مارك بونشيك وإيلزا ستيل
هل يمكنك تقييم طريقة التفكير بنجاح؟ كلنا نطمح للعمل بشكل أفضل مع الآخرين. والتكنولوجيا تجعل هذا أسهل إلى حد ما. لكن الأدوات التكنولوجية ليست سوى جزء من الحل. فالأساس هو البشر لأنهم العنصر الأكثر تأثيراً في نهاية المطاف.
وتكمن المشكلة في أن التكنولوجيا المستعملة لتسهيل التعاون بين الناس تتحسن بوتيرة أسرع من قدرة الناس على تعلم كيفية استعمالها. إذاً، ما الذي يمكننا فعله لسدّ تلك الثغرة؟ قبل عام من الآن، حاولنا البدء في الإجابة عن هذا السؤال، معتمدين على الخبرة الجماعية والعملية لمجموعة من المؤسسات والشركات التي تعتمد في عملها على التعاون وتبدي اهتماماً بموضوع التعلم. وإليكم النتائج التي توصلنا إليها.
تمتلك معظم المؤسسات مجموعة من الأدوات المحددة التي نستعملها لإنشاء فرق العمل وقيادتها وإدارتها. وتشمل هذه الأدوات اختبارات الشخصية والمهارات المطلوبة والأدوار التي من المحتمل أن يشغلها أعضاء الفريق. فعندما تحاولون تأليف فريق معين، فإنكم تأخذون في الاعتبار شخصيات الناس: هل الشخص المعني انطوائي أم أنه منطلق واجتماعي؟ هل هو من الناس الذين يحبذون المجازفة أم من الذين يتحاشون أي مخاطر؟ هل هو شخص يتكل على قدراته التحليلية أم أنه يتصرف اعتماداً على حدسه؟ وتأخذون في الاعتبار أيضاً مهاراته: ما الموهبة أو الخبرة أو التجربة الخاصة التي يمتلكها والتي تميزه عن الآخرين؟ كما أنكم تأخذون في الحسبان أيضاً الدور المحتمل الذي يمكن لذلك الشخص أن يلعبه في الفريق: ما الإسهام الذي سيقدمه هذا العضو للمساعدة في تحقيق هدف الفريق؟
عندما نفكر عادة في أدوار الناس ضمن الفريق، فإننا نركز على ما "يفعله" الشخص، أي هل هو قائد الفريق، أم مدير المشروع، أم مجرد باحث فيه. وعندما تحتاج إلى قرار، فإنك تذهب إلى قائد الفريق. وعندما تحتاج إلى الاطلاع على آخر المستجدات، فإنك تلجأ إلى مدير المشروع. وعندما تحتاج إلى التحقيق في أمر ما، فإنك تذهب إلى الباحث.
ولكن في أسواق اليوم، ليست الشركات الأذكى بالضرورة هي التي تتفوق في الإنتاج على منافسيها. بل هي الشركات التي تتفوق عليهم في التفكير. وعلى الرغم من وجود عدد كبير من الأدوات التي تساعدنا في فهم ما "يفعله" فريقنا بسرعة، فإنه من الصعب معرفة كيف "يفكر" هذا الفريق. وقد أظهرت الأبحاث أن الطريقة التي يفكر فيها أعضاء الفريق معاً هي العنصر الأهم في تقرير مستوى أداء هذا الفريق.
ونحن نقترح ألا يكون لأعضاء الفريق مجرد أدوار يُكلّفون "بتأديتها"، بل يجب أيضاً تعيين أدوار لهم "للتفكير".. إذا كان كل عضو في الفريق يعرف كيف يفكر الأعضاء الآخرون في هذا الفريق وكيف تفكر المؤسسات الأخرى، وإذا كان الآخرون يعرفون أيضاً كيف يفكر هذا العضو، فسيكون كل هؤلاء الأعضاء أكثر حماساً وتفاعلاً وإبداعاً وإنتاجية.
لا شك أن أحد جوانب التعاون هو تحقيق الانسجام في العمل بين الناس. ولكن هناك جانب آخر ضروري لا يقل أهمية، وهو تحقيق الانسجام في طريقة التفكير بين هؤلاء الناس.
إذاً، كيف تقيّم طريقة تفكيرك وطريقة تفكير فريقك؟ هناك أطر معمول بها تساعدك في تحديد طريقة تفكيرك الشخصية أو كيف يمكنك التأثير في الآخرين مباشرة. لكننا لم نعثر على أي اختبارات بسيطة تساعد الناس في التواصل والترابط والتعاون بناءً على طريقة تفكيرهم. وبالتالي بعد محاولات وتجارب مشتركة كثيرة تعتمد على مبدأ التجربة والخطأ، طوّرنا منهجية مؤلفة من 3 خطوات تساعد في تقديم نتائج عملية وذات مغزى.
التركيز. الخطوة الأولى هي تحديد الأشياء التي ستركز عليها في تفكيرك ضمن سياق أو وضع معين. ما الأشياء التي تركز عليها أكثر، هل هي الأفكار أم العمليات أم الإجراءات أم العلاقات؟ على سبيل المثال، عندما تتأمل في يومك في الصباح وتحاول التخطيط لما سيحدث خلاله، هل تميل عادة إلى التفكير في المشكلات التي ستحلّها، أو الخطط التي ستضعها، أو الإجراءات التي ستتخذها، أو الناس الذين ستراهم؟
لا يتعلق الأمر هنا بخيار واحد فقط مع استبعاد للخيارات الأخرى. وإنما يتعلق بالمجال الذي ينصبّ تركيزك عليه بشكل طبيعي. الأمر هنا مشابه لما يحصل معك عندما تحاول اختيار الفيلم الذي تريد مشاهدته أو الكتاب الذي تريد قراءته. فهل تركز على التشويق أو الرومانسية أو الدراما أو الأشياء البوليسية؟
التوجه. الخطوة التالية هي تحديد ما إذا كان توجّهك ضمن ذلك السياق هو على الصورة الكلية أم على التفاصيل الدقيقة. وإذا كنت بحاجة إلى مساعدة في تحديد توجّهك الحقيقي هنا، فإن الطريقة الأفضل لفعل ذلك هي التفكير في الأشياء التي تزعجك أكثر خلال الاجتماعات. فهل أنت أكثر ميلاً إلى التذمّر من أنك مضطر إلى الخوض في وحول التفاصيل، أم أنك تتضايق من أن الأمور عمومية جداً وتفتقر إلى ما يكفي من التفاصيل المحدّدة؟
إن هذه الأبعاد تكمل الشخصية والمهارات والأدوار التقليدية. فبعض قادة المشاريع أكثر ميلاً إلى التركيز على العملية، في حين يميل مدراء آخرون إلى التركيز على الناس. والبعض منهم يركّز على الصورة الشاملة، بينما يركز البعض الآخر على التفاصيل.
أما الخطوة الثالثة، فهي الجمع بين هذين البعدين ورؤية أسلوب التفكير الذي ينجم عنهما في أي سياق أو وضع يقع اختيارك عليه.
على سبيل المثال، بالنسبة للأشخاص الذي يرّكزون على الصورة الكبيرة أو الوضع الإجمالي:
- المُستكشف هو صاحب التفكير الذي يولد الأفكار المبدعة.
- المُخطط هو صاحب التفكير الذي يصمم أنظمة فعالة.
- المحفّز هو صاحب التفكير الذي يحشد الناس ويحفزهم على العمل.
- البارع في العلاقات الاجتماعية هو صاحب التفكير الذي يبني العلاقات بين الناس ويعززها.
أما بالنسبة للأشخاص الذين يركزون على التفاصيل:
- الخبير هو صاحب التفكير الذي يسهم في تحقيق الموضوعية ويقدم الآراء الخبيرة.
- المثالي هو صاحب التفكير الذي يفكر في كيفية تحسين الإنتاجية وزيادة الكفاءة.
- المُنتج هو صاحب التفكير الذي يسهم في استكمال الأشياء وفي ضمان الزخم.
- المُرشد هو صاحب التفكير الذي يساعد الناس في تطوير ذواتهم وتحقيق طاقاتهم الكامنة.
عندما تتمكن من تقييم طريقة التفكير وتعرف ما هو أسلوبك في التفكير، فإنك ستعرف ما الذي يحفزك بشكل طبيعي، ولماذا تعتبر بعض أنواع المشاكل مملة أو مليئة بالتحديات بالنسبة لك، وما الذي بوسعك فعله لتحسين نفسك في المجالات التي تهمك من أجل الوصول إلى أهدافك.
وعندما تحدد أسلوبك في التفكير، فإن ذلك يساعدك في مشاركته مع الآخرين، وأن يشاركك الآخرون أساليبهم. وبهذه الطريقة، يصبح أسلوبك في التفكير أداة مفيدة للفريق، أو ما يمكن وصفه مجازاً بعبارة "العملة الاجتماعية". تخيّل، على سبيل المثال، أنك تحاول تأليف فريق للعمل على مبادرة جديدة. ألا ترغب في معرفة أي عضو من أعضاء الفريق يشعر بالتحفيز الكبير جرّاء النقاشات الدائرة حول الاستراتيجية العامة والصورة الكبيرة، ومن سيحبط من هذه النقاشات؟ ومن يحب العمل على التفاصيل التنفيذية للمبادرة؟ ومن هو الشخص الذي يشعر بتحفيز كبير جراء إدارة ديناميكيات الفريق؟
تقييم طريقة التفكير
في أحد الأمثلة الواقعية، طلبت شركة من أعضاء فريق الإدارة بأكملهم تحديد أساليب التفكير الموجودة لديهم بصفتهم قادة ومدراء. وعندما نظروا إلى الخريطة وإلى النتائج، أدركوا أن لديهم الكثير من الناس الذين يركزون على الصورة الكبيرة. فقد كان لديهم الكثير من المستكشفين ومن الناس الذين يركزون على الإجراءات (المُحفزين والمُنتجين)، لكن لم يكن لديهم الكثير من الناس الذين يفكرون في العملية (المُخططين والمثاليين). وقد كان الفريق بارعاً في طرح الأفكار الكبيرة وفي حشد الجميع للتحرك والتصرف، لكنهم كانوا ضعيفين في العمل على التفاصيل وفي جعل الأمور تسير بكفاءة.
ونتيجة لهذه المعلومات التي توصلوا إليها، بدؤوا يمنحون مجالاً أكبر أمام الأشخاص الذين بدا أن تركيزهم على التفاصيل مصدر إزعاج للمستكشفين والمحفزين الذين يركزون على الصورة الكبيرة. كما أنهم أدخلوا تعديلات على ثقافة العمل واستراتيجيات التوظيف لخلق أسلوب تفكير أكثر توازناً وتنوعاً.
وعلى المستوى الفردي، كانت هناك إحدى المديرات التي عملت دائماً ضمن بيئات غنية بالأفكار، وتحديداً في مجال الاستشارات والتسويق. ولكن بعد أن حددت أسلوبها في التفكير، أدركت بأنها كانت تشعر بتحفيز أكبر جرّاء العلاقات أكثر من التحفيز الذي تمنحها إياه الأفكار. وكانت تميل إلى تفكير الشخص "البارع في العلاقات الاجتماعية" منه إلى تفكير المُستكشف. وقد استعملت الأفكار لتوطيد العلاقات مع الآخرين، عوضاً عن استعمال العلاقات لتعزيز الأفكار. وقادتها هذه الفكرة إلى تحويل تركيزها في عملها نحو إدارة العلاقات مع الزبائن وتطوير الأعمال، الأمر الذي أدى إلى مستويات أعلى من الطاقة والإدارة.
لا شك في أن بيئة العمل تشهد تغيّرات سريعة حالياً، ويتعين علينا تقييم طريقة التفكير والعثور على طرق جديدة أفضل للتواصل والتفاعل مع الآخرين. إننا جميعاً نطمح إلى أن نعمل بشكل أفضل مع الآخرين، لكن التحدي يكمن في ترجمة هذه الفكرة على أرض الواقع. وبالتالي، فإن فهم عملية التعاون من منظور "التفكير" وليس من منظور "الفعل" هو خطوة عملية وقوية إلى الأمام.
اقرأ أيضاً: