على الرغم من شعوري بداية أنني أتبنّى تفكيراً نمطياً في تصنيف الناس حسب جيلهم، وأن لكل فرد شخصيته الفريدة، أدركت أيضاً أن للأجيال المختلفة خصائص متنوعة تؤثر في أفكارهم وسلوكياتهم، وما يجعل تلك الاختلافات أكثر بروزاً هو الفجوة الزمنية الكبيرة بين الأجيال. ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن هذه الفروق ليست ثابتة أو واضحة المعالم، وأنه ثمة تداخل كبير بينها.
وكما أن لتجاربنا الحياتية الفردية أثر كبير في تشكيل هويتنا، يؤدي العالم دوراً مهماً في تحديد هويتنا الجيليلة، فبما أنني ولدت عام 1973، فأنا أنتمي إلى مجموعة الجيل إكس التي ترعرعت على يدي جيل طفرة المواليد وتأثرت بقيم جيل ما بعد الحرب المتمثّلة في العمل الجاد وسياسة التوفير والمنظومات المجتمعية. وعلى الرغم من أنني جزء من الجيل إكس، فإنني أُبدي أيضاً بعضاً من خصائص الجيل التالي، الجيل زد، كحب الاستطلاع، والرغبة في تبديل الوظائف والمناصب بانتظام، والاعتقاد بأن التكنولوجيا قادرة على قيادة الابتكار. ومع ذلك، ما زلت أحتفظ بالعقليات التقليدية التي يتبناها جيلي، كالتركيز الشديد على التعليم والوظيفة والأسرة.
وبصفتي قائداً للقادة، أُتيحت لي فرصة التواصل مع مجموعة مكونة من 100 رئيس من الرؤساء التنفيذيين من خلال مجموعات شركة فيستج. ومن بين الموضوعات الشائعة التي دارت بين هؤلاء الرؤساء التنفيذيين هو التحدي المتمثل في القيادة الفعالة لمجموعة متنوعة من الموظفين الذين يندرجون ضمن ما يصل إلى 4 أجيال مختلفة ومتداخلة في مكان العمل. وعلى الرغم من تكيّف العديد من الرؤساء التنفيذيين مع جيل الألفية الرائدين، يواجهون اليوم تحدياً جديداً متمثلاً في قيادة الجيل زد. واكتسبنا من خلال محادثاتنا رؤى ثاقبة قيّمة حول عقليات هذه الأجيال المختلفة ودوافعهم وسلوكياتهم في أماكن العمل.
فك اللغز: فهم الخصائص الفريدة للجيل زد
يمتلك الجيل زد عقلية ريادية تدفعه إلى ممارسة سلوكيات فردية تتعارض أحياناً مع النهج التعاوني الشائع لدى جيل الألفية والجيل إكس، فأبناؤه يعتبرون أنفسهم حلالي المشكلات ويفضّلون التصرف بشكل مستقل لتحقيق النتائج المرجوة، لكن بدلاً من كبح جماحهم أو محاولة السيطرة عليهم، أوصي باتباع نهج قائم على الاعتماد المتبادل، فمن المهم عند إدارة مزيج من الأجيال خلق وظائف تعزز الاعتماد على الذات وتتيح لأعضاء الفرق التواصل بعضهم مع بعض بشكل تعاوني، ما يتيح للجيل زد ممارسة استقلاليته والمساهمة في جهود الفريق في الوقت نفسه. ومع ذلك، من المهم إرساء قانون مفاده أنه "ينبغي لأي إجراء مستقل ألا يضر بجهود الفريق". وهذا النهج مشابه لنهج فرق كرة القدم الناجحة التي يعرف كل عضو فيها ماهية دوره ويتمتّع بحرية إضافة مهاراته وأسلوبه الفريد ويسهم أيضاً في جعل الجهد الإجمالي للفريق أكثر فعالية.
ولاحظنا بالإضافة إلى ذلك أن الجيل زد موجّه بالأهداف ومدرك لما يحصل في العالم حوله من أحداث، لا سيّما القضايا السياسية والبيئية والاقتصادية. وهو جيل نشيط ويفضّل العمل لدى الشركات التي تعطي الأولوية لقيمها وتمتلك إحساساً واضحاً بالهدف. وقد تواجه الشركات التي لديها استراتيجيات غير واضحة فيما يتعلّق بالمسؤولية الاجتماعية للشركات أو الأهداف البيئية والاجتماعية وأهداف حوكمة الشركات صعوبة في جذب هذه المجموعة من الموظفين أو استبقائهم، إذ يرغب هذا الجيل عادة في إجراء محادثات تعكس القضايا العالمية والمواضيع الحساسة التي لم تُناقش مسبقاً في أماكن العمل. وقد يساعد هذا الانفتاح في بناء الثقة، ويشجّع التنوع، ويعزز عملية صناعة القرار القائمة على القيم ضمن المؤسسة، فالتشكيك في الأهمية والهدف يساعد المؤسسة وموظفيها في اكتساب الوضوح والتحفيز الذاتي، ما يعزز التوافق والمواءمة في النهاية.
ويفضّل أبناء هذا الجيل خوض محادثات جذابة ومحفزة للتفكير على حد سواء تستكشف جوانب مختلفة من الحياة بأسلوب مقتضب يؤثر في عواطفهم ويجذب انتباههم. وبما أنهم ترعرعوا في عصر من الإلهاء المستمر عليهم تدقيق فائض من المعلومات لتحديد الضروري والقيِّم منها. وعلينا بالتالي تغيير أساليبنا في التواصل والتدريب واستراتيجيات التوجيه لجذب هذه المجموعة، كاستخدام الدروس المصغّرة والتجارب العملية، إذ يحرص أبناء هذا الجيل على اكتساب مهارات جديدة وتعلّم تقنيات بديلة وتكريس مزيد من الوقت لتطوير الذات، ما يجعل هذه التغييرات في أماكن العمل مفيدة.
إدارة الجيل زد: استراتيجيات النجاح
تتطلّب إدارة موظفي جيل الألفية وإشراكهم بشكل فعال تزويدهم بفرص تولي زمام أمور عملهم وقيادة المشاريع، ومنحهم المرونة للعمل وفق جدول مواعيدهم أو السماح لهم بممارسة اهتماماتهم. قد تكون التكنولوجيا أو العمليات القديمة مصدراً رئيسياً لشعور هذا الجيل بالإحباط، ما يجعل الاستثمار في الأدوات الحديثة وتبسيط سير العمل مفيداً في تحسين الرضا الوظيفي وتعزيز الإنتاجية.
وفي الختام، أدركت بصفتي والداً لبنات من الجيل زد أن التواصل مع أبناء هذا الجيل الجديد قد يكون صعباً أحياناً، بغض النظر عن عمرك أو خلفيتك، ولا تتعلق صعوبة التواصل معهم وفهمهم بشخصياتهم، بل بنشأتهم في زمن جلب لهم مزيداً من الامتيازات والفرص، ما جعل تطلعاتهم وطموحاتهم أعلى وسابقة لأوانها بالنسبة للأجيال السابقة. ومع ذلك، من المهم فهم تحدياتهم واحتياجاتهم الفريدة والتعامل معهم بتعاطف وتفهّم، فيمكننا في مكان العمل مثلاً تبنّي التقنيات الجديدة واستراتيجيات الإدارة بهدف تسخير إمكاناتهم ومساعدتهم على الازدهار في مساراتهم المهنية، فالتعرف على خصائص هذا الجيل وتجاربه الفريدة وتقديرها سيخلق مستقبلاً أكثر إشراقاً للجميع.
ينطوي أسلوبي في إدارة الجيل زد على تسخير حماسهم لإحداث التغيير، وتعزيز استقلاليتهم وعقلياتهم الموجهّة بالأهداف، وتشجيعهم على فهم قيمة العمل التعاوني والإنصات الإيجابي والصبر، إضافة إلى الاعتراف بصفاتهم الفريدة بصفتهم صانعي محتوى ومحاورين فاعلين.
لا يفصل أبناء الجيل زد بين حياتهم الشخصية والمهنية، والزعزعة أمر لا مفر منه عند دخولهم مكان العمل، لكنهم سيطورون القدرة اللازمة على التحمّل من أجل تحقيق النجاح من خلال تقبّل الفشل والتعلّم منه. وعندما ينهون فترة تعليمهم المدرسي ويبدؤون رحلة العمل، عليهم التخطيط للزعزعة التي يحدثونها للآخرين ولأنفسهم وتقبّلها.
وعليهم ألا ينسوا أن الفشل يعزز القدرة على التحمّل التي يحتاجون إليها لتحقيق النجاح في هذه الحياة التي يكون العمل فيها أقل أهمية بالنسبة لهم؛ وعلينا نحن ألا ننسى أن ثمة الكثير لنتعلمه منهم!