أدت جائحة "كوفيد-19" إلى ارتفاع مستويات التوتر لدى الموظفين، حتى إن أكثر من ثلثيهم يقولون إن هذه الفترة هي الأكثر توتراً خلال مسيرتهم المهنية، وعلى الرغم من أن بعض هذا التوتر يُعزى إلى مخاوف صحية ووجودية، فإن الكثير منه يرتبط بالعمل ذاته، حيث يضيف كلٌ من الخوف من التسريح من العمل والإرهاق الناتج عن الاجتماعات التي لا حصر لها على منصة "زووم"، والقلق حول كيفية إدارة المسيرة المهنية، وضغوط الموازنة بين العمل ورعاية الأبناء والمسؤوليات الأسرية عبئاً ثقيلاً من التوتر الذي يمكن أن يؤثر على العلاقات الشخصية للموظفين في المنزل.
في الأوقات العادية، يعمل الموظف في مكان مختلف عن ذلك الذي يعيش فيه، وهو ما يضع حائلاً بين حياته الشخصية في منزله وحياته المهنية في عمله، ووضع هذا الحائل بين الحياة الشخصية والحياة المهنية أمر شائع في مختلف الثقافات، لما له من فوائد، فعلى الرغم من أننا دائماً نحمل بعضاً من آثار العمل إلى المنزل، فبإمكاننا الدخول إلى المنزل وقد تركنا وراءنا حرفياً الثقافات المضرة والاجتماعات الصعبة ومشكلات الزملاء في مقر العمل، أما الآن فلم يعد أولئك الذين أُجبروا على العمل من المنزل يمتلكون مثل هذا الملجأ، حيث تحول ملاذهم الذي كانوا يفرون إليه من ضغوط العمل إلى مكان تزداد فيه حدة هذه الضغوط.
يشغل حاتم، على سبيل المثال، منصب رئيس المهندسين في شركة ناشئة تكافح من أجل الاحتفاظ بعملائها، ويعمل جاهداً على تكييف منتجهم مع الوضع الجديد وعلى تهدئة أعصاب فريقه من مطوري البرمجيات، إذ يشعر هو وفريقه بتزايد خطر انهيار الشركة، حتى إنه قال لي مؤخراً: "لم أعانِ قط مثل هذا التوتر الذي أعانيه الآن في العمل، فأنا أعمل طوال الوقت وأحاول حل المشكلات هنا وهناك، وأعلم أنني مُعرَّض لأن أصبح عاطلاً عن العمل في أي لحظة على الرغم من كل هذه الجهود التي أبذلها". أحست زوجته سلمى بضيقه، وكانت قد حصلت مؤخراً على وظيفة جديدة عن بعد وتتلقى تعليمات إعداد الموظفين الجدد على طاولة مطبخها، حيث تقول عنه: "لقد أصبح متوتراً للغاية، وبات من الصعب مشاهدته أو حتى العيش معه وهو على هذه الحال، فتوتره ينعكس عليّ شخصياً بمجرد أن أكون معه في الغرفة نفسها" (ملحوظة: هذان الاسمان ليسا اسميهما الحقيقيين).
وحرصاً على مساعدة حاتم وتخفيف حدة التوتر في المنزل، قررت سلمى أن تساعد زوجها على دراسة الخيارات المتاحة أمامه، وخلال وجبة العشاء بدأت تقترح عليه الشركات البديلة التي يمكنه أن يعمل فيها إذا فقد وظيفته الحالية، لدرجة أنها أخذت تبحث عن الوظائف الشاغرة في إعلانات الوظائف نيابة عنه، ولكن دعمها حسن النية أتى بنتائج عكسية، حيث أوضح حاتم: "أعلم أنها فعلت ذلك بحسن نية وبدافع حبها لي، إلا أن تصرفها ذاك جعلني أكثر توتراً لدرجة أنني أصبحت أبغض وجبة العشاء وأتجنب التحدث إليها وبت أشعر وكأنني لا أقوى على الهرب، فليس هذا ما أحتاج إليه".
بالنسبة إلى الأزواج العاملين، مثل حاتم و سلمى، فإن فكرة العمل من المنزل في ظل أزمة عالمية لا تؤثر عليهم وحدهم: بل تؤثر على شركاء حياتهم أيضاً، فعلى الرغم من أن معظم الأزواج في الأوقات العادية يتأثرون بتوتر شركاء حياتهم نتيجة ضغوط العمل، فإن قلة منهم لديهم خبرة التعايش مع هذا التوتر عن كثب، يوماً بعد يوم، وأسبوعاً بعد أسبوع، فأن تسمع من شريك أن مديره في العمل صعب المراس شيء، وأن تكون قادراً على أن ترى شريك حياتك الذي تحبه يتعرض للتوبيخ في اجتماع فيديو شيء آخر، فمعايشة الضغوط التي يتعرض لها شركاء حياتنا في عملهم من هذه الزاوية القريبة أمر جديد على معظم الأزواج، والذين يمتلكون منا دليلاً موثوقاً للتعامل فيما بيننا في ظل هذا التوتر هم قلة قليلة.
فقد أخبرتني إينوك لي، مؤلفة كتاب "التوتر في المدينة" (Stress in the City) والمديرة الإدارية لاستشارات الصحة النفسية في مكان العمل، قائلة: "لا يمكنك التخلص من توتر شريك حياتك بمفردك، فأحد أكبر الأخطاء التي يرتكبها الشركاء أن يحاول أحدهم حل مشكلات الآخر بسبب استحالة فعل ذلك، هذا أولاً. وثانياً، فإن هذا السلوك يثقل كاهل شريك الحياة بعبء إضافي". فحتى لو فعلنا ذلك بنية حسنة ونبيلة، فلن يؤدي هذا العبء الإضافي إلا إلى مزيد من التوتر.
وعلى الرغم من أننا عاجزون عن إنقاذ شريك حياتنا، فإنه لمن المحزن أن نشاهد الشخص الذي نحبه والتوتر يستنزفه، وقد وجدت في بحثي الخاص الذي تناول الأزواج العاملين أن معظم الأشخاص مثل سلمى يريدون مساعدة شركاء حياتهم بإخلاص خلال الأوقات العصيبة، إذ يدركون أن الكيفية التي يتفاعلون بها مع توتر شركاء حياتهم ويتعايشون بها معه تؤثر على مستوى الرفاهة العاطفية لهم ولشركاء حياتهم، كما تؤثر على طبيعة علاقتهم ومسيرتهم المهنية.
ولما سألت "لي" عما يمكن لكل زوج أن يفعله عملياً للمساعدة في تخفيف حدة ضغوط العمل لدى زوجه والمزالق التي ينبغي تجنبها، أوضحت قائلة: "لعل أسوأ ما يمكن أن يفعلوه هو محاولة التقليل من حجم هذا التوتر، فقد يحاول البعض بحسن نية مساعدة شركاء حياتهم على التخفيف من حدة قلقهم بأن يقولوا لهم :’سيكون كل شيء على خير ما يرام‘ أو ’لا داعي للقلق‘، ولكن لا يؤدي ذلك فعلياً إلا إلى شعور شركاء حياتهم بأنهم منبوذون أو بأنهم قد أسيء فهمهم".
إذن، كيف نقر بضغوط العمل التي يعانيها شريك الحياة بطريقة تعزز رفاهتهم ورفاهيتنا العاطفية مع الاعتراف بأنه لا يمكننا التخلص من السبب الجذري للتوتر الذي يعانونه؟ تجمع هذه الخطة العملية المكونة من خمس خطوات بين نصائح لي حول التعامل مع التوتر والنتائج التي توصل إليها بحثي حول الأزواج العاملين
مهارات التعامل مع ضغوط العمل للأزواج
قدم هدية الاهتمام المنتظم المطلق
على الرغم من أن العديد من الأزواج الآن يبقون معاً طوال الوقت، فقد توصلت إلى أن الكثير منهم يشعرون بالوحدة في علاقاتهم، فقد أفضى بهم انشغال كل واحد منهم بالكثير من المهمات اليومية، مثل العمل والأعمال المنزلية والتعليم المنزلي أحياناً، إلى إهمال الآخر. بيد أن الحصول على اهتمام أحبائنا المطلق الذي يتيح لنا مشاركة إحباطاتنا والتعبير عنها بكل صراحة هو أحد أفضل صمامات التحرر من التوتر، ومن ثم يمكن لكل واحد من الأزواج مساعدة الآخر وتوطيد علاقته به من خلال منحه 15 دقيقة من الاهتمام المطلق في نهاية كل يوم بحيث يستمع فيها إليه بكل صراحة وانتباه دون تقديم اقتراحات ولا نصائح.
ابحث عن أفضل طريقة تدعم بها شريك حياتك
يختلف التوتر الذي نعانيه حالياً عن ذلك التوتر الذي كان معظمنا يعانيه من قبل. وقد توصلت "لي" في عملها إلى أن نوع الدعم الذي يحتاج إليه الموظفون بشدة قد تغير أيضاً، فقد بات أولئك الذين كانوا يفضلون الدعم العاطفي، على سبيل المثال، أكثر ميلاً الآن إلى تقدير المساعدة العملية، ومع أخذ هذا الجانب بعين الاعتبار، يصبح من المهم أن تسأل شريك حياتك عما يحتاج إليه، بدلاً من أن تفترض أن ما كنت تفعله من قبل سيظل مفيداً له، ومن ثم سيساعدك تحديد ما يحتاج إليه شريك حياتك على استغلال طاقتك الاستغلال الأمثل الذي يحقق أفضل مردود من علاقتك به، كما أن تعريف شريك حياتك بما تحتاج إليه وما يمكنك أن تقدمه له سيساعدك على تجنب إهماله أو الشعور بالاستياء.
افصل بين الوقت المخصص للعمل والوقت المخصص للواجبات المنزلية
ربما لم يعد المكتب على بعد أميال من المنزل، ولكن ما زال بإمكان الأزواج ترك مساحة بين العمل والمنزل، ولعل البدء بتخصيص أماكن محددة كحيز مادي في المنزل بحيث يحظر العمل خارج نطاق الأماكن المخصصة للعمل، مثل غرفة النوم أو الفناء أو مخرج الطوارئ، وفي الأوقات المخصصة للاستراحة من العمل، مثل فترات الراحة المنتظمة خلال النهار ونقطة التوقف المسائية بعد يوم عمل شاق، فمن شأن هذه الملاذات الصغيرة أن تساعد على ترك العمل والابتعاد عن التوتر بشكل مؤقت ومن ثم التحرر من آثاره السلبية المضرة.
خصص وقتاً تختلي فيه بنفسك
ربما يبدو تخصيص وقت تبتعد فيه عن شريك حياتك غريباً في ظل هذه الفترة من العزلة، ولكن من المهم أن تهتم بنفسك وبعلاقاتك. يمكنك أن تمشي بمفردك حول البناية كل يوم، أو تتفق مع شريك حياتك على العمل في غرف منفصلة، أو تقضيان المساء في أنشطة مختلفة. أياً ما كان ما ستفعلانه في هذا الوقت، فإنه سيساعدكما على تجديد نشاطيكما والابتعاد بعض الشيء عن ضغوط العمل التي يعانيها كل منكما، وحتى لا يؤثر على حياتكما سلباً، فكما أن الغياب يزيد القلب لوعة فإنه يصنع العجائب بعلاقتيكما.
نشّط شبكات الدعم الافتراضية
لا أحد منا يستطيع الحصول على كل الدعم الذي يحتاج إليه من شريك حياته، حتى لو كان شريك حياتك هو البالغ الوحيد الذي تعاملت شخصياً معه منذ شهور، ولكي تتخلص أنت وشريك حياتك من التوتر الذي يثقلكما، فلا بد من مناقشة مصادر الدعم الأخرى التي يمكنها مساعدتكما على التعامل مع ضغوط العمل ومناقشة كيفية الاستفادة منها. قد تتمثل هذه المصادر في زملاء العمل أو الأقران في شبكات العلاقات المهنية، أو الأصدقاء وأفراد الأسرة، أو مدرب، أو مستشار، أو حتى طبيب نفسي. أياً ما كانت ماهية هذه المصادر، فإن الاستعانة بها تمكِّننا من التواصل معها بشكل نشط وزيادة قدراتنا ومساعدة أنفسنا وشركاء حياتنا على التعامل مع ضغوط العمل.
وفي نهاية الحديث عن إدارة الضغوط في العمل، ربما تبدو هذه الخطوة غير بديهية، ولكن الابتعاد عن توتر شريك حياتك ووضع حدود لإبعاده عنك هو أفضل وسيلة لدعمه ودعم نفسك على المدى الطويل، وهذه خطوة ضرورية ومتممة للاهتمام المنتظم المطلق والدعم المكثف لأن هذا المزيج يتيح لك القدرة على البقاء قريباً من شريك حياتك والاهتمام به دون أن تنزلق إلى هذا المستنقع من التوتر، كما أنه سيعزز مسيرتك المهنية وعلاقتك بشريك حياتك في النهاية.