هل يستطيع مجلس الإشراف إعادة الثقة في فيسبوك؟

4 دقائق
مجلس الاشراف فيسبوك

شركة "فيسبوك" قاب قوسين أو أدنى من إنشاء مجلس رقابة عالمي خاص بها للإشراف على المحتوى. وترسم اللوائح الداخلية للمجلس الصادرة في الثامن والعشرين من يناير/كانون الثاني الخطوط العريضة لتجربة غير مسبوقة في الحوكمة الذاتية للشركات في قطاع التقنية. وعلى الرغم من أن هناك سبباً وجيهاً للتشكيك في قدرة شركة "فيسبوك" نفسها على إصلاح مشكلات كخطاب الكراهية والمعلومات الزائفة على منصتها، فإنه ينبغي علينا الانتباه أكثر إلى الطريقة التي يقترح المجلس اتخاذ قراراته بها.

عندما بدأ مارك زوكربيرغ يتحدث عن المحكمة العليا لشركة "فيسبوك" للحكم على قراراتها المتعلقة بالمحتوى منذ عامين، جثمت على صدر الشركة فضائح معلومة الآن، بداية من تدخّل شركة "كامبريدج أناليتيكا" (Cambridge Analytica) في الانتخابات الأميركية وانتهاء بالإبادة الجماعية التي وقعت في ميانمار وتفاقمت بشدة بسبب المنشورات التي شجعت على العنف على موقع "فيسبوك". وصاحبَ انهيار ثقة العامة في الشركة تدقيق متصاعد من جانب المشرعين المطالبين بالتغيير. ولكن، القرارات التي اتخذتها شركة "فيسبوك" لتقييد المحتوى والخطاب على موقعها، مثل حظر العري أو مقاطع الفيديو المزيفة، كثيراً ما تلقى نقداً عاماً ولاذعاً.

تريد شركة "فيسبوك" أن يتولى مجلس رقابتها مسؤولية هذه القرارات. وبحسب نص اللوائح الداخلية، عندما يمحو فريق الإشراف على المحتوى منشوراً أو صورة على "فيسبوك" أو "إنستغرام"، يستطيع المستخدم أن يرسل سلسلة من طلبات الاستئناف التي يمكن أن تشق طريقها وصولاً إلى المجلس ليقرر في نهاية المطاف ما إذا كان المحتوى سيظل على المنصة أو سيُمحى من عليها. وستكون الأحكام التي يستقر عليها أعضاء المجلس النهائيين البالغ عددهم أربعين عضواً ملزمة لشركة "فيسبوك"، على أن تنفذها في غضون سبعة أيام. ويستطيع المجلس أيضاً إصدار "آراء استشارية" غير ملزمة وتوصيات حول السياسة الحالية للمحتوى، على أن تعلن الشركة على الملأ استجابتها لها. ومن أجل تمويل المجلس لست سنوات، وافقت شركة "فيسبوك" على تحويل 130 مليون دولار إلى صندوق ائتماني مستقل لا يجوز للشركة حلّه.

ومع ذلك، بما إن شركة "فيسبوك" ستختار القائمة الأولية للخبراء الدوليين، فهي تخاطر بأن يعج المجلس بأعضاء يوقرون الشركة أكثر من اللازم. وثمة مشكلة أكثر محوريةً تكمن في الميثاق التأسيسي الذي ينص على أن المجلس سوف "يراجع القرارات الإلزامية للمحتوى، وتحديد ما إذا كانت تتفق مع سياسات وقيم محتوى فيسبوك". لو صار المجلس مجرد صدى للقيم التي تحلم بها الشركة الكائنة في وادي السيليكون، فمن الصعب أن يكون جديراً بالثقة على الصعيد العالمي.

ما الذي يقتضيه الأمر كي يصبح المجلس محل ثقة؟ تشتمل اللوائح الداخلية للمجلس على مسار محتمل للمضي قدماً. يقولون إن المجلس "سيسترشد بمبادئ حقوق الإنسان ذات الصلة"، وسيقدم "تحليلاً للطريقة التي راعت بها قرارات المجلس أو رصدت بها حقوق الإنسان المعنية بحالة ما على المستوى العالمي". وعلى الرغم من أن هذه الصياغة اللغوية فضفاضة، إذا بنى المجلس صناعة قراراته بصراحة أكثر على حقوق الإنسان عالمياً، فيمكن أن يكتسب شرعية.

المشكلة تكمن في أن اللوائح الداخلية الحالية تقيّد ولاية المجلس في حماية "حرية التعبير"، وهو الهدف المؤسسي المزعوم الذي سلط عليه زوكربيرغ الضوء في كلمة أخيرة ألقاها في جامعة "جورج تاون" (Georgetown University). واكتشفت شركة "بزنس فور سوشيال ريسبونسيبيليتي" (Business for Social Responsibility) غير الربحية التي كلفتها شركة "فيسبوك" بإجراء تقييم مستقل لحقوق الإنسان لصالح المجلس، أن نطاقه ضيق جداً، وذكرت أن "حقوق الإنسان جميعها - لا حرية التعبير والسلامة والأمن الشخصيين وحسب - يمكن أن تتأثر بالقرارات المتعلقة بالمحتوى". ولو كانت شركة "فيسبوك" جادة بخصوص حماية حقوق الإنسان، فلن يكفيها انتقاء الخطاب والتعبيرات. ينبغي أن يدرك المجلس ومديره المقبل أن قراراتهم يمكن أن يكون لها أثر على مجموعة كبيرة من الحقوق، كحرية التجمع وحرية التصويت. وهذه الحقوق لا تحددها شركة "فيسبوك"، إنما يحددها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن منظمة الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية ومحاكم حقوق الإنسان.

وينبغي لأعضاء المجلس المزمع الإعلان عنهم خلال الأشهر المقبلة ممارسة صلاحياتهم في تعديل اللوائح الداخلية والالتزام صراحة باتخاذ قرارات تتعلق بالحالات المعروضة عليهم بناء على قانون حقوق الإنسان الأوسع نطاقاً. لن يكون الأمر سهلاً. فقد يجدون أنفسهم في موقف عصيب يلزمهم إعلاء أولوية الحقوق العالمية للمستخدمين الكائنين في بلدان ذات قوانين لا تحمي تلك الحقوق. ماذا لو وافقت حكومة ميانمار على أنه ينبغي محو منشور لأحد المستخدمين غير أن المجلس نقض القرار؟ بينما تنص اللوائح الداخلية على أن شركة "فيسبوك" لا يجوز لها تنفيذ أي قرار "يمكن أن ينتهك القانون"، وسيفقد المجلس مصداقيته لو أذعن للقوانين المحلية التي تظهر تجاهلاً صريحاً لحقوق الإنسان. وربما كان الوضع القائم أيضاً أن مبادئ حقوق الإنسان الحالية لا تقدم دائماً حلولاً واضحة للمشكلات الناشئة والمتعلقة بالمحتوى الرقمي أو الذكاء الاصطناعي.

وعلى الرغم من ذلك، فلو وافق المجلس على حماية حقوق الإنسان كافة عند صناعته للقرار، فيمكن أن يؤدي ذلك إلى آراء مبتكرة من شأنها مساعدة الآخرين الذين يجاهدون في التعاطي مع تحديات مثيلة. وعندما تحدثت مع نوح فيلدمان من كلية هارفارد للحقوق، والذي ابتكر مفهوم "المحكمة العليا" لشركة "فيسبوك" ويقدم استشاراته إلى زوكربيرغ، تخيل أن تجلب شركات التقنية الأخرى في يوم من الأيام معضلاتها إلى مجلس الرقابة إذا وافقت على أن القرار سيكون ملزماً.

ولكن، كلما قيّد المجلس نطاقه، كلما افتقد إلى رؤية الصورة الكبيرة. فقد صرحت منظمة العفو الدولية في تقرير حديث لها بأن المراقبة المتفشية التي تمارسها شركة "فيسبوك" "تمثل تهديداً منهجياً لحقوق الإنسان". وأخبرني جو ويسبي، مؤلف التقرير، أن "التركيز على سياسات المحتوى يخدم شركة فيسبوك خدمة جليلة، من حيث أنه يتفادى التشكيك في المشكلات التي تعيب نموذج العمل الأساسي ذاته. ولا يمكن أن تكون مثل هذه المبادرات بديلاً عن الرقابة واللوائح القوية للدولة". ينبغي أن يكون المجلس قادراً بالكامل على إجراء تعديلات على السياسات، خاصة تلك التي ربما تطعن مباشرة في مجريات العمل الداخلية لنماذج إيرادات شركة "فيسبوك" أو خوارزمية موجز الأخبار.

كثير من الأمور على المحك هنا، والمجلس لديه بصيص أمل محدود. قالت كيت كلونيك، الفقيهة القانونية في كليتي "سانت جون" و"ييل" للحقوق: "خلال الأعوام الخمس والعشرين الماضية، أُتيحت سبل محدودة للمستخدمين للطعن على تنفيذ شركة فيسبوك لقوانينها أو التصريح بما ينبغي أن تكون عليه تلك القوانين. ومن الناحية المثالية، قد يمثل المجلس خطوة مهمة، ولكن صغيرة، إلى الأمام". وإذا أخفق المجلس في حُكم ذاته بذاته، فسيترك رسالة واحدة واضحة وبالغة الصعوبة للمشرعين مفادها أنه:  يجب إخضاع شركة "فيسبوك" للقانون.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي