يساعد التطعيم على تحسين العديد من صفات السلالات النباتية، وذلك بنقل جزء من نبات (الطعم) إلى نبات آخر (الأصل)، حيث ينمو الطعم ويؤدي إلى تحسين مواصفات وإنتاجية النبتة الأصل كماً ونوعاً. وهناك عدة أنواع من عمليات التطعيم كالتطعيم بالقلم والبرعم والرقعة وغيرها، ولكن غالبية أنواع التطعيم تعتمد على غرس الطعم في جسم النبات المضيف بطريقة معينة، وإحاطته برعاية خاصة فترة من الزمن إلى أن يقوى ويصبح جزءاً من النبات القديم مع محافظته على صفاته الأصلية وإنتاجه المتميز.
تلجأ المؤسسات إلى التوظيف للحصول على كادر بشري جديد قادر على أداء مهام العمل، وعادة ما يكون الأمل معقوداً على الموظفين الجدد لإحداث أكبر تأثير إيجابي ممكن في أداء المؤسسة سواء من جهة الكفاءة أو الفعالية، وهذا بالضبط ما يفعله التطعيم في النبات من حيث تحسين إنتاجيته كماً ونوعاً. وهنا يثور التساؤل: كيف لنا أن نستلهم من تطعيم النبات في زيادة أثر الموظفين الجدد؟ وما هي العوامل الأساسية التي يجب توافرها لجعل تلك القطعة الصغيرة تكبر وتنمو وتحدث أثراً نوعياً في نبات كبير وضخم ومعمر؟
توافق الطعم مع الأصل فلا يكونا من جنسين مختلفتين
بشكل عام، يزداد احتمال نجاح عملية التطعيم كلما كان النباتان متشابهان من حيث الجينات، ويقل هذا الاحتمال تدريجياً عند القيام به على أجناس مختلفة ضمن نفس العائلة، وقلّما تنجح هذه العملية بين العائلات المختلفة للنبات. لا يشذ العمل الإداري عن هذه القاعدة، فعلى المؤسسات أخذ الثقافة المؤسسية السائدة في المؤسسة بعين الاعتبار، وذلك عند القيام باستقطاب الكفاءات أو التوظيف بشكل عام، إذ إنه من المهم توافر الانسجام بين معتقدات وسلوكيات الموظف وما هو سائد داخل المؤسسة. لذلك، على المؤسسات أن تحدد القيم المطلوبة وكذلك الأسئلة التي يمكن أن توجهها إلى المرشحين لشغل الوظائف لتستشف مدى توافقهم معها، ووفقاً لمايلز بورك يساعد ذلك على اندماج الموظفين الجدد بشكل أسرع، والبدء في تقديم أداء فعال في وقت مبكر، كما يجعل الموظفين يشعرون بالسعادة ويميلون إلى البقاء في المؤسسة لوقت أطول. ولكن هذه المهمة ليست باليسيرة على المدراء المسؤولين عن عملية التوظيف، فقد أضاءت العديد من الأبحاث والمقالات على التحدي الذي يواجه المدراء إذا ما أرادوا القيام بمهمة التوظيف بموضوعية.
وكذلك لا بدّ من توخي الحذر عند البحث عن الانسجام، فالمقصود هو الانسجام في القيم والمبادئ العامة وليس الانسجام من حيث الجنس والعمر والجنسية، وإلا انتقلنا إلى النقيض في الطرح. ففي مقال نشر في موقع هارفارد بزنس ريفيو، ينصح كل من ديفيد روك وهايدي غرانت باعتماد التنوع في فرق العمل داخل المؤسسة، ما يجعل تلك الفرق أكثر ابتكاراً وأكثر قدرة على تمييز الحقائق والتعامل معها بشكل واقعي.
محاذاة الطبقات والأوعية بشكل جيد
من شروط نجاح عملية التطعيم أن تتم عملية توافق الأنسجة في النباتين بشكل محكم لتحقيق النمو الطبيعي، حيث تؤدي عملية مطابقة الأنسجة بشكل صحيح إلى تسريع عملية الانضمام، وتسمح بوصول الماء والمواد الغذائية إلى الطعم. لا بدّ للمؤسسات أن تعمل بوعي على إدماج الموظفين الجدد بأسرع وقت ممكن، وذلك من خلال تحقيق المواءمة مع زملائهم في وحدات العمل بحيث يسيروا في اتجاه واحد وهو الاتجاه الذي يحقق أهداف المؤسسة وغاياتها. تلجأ بعض المؤسسات إلى الأساليب التقليدية في تنفيذ ورشات عمل للموظفين الجدد لتعريفهم بالهيكل التنظيمي والمهام الرئيسة للإدارات والأقسام، ولكن بعض المؤسسات تذهب أبعد من ذلك كأن ترسل دليل الموظف ومجموعة من المعلومات الخاصة بالشركة إلى الموظف الجديد قبل مباشرته ليومه الأول في العمل، أو أن تشجع زملاء الموظف الجديد على تزيين مكتبه وكتابة بطاقات ترحيبيه له. ويذهب كل من جورج براديت وماري فونيغوت في الكتاب المشترك بينهما " تهيئة الموظفين الجدد: كيف تحصل على الموظفين الجدد بسرعة" (Onboarding: How to Get Your New Employees Up) إلى إشراك الموظف الجديد مع مديره في وضع خطة لتحقيق التوافق والاندماج في بيئة العمل الجديدة بأسرع وقت ممكن. إضافة إلى ذلك، تطبق بعض المؤسسات أنشطة بسيطة ولكنها فعّالة في هذا الصدد، إذ تنصح مثلاً أليكساندرا ليفيت المؤلفة والمستشارة في إدارة بيئة العمل عملائها بأن يقوم الرؤساء التنفيذيون بالاتصال هاتفياً بالموظف الجديد مهما كانت درجته للترحيب به في يومه الأول في المؤسسة.
الاختيار السليم لوقت إجراء التطعيم
هناك أوقات معينة خلال العام تنجح فيها عمليات التطعيم بشكل أكبر، وهذه الفترات عادة ما تكون خلال فصول الربيع والصيف والخريف بحسب نوع النبات، حيث يكون الأصل في حالة نشاط والخلايا في حالة انقسام ما يسهّل فصل اللحاء عن الخشب. تقوم العديد من المؤسسات بعمليات التوظيف خلال الشهرين الأولين من العام وذلك بعد اعتماد الموازنات السنوية وخطط العمل التي تتضمن الموارد المطلوبة من بشرية وغيرها. ولكن قد تمر المؤسسات بحالات تستدعي التوظيف العاجل كالنقص الناتج عن تقاعد بعض الموظفين أو استقالتهم، أو لتنفيذ مشاريع مستجدة أو التعامل مع تطورات عاجلة لا يمكنها الانتظار. هذا وقد تلجأ المؤسسات أحياناً إلى استقطاب كفاءات معينة حال توافرها راغبة في الحصول على خبرات نوعية في تخصصات محددة. يمكن تقرير الوقت الأنسب للتوظيف باتباع ما تنتهجه بعض الشركات من خلال قياس معدلات الاستخدام للموظفين، فإذا كان الموظفون الحاليون يعملون أوقاتاً إضافية بشكل متزايد وهناك عدد ملحوظ منهم لا يخرج في إجازات سنوية، فهذا مؤشر على أنّ الوقت مناسب للتوظيف، أما إذا كان جميع الموظفين مشغولين ولكن الإنتاجية أو الأرباح الإجمالية منخفضة، فهذا دليل على وجوب رفع الكفاءة وليس التوظيف، وربما الاستثمار الأمثل يكون في تدريب الموظفين الحاليين أو إعادة هندسة عمليات الشركة.
الرعاية المناسبة لموقع التطعيم
من الضروري بذل عناية خاصة بالنبات المطعم بعد عملية التطعيم ولفترة من الزمن، ففي بعض الحالات يتم تغطية مكان التطعيم بالقماش أو الأشرطة اللاصقة لحمايته وتجنب فقدان الماء، أو تقليم البراعم التي تنمو على جذر النبات والتي تحد من تغذية الطعم ونموّه. تظهر الدراسات والأبحاث الإدارية بشكل متزايد أهمية إيلاء عناية خاصة للموظفين الجدد، وذلك لضمان بقائهم في عملهم وتجنب الاستقالة المبكرة، وقد شارك مقال منشور في هارفارد بزنس ريفيو العربية ما تقوم به شركة مايكروسوفت بهذا الصدد، حيث تنفذ استبيان موظفين خاص بالموظفين الجدد بعد أسبوع واحد من تعيينهم، وكذلك بعد 90 يوماً للوقوف على احتياجاتهم والتعامل معها. ينصح أحد الرؤساء التنفيذيين بأن يقوم الموظفون الجدد خلال الفترة الأولى من عملهم بوضع أهداف يومية لما يريدون إنجازه، وذلك قبل قدومهم صباحاً إلى العمل، سيكون هذا مفيداً لهم لتجنب التشويش أو الشعور بالإحباط الذي قد تسببه محاولة تعلم كل شيء عن المؤسسة خلال فترة قصيرة. في بعض الحالات، قد يكون الهدف من التوظيف تحسين بيئة العمل السائدة والأداء في إدارة محددة، وهنا يوجد خطر عدم قدرة الموظف الجديد على القيام بدوره نتيجة عدم اطلاعه على تفاصيل العمل وتوزع العلاقات والسلطة داخل تلك الإدارة، ناهيك عن الضغوط التي قد يتعرض لها. يمكن التعامل مع هذا الوضع بتعيين الموظف الجديد في إدارة أخرى داخل المؤسسة لمدة من الزمن وذلك ليتمكن من الحصول على الخبرة الداخلية وبناء العلاقات، ومن ثم نقله إلى الإدارة المستهدفة لتأدية الغرض المطلوب.
إنّ تطعيم مؤسستك بموظفين جدد هو أمر جدير بأن يولى الرعاية والاهتمام، فالوصول بهؤلاء الموظفين إلى مستوى الأداء المطلوب بحاجة إلى المتابعة بدءاً من معايير المقابلة والاختيار، مروراً بتحديد الوقت الأنسب للقيام بذلك، وصولاً إلى تسكينهم في المكان والطريقة المناسبين. عسى أن يلهمنا ما تعلمه الإنسان من تطعيم النبات في تحسين هذه المهمة.