ماذا لو كانت الشركات تدير رأس المال البشري بنفس الكفاءة التي تدير بها الأموال؟

5 دقائق

يخصص الرؤساء التنفيذيون، اليوم، أغلب أوقاتهم لإدارة الميزانية، على الرغم من أنها لا تمثل المورد الأندر للشركات، فرأس المال وفير نسبياً. فبحسب شركة الاستشارات "باين ماكرو تريندز غروب" (Bain’s Macro Trends Group)، فإن المدخرات المالية العالمية تبلغ تقريباً عشرة أضعاف إجمالي الناتج المحلي العالمي. ونتيجة هذه الوفرة الهائلة لرأس المال، والتيسير الكمي العالمي، وانخفاض الطلب نسبياً على الاستثمار في مجال البحث والتطوير والمشاريع الرأسمالية، فإن تكلفة الاقتراض للعديد من الشركات بعد خصم قيمة الضريبة تعادل نسبة التضخم أو قريبة منها، ما يجعل القيمة الفعلية لتكلفة الاقتراض قريبة من الصفر.

وفي المقابل، فإن رأس المال البشري اليوم هو المورد الأكثر ندرة في الشركات، ويقاس بثلاثة عوامل لدى القوة العاملة لديك، وهي الوقت والموهبة والطاقة. إذ إن الوقت، سواء كنت تقيسه بعدد الساعات في اليوم الواحد أو عدد الأيام في المسار المهني، فهو محدود. وكذلك تعد المواهب التي تحدث فرقاً هي أيضاً نادرة. إذ تَعتبر الشركةُ متوسطة المستوى أن 15% فقط من موظفيها تقريباً هم من الأشخاص الذين يحدثون فرقاً. إذ ليس من السهل إيجاد مواهب كهذه وتطويرها والاحتفاظ بها، وهذا ما دفع الصحافة التجارية إلى الإشارة إلى ما وصفته بـ "الحرب" من أجل المواهب. الأمر ذاته ينطبق على الحصول على موظفين ذوي طاقة. وبالرغم من أن هذه الطاقة أمر غير ملموس، يمكنك قياسه بعدد الموظفين الملهَمين ضمن طاقم العمل لديك. فتشير أبحاثنا إلى أن إنتاجية الموظفين الملهمين تزيد ثلاثة أضعاف عن زملائهم الذين لا يشعرون بالرضا، إلا أن النوع الأول نادر. فبالنسبة لمعظم المؤسسات، يمكنك أن تجد شخصاً واحداً ملهَماً بين كل ثمانية أشخاص.

إذاً إليك الملخص: رأس المال النقدي وفير، ويدار بعناية، بينما رأس المال البشري نادر لكنه لا يدار باهتمام. لماذا؟ يعود ذلك، جزئياً، إلى أننا نقدّر ونكافئ الإدارة الجيدة لرأس المال، ويمكننا قياسه. كما يحظى كبار الرؤساء التنفيذيين بمكانة عالية واحترام شديد نظراً لإدارتهم الذكية لرأس المال النقدي هذا وتخصيصه. أما اليوم، فيحتاج كبار التنفيذيين أن يتمتعوا بنفس القدر من المهارة والذكاء في إدارة رأس المال البشري.

إذاً، كيف يمكننا إدارة رأس المال البشري بطريقة أفضل؟

قم بقياسه. تقول الحكمة الشهيرة: "ما لا يمكنك قياسه، لا يمكنك إدارته".

هناك مجموعة كبيرة من مقاييس الأداء التي تقيس رأس المال النقدي مثل عائد الأصول (ROA)، والعائد على صافي الأصول (RONA)، والعائد على رأس المال المستثمر (ROIC)، والعائد على رأس المال المستخدم (ROCE)، ومعدل العائد الداخلي (IRR)، والقيمة السوقية المضافة (MVA)، والقيمة الحالية المعدلة (APV)، وغيرها. في حين يمكنك قياس رأس المال البشري باستخدام مقاييس مثل مؤشر الطاقة الإنتاجية الخاص بنا، الذي يبحث في تكلفة العوائق التنظيمية، والفوائد التي يمكن أن تعود على إجمالي الطاقة الإنتاجية لديك من وراء الإدارة الفعالة للمواهب والقدرات. يمكنك قياس كمية وقيمة الوقت الذي تخصصه للمشاريع أو المبادرات، وقياس العائد على هذا الوقت. كما تستطيع قياس مقدار المواهب التي تحدث فرقاً في مؤسستك. وعندما أعادت شركة الألعاب "سيزرز إنترتينمنت" (Caesars Entertainment)، توزيع عملياتها عام 2011، لم يطور فريق الإدارة العليا قاعدة البيانات حول أداء أفضل 2,000 مدير لدى الشركة وإمكاناتهم فحسب، بل أيضاً حلل المقدرة لدى أفضل 150 منهم لتولي وظائف جديدة ومختلفة.

استثمر في رأس المال البشري تماماً كما تفعل مع نظيره المالي. لقد طوّر عالم الأعمال مفاهيم تخص رأس المال المالي، مثل تكلفة الفرصة البديلة لرأس المال، التي تنعكس في متوسط التكلفة المرجحة لرأسمال الشركة. فتجدنا نقيس قيمة عمر الاستثمارات، ونحدد الحد الأدنى للعائد قبل أن ننفق دولاراً واحداً من رأسمالنا. ونجري عملية محاكاة مونت كارلو- وهي نمذجة احتمال الحصول على نتائج مختلفة من عملية ما بسبب تداخل متغيرات عشوائية فيها - لنقيّم العوائد المختلفة في ظل الارتياب. أما بالنسبة لرأس المال البشري، فنحتاج أن نبدأ التفكير حول تكلفة الفرصة البديلة بالنسبة لساعة مهدرة من الوقت. ومن أساليب فعل ذلك قياس تكلفة الاجتماعات. إذ اكتشف زملائي في شركة "بين" أن تكلفة اجتماع لجنة المدراء التنفيذيين أسبوعياً في إحدى الشركات بلغت 300 ألف ساعة في السنة في وقت الدعم من أقسام مختلفة في الشركة. وبالمثل، عندما ألقت شركة "وودسايد" (Woodside)، وهي شركة نفط وغاز أسترالية، نظرة ثاقبة على اجتماعاتها، اكتشفت أنها كانت تستغرق 25%-50% من وقت الموظفين. فيما قلصت سلسلة من الطيارين وقت اجتماعاتهم بمعدل 14% وسطياً بين مجموعات الطيارين، فبلغت قيمة التوفير بالوقت ما يعادل 7% من سعة الدوام الكامل لتلك المجموعات. لذلك، عندما ندرس مشروعاً ما، وقبل عقد أي اجتماع جديد، أو التفكير في مبادرة جديدة، يجب أن نأخذ الوقت بعين الاعتبار كما نفعل مع المال، بما في ذلك حساب تكلفة الفرصة البديلة للوقت والموهبة ضمن الحد الأدنى للعائد.

راقبه. يقيس فريق من المتخصصين في التخطيط والتحليل المالي النتائجَ

الحقيقية والمتوقعة لرأس المال المالي. إذ تقيّم لجان إدارة الاستثمار الاستثمارات الجديدة. وتُعرض خطط الإنفاق على مجلس الإدارة لإجراء مراجعات تفصيلية. ويجب علينا جميعاً تقديم طلبات للموافقة على صرف مبالغ مالية. وبالمثل، فيما يتعلق برأس المال البشري، فلا بد أن نجري مراجعات دورية لدراسة مقدار العوائق التنظيمية الذي يمكن التحكم به ضمن مؤسستنا، ومعرفة الإجراءات التي علينا اتخاذها للحد منها. ويمكن للعديد من أدوات البيانات الكبيرة مثل "مايكروسوفت وورك بليس أناليتكس" (Microsoft Workplace Analytics) أن توفر مراجعات مفصلة عن كيفية استخدامنا للوقت. أما بالنسبة للمواهب، فإننا نحتاج أن نعرف أصحاب الموهبة الذين يحدثون فرقاً، وفيما إذا كانوا في أماكنهم المناسبة، ويؤدون أدوارهم ضمن مهام ومبادرات على قدر من الأهمية.

وعلى سبيل المثال، يمكننا أن ننظر إلى إحدى شركات التوريد التي ترغب في معرفة السبب الذي يجعل بعض مندوبي المبيعات ذوي أداء عالٍ. أظهر تحليل إحصائي للمقاييس بواسطة برنامج "وورك بليس أناليتكس" وعوامل أخرى، أن أصحاب الأداء العالي يمضون وقتهم بشكل مختلف عن نظرائهم من أصحاب الأداء المتوسط. وكانت بعض الاختلافات واضحة، إذ كانوا يمضون، في المتوسط، أربع ساعات في الأسبوع مع العملاء أكثر من المندوبين الآخرين، أو كانوا يجرون عمليات بيع متبادل بنسبة تفوق الآخرين بـ 25%. لكن بعض السلوكيات كانت مدهشة، فعلى سبيل المثال، كان أصحاب الأداء الأفضل أكثر تعاملاً وتعاطياً مع مجموعات مختلفة ضمن الشركة بنسبة ثلاثة أضعاف. وبتعبير آخر، تواصل هؤلاء مع الأشخاص الذين يمكنهم أن يقدموا لهم العون فيما يتعلق بشؤون العميل، مثل العاملين في الأقسام المالية والقانونية والتسعير أو التسويق.
قدّر الإدارة الجيدة للوقت والموهبة والطاقة، وكافئها. تاريخياً، يمكن للاستثمار الناجح لرأس المال أن يصنع المسار المهني للشخص. وغالباً ما ترتبط التعويضات المتغيرة بقياس القيمة الاقتصادية المضافة. وعلى الرغم من أن معظم الشركات لا تعرض فرصة عمل مستمر مدى الحياة، فإنه يجب عليهم إيجاد وسيلة لخلق فرص تعيين لمدى الحياة بالنسبة لأصحاب المواهب التي تحدث فرقاً، والعمل بجد يومياً لإعادة تعيينهم من خلال خلق بيئة عمل ملهمة وموجهة لتحقيق نتائج محددة. فعندما أسس ريد هوفمان موقع "لينكد إن"، وعد أن الشركة ستساعد في تطوير مسار الموظفين الموهوبين الذين وقعوا عقوداً لمدة سنتين إلى أربع سنوات وقاموا بمساهمات مهمة، وذلك إما بمنحهم فترة عمل أخرى في "لينكد إن"، أو من خلال دعمهم إذا انتقلوا. وساعد مفهوم فترة العمل هذا في جذب الموظفين الرواد والاحتفاظ بهم.

لذلك، يجب أن يقاس أداء القادة وأن يكافَؤوا على مدى إلهامهم، وأيضاً على تقديمهم لتقرير الموازنة الخاص بالمواهب الذي يوضح عدد الأفراد الذين وظفوهم من ذوي الكفاءة العالية، وعملوا على تطويرهم والاحتفاظ بهم، وما هي الموازنة التجارية للمواهب – أي صافي الواردات من المواهب ذات الإمكانات العالية الذين ضموهم إلى مجموعتهم مطروحاً منها الصادرات من المواهب. إن القيم الحقيقية للشركة تتمثل في تحديد من تمت مكافأته وترقيته ومن تم التخلي عنه، كما ذُكر في كتاب "نتفليكس" الشهير حول الموارد البشرية.

كانت تلك بعض الطرق التي يمكن أن نبدأ بها بهدف تحقيق الانضباط في إدارة رأس المال البشري. ولا بد أن هناك العديد من الحلول الخلاقة الأخرى. ولا تنس أن الوقت محدود، والمواهب نادرة وتستحق أن نقاتل من أجلها، أما الطاقة فيمكن خلقها أو تدميرها. وكلما أسرعنا بالعمل وفق هذه المعتقدات، سنجني العائد الذي نستحقه من رأس المال البشري.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي