ملخص: عندما يصاب المرء بالاكتئاب، تنخفض طاقته ويقل نشاطه ويتعكّر صفو مزاجه. وكلما انخفض شعورك بالطاقة، قلّت قدرتك على الإنجاز، وازداد من ناحية أخرى شعورك بتدهور حالتك العاطفية، وهكذا تدخل في دوامة لا نهائية من التبعات السلبية. وحينما تحافظ على إنتاجيتك، فإن هذا سيساعدك على وضع حدٍّ لهذه الدوامة السلبية وقلب الأمور رأساً على عقب. وتقدم كاتبة المقالة 5 استراتيجيات لكيفية وقف هذه الدوامة والمضي قدماً: 1) كقاعدة عامة، حاول العثور على مصدر للإنجاز وآخر للمتعة كل يوم، صباحاً وعصراً ومساءً. 2) ابحث عن نقطة التوازن بين الامتناع التام عن العمل والمبالغة في توقع الأعمال المطلوب إنجازها. 3) بدّل بين المهمات السهلة والمتوسطة والصعبة. 4) اكتسب عادة العمل العميق لتقليل حاجتك لضبط النفس. 5) فكّر في الحصول على علاج لصحتك العقلية.
خضتُ تجربة مريرة على مدار العامين الماضيين حاولتُ خلالهما علاج نسبة الخصوبة لديّ بُغية إنجاب طفل ثانٍ، ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل الذريع. وسأهوّن من الأمر إذا قلتُ إن التوتر والحزن الناجمين عن هذه المحاولات الفاشلة قد أثرا سلباً على حالتي المزاجية وإحساسي بالقلق. فقد كان من الصعب ألا أدخل في حالة عنيفة من الجزع الشديد والشعور بالاكتئاب لفترات من الزمن. وعلى الرغم من ذلك، فقد تمكنت من الحفاظ على مستوى معقول من الأداء الوظيفي والإنتاجية. كيف ذلك؟ باستخدام نصائح من تدريباتي في علم النفس التي يسرني أن أوجزها هنا.
إذا شعرت بالاكتئاب، فإن مهمتك الأولى هي الاعتناء بنفسك، فالإنتاجية مسألة ثانوية بالنسبة لصحتك العقلية. وعلى الرغم من ذلك، فإن تعلم كيفية الحفاظ على قدراتك الإنتاجية عندما تشعر بالإحباط سيساعدك على التعافي من الاكتئاب. وإذا بدا لك أن محاولة الحفاظ على القدرات الإنتاجية تشكّل ضغطاً نفسياً إضافياً عليك، فابق معي حتى أشرح لك كيف ولماذا تسهم الإنتاجية في علاج الاكتئاب.
لا تنشأ المشاعر من فراغ، فلكلٍّ منها غرض أساسي. وقد يدفعنا الشعور بالحزن والاكتئاب واللامبالاة إلى التوقف والانسحاب والتفكير بعمق. ويوفّر لنا هذا نوعاً من الحماية الذاتية. فقد يكون من الحكمة الابتعاد عن الخطر في بعض الأحيان. وقد يكون من الحكمة التساؤل أحياناً عن المغزى من فعل الأشياء نفسها وحض أنفسنا على عدم الاستمرار في فعلها. لكن في حالة الاكتئاب، فإن هذا الوضع الوقائي الذاتي الانسحابي المصحوب بانخفاض الطاقة يلازمنا دوماً ولا يفيد في أي شيء. وبدلاً من مشاعر الاكتئاب التي تشير إلى الحاجة إلى التساؤل عما إذا كان ما نقوم به في حياتنا ذا مغزى كافٍ، يبدو كل شيء كأنه من غير معنى. فالمشاعر أشبه بمنظومة إشارات. فهي تساعد على تعريفك بأنك آمن أو مقبل على خطر محدق، وتدلك على ما إذا كنت تسير في الاتجاه الصحيح أو الاتجاه الخاطئ. وعلى الرغم من ذلك، فعندما تطول مدتها، فإنها تفقد فاعليتها كإشارات تحذيرية.
كيفية إنجاز الأعمال عند الشعور بالإحباط
عندما يصاب المرء بالاكتئاب، تنخفض طاقته ويقل شعوره بالحيوية ويتعكّر صفو مزاجه. وكلما انخفض شعورك بالطاقة، قلّت قدرتك على الإنجاز، وازداد من ناحية أخرى شعورك بتدهور حالتك العاطفية، وهكذا تدخل في دوامة لا نهائية من التبعات السلبية. وحينما تلمس قدرتك على الإنتاج، فإن هذا سيساعدك على وضع حدٍّ لهذه الدوامة السلبية وقلب الأمور رأساً على عقب. وإليك كيفية البداية:
1. حدد المصادر اليومية للإنجاز والمتعة
إذا أردنا تحسين الصحة المزاجية، فإننا نحتاج إلى نوعين من الأنشطة: تلك التي تغذي الشعور بالإنجاز وتلك التي تغذي الشعور بالمتعة. ويعتمد علاج الاكتئاب القائم على الأبحاث الذي يسمى "التنشيط السلوكي" على هذا المبدأ.
كقاعدة عامة، حاول العثور على مصدر للإنجاز وآخر للمتعة كل يوم، صباحاً وعصراً ومساءً. قد يكون هذا في غاية البساطة. فعلى سبيل المثال: قد يكون الجلوس قرب نافذة تطل على منظر خلاب واحتساء قهوة الصباح مصدراً للمتعة. وقد تكتسب الشعور بالإنجاز من ممارسة التمارين الرياضية أو كنس الأتربة تحت سريرك أو إنجاز إحدى مهمات العمل.
ويجد البعض أنه من المفيد أن يحددوا مواعيد مسبقة لأنشطتهم حتى يتمكنوا من التعرّف بسهولة على الأنشطة التي تغذي الشعور بالمتعة والأنشطة التي تغذي الشعور بالإتقان، صباحاً وعصراً ومساءً. (وهكذا ستحصل في نهاية المطاف على 6 أنشطة في اليوم الواحد، وهي عبارة عن 3 أنشطة تغذي الشعور بالمتعة و3 أنشطة تغذي الشعور بالإنجاز).
وإذا كنت مكتئباً، فعادة ما تكون المتعة التي تستمدها من ممارسة هذه الأنشطة غير واضحة المعالم مقارنةً بالمعتاد. لذلك، قد يكون من الصعب تحديد الأنشطة التي تغذي شعورك بالمتعة. وهذا سبب آخر لتحديد مواعيد مسبقة لهذه الأنشطة. ابدأ بإجراء عصف ذهني لتوليد الأفكار حول إعداد قائمة بالأنشطة التي توفر لك إما الشعور بالمتعة أو الإتقان أو الإنجاز. واطلب من شخص يعرفك جيداً أن يساعدك إذا شعرت بالعجز وقلة الحيلة.
تفيد هذه النصيحة في تعزيز الإنتاجية بطرق مباشرة وغير مباشرة. فالأنشطة التي تغذي الشعور بالإتقان أو الإنجاز هي أنشطة منتجة في حد ذاتها، وستفيد بنية هذا المنهج في ضبط إيقاعك البيولوجي وحالتك المزاجية.
2. احرص على تقليل عبء العمل المعتاد
عندما تتعكّر حالتك المزاجية ويزداد شعورك بالتوتر، فستكون محاولة العمل بنسبة 100% من قدرتك الإنتاجية المعتادة أمراً يفتقر إلى الحكمة. لكن الامتناع التام عن العمل لن يفيدك أيضاً، وسيتسبب لك عادةً في الكثير من الأضرار. لماذا؟
يساعد العمل المنتظم على توفير بنية هيكلية ليومك. وعندما تكون لديك بنية هيكلية للأنشطة المنتظمة، فإن هذا يساعد على تنظيم إيقاعاتك البيولوجية، مثل تلك المتعلقة بتناول الطعام والنوم. وفي غياب بنية هيكلية للأنشطة المنتظمة، بما في ذلك العمل والتواصل الاجتماعي، ستغدو تلك الإيقاعات البيولوجية أكثر اختلالاً، ما يؤدي إلى تفاقم الاكتئاب.
ويمثل 50% من نشاطك المعتاد نقطة توازن جيدة بين الامتناع التام عن العمل والمبالغة في توقع إنجاز الكثير من الأعمال. وقد تجد أن إنتاجيتك لا تنخفض كثيراً في ظل هذا النهج، لأنه سيجبرك على تحديد أولويات العمل العميق وغيرها من المهمات الأخرى ذات الأهمية الحقيقية. وسيساعدك الاقتصار على 50% من العمل المعتاد على التخلي عن الأنشطة المتوسطة الإنتاجية في البداية. ولا تعتبر نسبة 50% قاعدة مُلزمة وصارمة، بل يمكنك اختيار نسبة مختلفة إذا كنت تفضل ذلك، المهم أن تتبنَّى المبدأ نفسه.
3. بدّل بين المهمات السهلة والمتوسطة والصعبة
تعتمد صحة الحالة المزاجية على عنصر آخر يتمثل في الامتناع عن أداء كل المهمات السهلة أو كل المهمات الشاقة لفترات طويلة من الزمن. من أين تأتي هذه التوصية؟ تأتي هذه التوصية جزئياً من الملاحظات حول أفضل أساليب تعلم الأطفال والأشخاص الذين يعانون إعاقات في النمو. فغالباً ما تظهر المشاعر السلبية لدى أفراد هذه المجموعات على شكل نوبات سلوكية. ونلاحظ أن السلوك والسعادة يتحسنان عندما لا يتعرض الإنسان باستمرار لقدر قليل جداً أو مبالغ فيه جداً من التحديات.
وإن كنت لا تصدق كلامي في هذا الصدد، فما عليك إلا أن تلاحظ بنفسك ما كنت تشعر به حينما كنت تواجه تحديات مفرطة تستنزف قدراتك باستمرار، وما كنت تشعر به حينما كنت تمزج بين هذه الأنشطة والأنشطة المعتادة التي تمنحك الشعور بالثقة في النفس، ولكنها لا تزال ذات مغزى ومثمرة (مثل جز العشب أو كتابة رسالتك الإخبارية الشهرية).
وعندما تنظّم أنشطتك الثلاثة يومياً بطريقة تغذي شعورك بالإنجاز، فاحرص على انتقاء مهمة صعبة وأخرى سهلة وأخرى متوسطة الصعوبة.
4. اكتسب عادة العمل العميق لتقليل حاجتك لضبط النفس
إذا كنت مكتئباً، فيجب ألا تعوّل كثيراً على ضبط النفس، لأن كل شيء سيبدو أكثر إجهاداً عندما يكون صفو مزاجك متعكراً. وأفضل طريقة لتقليل الاعتماد على ضبط النفس اللازم لتحقيق إنتاجية عالية هي تبني عادات راسخة. وأعني بهذا روتيناً يومياً لأداء عمل عميق لبضع ساعات في الوقت نفسه كل يوم.
ويمكنك اكتساب عادة العمل العميق عن طريق أدائه في المكان والزمان نفسيهما كل يوم، ومن خلال تحديد بداية عادتك بطريقة متسقة. ومن السهل المواظبة على العادة التي تمارسها كل يوم من أيام الأسبوع في الوقت نفسه، مقارنة بتلك التي تمارسها في أوقات مختلفة. فيمكنك، على سبيل المثال، أداء عملك العميق في الساعة 10 صباحاً كل يوم، وليس الساعة 10 صباحاً يوم الاثنين والساعة 3 عصراً يوم الأربعاء. يساعد هذا النهج أيضاً على الحد من ملل القرارات.
وعندما تكون لديك عادة ثابتة للغاية، فإن الإشارات المرتبطة بهذه العادة تصبح كافية لتحفيزها، دون الحاجة إلى القدر نفسه من ضبط النفس. وقد أثبتت الأبحاث هذا التأثير، ولكن الأمر قد يستغرق بضعة أشهر من الحفاظ على الروتين نفسه حتى لا يستلزم القدر نفسه من ضبط النفس.
وبالحفاظ على الاتساق في روتينك سيكون من السهل أن تبدأ جلسة العمل العميق وتستمر فيها. وستكون قادراً في النهاية على ترك الأمور تسير بطريقة تلقائية لبدء جلسات العمل العميق، دون الشعور بأنك تبذل جهداً مضنياً. وإنني أحرص شخصياً على بدء جلسات عملي العميق بإعداد مشروب الطاقة الغني بالإلكتروليتات وضبط المُنبِّه في جهاز "جوجل هوم" على 60 و90 و120 دقيقة. عثرت في البداية على هذا الروتين مصادفة، ولكن بمجرد أن أصبحت هذه الإجراءات الروتينية جزءاً من عاداتي، حرصت على المواظبة عليها. كان السبب الأساسي لاستخدام أجهزة ضبط الوقت هو محاولة تدريب نفسي على التركيز لمدة ساعتين، ومساعدتي على فهم التقلبات في تركيزي بشكل أفضل خلال فترة عملي. كما تساعدني أجهزة ضبط الوقت أيضاً على تنظيم نفسي وتجنب العمل الإضافي غير المُنتِج وتجنب دورات الحيوية والخمول في النشاط. والسبب الثالث لاستخدامي أجهزة ضبط الوقت هو أنني أجد صعوبة في التركيز في الساعة الثانية، لذا أحتاج إلى توفير قدر أكبر من الحماية لتركيزي خلال ساعتي الثانية من العمل العميق. وتذكّرني أجهزة ضبط الوقت بذلك.
وبمجرد ترسيخ عادتك، ستصبح المواظبة عليها أسهل كثيراً، بغض النظر عن حالتك المزاجية والمشاعر السلبية التي قد تعتريك في ظرف معين.
5. فكّر في الحصول على علاج لصحتك العقلية من أجل إنجاز الأعمال عند الشعور بالإحباط
قد يبدو هذا أمراً بديهياً لا يحتاج إلى توضيح، لكن الطريقة التي تجعلك أكثر إنتاجية إذا كنت مكتئباً هي أن تتخلص من شعورك بالاكتئاب أو أن تخفّف من حدّة شعورك بالاكتئاب. ويُلاحَظ أن الناس في جميع أنحاء العالم تقريباً ينتظرون طويلاً قبل التفكير في الحصول على علاج لصحتهم العقلية. وعندما كنت أخصائية علاجية، كنت أسأل العملاء عن موعد ظهور الأعراض. ويجيبونني في كثير من الأحيان: منذ سنوات، وليس منذ أشهر أو أسابيع.
وهناك عدد من الأساليب التي يمكنك تجربتها، بما في ذلك العلاج السلوكي المعرفي أو العلاج بالقبول والالتزام أو العلاج بالأدوية. وقد يساعدك تناول مكمل غذائي متعدد الفيتامينات والمعادن على تعزيز قدرتك على تحمل التوتر وهو خيار بسيط في الوقت نفسه، خاصة إذا ساءت عاداتك الغذائية بسبب الاكتئاب. وقد يسهم تعلم مهارات التعاطف الذاتي بقوة في علاج الاكتئاب والتوتر والقلق إذا كنت من محبي جلد الذات. ومن المهم إتقان مهارات تحديد الأفكار وتعطيل اجترارها لأن اجترار الأفكار يعكّر صفو الحالة المزاجية ويضعف الإنتاجية ويصعّب حل المشكلات.
ويمكن أن يساعدك العلاج على فهم كيفية تأثير مشاعر الاكتئاب على أدائك الوظيفي. فعلى سبيل المثال: تتسبب مشاعر الاكتئاب في توخي المرء للحذر تحسباً لظهور أي من علامات الرفض الاجتماعي. ويعتبر هذا جزءاً من غرضها الأساسي، لأن استبعادك من القبيلة يشكّل خطراً عليك من الناحية التطورية. وهذا ليس مفيداً دائماً في واقع الأمر. وقد يتجلى أثر هذا الغرض في بيئة العمل في النظر إلى الآخرين باعتبارهم إما أشخاصاً غير داعمين أو لا يحبونك أو لا يعترفون بمواهبك وقدراتك، حتى إذا لم يكن الأمر كذلك. وقد يؤدي هذا إلى تأجيج مشاعر الغضب والعداء تجاه مدرائك أو زملائك أو عملائك دون داعٍ.
عندما تكون مكتئباً أو تمر بمشاعر سلبية، مثل الحزن أو القلق، تقل قدرتك الإنتاجية عما هي عليه في الظروف المثالية بسبب عدم قدرتك على إنجاز الأعمال عند الشعور بالإحباط تحديداً. فلا تقسُ على نفسك في هذه الأحوال. جرّب تأمل التعاطف الذاتي لمدة 5 دقائق إذا كنت بحاجة إليه. اصبر على نفسك، ولكن جرّب أيضاً النصيحة الموصى بها ها هنا. فغالباً ما يتسبب الاكتئاب في ظهور توقعات سلبية التي قد تشمل توقع عدم نجاح النصيحة في علاج حالتك. وإذا عرفت هذا، فيمكنك تجنب المزلق وتجربة الاستراتيجيات المذكورة أعلاه.