية قيّمت خيار العمل عن بعد بنسبة 8% من الأجر بالنسبة للباحث العادي عن عمل.

كما أنه من الممكن التفكير في تقديم خدمات النقل أو دفع تعويض نفقات التنقل للموظفين الذين يقطعون مسافات طويلة أو منح حوافز نقل مكان السكن أو فتح مقرات عمل فرعية. على المدى الطويل، يجب أن تدرك أنه من الصعب تعويض قدرة أصحاب المواهب العظيمة على الوصول إلى مقر العمل عندما يسهم الموظفون بحصة كبيرة من خلق القيمة في الشركة، لذلك يجب أن تتبع معايير إمكانية الوصول في اختيار مواقع العمل المستقبلية.

اخرج عن معايير السوق

بدلاً من التركيز على الممارسات السابقة أو الحلول التي تستخدمها الشركات الأخرى، يمكنك حلّ مشكلاتك المتعلقة بالمواهب عن طريق حساب ما ستجنيه مؤسستك من الحلول المناسبة.

وتكييف أجور الموظفين مع تكاليف المعيشة هي نقطة انطلاق جيدة. في سنة 2020 وحدها، شهد متوسط الإيرادات الحقيقي في الساعة انخفاضاً بنسبة تزيد على 3%. كانت إحدى المؤسسات التي عملنا معها تدفع لمندوبي الخدمات لديها أجراً يبلغ 30 ألف دولار سنوياً، وهو الأجر نفسه الذي تدفعه لهم منذ 20 عاماً. ذهل الرئيس التنفيذي عندما أدرك أن الأجر الذي يكافئ التضخم الحالي يبلغ 45 ألف دولار سنوياً، ورفع الأجور لتتطابق مع هذا الرقم. وفي الأشهر الماضية، اتبعت بعض الشركات الكبيرة مثل “أمازون” و“بنك أوف أميركا” و“ماكدونالدز” نهجاً مماثل، ورفعت أجور ما يزيد على 500 ألف موظف وفقاً لتقديراتنا.

وبالمثل، حاول أن تحدد المرشحين الذين سيشكلون أفضل الموظفين وابتكر في الخروج عن معايير السوق لاجتذابهم. على سبيل المثال، تكون النساء أكثر ولاء ويمكن الاعتماد عليهن بدرجة أكبر من الموظفين الرجال، لكن بما أن أعباء رعاية الأطفال تقع على عاتق الأمهات فقد حدّت جائحة “كوفيد-19” من عدد النساء اللائي يمكنهنّ التقدم إلى الوظائف الشاغرة. يمكن لأصحاب العمل الاستفادة من مجموعة المواهب هذه بالتشارك مع مقدمي خدمات رعاية الأطفال اليومية ورعاية الأطفال بعد المدرسة وخدمات التوصيل لمساعدة الموظفات اللائي لديهنّ أطفال على التعامل مع مسؤوليات العمل والمنزل. صحيح أن هذا قد يتضمن بعض الاستثمارات الإضافية، لكن يمكنك التفكير فيه على النحو التالي: كم تكلفك خسائر الإيرادات أو معدلات الإنهاك المرتفعة بين الموظفين؟

تتنازع شركات كثيرة على نفس المجموعة المحدودة من المرشحين الذين يلبون جميع المقاييس، ويمكنك اكتساب ميزة تنافسية في السوق المحلي بتصيّد أصحاب المواهب في الأماكن التي لا تبحث الشركات الأخرى عنهم فيها. مثلاً، تتراجع نسب توظيف الموظفين الأكبر سناً بدرجة كبيرة وهم أكثر تأثراً بحملات التسريح المرتبطة بجائحة كوفيد مقارنة بالموظفين الأصغر سناً. في مراجعة أجريناها مؤخراً لمجموعة واسعة من المؤلفات حول أبحاث سوق العمل تبدأ من ستينيات القرن الماضي، تبين أن الموظفين الأكبر سناً يتمتعون بمعدلات إنتاجية أعلى مما تظنه شركات كثيرة.

استثمر في إجراءات الأمان المتعلقة بكوفيد

سيتردد الموظفون في العودة إلى العمل ما داموا خائفين على أنفسهم من الإصابة بكوفيد. والأنباء الجيدة هي أننا تعلمنا الكثير على مدى السنة الماضية حول طرق حماية الموظفين والحفاظ على سلامتهم.

في ورقة عمل جديدة، درست خبيرة الشؤون الاقتصادية في جامعة “شيكاغو”، كيسي موليغان، تأثير سياسات الحماية من الإصابة بمرض كوفيد على معدلات الإصابات في المدارس والمستشفيات ودور العجزة ومعامل الأغذية وصالونات الحلاقة وشركات الخطوط الجوية. وتقول موليغان: “في حين قد نفترض أن مكان العمل أقلّ أماناً إلا أن “معدلات الإصابة في أماكن العمل تراجعت لتصبح أدنى من معدلات الإصابة في المنازل بعد أن كانت أعلى منها بكثير”، وذلك بعد أن تمكنت الشركات من تطبيق توجيهات السلامة على نحو أفضل مع مرور الوقت”. هذا صحيح، فمعدلات الإصابة بكوفيد في أماكن العمل الآن أصبحت أدنى منها في المنازل، وربما كان ذلك لأن الكثير من الناس لا يلتزمون بسياسات الحماية منه بجدية كبيرة خارج مكان العمل.

لكن للأسف، مجرد إعلام الموظفين بهذه الأرقام لا يكفي لتهدئة مخاوفهم. ويمكن لأصحاب العمل اكتساب ثقة موظفيهم عن طريق الاستمرار باتباع أفضل الممارسات للحدّ من التعرض للإصابة بالمرض وتحمل مسؤولية قياس معدلات الإصابات والإفصاح عنها في العمل. كما يمكن للشركات العمل بالتشارك مع مزودي الخدمات الصحية لإجراء حملات الاختبار والتطعيم ضمن مقراتها، فتزيد بذلك ثقة موظفيها بأن بيئة العمل خالية من كوفيد.

تحديد مسارك

قد يتمثل أصعب جزء من عملية تحسين نتائج التوظيف في إقناع المؤسسة بإجراء تغييرات كبيرة على استراتيجية تعيين الموظفين الجدد، وستكون بعض الاستراتيجيات التي ناقشناها آنفاً صعبة التنفيذ. لكن تذكر أنها لو كانت سهلة لكانت طُبقت بالفعل في مؤسستك والمؤسسات الأخرى التي تتزاحم للحصول على الموظفين المتاحين في السوق واجتذاب أصحاب المواهب.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .