أرغمت جائحة "كوفيد-19" عدداً لا يحصى من الشركات على الخوض في عملية إعادة هيكلة متسارعة. ومن أجل فهم ما يحكم على عملية إعادة هيكلة المؤسسات في ظل الأزمة هل يحكم عليها بالنجاح أو الفشل، استندنا إلى خبرتنا التي امتدت على مدى 15 عاماً من تقديم الاستشارات للشركات حول التغيير المؤسسي، إلى جانب قاعدة البيانات التي تم جمعها من قبل كل من شركة "كوارتز أسوشيتش" (Quartz Associates) ومجلة "هارفارد بزنس ريفيو" والتي توثق ما يزيد عن 2,500 عملية إعادة تنظيم. تبين قاعدة البيانات أن عمليات إعادة التنظيم التي تتم في ظل الأزمات تشكل فائدة بحتة في ثلثي الحالات فقط، إذ إن 19% منها تضر الشركة فعلاً، و8% فقط تتمكن من توليد جميع النتائج المرجوة ضمن الإطار الزمني المحدد في خطتها. ما الذي يمكن للقادة فعله من أجل زيادة فرصهم في النجاح؟
سواء كان الهدف من عملية إعادة التنظيم هو تخفيض التكاليف أو النمو، توصل بحثنا إلى سبعة أمور يمكن للشركات فعلها من أجل تعظيم فرصها في تحقيق النتائج المرجوة ضمن الإطار الزمني المحدد، والحد من الزعزعة في آن.
1. تحرك بسرعة، لكن لا تتحرك إلا وفق خطة
الوقت عامل أساسي. وإذا استغرقت عملية إعادة التنظيم في ظل الأزمة وقتاً أطول من 6 أشهر، تزداد احتمالات فشلها بنسبة هائلة. فكلما استغرقت وقتاً أطول، تزداد احتمالات أن يكون سياق الأعمال قد تغير (وخصوصاً في ظروف الأزمة سريعة التطور)، فيفقد النموذج الجديد قيمته. وهذا ما شهدناه في 30% من عمليات إعادة التنظيم التي تمليها الأزمة.
بالطبع، لا يعني التحرك بسرعة التعجل بالعمل من دون خطة. فثلث الشركات التي تخضع لعملية إعادة تنظيم تمليها الأزمة يضع خطة مفصلة؛ والثلث الآخر يحدد هدفاً متوسطاً واحداً فقط يجب على الجميع تحقيقه؛ والثلث الأخير لا يضع أي خطة من أي نوع. وتثبت البيانات أن نسب نجاح الثلثين الأخيرين متدنية جداً مقارنة بالثلث الأول. في كتابنا الذي صدر عن "هارفارد بزنس ريفيو برس" بعنوان: "إعادة التنظيم: طريقة القيام بها على النحو الصحيح" (ReOrg: How to Get it Right) نوضح بتفصيل أكبر طريقة التخطيط لعملية إعادة التنظيم وتنفيذها بنجاح.
2. أجر تحليلاً على موارد رأس المال البشري
نجد في الغالبية العظمى من الشركات أن قدرات تحليل رأس المال البشري أضعف من قدرات التحليل المالي بكثير، ما يؤدي بهذه الشركات إلى التضحية إما بالسرعة وإما بالفاعلية في عملية إعادة التنظيم. وكما قال رئيس قسم الموارد البشرية لدى شركة كبيرة للطاقة في المملكة المتحدة موضحاً: "لا نملك البيانات المناسبة عن الموظفين، لذا يجب علينا استخدام نهج آلي فظ. فأنا أعلم أن علينا تخفيض عدد الموظفين بنسبة محددة من أجل تخفيض التكاليف، لكني لا أعرف أين تقع مواطن الضعف تماماً". تشير خبرتنا إلى إمكانية معالجة هذا الموقف خلال أيام أو أسابيع، من دون الحاجة إلى تنفيذ برنامج لتخطيط موارد الشركة على مدى عدة أعوام.
ومع ذلك، بدلاً من أن تتحقق بعض الشركات من تنظيمها، تجدها تحاول قياس أهدافها في تخفيض التكاليف في مقابل أهداف الشركات الأخرى النظيرة. عادة، يستغرق ذلك وقتاً طويلاً ويؤدي إلى مقارنات لا يمكن الاعتماد عليها، بما أن القادة لا يعرفون ما إذا كانت الاختلافات ناجمة عن اختلاف في السياق أم في مستوى التشغيل الآلي أم في مستوى التوريد الخارجي، أم أنه مجرد نتيجة أداء أسوأ. بالإضافة إلى أن هذا النوع من التحليل يركز على الماضي، لذلك قد تفقد النتائج التي تستخلصها منه أهميتها.
لذا، تشير بياتنا إلى أن تحليل المقاييس المعيارية الداخلية يتمتع باحتمالات أكبر في أن يؤدي إلى النجاح (مثلاً، لماذا تزداد كفاءة فريق العمليات في المنطقة "س" عن كفاءته في المنطقة "ص"؟). فعن طريق وضع المقاييس المعيارية داخلياً، ستتمكن الشركات من التحرك بسرعة وفهم ما يولد الاختلافات وتنفيذ أفضل الممارسات في المجالات الأخرى، ومواجهة الرافضين بالأدلة المفصلة على نحو أكثر فاعلية.
3. حدد أهدافاً متنوعة وفكر بالاستثمارات المركزة
لا يشكل توفير التكاليف الشامل في الشركة بنسبة 20-30% الحل الأنسب دوماً، ربما كان من الضروري أن يتم تخفيض تكاليف بعض الوحدات التنظيمية بنسبة 50% أو 80% أو حتى 100%، في حين تحتاج وحدات أخرى إلى استثمار مركز. مثلاً، عملنا مرة مع شركة طاقة فرضت هدفاً موحداً لتوفير التكاليف على جميع الأقسام. لكن تبين أن بعض الأقسام، كقسم الموارد البشرية، بقيت على مستوى متدن من الكفاءة حتى بعد تحقيق الهدف الجديد، في حين أن أقساماً أخرى أصبحت غير قابلة للعمل أساساً، مثل قسم التقنية الذي أفرغته عملية إعادة التنظيم من موظفيه. في هذه الحالة، يمكن أن يكون نظام الأهداف المتنوعة أفضل للجميع.
والشركات التي تتمكن من إعادة استثمار جزء مما توفره من التكاليف في بناء قدراتها الداخلية تتمتع باحتمالات أكبر للنجاح، حتى وإن كان ذلك يعني تخفيض التكاليف أكثر في أماكن أخرى. قد تبدو هذه الفكرة واضحة بشكل بديهي، لكنها تُنسى بسهولة في الأزمات. مثلاً، عندما عملنا مع شركة للخدمات اللوجستية لتخفيض التكاليف في قسم مراقبة الجودة، وجدنا أنهم يتبعون إطار عمل للنجاح (يدعمه خبراء إحصائيون مكلفون)، وكان هو السبب في تردي الأداء. لذلك قررنا إيقاف عمل هذا الفريق واستثمار ما نوفره من تكاليفه في تنمية فريق التدريب في القسم، الذي حقق سجلاً طويلاً من النجاحات.
4. أشرك فريق القيادة بأكمله
إن طريقة اتخاذ القرارات فيما يتعلق بالتغيير المؤسسي مهمة جداً، وأحياناً تتفوق بأهميتها على أهمية القرار نفسه. وتبين مجموعة بيانات "كوارتز" و"هارفارد بزنس ريفيو" أن معظم عمليات إعادة التنظيم الناجحة هي التي يشارك فريق القيادة بأكمله في عملية اتخاذ القرار فيها، وغالباً ما يشارك بعض الموظفين في تقديم المعلومات أيضاً. وتثبت خبرتنا أن السبب في هذا هو ضرورة أن يقوم جميع أعضاء فريق القيادة بدعم تنفيذ الخطة، لذا يجب أن تحظى باهتمامهم وأن يقتنعوا بها.
للأسف، تبين البيانات أن هذه الطريقة ليست شائعة جداً. بل يقوم قائد الفريق مع بعض زملائه الموثوقين عادة بتصميم عمليات إعادة التنظيم في ظل الأزمة، وهذا أسوأ من استفراد قائد مستبد باتخاذ القرار، لأن المسؤولين التنفيذيين الذين يشعرون أنهم استُبعدوا من دائرة القيادة الداخلية سيُظهرون مقاومة على الأرجح لاحقاً.
5. اسمح ببعض المرونة في طريقة تنفيذ النموذج التنظيمي الجديد
في 50% من الحالات، تفشل عمليات إعادة التنظيم التي تمليها الأزمة في تحقيق النتائج المخطط لها بسبب مقاومة القادة حلاً تم فرضه مركزياً. والشركات التي تمنح قادتها شيئاً من المرونة في اختيار طريقة تنفيذ التغييرات تتمتع باحتمالات نجاح أكبر كثيراً، والأفضل أن يكون الاختيار مبنياً على أساس منطقي متين.
على سبيل المثال، عندما قمنا بعملية إعادة التنظيم لقسم في شركة للنفط والغاز، اتفقنا على أنه إذا كانت مستويات العائدات أو النشاط في وحدة عمل جغرافية ما أدنى من حد معين، فلن يكون من الضروري أن تخضع لجميع التغييرات التي تخضع لها الوحدات الأكبر، وإنما يمكنها أن تكيف تصميم إعادة التنظيم الخاص بها ليتوافق مع ظروفها الخاصة. عندما نعمل مع الشركات، نساعدها في وضع تصميم شامل وحدود حماية لما هو مقبول، وتحديد أهداف التكاليف وتصميم عملية تمكّن قادة الشركة من تحديد التفاصيل. تبين أن هذه الطريقة أسرع كثيراً وتتمتع باحتمالات أكبر لتوليد نتائج قابلة للتنفيذ مقارنة بتحديد جميع التفاصيل، وحتى الدقيقة منها، بصورة مسبقة.
6. أبلغ الموظفين بالتغييرات بأقصى سرعة وبأكثر طريقة إنسانية ممكنة
في عمليات إعادة التنظيم اليومية، يؤدي التواصل الشخصي المباشر إلى نجاح أكبر كثيراً من التواصل عن طريق البريد الإلكتروني. لكن في عمليات إعادة التنظيم التي تمليها الأزمة، تكون احتمالات النجاح عن طريق التواصل الإلكتروني أكبر، ولعل السبب في ذلك هو أن الموظفين في المواقف سريعة الحركة يفضلون تلقي الأخبار بسرعة على عدم معرفة ما يجري حولها.
وفي النهاية، أهم ما يجب على القادة تذكره هو أن عمليات إعادة التنظيم لا تتعلق بالأرقام فحسب، وإنما تتعلق بالموظفين أيضاً. سيخسر الأصدقاء والزملاء وظائفهم، ومن واجبك التعامل معهم بإنصاف وتعاطف، وسيحكم الموظفون الباقون على طريقة تعاملك مع الموقف. وعلى الأرجح، لن تحظى برضا أحد من الموظفين المسرحين ولا الباقين إذا قمت بعمليات تسريح جماعية وغير شخصية عبر اتصال الفيديو ومن دون إنذار مسبق.
والطريقة الأفضل هي أن تخبر جميع الموظفين عما يجري وأسبابه، ثم يقوم المدراء أو موظفو الموارد البشرية بالتحدث مباشرة إلى من يعرفون من الموظفين المتأثرين (ويمكن القيام بكل ذلك افتراضياً عبر الإنترنت). وحتى عندما تحدث التغييرات بسرعة، يحتاج الموظفون إلى فهم أسبابها وموعدها وطريقتها.
7. أنشئ حلقة تقييم إيجابية
قالت لنا القائدة في شركة "وولترز كلوار" (Wolters Kluwer)، نانسي مكينستري (التي صنفتها مجلة هارفارد بزنس ريفيو على أنها المرأة الأعلى أداء كرئيسة تنفيذية لعام 2019): "ليس منطقياً أن تتوقع من التنظيم الجديد أن يعمل بصورة مثالية منذ البداية. بل يجب أن تعايشه وتفهمه جيداً، وتصحح مساره بسرعة عندما تواجه أي مشكلة". ترتفع احتمالات النجاح بدرجة كبيرة في عمليات إعادة التنظيم في ظل الأزمات، التي تضم آلية رسمية لتقديم التقييمات (كرفع المدراء المشكلات إلى القيادة واستطلاع آراء الموظفين أو إجراء مراجعة رسمية بعد 3 أو 6 أشهر بعد إتمام العملية)، في حين أن عمليات إعادة التنظيم التي لا تضم عمليات واضحة لرفع المشكلات تكون عرضة للفشل على الأغلب.
والمثير للاهتمام أنه على الرغم من استفادة عمليات إعادة التنظيم التي تمليها الأزمات من استطلاع آراء الموظفين حول المشكلات التنفيذية، فإن بحثنا يشير إلى تدني كفاءة هذه الطريقة في عمليات إعادة التنظيم التي تهدف إلى تخفيض التكاليف. وقد يكون السبب في ذلك هو أن تخفيض التكاليف يؤدي بطبيعته إلى الانقسامات، لذا قد يستغرق الموظفون وقتاً أطول لتقبل التغيرات والمشاركة على نحو إيجابي بدلاً من التركيز على مخاوفهم. ومع ذلك، يجب على الشركات التي أتمت عملية إعادة تنظيم بهدف تخفيض التكاليف عدم إهمال الوسائل الرسمية الأخرى لتقييم الأداء المؤسسي في الفترة اللاحقة.
ليس من السهل إطلاقاً تنفيذ تغيير مؤسسي في الأزمات، أو إعادة هيكلة المؤسسات، وأزمة "كوفيد-19" التي نشهدها تمثل تحديات غير مسبوقة. لكن إذا تسلحت بالمبادئ التوجيهية السبعة التي ذكرناها أعلاه، فعلى الأرجح أنك ستنجح.