كيف تنزع فتيل الغضب في النقاشات المشحونة بالانفعالات مع زملاء العمل؟

4 دقائق
إدارة النقاشات المشحونة بالانفعالات

إن العمل مع أي شخص لمدة كافية سيعرضك حتماً لمواجهة وجهات النظر المتعارضة، وفي أغلب الأحيان، يتم حل هذه الخلافات بشكل ودي. ولكن إذا كنت (كغالبية الناس) تجد نفسك منغمساً بين الحين والآخر في إدارة نقاشات مشحونة بالانفعالات لدرجة تبدو وكأنها ابتعدت عن القضايا التي من المفترض مناقشتها، فماذا يمكن أن تفعل؟ عندما يخرج النقاش عن نطاق السيطرة أو عندما تشحذ كامل قواك للإنصات بصبر بينما الطرف الآخر لا يزال متشبثاً برأيه، ماذا يمكنك أن تفعل؟ كيف يمكنك أن تعيد هذا النقاش إلى مساره الصحيح؟

مستويات إدارة النقاشات

لقد وظف أنتوني سوشمان جزءاً كبيراً من حياته المهنية للبحث عن أجوبة لهذه الأسئلة. يدرس سوشمان، الطبيب الساحر صاحب الفكر المتقد، ديناميكيات العلاقات الإنسانية على مدار أكثر من 3 عقود، حيث نشر نتائج أبحاثه في بعض المجلات الطبية الرائدة في العالم.

ووفقاً لسوشمان، يدار كل نقاش حول العمل وفق مستويين وهما: مسار المهمة ومسار العلاقة. وأحياناً نلاحظ انصهار هذين المسارين في بوتقة واحدة، حيث يصعب الفصل بينهما عندما تحتدم الخلافات وينهار التعاون.

وهنا سنوضح ماذا يعنى ذلك: لنفترض أننا نعمل معاً في مشروع واحد. وطوال فترة عملنا هذه كانت لدينا وجهات نظر متضاربة حول خطواتنا التالية. فأنا أعتقد أنه ربما علينا الاستعانة ببرنامج بوربوينت لتقديم عرض تقديمي مهم، وفي المقابل أنت تجد أن هذا البرنامج يعد وسيلة تواصل ضعيفة. فعندما أُعرب عن وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظرك، يمكنك الاكتفاء بأخذ الخلاف بيننا على محمله الظاهري فقط لتعلق: "أعتقد أن لدى رون وجهة نظر مختلفة". بينما لو كانت تجربتنا في العمل معاً جديدة، أو مررنا ببعض المشاحنات في السابق، فمن المرجح أن تقرأ ما وراء سطور اقتراحاتي بل وستستخدم ذلك في استنتاجاتك حول علاقتنا. فعلى سبيل المثال، قد تسيء فهم اقتراحي وتعتبره افتقاراً للثقة، أو عدم احترام، أو دليلاً على التنافسية.

يزعم سوشمان، أنه في هذه المرحلة يصبح الخلاف المرتكز حول المهمة مشوباً بهواجس حول مدى قوة العلاقة. وعندما يحدث ذلك، تتفاقم الأمور بسرعة.

فمن الناحية العصبية، يُعتَبر ما وصفه سوشمان عبارة عن تحفيز لاستجابة الخوف. فعند إدراك الخطر، ترسل منطقة ما تحت المهاد في أدمغتنا إشارة لإطلاق الأدرينالين والكورتيزول في مجرى الدم. ما يؤدي إلى تحفيز استجابة الكر أو الفر التي تضع أجسادنا في حالة تنبيه مفرطة، والتي بدورها تعمل على قصر قدرتنا على التركيز أو التفكير الخلاق، وبذلك نشهد الرؤية النفقية.

ففي الماضي، كان لرد الفعل التلقائي تجاه الخوف دور مفيد للغاية، حيث ساعد على حمايتنا من خطر اقتراب الحيوانات المفترسة؛ كما أتاح لنا إمكانية البقاء على قيد الحياة لفترة كافية من أجل التكاثر. أما في بيئة العمل المعاصرة، فيمكن أن تؤثر استجابة الخوف القسرية على قدرتنا في العمل التعاوني مع الآخرين. وهذا هو السبب الوحيد لتفسير العلاقة الطردية بين حجم الشحنة الانفعالية، وصعوبة إقناع أي من الطرفين في الإصغاء.

ولنزع فتيل هذه المواقف الانفعالية المضطربة، يعتقد سوشمان أن الخطوة الأولى تكمن في الفصل بين مساري المهمة والعلاقة، حيث صرح أنه: "عندما يختلف الناس، يكون السبب غالباً إساءة تفسير أحد الأطراف للتعليقات التي يتلقاها على أنها هجوم شخصي". "وبذلك تصبح الأمور كالتالي: إذا كنت تحب فكرتي، فأنت تحبني، وإذا كنت لا تحب فكرتي، فأنت لا تحبني. وهذا الوضع يُحمّل مسار المهمة أعباء هائلة ويزيد من صعوبة التحدث بصراحة".

إضافة إلى ذلك يشير سوشمان إلى أن قدرتنا العقلية محدودة، ما يعني أنه بإمكاننا الانتباه إلى أحد المسارات فقط؛ إما مسار المهمة أو مسار العلاقة. وعندما نجتاز المسارين معاً، فإن قدرتنا على التعاون البناء تتراجع. هناك نهج واحد للحد من التوتر في أثناء الخلافات ينطوي على الالتحاق المُتَعَمّد بمسار العلاقات وعلى تأكيد التزامك بالعلاقة. وبهذه الطريقة لن يوجد أي لَبس حول ماهية النقاش. فمن خلال التركيز المؤقت على العلاقة، ستتمكن من فصل الأمور الشخصية عن العمل.

سلسلة عبارات بناء العلاقات المثمرة

يوصي سوشمان باستخدام سلسلة محددة من العبارات الخاصة ببناء العلاقات لجعل النقاش مثمراً بشكل أكبر، والتي تتمثل في الأحرف الأولى للكلمات الإنجليزية التي تشكل الاختصار "بي إي أيه آر إل إس" (PEARLS) وتعني:

الشراكة:

"أريد حقاً أن أعمل معك".

"أراهن أنه بإمكاننا إيجاد الحل معاً".

التعاطف:

"أستطيع أن أشعر بحماسك في أثناء حديثك".

"يمكنني إدراك مدى قلقك".

الإقرار:

"من الواضح أنك عملت بجد لإنجاز عملك".

"يبدو جلياً أنك وظفت قدراتك في هذا العمل".

الاحترام:

"لطالما كنت أقدر إبداعك".

"من المؤكد أنك تعرف الكثير عن العمل".

المصادقة:

"سيكون ذلك صعباً على أي شخص".

"من منا لم ينتابه القلق بشأن هذا النوع من الأعمال؟".

الدعم:

"أرغب في مساعدتك على هذا العمل".

"أريد أن أراك ناجحاً".

قد يكون استخدامك لعبارات بناء العلاقات غير طبيعي في البداية، خاصة عندما لا تكون معتاداً على مدح الآخرين. وهذا كان شعوري بالضبط عندما بدأت في استخدامها لأول مرة في المناقشات التي تدور في مكان العمل. ولكنني اكتشفت أن العامل الأساسي للنجاح يتمثل في توظيف تلك العبارات باعتدال في البداية وأن تُفصح عن العبارات التي تعكس شعورك الحقيقي فقط.

وعلى الفور تقريباً، ستلاحظ أن استخدام الـ "بي إي أيه آر إل إس" في الوقت المناسب يمكن أن يغير مجرى النقاش إلى حد كبير. لأنه ومهما علا منصبنا في السلم المؤسسي فما زلنا محكومين بشروط التفكير العاطفي الذي يسيطر على عقولنا. فعندما يتسلل الخوف إلى المعادلة، يصبح من المستحيل حث الناس للقيام بعملهم على أفضل وجه ممكن، وهذا هو السبب الذي دفعنا إلى اعتبار استعادة الثقة في العلاقة وسيلة ناجعة.

تعد القدرة على إدارة النقاشات مهمة، وتعد قيمة عبارات بناء العلاقة كبيرة، بحيث تمتد إلى ما هو أبعد من مكان العمل. فهي فعّالة حتى مع الأزواج والأطفال والأصدقاء بالضبط كفاعليتها مع الزملاء. والسبب بسيط، ففي أي وقت تلبي فيه احتياجات الآخرين النفسية للتواصل، ستتمكن من تحسين جودة التواصل بينكما. وكلما كانت الحجة أكثر إلحاحاً، ازدادت أهمية هذه العبارات.

اقرأ أيضاً: ما هي حلقة النقاش؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي