موظفوك أكثر ولاءً مما تظن

5 دقائق

ملخص: تنتشر الشائعات والأفكار في عالمنا دائماً انتشار النار في الهشيم، ولعلّ أهم ما انتشر اليوم هو أن ظاهرة تغيير الوظائف أصبحت شائعة بشكل متزايد في الولايات المتحدة، في حين يصعب إقامة علاقات عمل طويلة الأمد. لكن أظهر بحث جديد أن القصة باتت أكثر تعقيداً مما نظن. ويؤكد بحث صدر مؤخراً عن “المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية” (إن بي إي آر) في الولايات المتحدة أن نسبة العمال الذين تقل مدة توليهم وظائفهم عن سنة واحدة انخفضت من حوالي 18-20% في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين إلى حوالي 16% في السنوات الأخيرة. في الوقت نفسه، زادت نسبة العمال الذين قضوا أكثر من 20 عاماً في وظائفهم من حوالي 8-9% في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين إلى حوالي 10% في السنوات الأخيرة. والسؤال الذي يطرح نفسه عند النظر إلى تلك الإحصائيات هو: لماذا تنتشر فكرة تغيير الوظائف على نطاق واسع؟ السبب الأول لذلك واضح للغاية، وهو أن الموظفين الذكور يلتزمون مع أصحاب عملهم فترات زمنية أقصر. ويتمثّل السبب الرئيس الثاني وراء فكرة ميل الموظفين إلى تغيير وظائفهم بشكل متكرر إلى الأفكار التي تتناقلها الأجيال والتي تصنّف جيل الألفية على أنه جيل التنقل بين الوظائف. وتوجد في الواقع مجموعة من الدراسات والاستقصاءات التي أجريت مؤخراً والتي تدحض ذلك الرأي، لكن يبدو أن إدراك الأفراد لمدى بطلان تلك الأفكار قد يستغرق وقتاً طويلاً.

 

تنتشر الشائعات والأفكار في عالمنا دائماً انتشار النار في الهشيم، ولعلّ أهم ما انتشر اليوم هو أن ظاهرة تغيير الوظائف أصبحت شائعة بشكل متزايد في الولايات المتحدة، في حين يصعب إقامة علاقات عمل طويلة الأمد. لكن أظهر بحث جديد أن المشكلة أكثر تعقيداً مما نظن؛ وبالنظر إلى وضع الاقتصاد بشكل عام، لو قيّم قادة شركات الجيل الماضي وضع الشركات الأميركية اليوم لحسدوها ربما على معدلات تغيير الوظائف المنخفضة التي تتمتع بها. لذلك، يجب على مدراء التوظيف الأذكياء اجتثاث الأوهام الشائعة حول مدة تولي الوظائف من عقولهم والتركيز على الحقائق التي توضحها البيانات بالفعل من أجل زيادة ولاء موظفيهم. وعندها فقط يمكنهم تصميم استراتيجيات استبقاء ناجحة تماماً.

بشكل عام، يغيّر العمال وظائفهم بنسبة أقل اليوم مقارنة بمعدل التغيير قبل 30 عاماً أو أكثر. ويؤكد بحث صدر مؤخراً عن “المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية” (إن بي إي آر) في الولايات المتحدة من إعداد رافين مولوي وكريستوفر سميث وأبيغيل وزنياك أن نسبة العمال الذين تقل مدة توليهم وظائفهم عن سنة واحدة انخفضت من حوالي 18-20% في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين إلى حوالي 16% في السنوات الأخيرة. في الوقت نفسه، زادت نسبة العمال الذين قضوا أكثر من 20 عاماً في وظائفهم من حوالي 8-9% في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين إلى حوالي 10% في السنوات الأخيرة.

لماذا تنتشر فكرة تغيير الوظائف على نطاق واسع؟

والسؤال الذي يطرح نفسه عند النظر إلى تلك الإحصائيات هو: لماذا تنتشر فكرة تغيير الوظائف على نطاق واسع؟ السبب الأول لذلك واضح للغاية، وهو أن الموظفين الذكور يلتزمون مع أصحاب عملهم فترات زمنية أقصر. على سبيل المثال، حافظ 32% من المهنيين الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و64 عاماً على وظائفهم مدة 20 عاماً أو أكثر في الثمانينيات من القرن العشرين. لكن انخفضت تلك النسبة إلى 21% بحسب الدراسة التي أجراها مولي وآخرون. يعود سبب الانخفاض جزئياً إلى تراجع التوظيف في قطاع التصنيع في الولايات المتحدة وانخفاض معدلات انضمام الموظفين إلى النقابات؛ والأمر نفسه ينطبق على القطاع الخاص بأكمله أيضاً.

ويتمثّل السبب الرئيس الثاني وراء فكرة ميل الموظفين إلى تغيير وظائفهم بشكل متكرر إلى الأفكار التي تتناقلها الأجيال والتي تصنّف جيل الألفية على أنه جيل التنقل بين الوظائف. وتوجد في الواقع مجموعة من الدراسات والاستقصاءات التي أجريت مؤخراً والتي تدحض ذلك الرأي، لكن يبدو أن إدراك الأفراد لمدى بطلان تلك الأفكار قد يستغرق وقتاً طويلاً.

وينطوي السبب الثالث وراء شعور الشركات بأن استبقاء الموظفين هو مهمة صعبة على سوق العمل القوي في الولايات المتحدة. قد تكون الاستقالات الطوعية منخفضة مقارنةً بفترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، لكنها في أعلى مستوى لها حالياً منذ 15 عاماًً، ربما نتيجة الفرص غير العادية التي يقدمها أصحاب العمل لجذب الموظفين إلى شركاتهم بعد انخفاض معدلات البطالة. وما يعزز تلك الفكرة هو انتشار ظاهرة تغيير الوظائف على نطاق واسع في القطاعات ذات المكانة العالية والظهور العالي، مثل شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون، وشركات الاستشارات الإدارية، والشركات المالية، التي يتسارع فيها التنافس الجاد لاستقطاب المواهب.

وعلى الرغم من أن ظاهرة تغيير الوظائف قد لا تكون شائعة كما يعتقد كثير من الناس، تشير التوجهات إلى أنه يجب على أصحاب العمل الاستعداد لمستقبل قد يصبح تغيير الوظائف فيه الوضع الطبيعي الجديد، على الأقل لفترة من الوقت.

كيف يجب على قادة الشركات الاستعداد إذاً؟

يجب عليهم أولاً إلقاء نظرة فاحصة على نماذج التوظيف للتأكد من أن تكون جذابة للموظفات، إذ أصبحت النساء أكثر ميلاً للالتزام بأصحاب عملهن في العقود الأخيرة. ووفقاً لدراسة “المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية” (إن بي إي آر) المشار إليه سابقاً، زادت نسبة النساء العاملات في الوظائف الإدارية أو الفنية أو المهنية الأخرى الذين تتراوح أعمارهن بين 40 و64 عاماً والذين عملن مع نفس أصحاب العمل لمدة 20 عاماً أو أكثر بنحو 5 نقاط مئوية منذ الثمانينيات من القرن العشرين. وانخفضت النسبة نفسها للرجال خلال الفترة نفسها بمقدار 10 نقاط مئوية. اعتادت النساء في الماضي قضاء فترات أقل بكثير في وظائفهن مقارنة بالرجال في معظم القطاعات. لكن، لم يعد ذلك هو الحال. وإلى جانب تقدم الأفراد في قوة العمل في العمر (أولئك الذين يميلون إلى زيادة مدة توليهم الوظائف)، يشكّل ميل النساء المتزايد للبقاء مع أصحاب عملهن العامل الرئيس الذي يؤدي إلى الزيادة في المدة الإجمالية لتولي الوظائف في سوق العمل.

لكن لسوء الحظ، قد تواجه بعض الشركات صعوبة عند استخدامها أنماط التوظيف القديمة التي لا تعكس ذلك التوجه. على سبيل المثال، أخبرنا مسؤول التوظيف في إحدى الشركات المصنعة لكراسي المكاتب التي عملنا معها أنهم واجهوا صعوبات في العثور على عمال يتمتعون بالولاء. وتمكنا عند مراجعة بياناتهم من إظهار أن العاملين الأكثر إنتاجية وولاءً لديهم كنّ من النساء، لكن نسبة ضئيلة فقط من قوتهم العاملة كانت من النساء. وعندما سألنا مدير المصنع عن سبب ذلك، اعترف بأن نموذج التوظيف يفضّل عادة المتقدمين الذكور، على افتراض أن الوظيفة تتضمن بعض مهام حمل أوزان ثقيلة، حتى لو لم يقدم المرشح أي أمثلة عن قدرته على حمل أوزان ثقيلة في المناصب التي شغلها في السابق.

ويتمثّل التوجه الثاني الذي يمكن لأصحاب العمل الاستفادة منه في انخفاض معدل تنقّل الأميركيين إلى ولايات أو مدن أخرى. ففي عام 2019، وللمرة الأولى منذ بدء رصد معدلات التنقل قبل حوالي 70 عاماً، غيّر أقل من 10% من السكان أماكن سكنهم، ومن بينهم حتى نسبة قليلة انتقلت إلى ولايات أخرى. كما أصبح التنقل بين مقاطعتين داخل الولاية نفسها أقل شيوعاً مما كان عليه قبل جيل أو جيلين. ويقترن ذلك التوجه بحقيقة رغبة الباحثين عن عمل في أن يُبدوا ولاءهم لشركة واحدة، بمن فيهم جيل الألفية. ويمتلك أصحاب العمل الذين هم على استعداد للاستماع إلى موظفيهم وتقديم ما يبحثون عنه فرصة حقيقية لتحسين معدلات استبقائهم بالفعل.

ثالثاً، يمكن لأصحاب العمل مراجعة مقدار التعويضات التي يقدمونها للموظفين. لا تجعل نسبة التعويضات مستندة إلى المعايير التقليدية في القطاع، فالتعويضات هي قضية بالغة الأهمية للموظفين، وليس من الصدفة أن تُصنّف قطاعات البيع بالتجزئة والخدمات الغذائية والترفيه من بين القطاعات الخمس الأدنى فيما يتعلق بمعدلات الاستبقاء، فضلاً عن أن تلك القطاعات الثلاثة تقدم أدنى متوسط للأجور. بدلاً من ذلك، قدّم التعويضات التي يستحقها المنصب بحسب وجهة نظرك، وتأكد من تكييف الراتب والمزايا التي ستقدمها للموظفين مع ظروف سوق العمل المحلية. وتذكر أن العوامل المحلية مهمة، إذ أصبح الأميركيون أقل ميلاً للتنقل مسافات طويلة بحثاً عن وظائف جديدة.

أخيراً، لا تصدق فكرة الارتفاع الحتمي لظاهرة تغيير الوظائف بين جيل الألفية، ولا تتخلى عن محاولة إيجاد حلول لتحديات الاستبقاء بعد أي معوقات بسيطة تواجهها. على سبيل المثال، رفض رؤساء أحد مصانع المخبوزات إبرام عقد مهم طويل الأجل لأنهم كانوا يخشون من عدم تمكنهم من عكس معدلات الاستبقاء المتراجعة. لا يزال بالإمكان تحقيق معدلات استبقاء عالية عندما تُبدي اهتماماً خاصاً بالموظفين المستهدفين والظروف المحلية. وتذكّر أن 95% من جميع الشركات المدرجة على قائمة “فورتشن 500” واصلت أعمالها في ظل أوقات كانت معدلات استبقاء الموظفين فيها منخفضة بشكل عام، ولا ضير في اتباعك الأسلوب ذاته أيضاً!

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .