لا تقلق كثيراً من عدم إنجاز كل المهام المطلوبة قبل العطلة

6 دقيقة
كثرة المهام قبل العطلة

كما هو حال معظم الناس، أجد بأن الأسبوع الذي يسبق عطلتي هو أشبه بالكابوس بسبب كثرة المهام قبل العطلة، خاصة مع محاولتي لإنهاء كل الملفات المكدسة على مكتبي قبل أن أذهب. ظاهرياً، تبدو هذه فكرة جيدة - أنجز العمل المطلوب منك (ومثالياً أيضاً العمل الذي كنت ستنجزه خلال الوقت الذي ستذهب فيه في عطلة)، وبوسعك الذهاب إلى عطلتك مرتاح البال. لكنني أعتقد بأنني كنت أفكر في الأمر بالمقلوب تماماً.

فهذا الأمر لا يمنحك الحرية للاستمتاع بوقتك أثناء إجازتك بعيداً عن المكتب، وإنما ما يحصل عملياً هو أنك تسرق الطاقة التي تبذلها لمعالجة الملفات المكدّسة أمامك من المستقبل، ونتيجة لذلك، فإنك تحول الوقت المخصص للاسترخاء إلى وقت لاستعادة الطاقة المهدورة والتعافي.

ولا أحتاج سوى إلى العودة إلى آخر عطلة أخذتها لإثبات هذه النقطة لك. فهل سيبدو ما سأقوله لك الآن مألوفاً؟ كنت أعمل على إنجاز بعض المهام خلال مهل زمنية محددة (فرضتها على نفسي طبعاً)، وخلال الأيام الثلاثة التي تسبق تاريخ مغادرتنا، خصّصت من الوقت والجهد قدراً أكبر بكثير من المعتاد. وفي الليلة التي تسبق سفرنا، سهرت حتى وقت متأخر جداً إذ عملت حتى ساعات الفجر الأولى. وقد ساعدني احتساء القهوة والشعور بالإثارة على الانطلاق مبكراً في اليوم التالي، ولكن بحلول فترة ما بعد الظهر، كنت قد أنهكت تماماً. واحتجت إلى بضعة أيام لتعويض النقص في النوم، وخسرت الأوقات الممتعة التي كان يفترض بي أن أقضيها مع عائلتي، بعد أن اضطررت إلى النوم لساعات إضافية.

كما أن 3 أيام من عطلة مدتها أسبوع كامل ليست نسبة صغيرة. لا بل الأسوأ من ذلك، هو أنني كنت أقل انتباهاً وتركيزاً خلال هذه الأيام القليلة الأولى مقارنة مع ما أنا معتاد عليه. وبالتأكيد، لم أستفد إلى الحد الأقصى من ذلك الوقت الثمين والمهم الذي قضيته بعيداً عن العمل.

التعامل مع كثرة المهام قبل العطلة

أنا لا أدعوك هنا إلى أن تكون شخصاً متراخياً ومتكاسلاً خلال الأسبوع الذي يسبق العطلة. لكن كثيرين منا يسهرون الليالي الطوال لإنجاز العمل قبيل الانطلاق في عطلة، معتقدين خطأ بأننا سوف نعوض ذلك من خلال أخذ قسط من الراحة في أثناء تلك العطلة. لذلك حاول قدر استطاعك أن تجعل الأسبوع الذي يسبق موعد عطلتك أسبوعاً عادياً من حيث الجهد الذي تبذله أو الساعات التي تقضيها في العمل. ومن كان منكم سيقول: "أنا أجري بجد كبير طوال الوقت"، فإنه يعلم الفرق بين السرعة العالية والسرعة القصوى.

ثانياً، إذا لم تكن فكرة تنظيف أكوام الملفات المكدّسة على مكتبكم بالكامل قبل المغادرة جيدة، فسأقترح عليكم أيضاً أنه من غير الضروري تماماً أن تنفصلوا بالكامل عن العمل أثناء وجودكم في إجازة. لقد سبق لي أن كتبت مقالاً حول هذا الموضوع، ولن تندهشوا إذا علمتم بأنني تلقيت بسبب ذلك المقال أكبر عدد من رسائل الكراهية والإطراء من القراء. من وجّهوا سهام نقدهم إلى المقال كانوا من الأشخاص الذين يؤمنون بأن العطلة مقدسة، وبأن أي نوع من الاهتمام بالعمل خلال العطلة هو انتهاك لوقت يجب أن يقضيه المرء في تجديد طاقته.

أما الأشخاص الذين نظروا بعين التقدير إلى وجهة نظري فقد شعروا بأن هناك أخيراً شخصاً ما يمنحهم الإذن ببساطة لتفقد بريدهم الإلكتروني للتأكد ما إذا كانت هناك قضايا حساسة. والملفت في الأمر هو أن كلتا المجموعتين ضمّتا جميع أنواع المدراء التنفيذيين، والذين يتراوحون ما بين رواد الأعمال وكبار المدراء التنفيذيين في شركات مدرجة على قائمة "فورتشن 500" (Fortune 500): لم تكن هناك أي علاقة بين منصب الشخص أو دوره والموقف الذي اتخذه. لكن النقطة التي أحاول التأكيد عليها هنا هي أنه من الضروري تجاوز سؤال "هل أفعل هذا أم لا؟" للنظر فيما إذا كان اللجوء إلى حل وسط لن ينفع أكثر مما يضرّ.

من المهم أن تدرك أنه عندما ترضخ لذلك المفهوم الذي يبدو معقولاً ظاهرياً لسرقة اللحظة الغريبة من الوقت المخصص للاسترخاء في العطلة من أجل إنجاز بعض الأعمال، فإن ذهنك سيكون بعيداً تماماً كما لو أنك كنت حاضراً جسدياً في المكتب، كما يدرك وبشدة جميع من يرافقونك. وإذا كنت تشك في ذلك، فقط تخيل زوجتك أو أطفالك جالسين إلى مائدة العشاء وعيونهم شاخصة نحو الأسفل تنظر إلى هواتفهم المحمولة في نفس اللحظة التي يخطر لك فيها أمر ما مضحك أو مفاجئ أو مذهل وتريد مشاركته معهم.

والفكرة إذاً لا تكمن في تحريم الاحتكاك مع العمل، وإنما في وضع قواعد أساسية واضحة تحدد الزمن المناسب للتفاعل مع العمل، مع اعتراف صريح بأنك عندما تكون منخرطاً في العمل، فإنك فعلياً لست في عطلة، وإنما أنت فعلياً في العمل. وليس هناك طريقة صحيحة لفعل ذلك، ولكن إليك القاعدة الذهبية التي أؤمن بها: خلال عطلة مدتها أسبوع واحد، حاول قضاء 72 ساعة متواصلة على الأقل دون عمل، ودون رسائل إلكترونية، وإذا كنت تجرؤ على الابتعاد عن كل أنواع الشاشات فذلك أفضل. أما في حالة العطلات الأطول مدة، فحاول تعديل الزمن بحسب الوضع، أو حاول أن تتناوب بين الحالتين. بعد ذلك لا تقضي أكثر من 30 إلى 60 دقيقة في اليوم الواحد لتتفقد بسرعة المسائل العاجلة والملحة بحق. فذلك يسمح لك بأن تظل منفصلاً عن العمل خلال الفترة المتبقية من النهار ومحتفظاً بقدرتك على تفقد عملك.

عندما جربت ذلك، شعرت بصدمة كبيرة بعدما اكتشفت بأن تفقدي لبريدي الإلكتروني عبر هاتفي الذكي كان حالة انعكاسية أكثر منه حاجة ضرورية. طلبت من ابني الذي يبلغ من العمر 11 عاماً أن يأخذ هاتفي وألا يعطيني إياه إلا عندما كنا نحتاج إلى استعمال الإنترنت لتفقد أمر له علاقة ببعض ألعاب المسابقات التي كنا نلعبها أو لتفقد شيء له علاقة بمخططات عطلتنا. كما صدمت كثيراً عندما أدركت عدد المرات التي كنت أمد يدي فيها إلى هاتفي بحكم العادة تماماً، وليس بحكم الضرورة.

وذكّرت نفسي في تلك اللحظات المحرجة المتكررة برفع رأسي إلى الأعلى، وأخذ نفس عميق، ومراقبة أمر ما يحصل بجواري. وبعد أن أصبحت أقدر على التفاعل الكامل مع العالم المحيط بي، اكتشفت بأنني أحببت شعور عدم حملي لهاتفي لبضعة أيام. لقد منحني ذلك إحساساً بالحرية. وعندما عدت إلى هاتفي في الأيام المخصصة لتفقد العمل، كان من الأسهل تحاشي الانجرار وراء قاطرته التي تسحب وراءها سلسلة طويلة من الرسائل الإلكترونية.

نقطتي الثالثة هي في الوقت ذاته بديهية وحرجة، ويصعب جداً القبول بها. فلكي تكون قادراً بحق على الذهاب في عطلة أنت بحاجة إلى الاقتناع بأن العالم قادر على الاستغناء عنك خلال تلك الفترة. أنا لا أقول أنك شخص غير مؤثر، أو أن لا أحد سيفتقدك. ولكنني أحاول الإشارة إلى أن أي تأثير سلبي سيكون محدوداً وسيتلاشى سريعاً عند عودتك. وإليك ما أقصده بالضبط.

أنا أمتلك عملي الخاص، لذلك فإن مصلحتي أنا وعائلتي في نجاحه ليست قليلة أبداً. ومع ذلك، فإن الكثير مما يسمى "عجلة وإلحاحاً" والذي خلقته أنا لا يعتبر عاجلاً وملحاً على الإطلاق. كما أن الكثير من المهل النهائية أو التوقعات المتعلقة بالزبائن والموظفين و(الأصعب منهم كلهم) بي أنها قابلة للتفاوض. لقد قال لي أحد الزبائن قبل بضعة أشهر: "ليس لدي الوقت حقاً لأخذ هذه العطلة." إذا كنت تهزّ برأسك هنا، فهذا دليل على أنك بحاجة إلى التراجع خطوة إلى الوراء والتفكير بواقعية في كل المخاوف التي تشغلك.

وأنا أؤمن بأن تحويل هذه المخاوف إلى شيء ملموس، من خلال تجشم عناء وضع قائمة بهذه المخاوف، هو أمر مفيد. بعد ذلك فكر في أثر كل واحد منها، وأسوأ التبعات التي يمكن أن تترتب عليه. فإذا ما كنت شخصاً يشبهني، فأنا أتوقع بأنك سترى بأن إمكانية عدم التعافي منها نادرة. أضف إلى ذلك احتمال حصول أي شيء بأسوأ درجاته، وسوف تفكر بمنتهى الوضوح.

إقناع فريق العمل بأهمية الإجازة

إذا كان ذلك يمنحك شعوراً أفضل، فبوسعك أن تأخذ أقرانك ومرؤوسيك المباشرين، وحتى مديرك، في رحلة تفكير مشابهة، بحيث تطلب منهم التفكير في التبعات التي ستنجم عن ذهابك في إجازة، وفكر في السيناريوهات المحتملة، وكذلك في مدى احتمال حصولها. من جهة أخرى، ربما يكون كل ما تحتاج إليه هو شيء من التقليل من قيمة ذاتك. فعندما كنت أشغل منصب نائب الرئيس التنفيذي لإحدى شركات الاستشارات، اقترحت على أعضاء فريقي "الاتصال بي فوراً في حال كان هناك طارئ يتعلق بتطورات القيادة، وإلا فإن الأمر بإمكانه أن ينتظر حتى عودتي".

ربما احتجت إلى طمأنة نفسي بأنني قادر على المغادرة دون حصول تبعات كارثية بقدر ما كنت أيضاً وفي الوقت ذاته أسعى إلى تقوية أعضاء فريقي ليفكّروا بأنفسهم خلال غيابي. بالنسبة للعديدين منا، يعتبر العمل جزءاً حيوياً جداً من حياتنا إلى حد تصبح معه لدينا نظرة مشوهة تجاه أهميتنا الذاتية. وعندما نأخذ خطوة إلى الوراء، ونغيّر نظرتنا، فإننا نعطي أنفسنا الإذن بألا نكون، ولبعض الوقت، أشخاصاً لا يمكن الاستغناء عنهم. وأغلب الظن بأن العالم سيكون على ما يرام إذا غبت لأسبوع تقريباً.

ذات يوم قال الفيلسوف الروماني سينيكا: "الحياة طويلة بما يكفي وهي قد مُنِحت لنا بما يكفي من الكرم الذي يسمح بإنجاز أعظم الأشياء إذا ما أحسن المرء استثمارها بأكملها". تذكر هذه المقولة عند التصادم مع كثرة المهام قبل العطلة، واستثمر بحكمة في إجازاتك من خلال التحضير، وتغيير ذهنيتك، والحد من تفاعلك مع ما يجري في المكتب، وبوسعك توقع إنجاز أشياء عظيمة عندما تعود من العطلة، بعد أن تكون قد جدّدت شبابك حقاً.

اقرأ أيضاً: كيف تتجنب الإجهاد الذي يسبق الإجازة؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي