توقف عن إهدار المال على بناء الفريق

4 دقائق
طريقة بناء فريق العمل
shutterstock.com/Andrey_Popov

تُعد معظم عمليات بناء الفريق في الشركات بمثابة إهدار للوقت والمال. أقول هذا الكلام استناداً إلى أكثر من 25 عاماً من البحث والممارسة في مجال فعالية الفريق، سبعة عشرة عاماً منها قضيتها مع شركة "مارس المتحدة" (Mars Inc)، الشركة العائلية العالمية التي تبلغ قيمتها 35 مليار دولار، وملتزمة بالتعاون. فما هي طريقة بناء فريق العمل الأفضل؟

طريقة بناء فريق العمل

عندما العديد من الشركات الاستثمار في بناء الفرق تقرر عادة إقامة فعاليات خارج الشركة مثل الذهاب للعب البولينغ أو دورات القفز بالحبال. أحياناً تصبح هذه الفعاليات أكثر تعقيداً، إذ أخبرني أحد مدراء المبيعات والتسويق الذين أعرفهم كيف سافر إلى العاصمة البريطانية لندن برفقة 20 من زملائه وأقاموا في فندق فخم، ثم تدّربوا على أداء رقصة الهاكا -وهي رقصة حرب قديمة- على يد مجموعة من أعضاء قبيلة الماوري النيوزلندية. كان يهدف هذا التدريب إلى بناء العلاقات وتعزيز روح الفريق وبالتالي تعزيز التعاون. وبدلاً من ذلك، أثار التدريب مشاعر الإحراج والسخرية. وبعد شهور، جرى بيع هذا القطاع الفاشل من الشركة حيث كان يعمل فريق العمل هذا.

لم تكن شركة مارس محصنة ضد هذه الفكرة التقليدية؛ فقبل أن نلتزم بدراسة التعاون بشكل مكثف، فعلنا أشياء من هذا القبيل أيضاً. ذات مرة، أنفقنا آلاف الدولارات للاستعانة بأوركسترا لقضاء ساعة مع مجموعة من كبار المديرين في مكان هادئ خارج الشركة ومساعدتهم على العمل معاً في تناغم. كانت خطوة لطيفة وتجربة مثيرة للاهتمام، لكنها لم تغير شيئاً في كيفية عمل هذه المجموعة من المديرين مع بعضهم بعضاً.

ربما تجعل هذه الفعاليات الأشخاص يشعرون بالقرب لبعض الوقت، ويمكن للمشاعر المشتركة أن تربط بينهم، لكن هذه الروابط لا تصمد أمام الضغوط اليومية في منظمة تركز على تحقيق النتائج.

وفي عام 2011، قرر كبار مدراء الموارد البشرية في مارس أن ندرس قوتنا العاملة العالمية، وأن نحاول كسر شفرة كيفية زيادة فعالية الفريق. وكشفت الأبحاث الناتجة -والتي كنت أقودها- أن معظم ما اعتقدناه نحن وآخرون عن بناء الفريق كان خاطئاً. الأهم من ذلك، علمنا أن التعاون الجيد لا يبدأ من العلاقات والثقة، بل يبدأ من التركيز على التحفيز الفردي.

واعتمدت أبحاثنا على بيانات من 125 فريقاً، وشملت استبيانات ومقابلات مع مئات من أعضاء الفرق. سألنا -من بين أمور أخرى- عن مدى وضوح الرؤية لدى الأفراد بشأن أولويات الفرق وماهية أهدافهم الخاصة وأهداف الآخرين، وما أكثر شيء كانوا يشعرون بالثقة تجاهه وأكثر شيء كانوا قلقين منه. وإذا كان هناك موضوع واحد بارز من هذه المقابلات يستحق الوقوف عنده، فإنه يتلخص في تلك المشاعر الرائعة التي عبر عنها أحد المشاركين قائلاً: "أحب زملائي في الفريق وأقدّرهم للغاية، وأعلم أنه ينبغي علينا أن نتعاون أكثر، لكننا لا نفعل ذلك".

وكشفت هذه الاستبيانات أن أعضاء الفرق شعروا بوضوح أكبر للرؤية تجاه أهدافهم الفردية، وتملكهم إحساس قوي بملكية العمل الذي كانوا مسؤولين عنه. ولإجراء المزيد من التقصي، لجأنا إلى مصدر آخر وحللنا بيانات سنوات عديدة من الدراسات الاستقصائية عن القيادة في شركة مارس. وكانت أكبر نقطتي قوة جرى تحديدهما في هذه الدراسات هما "المنظور العملي" و"التركيز على النتائج". أصبحت الصورة أكثر وضوحاً: كانت شركة مارس مليئة بأشخاص يحبون الانشغال في مهام ومسؤوليات تُذكر أسماؤهم بجانبها. لقد كان عمل يمكنهم فعله بشكل جيد للغاية وتحقيق نتائج دون تعاون. علاوة على ذلك، جرى التأكيد على هذه النتائج من جانب مديريهم ونظام تقييم الأداء.

أسباب فشل التعاون بين الموظفين

وتبين لنا أن فشلهم في التعاون كان -لسخرية القدر- نتيجة لتفوقهم في الوظائف التي جرى تعيينهم لأدائها ولتعزيز الإدارة لهذا التفوق. من ناحية أخرى، كان التعاون هدفاً مثالياً لكنه غامضاً ودون شروط أو قواعد محددة. الأكثر من ذلك، كان يُنظر إلى التعاون بأنه فوضوي، إذ إنه قلل من المساءلة وقدّم القليل من المكافآت الملموسة.

واستناداً إلى هذه الرؤية، طوّرنا إطاراً لجعل التعاون واضحاً ومحدداً وجذاباً؛ لنجعل التعاون شيئاً يجب تحقيقه. وفي جوهر هذا الإطار كان هناك سؤالان يُطرحان على أي فريق. السؤال الأول هو: لماذا يُعد تعاونهم ضرورياً لتحقيق نتائج أعمالهم؟ والثاني هو: ما هو العمل والمهام المحددة التي تتطلب التعاون لتحقيق تلك النتائج؟

كانت لدينا فرصة اختبار إطار عملنا في أوائل عام 2012 مع فريق قيادة مركز مارس لرعاية الحيوانات الأليفة في الصين. وعلى مدار يومين طرحنا أسئلتنا واستخلصنا التفاصيل. قضينا اليوم الأول بأكمله في صراع للحصول على إجابات عن أسئلتنا. كانت ردود الأفعال الأولية هي الاستياء والإحباط: ماذا كنت أعني بـ"ضرورية لتحقيق أهداف الشركة". أعدنا صياغة السؤال ليصبح: لماذا يُعد عملكم معاً كفريق أكثر قيمة من مجرد مجموع جهودكم الفردية؟ وأدى ذلك إلى استمرار المحادثة، وقضينا ثلاث ساعات في نقاش حول ما أطلقنا عليه "هدف الفريق". واتفقوا أخيراً أن هدفهم سيرتكز على تطوير الأفراد ونشر استراتيجيتهم الجديدة في جميع أنحاء الشركة.

وكان السؤال الثاني حول جوانب العمل التي تتطلب التعاون أكثر إثارة للجدل. شعر أحد المديرين على وجه الخصوص أنه بحاجة إلى أن يُترك في حاله، وأنه لا يجب أن يعهد بأي من المهام التي كان مسؤولاً عنها إلى أحد أقرانه. أصبح النقاش أكثر سخونة، لكن أقرانه تفوقوا عليه في نهاية المطاف. وفي نهاية الأمر، كنا قادرين على تصنيف قائمتنا من المشروعات إلى مشروعات يمكن أن يقوم بها الأفراد ومشروعات من شأنها أن تنجز بشكل أفضل بتعاون الأفراد.

ركّز يومنا الثاني على المساءلة. واتفق المشاركون على بناء التزاماتهم التعاونية في أهداف الأداء الفردية الخاصة بهم، ثم  اشتركوا في صياغة قائمة من السلوكيات التي توقعوها من بعضهم دعماً لتلك الالتزامات واتفقوا على كيفية مساءلتهم عنها) في مرحلة ما قارنا وناقشنا أنواع شخصياتهم حسب مؤشر مايرز بريغز. ودامت تلك المناقشة عن العلاقات لمدة 15 دقيقة قبل أن يحثوني على العودة إلى المناقشات عن كيفية عملهم معاً. واعتقدت أن ذلك كان يشي بالكثير عن الأمر). وأنهينا يومنا بأعداد خطة لكيفية حفاظهم على التقدم الذي حقنناه خلال اليومين معاً.

تحدثت مع المدير العام لمركز مارس لرعاية الحيوانات الأليفة في الصين بضع مرات على مدار السنة التالية. وخلال محادثتنا الأخيرة علمت بأن المركز حقق نمواً بنسبة 33%، وهو إنجاز مذهل. وارتفعت قيمة علامتهم التجارية الرئيسية لأطعمة الكلاب بنسبة 60%. وكانت هذه هي المرة الأولى خلال ثماني سنوات التي يلبون فيها التزاماتهم المالية للشركة الأم. كيف ساهم عملنا معاً في تحقيق تلك النتائج؟ أبلغني المدير العام قائلاً: "بشكل هائل". ركّز هدف فريقهم على تعاونهم في الأمور الأكثر أهمية للنتائج التي خططوا لها. والإحساس بالمساءلة عن عملهم معاً، استناداً إلى الاتفاقات التي صاغوها، جعلت علاقاتهم العملية مثمرة أكثر مما كانت.

في شركة "مارس"، تعلمنا أنه لكي تجعل الموظفين يعملون معاً؛ كان علينا أن نجعلهم يكتشفون بأنفسهم كيف يمكن لهذا الأمر أن يؤدي إلى تحسين النتائج.

نشرنا إطار العمل الخاص بنا الذي جرى تطويره واختباره رسمياً في وقت لاحق من عام 2012، مع تضمينه في برنامج واحد لتطوير الإدارة. وفي غضون عامين، انتشر هذا الإطار في جميع أنحاء الشركة.

وفي نهاية الحديث عن طريقة بناء فريق العمل، تُعد العلاقات القوية والثقة مهمة للتعاون، ولكنها ليست نقطة البداية. إنها نتاج تعاون الأفراد المتفانين مع بعضهمً. ويعد ربط التعاون بدوافع أعضاء الفريق التواق للنجاح هو مفتاح العمل الجماعي المثمر.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي